سويسرا ضحية أم شريك للكذبة الكبرى " الديمقراطية اليمنية " ؟
بقلم/ كاتب/لطفي شطاره
نشر منذ: 18 سنة و شهر و 28 يوماً
الثلاثاء 19 سبتمبر-أيلول 2006 07:16 م

" مأرب برس - خاص "

بينما اليمن على بعد ساعات من الانتخابات التي يروج لها النظام بأنه صاحب السبق العربي في تطبيقها عربيا رغم أن كل يمني يعلم جيدا بأنها احتفالات كرنفالية ببذخ السلطة لتكريس ديكتاتورية الحزب الحاكم ورئيسه .. وفي الوقت الذي تحدث فيه الرئيس علي عبد الله صالح كالطاؤوس أمام الصحفيين في قصره بصنعاء يعدد الانجازات التي حققها في الطرقات والقضاء على الأمية كما ادعى .. هناك شباب يمنيين فروا من جنة النظام في اليمن كما يقول إعلام الحزب الحاكم ، وقابعين اليوم في السجون السويسرية وآخرين فارين في مدنها من ملاحقة الشرطة لترحيلهم بعد أن قضوا سنوات طويلة في انتظار الرد على طلبات اللجوء التي تقدموا بها . 

فخلال ساعات بقائي في مطار جنيف في طريق عودتي من سويسرا إلى مقر إقامتي في العاصمة البريطانية لندن ، بقيت أفكر و أتعذب على مآسي عشرات اليمنيين من طالبي اللجوء السياسي الذين زرتهم في مقاطعاتهم المترامية الأطراف ، سمعتها من شباب يمنيين هربوا تاركين بلادهم بحثا عن ملاذ آمن للاستقرار والبحث عن كرامة افتقدوها في بلادهم .. الغربة عذاب ويزيدهم عذابا ممارسات السلطات السويسرية لهم ، إما في تجاهل طلباتهم لسنوات طويلة ، او في ملاحقتهم لترحيلهم الى بلادهم وبقسوة يصعب تصديقها ، وللأسف الشديد يتم ذلك بالتعاون مع سفارة بلادهم وهذا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئ الفار من بلاده لأي سبب كان ، فكيف تقدم السلطات السويسرية قوائم بأسماء اللاجئين اليمنيين الى سفارة بلادهم التي ترسلها إلى أجهزة الأمن السياسي ( الاستخبارات ) في الداخل كما حسب قول بعضهم والذين أعطوني وثائق تؤكد هذا التعاون السري، وهذا خرق صريح لكل الاتفاقيات الدولية لحماية اللاجئين سنفضحه كمنظمة على العالم قريبا .. وهنا تكمن الكارثة لهؤلاء الشباب الذين لا يريدون العودة لأسباب ندركها جميعا ونرى ممارساتها في اليمن كل يوم ألا وهو الخوف من بطش نظام العسكر في اليمن الذي يكذب على العالم بديمقراطية علنية ويمارس إرهابا ضد مواطنيه بصورة سرية . أصبحت انا الذي أترأس أول منظمة حقوقية لليمنيين جميعا في ارويا ، ورغم أن بقائي في الخارج لم يكن بسبب البحث عن اللجوء ، أتردد كثيرا من العودة إلى وطني لأني أحس وكأني مجرم من رعب نظام العسكر في اليمن الذي زرع الخوف في قلوب مواطنيه بدأ من بوابات المطارات .. حتى أصبح كل مواطن متهم في اليمن إلى ان يثبت ولاؤه للرئيس وحزبه الفاسد.. كل مواطن هو عميل للخارج حتى يثبت نفاقه للرئيس وحزبه .. الوطن صار سجنا كبيرا ، وتحولت مدنه التي تعج بالعسكر والمعسكرات الى سجن مفتوح ، صار وطنا للرعب والخوف من المخبرين ورجال الأمن الذين أصبحوا في كل مؤسسة وفي كل مكتب ، وهو النظام الذي أعلنه الرئيس قبل شهرين وبشكل علني أمام دفعة من الخريجين في الكلية العسكرية قبل شهرين أن الأمن يجب أن يكون في كل مؤسسات الدولة .. أليس اعترافا كهذا بأن الوطن أصبح يتلخص في شخص الرئيس وبنظامه العسكري فقط ، فلماذا يكذبون بالديمقراطية على العالم في كرنفالات التهريج التي نعرفها جميعا . نعلم جميعا أن السجون اليمنية تعج بالأبرياء الذين لم يقدموا للمحاكمات ، ونعلم جميعا أن القتلة طلقاء دون أن يطلهم القانون الذي لا يطبق الا على الأبرياء لترهيبهم وإرهابهم من قبضة السلطة وبطشها . من سويسرا يأتيك النبأ اليقين التي صدقت كذبة الديمقراطية اليمنية وحقوق الإنسان فيها ، حتى أصبحت تستخدم هذه الشعارات التي تروج لديمقراطية اليمن التي يقف خلفها قتلة ألحامدي وتشويه جثته في قلب العاصمة صنعاء ، وطفلة الخيسة التي قتلها عسكري ولا يزال طليق ، والسوكة الذي قتله عسكري أمام محكمة عدن ولا يزال طليق ، الحنكي واحمد مسعود اللذان قتلهما أحد أفراد الحرس الجمهوري في عدن ولا يزال طليق أيضا .. هذه هي الديمقراطية اليمنية التي يروج لها إعلام يدار من داخل دائرة التوجيه السياسي والمعنوي وهي مؤسسة عسكرية كما نعلم جميعا ، تسوق للديمقراطية اليمنية على طريقة العسكر والمخبرين، وتتغاضى عن جرائم أقترفها العسكر والمخبرين أيضا .. أليست الديمقراطية اليمنية التي يجب أن تعرفها الحكومة السويسرية بحقيقتها قبل أن تتعامل بهذه القسوة ضد اللاجئين اليمنيين وتطاردهم وكأنهم مجرمين وقتله او مهربين للمخدرات حتى تزج بهم في سجونها قبل أن ترحلهم بالقوة وبقسوة كبيرة بالتعاون مع سفارة بلادهم وبوثائق مؤقتة ، وتقوم بذلك امرأة سويسرية هي أرملة ليمني وتعمل هناك كمعرف للسلطات السويسرية من داخل مبنى القنصلية اليمنية كما قيل لي من قبل الكثير من الشباب الغاضب من تصرفاتها الفجة ضدهم.. الديمقراطية اليمنية التي لا تعرفها الحكومة السويسرية هي التي يقف وراؤها عملية إخفاء الآلاف من المفقودين من حرب 94 ومن حرب صعده الذين اختفوا بسبب اختلافهم مع النظام وبدون أن تقدم السلطة تبريرا لاختفائهم. من يزور سويسرا سيصاب بالصدمة عن أوضاع اليمنيين فيها الذين لم يحصلوا على إقامة في ذلك البلد رغم أنهم قضوا فيها لفترة تطول عن السنوات الخمس ، ومنهم من تجاوز عقد من الزمن دون ان يحصل على تصريح بالإقامة رغم أنه رزق بأولاد ولدوا في سويسرا، بل وما يزال مهدد بالترحيل منها في أي لحظة .. من سويسرا التي تعيش حكومتها وبعض صقور التعصب ضد الأجانب فيها ، كذبة أن اليمن بلد ديمقراطي حر كمبرر لملاحقة اللاجئين اليمنيين رغم وجود عريضة كتبها مجموعة من اليمنيين هناك ووزعت الى المؤسسات الحقوقية والى الحكومة السويسرية تؤكد مقتل ثلاثة يمنيين في ظروف غامضة بعد عودتهم الى اليمن ، وهم من الذين رحلتهم سويسرا قصرا إلى اليمن ، وكشفت الوثيقة أيضا أسماء هؤلاء الشباب الذين تتحمل مسؤولية قتلهم الحكومة السويسرية لأنها أعادتهم إلى نظام بوليسي مغلف بثوب الديمقراطية ويتزين بشعارات حقوق الإنسان . في سجون سويسرا شباب يمنيين قابعين فيها لأشهر عديدة في انتظار ترحيلهم ، وحسب ما سمعت من روايات عدد من ممن التقيت بهم هناك أن أحدا منهم لم يقف أمام قاضي او في محكمة للدفاع عن قضيته كما يحصل في كل البلدان الأوربية التي يتقدم فيها طالب اللجوء ، كل الإجراءات تتم بالمراسلة فقط وعبر محامين يدافعون عن توجهات الحكومة لا عن الظروف التي أجبرت اللاجئ للهروب من بلاده ، وفي هذا تعدي صريح من قبل الحكومة السويسرية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللمادة العاشرة منه والتي تنص ( لكل إنسان الحق ، وعلى قدم المساواة التامة مع الآخرين ، في ان تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه ) ، وهذا ما لم تطبقه الحكومة السويسرية في تعاملاتها مع اللاجئين اليمنيين بل وتنتهك حقوقهم التي منحها لهم الإعلان العالمي والذي وقعت عليه الدولة السويسرية ، سنوات يرمى فيها اللاجئ في طابور الانتظار للبث في قضيته ، تصل في كثير منها الى 10 سنوات ويأتيه بعد ذلك الرفض والترحيل .. كنت أعتقد أن الدول الديكتاتورية هي التي تنتهك وتحط من كرامة الإنسان حتى صدمت بما يجري في سويسرا ، فهي ليست الجنة التي يتخيلها البعض بالنسبة لطلب اللجوء اليها ، والتزاماتها بالمواثيق الدولية تحركها سياسات الحكومات المنتخبة التي تصعد إلى الحكم على أوراق القضايا الداخلية ، ومنها قضية الهجرة وتدفق اللاجئين ، وبعد يومين سيطرح أمام الشعب السويسري قانونا للتصويت يقضي بوقف جميع المساعدات المالية التي تمنحها الدولة للاجئين في حال رفضت السلطات الفيدرالية منح اللجوء لأي طالب له وجعله يتدبر نفسه في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية ، وهذا الإجراء يعني أن يغادر الشخص الذي يرفض طلبه طواعية وعلى نفقته الخاصة ، الحكومة السويسرية تريد أن تجعل من تصويت الشعب على قانون كهذا رغم ان جمعيات حقوقية سويسرية كثيرة ترفضه جملة وتفصيلا .. الإنسانية السويسرية التي تعبر عنها القوانين الحكومية هناك تجعل اللاجئين اليمنيين ملاحقين من عنصرية البوليس الذي يستخدم العنف ويحط من كرامتهم ويزج بهم السجون بحجة قرارات ترحيلهم التي تصدر مخالفة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولحقوق اللاجئين . لو كانت هناك كرامة للمواطن اليمني أو حقوق لأدميته في بلاده لما تحمل هؤلاء الشباب مشقة السفر وأعباءه ، ولما تحمل مواطن مثل ياسر عبد الله علي الشرماني الذي تلاحقه الشرطة السويسرية وأسرته وحتى طفلته التي ولدت في لوجانو القريبة من الحدود الايطالية ، لا لذنب أقترفه ولكن لان قضيته رفضت من السلطات وعليه مغادرة البلاد .. هذه هي إنسانية سويسرا التي تحمي الزعماء اللصوص الذين يكدسون أموالهم في بنوكها وبالتأكيد منهم مسئولين يمنيين يمتصون أموال الشعب الذي يواجه أحدهم وهو الشرماني والأخوان العريقي الذين اتهموا بقضايا إرهابية ولم يثبت عنهم ذلك وبرأتهم المحاكم من هذه التهمة ، ومع هذا يواجهان الترحيل من البلاد.

سويسرا التي تؤمن ملاذا آمنا لمصاصي أموال الشعوب الفقيرة وناهبيها كما اشتهرت بنوكها بذلك ، تلاحق الأبرياء من اللاجئين وبقسوة عالية وبلا رحمة ولا إنسانية حتى للأطفال الذين ولدوا هناك ولا علاقة لهم باليمن .. هذه المآسي التي رصدتها منظمتنا ( المنظمة اليمنية لمراقبة حقوق الإنسان – يهرو - ) بعد جولة في المدن السويسرية ، وسنقاومها سلميا وعبر مظاهرات احتجاج أمام منظمة العفو الدولية والسفارة السويسرية في لندن ، لنفضح نظامين يدعون الديمقراطية وحقوق الإنسان وهما ينتهكانه وبشكل مقزز .. اليمن التي لا تحترم حقوق أبناءها وتمارس كذبا على العالم بديمقراطيتها وانتخاباتها وإعلامها الذي يكرس الكذب السياسي على الخارج لمعاني الحرية راحت ضحيته سويسرا التي اعتقدت أن اليمن واحة آمان في العالم العربي .. وسويسرا التي وحسب روايات كل من التقيت بهم من المهاجرين اليمنيين تمارس ضدهم أبشع أنواع التمييز والتفرقة العنصرية ، بل ومنزوعة الرأفة حتى بحقوق الأطفال الذين ولدوا على أراضيها تحت مبررات حماية وتطبيق قوانينها لمنع تدفق اللاجئين .. بهذه الممارسات ضد اليمنيين تكون سويسرا ضحية أم شريك للكذبة الكبرى " الديمقراطية اليمنية " ؟ .. أعتقد أنهما شريكان في إهانة المواطن اليمني والحط من كرامته .. داخل اليمن التي تسوق لعبة الديمقراطية وأكاذيب حقوق الإنسان ، وخارجه عندما تصدقها دولة مثل سويسرا تشكك في أقوال اللاجئين اليمنيين ، ولا تشكك من مصادر الأموال التي تتكدس في بنوكها ، التي يهربها فاسدي السلطة في اليمن ويدفع ضريبتها اللاجئين في سويسرا . 

مشاهدة المزيد