يا قبيلي ما هكذا تورد الإبل
بقلم/ د. هاني التميمي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر
الخميس 19 مايو 2011 07:46 م

بداية أشكر وأثمن عالياً الموقف المسؤول لموقع مأرب برس لسرعة حذفها الخبر الذي أورد كلاماً لأخينا الشيخ عبدالغني عبد الله العوش، وهو أحد أبرز مشايخ سنحان وبلاد الروس، حيث قال بأن الاسم الحقيقي للرئيس صالح، والذي ظل يخفيه عن اليمنيين طوال سنوات حكمه، هو علي عبد الله صالح عفاش الدِم (بكسر الدال وتشديدها) مشيراً إلى أن هذا اللقب أخفاه صالح لأنه يرجع إلى أصول منحطة وفقاً للتراتبية القبلية المعروفة بين القبائل في اليمن، كما نفى العوش أي صلة للرئيس صالح ببيت الأحمر لا من قريب ولا من بعيد، وقال بأنه ليس من قبيلة الأحمر في خارب ولا في حاشد.

بهذه الكلمات المقززة واللغة المتعجرفة ظن الشيخ العزيز بأنه سيحجز تذكرة عبور لشاطئ الثورة والثوار، وما علم - هداه الله- أن هذه الثورة الطاهرة ما قامت ضد صالح إلا لفساده وطغيانه وبغيه، وأن هؤلاء الثوار الأحرار ما انتفضوا إلا ضد تغول القبيلة وسيطرتها على مفاصل التأثير والقرار حتى صارت البلد هي القبيلة والقبيلة هي البلد، يا عزيزي الشيخ العوش إننا لم نثور على الرئيس صالح لأنه من قبيلة الأحمر أو لأنه من أصول منحطة، وكأن الجينات الوراثية لصالح لو كانت نسبتها صحيحة لآل الأحمر لملأ اليمن عدلاً وتنمية ورخاء، وكأن عتاب المنيعي عندما صرخت صرختها التي حطمت قلوبنا وأذرفت دموعنا ما صرخت ضد صالح إلا لأنه يدعي النسب الرفيع الذي جردته منه، والله إنها (عتاب) صرخت برحيل صالح لأنه قتل أبوها المواطن المسكين الضعيف الذي أرتقى مراقي الشهادة فكان أطهر وأرفع من مليون من أمثال صالح السفاح من أصحاب النسب الـ ( VIP ).

أين أنت أيها الشيخ العوش منذ 33 سنة لتخبرنا بهذه المعلومة الخطيرة، أين كنت أنت وغيرك من أصحاب النسب العالي، يا من تتبرؤون من أصحاب الأصول المنحطة كما تدعي، إنك بطرحك هذا وقعت بحسن نية بين خيارين أحلاهما أمر من الحنظل، فأنت إما أن تكون صادقاً فيما قلت وحينها ستكون أنت ومن خلفك جبناء وخائنون لأمتكم كونكم كتمتم عن الشعب اليمني معلومة بهذا المستوى الخطير طيلة عقود من الزمن، والاحتمال الآخر أن تكون مخطئاً فيما قلت وحينها ستكون طاعن في نسب الرجل ومعروف وزر وإثم الطعن في الأنساب في ديننا الحنيف، فأختر لنفسك أياً من البلوتين اللتين صنعتهما لنفسك، بل حتى أكون أكثر دقة إن البلوتين قد صنعتهما سنوات عجاف مارس فيها نظام الصالح سياسة التجهيل وقلب الموازين وإفساد كل ذائقة سوية.

يحمل التاريخ السياسي الحديث لليمن تجربتين سياسيتين جديرتين بالرصد والاستفادة من أخطاءهما في التعامل مع المنظومة القبلية، التجربة الأولى كانت مطبقة في جنوب البلاد حيث مارس نظام الحكم في الجنوب سياسة متطرفة وسادية مع القبيلة، ولم يكتفى ذلك النظام الشمولي بمحاربة رجال القبائل وشيوخها، بل امتدت حربه الضروس لتمحو كل ما يمت للقبيلة بصلة حيث تمادى النظام في حربه على القبيلة ليشمل حتى القيم الجميلة والأخلاق الرفيعة التي تنتمي للثقافة القبلية، فبدلاً من أن يعمل النظام على صهر القبيلة في منظومة الدولة قام بمحو وطمس كل ما يمت للقبيلة بصله، وعلى النقيض من ذلك تماماً في الجهة المقابلة سعى النظام السياسي في شمال الوطن إلى تكريس نمط غريب لشكل الدولة حيث تحولت بوصلة منظومة الحكم نحو قبله القبيلة، فصارت القبيلة هي الدولة والدولة هي جزء من القبيلة، وهذه الصيغة ظلت قائمة في معظم الحكومات اليمنية منذ قيام ثورة سبتمبر باستثناء تجربة الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي الذي قاد مشروعاً في سبعينات القرن الماضي حاول فيه تخفيف نفوذ القبائل في الدولة وتقوية السلطة المركزية وخاض واحدة من أندر وأهم محطات الصراع السياسي بين القبيلة والدولة انتهت باغتياله لتعود بعد ذلك صيغة التعايش بين القبيلة والدولة بشروط القبيلة ومصالحها.

واليوم نلحظ بجلاء أن أهم دعائم الفساد وأحد أهم معوقات نهوض البلاد مستقبلاً هو استقواء المؤسسة القبلية وتغولها وسيطرتها على مفاصل التأثير في القرار السياسي والنشاط الاقتصادي، وعليه فمن الطبيعي أن تكون من أهم أهداف هذه الثورة الطاهرة هي عودة المؤسسة القبلية إلى موضعها السليم الذي نحترمه ونكن له كل تقدير وإجلال.

لا أقول هذا الكلام من باب العداء لمؤسسة القبيلة فأنا ابن قبيلة أعتز بها وأتشرف بالانتساب لها، ولست أهدف بهذا المقال الهجوم على المنظومة القبيلة وتصوير وجودها على أنه المشكلة، بل على العكس تماماً، وجود القبيلة هو الطبيعي، حيث أن القبيلة اليمنية مثلت كياناً تميز بالكثير من الرسوخ والأعراف والقيم، وهي كانت ولا تزال من أكثر مكونات المجتمع تأثيراً وتميزت بقدرتها على التطور والتكيف مع المتغيرات كما أسهمت في تماسك المجتمع وحفظ هويته وموروثه الحضاري على مدى قرون، لكن المشكلة تكمن في تحويل الانتساب القبلي إلى معيار من أهم معايير تقييم صلاحية فلان من الناس ليكون مسؤولاً أوحاكما.

 وعلى ذكر مؤسسة القبيلة وكون الشيء بالشيء يذكر لا أنسى هنا أن أعرج على الأخت الشقيقة لمؤسسة القبيلة، إنها المؤسسة العسكرية، فلا أحتاج أن أعيد ثانية ما ذكر أعلاه، فكثير مما ذكر ينطبق عليها أيضاً، فللمؤسسة العسكرية اليمنية كل ودنا واحترامنا فهي صمام الأمان للبلاد والعباد، ومن كمال هذا الاحترام أن نعيد هذه المؤسسة الوطنية إلى موقعها السليم ووضعها الصحيح، بحيث تكون تاجاً على رؤوسنا وخادمة لمصالحنا وأمننا.

إننا نذكر كل من انظم لثورة الشباب من القيادات القبلية والعسكرية وتعهد بأن يكون خلفها وحامياً لها، نذكرهم جميعاً (ولهم منا كل الشكر) بأن هذه الثورة قام بها أطهر شباب اليمن وقدموا في سبيلها دمائهم رخيصة ليحكمنا ويتولى أمرنا من استوفى شروط الكفاءة والعدالة كائناً من كان، ولا أريد أن أذهب بعيداً لأستدل بأقوى دولة على وجه البسيطة اليوم ترتعد عند ذكر اسمها فرائص أعلى قائد عسكري وأكبر شيخ قبيلة، حيث يحكم هذه الدولة رجل أختاره أبناء شعبه وما عابه قط كون جدته لا تزال حتى اليوم تسكن في أدغال كينيا، لست مضطراً لسوق هذا المثال فقد قالها معلمنا المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي: ((ولو كان عبداً حبشياً)).