مؤتمر الحوار الوطني بين الثورة السياسية والثقافية
بقلم/ أنور عبدالله السبيت
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
الأربعاء 06 يونيو-حزيران 2012 07:11 م

تنشغل معظم القوى الوطنية الرسمية والسياسية والاجتماعية هذه الأيام ، بما فيها فئة الشباب ـ رغم أنه لا يجب تصنيفهم من وجهة نظري كقوة مستقلة أو منفصلة بحد ذاتها لأسباب ليس محل بحثها الآن ، ينشغل الجميع بمسألة التمثيل في ما أُسمي بمؤتمر الحوار الوطني ، وتحرص القوى الداعية لهذا المؤتمر على أن تكون جميع القوى الوطنية ممثلة فيه وبالطبع قبلها الإقليمية والدولية. يتضح ذلك جلياً من خلال الزخم الإعلامي الكبير الذي وُظف لخلق رأي عام إيجابي تجاه هذا المؤتمر والإيحاء للعامة بأنه طوق النجاة للخروج من أزماتنا ، وأن الوطن إذا لم يجر هذا الحوار في هذا المؤتمر فإن مصيرنا مجهول في أحسن الأحوال إن لم نُهدد بأننا سوف ندخل في حروبٍ طاحنة وحرب أهلية لها بداية ليس لها نهاية ، هذا التعاطي الإعلامي ذكرني بإسلوب السلطة السابقة وزعماء السبعينيات والستينيات في القرن الماضي تجاه قضية يريدوا تمريرها على الشعب ضمن برنامج معد مسبقاً لتخدير وترويض الشعب في الإتجاه الذي يجعله مذعناً ومنقاداً لأي قرار أو أي تصرف يصدر من قائده وملهمه ، أو لنقل المتحكم بأمره ، مما يجعلني أشكك مسبقاً بأي فائدة مرجوة يمكن أن تخرج لهذا الوطن المغلوب على أمره بفعل سطحية وضعف وانقياد قواه السياسية من هذا المؤتمر أو من غيره أو حتى حكومته الحالية أو الحكومات اللاحقة إن استمر طبيعة ومستوى تفكير من يحكم أو بالأحرى يتحكم باليمن في هذه الآونة بهذا الشكل.

وأظنني أعلم سبباً بل أسباباً للحرص الزائد و المبتذل والمبالغ فيه بأن تُمثل جميع القوى الوطنية بما فيهم الشباب في مثل هكذا مؤتمر. سؤال يوجه إلى القوى الداعية لهذا المؤتمر هل يعني عدم وجود من يمثل الحراك الجنوبي ، على سبيل المثال عدم بحث المشكلة الجنوبية وبالتالي عدم إيجاد الحلول الطبيعية لها من قبل القوى السياسية الرسمية وممن هو متحكم بصناعة القرار السياسي في اليمن ، وسيخرج المؤتمر الوطني بلا حل للقضية الجنوبية لأن الإخوة في الجنوب لم يحضروا مؤتمر الحوار الذي دُعوا إليه؟!.وهكذا بقية القضايا والمشكلات الوطنية... وهل عدم وجود من يمثل شباب الساحات في مختلف المدن مبرر لعدم بحث المشكلات والقضايا التي خرجوا لمطالبة السلطة السابقة بحلها والعمل على إيجادها؟!.إن كانوا مؤمنين بأن هناك أسباب حقيقية دفعت هؤلاء الشباب ومعهم كثير من فئات الشعب للثورة في فبراير2011م وذلك بحجة أنهم لم يحضروا المؤتمر الذي أسموه وطنياً.

والسؤال الذي يطرح نفسه ولا يبحث لنفسه عن إجابة ، هل صانع القرار السياسي في اليمن والمتحكم بأمره بحاجة إلى عقد مثل هكذا مؤتمرات؟!.....

كثيرةٌ هي المؤتمرات ، واللقاءات، والحوارات الوطنية منذ تفجر الثورة اليمنية في سبتمبر من العام1962م ،وكثيرةٌ وقيمةٌ مخرجاتها وتوصياتها ،وكثيرةٌ هي الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية المتعلقة بما تحتاجه اليمن من صنوف التنمية المختلفة ، وكثيرةٌ وغزيرةٌ تلك المعلومات المتوافرة للجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة المهمشة المدعوة التخطيط و التنمية ،والكل يعرف المواطن الجاهل البسيط قبل المتعلم ناهيك عن المسؤول وصانع القرار أن المسألة ليست مرتبطة بعقد مؤتمرات للحوار الوطني ولا بالأبحاث والدراسات ولا بالمعلومات. نعم قد نحتاج لكل ذلك إذا ما كنا نريد جمع المعلومات والبيانات لتشخيص واقعنا ووضع المعالجات له شريطة أن يكون لدينا النية الصادقة والمخلصة للعمل بهذه المعالجات للخروج مما يعانيه وطننا ، بيد أن النوايا المخلصة والصادقة مرتبطة بمفهومٍ مهم لا تنفصل عنه يسمى الإرادة السياسية.

 الإرادة السياسية لأي بلد هي المترجم الحقيقي لإرادة الشعوب وهي لا تكون وطنية إلا إذا تجرد صانعوا القرار السياسي من كل الحسابات الذاتية ، والضيقة ، والوقتية وتلك التي لا تخدم أي طرفٍ كان داخلياً أو خارجياً وتعمل لما بعد الموت. 

إن ما يعانيه وطننا اليمني اليوم من ويلات تجعله يراوح مكانه في عنق الزجاجة إن لم نقل يتراجع لا يمكن للحوار الوطني المؤمل ، ولا للدستور القادم ، ولا حتى للحكومات المنتخبة ، لا يمكن لكل أولئك أن يغيروا من واقع اليمن شئ إذا لم تتغير مصادر صناعة القرار السياسي ، أو على الأقل لنقل يتغير تفكيرها ، وتتغير مفاهيمها ونظرتها تجاه الدولة ومهام الحكومة ، فهي ـ أي مخرجات تلك المؤتمرات واللقاءات من قرارات وتوصيات في النهاية حبرٌ على ورق قد لا يحتاج المتحكم بصناعة القرار السياسي لها أو لغيرها إذا ما توافرت لديه الإرادة السياسية الوطنية الحقيقية الكافية والواضحة لإحداث التغيير المطلوب.

إن الظرف العصيب الذي يمر به وطننا في الوقت الراهن يحتم علينا المكاشفة وتسمية الأمور بمسمياتها وطرح الحقيقة بدون مواربة ، فالمشهد السياسي اليمني يحكي لنا عن قوى عسكرية متحكمة بصناعة القرار السياسي ، ومراكز قوى اجتماعية نافذة ومؤثرة تأثيراً كبيراً على صناعته ، وقوى سياسية ضعيفة هشة لا ترتكز على قواعد جماهيرية تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد على المسار الصحيح لكي تكون صاحبة القرار والمنفذة له كما تقتضيه الحالة الدستورية والقانونية والحالة الديموقراطية.

وفي الوقت الذي نرى فيه أن هذه هي حقيقة المشهد السياسي في اليمن إلا أنه لا يمكن أن نشكك أو نقلل من وطنية أيٍ من تلك القوى الوطنية ، ولكن من المؤكد أيضاً أن كل قوة تنظر إلى الوطن من الزاوية التي تراها فقط ، البعض منهم جهلاً والبعض الآخر عن معرفة. ربما بعضها لم يزل أسيراً لبعض الموروثات الثقافية السلبية التي يُفترض ألا يكون لها وجود في تفكير أي إنسان يعيش في هذه الحقبة من الزمن على وجه المعمورة، وبعضها الآخر لم يستطع بوعيه وتعليمه الحديث حتى الآن أن يكسب ثقة أبناء وطنه الآخرين المتخلفين عنه علماً ومعرفة ويزيل شكوكهم بعدم إقصائهم وتهميشهم في حالة استئثارهم بالسلطة. ولربما الجميع المتعلم منهم وغير المتعلم وأولئك الذين لم يحظوا إلا بقسطٍ قليل من التعليم وجدوا في تقاسم السلطة تحالفاً يخدم مصالحهم الشخصية فقط دون النظر إلى مصالح الوطن.

ولربما الرابط المشترك بين الجميع هو الجهل المعرفي الناتج عن عدم التحرر أو عدم القدرة على التحرر من بعض الموروثات الثقافية المحِدة من إمتثال الجميع للتعايش وفقاً لقواسم مشتركة تخدم الجميع أو حتى قانون مبتدع يحتكم إليه الجميع يخرج عما إتلف عليه كل طرف ـ النموذج الأميركي أفضل مثال يمثل تعايش ثقافات مختلفة وفقاً لقانون لا ينتمي لأي ثقافة ويُحترم من قبل الجميع .ولكن في حالتنا وفي ظل تسيد ثقافة عدم إحترام الدساتير والقوانين عند الجميع لعل خوف كل طرف من إحتواء ثقافة الآخر على ثقافته تجعل الجميع وعلى الدوام في حالة الضد وإن بدى عليهم صورة من صور التحالف الظاهري.

وفي مشهدٍ سياسي هكذا يتصف أطرافه من الذي يؤمل من مؤتمر الحوار الوطني في اليمن ، لن أكون أكثر المتشائمين ، ولن أكون أقل المتفائلين ،بالرغم أن الأمر ليس له علاقة بالتشاؤم والتفاؤل بقدر ما له علاقة بالقراءة الصحيحة للواقع وتحليل مؤشراته ، وهذا الواقع وتلكم المؤشرات تنبئنا بأن ليس هناك ما يلوح بالأفق يجعلنا نتفاءل بقدرٍ يشعرنا بالطمأنينة نحو مستقبلٍ يسوده عدم وجود أي سلبية من سلبيات سلطة ما قبل ثورة فبراير2011م ، أو على الأقل السلبيات الكبيرة منها والمتوسطة على الأقل في المدى القريب.

 لذلك إذا ما أردنا أن نتفاءل بمؤتمر الحوار الوطني على صانعي القرار في اليمن قبل أن يذهبوا لمؤتمر الحوار هذا وقبل أن يحرصوا على تمثيل الجميع ، أن يصححوا الكثير من مفاهيمهم تجاه الدولة والحكومة وتجاه جميع أبناء الوطن ، و عمل أو أخذ الأمور التالية في حسبانهم إذا ما أرادوا رفعة وعزة هذا الوطن وبصرف النظر عمن حضر ومن لم يحضر من القوى الوطنية لهذا المؤتمر:

-القراءة السريعة لتاريخ الأمم والشعوب وبالأخص الأوربية والاستفادة من تجربة بعضهم بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص في حل مشكلة السلطة والعمل على تطبيقها في اليمن.(هتلر، موسوليني على سبيل المثال)

-العمل على إيجاد التنمية السياسية لليمن المعول عليها إدارة وتنفيذ مشاريع التمنية المختلفة التي يحتاجها اليمن عبر تولي الحكومة ، وذلك من خلال تقوية الأحزاب السياسية وبنائها البناء التنظيمي الصحيح الذي يمكنها من الاضطلاع بمسؤوليتها الوطنية وفقاً للدستور والقوانين الديموقراطية ، وعلى النافذين والمتحكمين بصناعة القرار السياسي الانخراط والتأطير في هذه المؤسسات والعمل على بنائها وتقويتها من الداخل وجعلها أدوات كفؤة للمنافسة على تقديم أفضل إدارة للتنمية ، وليس جعلها أداة للتحكم بالسلطة لتحقيق مصالح خاصة.

-عدم تجاهل ضرورة إعداد دستور جديد يُعد ويُصاغ من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرةً بطريقة التمثيل الفردي يُنتخبوا لهذا الغرض بعينه وتنتهي مهمتهم بذلك.

-إدراك النافذين والمتحكمين بصناعة القرار السياسي من منتسبي المؤسسة العسكرية أن تدخلهم بالشأن المدني والتسلط على الحكومات عن بعد لاستمرار مصالح أشخاص على حساب مصالح البلد هو السبب الرئيسي لتخلف اليمن ، وأن إقتصار دورها على المهام المقدسة المناطة بها ، حماية أمن وسيادة الوطن سيخدم كل اليمنيين بما فيهم جميع أفراد المؤسسة العسكرية ذاتها وسيحد بل وسيمنع ظهور الفاسدين في أجهزة الدولة. وهذا صلب دور المؤسسة العسكرية إذ لا يقتصر دورها على حماية أمن وسيادة الوطن من العدو الخارجي فقط ، بل ومن العدو الداخلي أيضاً ألا وهم الفاسدين في الجهاز الإداري للدولة الذين هم في أحايين كثيرة أكثر خطورة على الأمن القومي من العدو الخارجي.أما إذا شاركت المؤسسة العسكرية أو غضت طرف عينها عن الفساد والمفسدين فأي رجاء يمكن لنا أن نأمله من مؤتمر الحوار الوطني أو غيرة أو حتى من أي حكومة تكون وأي تقدم نتوقعه لليمن إذا كان بيت الله .....، حسب قول المثل الشعبي.

-على النافذين والمتحكمين بصناعة القرار السياسي تقديم مصلحة اليمن على مصالح الدول الإقليمية والدولية ، ووقف أي مبالغ مالية يتلقاها مواطنين يمنيين بشكل شخصي من أي دولة ، ولا بأس من تحمل الدولة إلى حين أعباء تعويضهم عن هذه المبالغ وعلى الجميع من يتلقى أو لا يتلقى أن يعي ويفهم خطورة تدفق المال الأجنبي على الأفراد مهما كانت حسن النوايا ظاهرة.

-على النافذين والمتحكمين بصناعة القرار السياسي في اليمن النظر إلى كل مكان في اليمن وإلى كل اليمنيين بنظرة واحدة وبأن اليمن بحاجة إلى كل أبنائه. والاستفادة من التجربة الأميركية في احترام الكفاءات والقدرات العلمية وجعلها المحدد الأول والأخير للعمل في الدولة والحكومة وليس غيره ،والحرص على عدم تقسيم المناصب والمؤسسات الحكومية على أساس من هو الأقرب ومن هو الأبعد ومن هو وطني أو غير وطني و حتى من هو ثوري أو غير ثوري فيجب أن يكون المعيار الوحيد لتولي المناصب هو الكفاءة والتأهيل حتى ولو كان رأسه كزبيبة ولو اضطررنا إلى الاستعانة بغير اليمني، وعليهم محاولة معرفة المغزى والفائدة من تولي المناصب على أساس الكفاءة من التجربة الأميركية كما ذُكر.

-إلتزام زعماء القوى الاجتماعية لمؤتمر الحوار الوطني بالعمل على تسهيل تعليم أبناء رعيتهم في المرحلة الأساسية خلال الخمسة والعشرين السنة القادمة ، وإلتزامهم بمساعدة الحكومة على إيصال المدارس إليهم والمدرسين وتسهيل عملهم وحمايتهم من الاعتداء واحترام قاعات الفصول والقبول بنتائج الامتحانات وعدم فرض النجاح بالقوة ومنع ثقافة السلاح في المدارس والمساعدة على ترسيخ ثقافة احترام المدرس وتبجيله وفرض غرامات على أسر من يتخلف أبنائها عن التعليم في هذه المرحلة وفقاً لأعراف يتم الاتفاق عليها مع زعماء هذه القوى. كل ذلك على الأقل في المرحلة الأساسية وخلال الخمسة والعشرين السنة القادمة.

إن العمل بغير هذه المضامين لا يمكننا أنغير واقعاً بائساً يمنياً معاشاً ، ولا يمكن لنا أن نأمل له مستقبلاً مشرقاً ، إلا بقدرته عز وجل إنه على كل شئ قدير.وعلى الجميع أن يعرف أن إحداث الثورة التنموية المطلوبة يتطلب أولاً القيام بثورة سياسية وهذه لن تحدث إلا إذا حدثت ثورة ثقافية عارمة ، وعن هذه مازلنا بعيدين نأمل ممن قيض الله له حكم البلاد أن يختزلها في بضع سنين ، إن توافرت له العوامل الفكرية والثقافية التي تدفعه صوب تحقيق ذلك وليس ذلك على الله بعزيز.