شرق أوسط جديد مزيد من الاحتلال والتغلغل في المنطقة.
بقلم/ أحمد النهام
نشر منذ: 5 ساعات و 27 دقيقة
الجمعة 18 أكتوبر-تشرين الأول 2024 07:49 م
  

هذه العبارة، التي باتت نذير شؤم للعرب، كانت في فترات سابقة العبارة البراقة التي يتخفى خلفها وجوه الاستعمار. فكل من بشّر بشرق أوسط جديد هم من مزقوا الشرق الأوسط، بل هي ذريعة الاستعمار المباشر في كل مرة يفشل فيها الاستعمار في تحقيق أهدافه الطامعة. يلجأون إلى استخدام القوة كوسيلة لإخضاع الشرق وإذلال سكانه، خصوصاً العرب. 

 

ولكن لا بد من جذور لهذه العبارة المشؤومة التي يروج لها المحتلون، وينساق خلفها رعاع الوطن العربي الطامعون في السلطة في كل. 

 

تصعيد متدرج وصولاً إلى إعلان نتنياهو 

 

1- 1993م  

أول من بشّر بهذه العبارة كان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ووزير خارجيته في منتصف التسعينيات، تحديداً في عام 1993م، في سياق اتفاقية أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان يقول إن السلام في المنطقة سيفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وإقليمي يعزز الازدهار والتنمية. 

 

2- 2004م

عادت الفكرة مرة أخرى على لسان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في عام 2004م بعد احتلاله للعراق وإسقاط نظام صدام حسين. وقد جاء هذا المشروع كمبادرة سياسية تهدف إلى نشر الديمقراطية والإصلاحات السياسية والاقتصادية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كان الهدف المعلن هو دعم التحول الديمقراطي وتعزيز التنمية الاقتصادية، مع التركيز على مكافحة التطرف وتعزيز حقوق الإنسان. وكان المبشر بها هو من دمر العراق. 

 

3- 2006م

مرة أخرى جاءت على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان. رايس أشارت إلى أن هذه الحرب تشكل "مخاض ولادة شرق أوسط جديد"، وهو ما فسره الكثيرون بأنه محاولة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة عبر تفكيك بعض الأنظمة القائمة وإعادة ترتيب موازين القوى، بما يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

 

ثم بعد ذلك كانت الفكرة تعود للواجهة، ولكن ليس بطرق مباشرة حسب التسلسل التالي: 

 

1- الربيع العربي (2011):

 

مع اندلاع ثورات الربيع العربي في عدة دول مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا، بدأت تظهر تكهنات حول إعادة تشكيل "الشرق الأوسط". كان هناك حديث عن أن هذه الثورات قد تؤدي إلى بناء نظم سياسية جديدة في المنطقة تقوم على الديمقراطية والحريات. ومع ذلك، انتهى بعضها إلى حروب أهلية أو عودة للأنظمة الاستبدادية، مما أضعف آمال حدوث تحول جذري في المنطقة. 

 

2- صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش):

 

مع صعود تنظيم داعش وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا بين عامي 2014 و2017، عاد الحديث حول احتمال إعادة رسم الحدود السياسية للمنطقة. كانت هناك مخاوف من تقسيم الدول إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وعرقية، وهو ما أطلق عليه البعض "خريطة جديدة للشرق الأوسط". 

 

3- اتفاقيات التطبيع (2020-2021):

مع توقيع بعض الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل (اتفاقيات إبراهيم)، عاد الحديث مجدداً عن "شرق أوسط جديد". هذه الاتفاقيات طرحت رؤية جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي بين إسرائيل وبعض الدول العربية في ظل دعم أمريكي قوي. تم تصوير هذه الاتفاقيات من قبل الداعمين لها كخطوة نحو شرق أوسط أكثر استقراراً وتعاوناً، خاصة في ظل التهديدات المشتركة التي تواجهها هذه الدول، مثل إيران. 

 

وأخيراً، تصريح نتنياهو بعد أحداث حرب غزة في 2024م

عندما قال: "نحن في إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد"، بعد إعلان الحرب على شمال لبنان واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. 

 

ختاماً

 

في كل مرة يتم الإعلان فيها عن تشكيل الشرق الأوسط من جديد، لا يجني الشرق الأوسط إلا مزيداً من التقسيم والاحتلال والتجزئة، وفي كل مرة تأتي أعنف من سابقتها. ففي عام 1993م تم تحييد منظمة التحرير الفلسطينية من مقاومة الاحتلال بعد توقيع اتفاقية أوسلو. وفي عام 2004م شهدت العراق مزيداً من الفرقة، وسيطرة المذهبية، والطائفية، وتدهور الأوضاع السياسية، والاقتصادية. وفي عام 2006م بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان.

 

وفي عام 2011م شهدت المنطقة العربية ثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث أدت إلى تدمير اليمن، وسوريا، وليبيا، وتونس. 

 

وحالياً، بعد إعلان نتنياهو عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد في 2024م، سيكون لهذا الإعلان آثاره المدمرة على المنطقة والضربة القاضية، الأعنف من كل ما سبق. فمن المحتمل أن تشهد المنطقة تدخل واحتلال إسرائيل لأراضٍ عربية جديدة مثل جنوب لبنان وأجزاء من سوريا، مستغلةً حنق الشارع العربي على حركات المقاومة، وبالأخص حزب الله في لبنان والنظام السوري في سوريا، لتبرير توغلها. 

 

وقضاؤها على أغلب قيادات حركات المقاومة مثل إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، ومحمد الضيف، وقد حدد الجيش الإسرائيلي أهدافاً لم تتحقق بعد، مثل اغتيال زعيم جماعة أنصار الله في اليمن (الحوثيين) السيد عبد الملك الحوثي. مما يعني تصفية التيار المقاوم للكيان الصهيوني وبقاء فقط من تعدهم إسرائيل من حلفائها، ما يسميه نتنياهو "محور السلام".

 كخطوة أخيرة لتصفية القضية