الديمقراطية في بلادنا العربية
بقلم/ نائف مناع
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
السبت 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 08:18 م

دولة عربية تنتشر فيها ثقافة الديمقراطية فحكومتها ديمقراطية ومواطنيها ديمقراطيين ويمارسون الديمقراطية في كُل مكان إبتداءاً من المنزل ومروراً بالمصعد في العمارة وعبوراً بالشارع وركوباً للحافلة والقطار والطائرة حتى صار المواطن فيها يتنفس ديمقراطية ، والأشجار في الشوارع والطيور على أغصانها تتغنى بالديمقراطية ...

برلمانها غلب عليهـ الديمقراطيين حتى غدت المرأة فيهـ تشتم نائباً برلمانياً بأقذع الشتائم وتتجاوز حدود الشتم لتصل إلى لحظات تفقد فيها السيطرة على غضبها وغيرتها وولاءها للحزب الذي تنتمي إليهـ فتقوم بصفع ذلكـ النائب صفعة قويةٍ على وجههـ ليقوم بعدها بالتصفيق وتوزيع الإبتسامات الديمقراطية على النواب البرلمانيين في البرلمان ...

مسئوليها ناموا وهُم فقراء ليستيقظوا وهُم في عداد الأثرياء والسبب هي الديمقراطية التي سمحت لهم بالنهب والسلب لخيرات الوطن والمواطن تحت مُسمى الديمقراطية وشعار إن لم تكن ذئباً أكلتكـ الذئاب ، أما أبناءهم فعند ولادتهم يتم تسجيل أسماءهم في سجلات مكاتب الصناعة والتجارة واستخراج سجلات تجارية وصناعية لمصانع وشركات تجارية تُدار برأسمال وطني 100% ، بدلاً من الذهاب لمصلحة الأحوال المدنية واستخراج شهادات ميلاد ...

وفي بلد الديمقراطية الذي يقوم بإنتاج الديمقراطية بعد استيرادها لها ، فما ينتجهـا من ديمقراطية يقوم بتصديرها للشارع وللمواطن سواء كان عاملاً أو عاطلاً ، مع وجود نوايا لتصديرها للخارج مُستقبلاً ، ومن آثار التشبع بالديمقراطية التي طُبع بها البلد حكومة وشعباً مايلي :-

• أن يحكم الزعيم أو الرئيس أو الجنرال أو المُشير أو العقيد طيلة أيام حياتهـ الباقية والقادمة بعدما تم تعديل بعض مواد الدستور لتبدأ حُقبة جديدة تَجَّب ماقبلها من سنوات حُكمهـ التي تصل إلى ثلاثون عاماً عجافها غلب سمانها ، كُل ذلكـ يحدث باسم الديمقراطية ...

• ان يتم الاحتكام لصندوق الاقتراع حيث يتم إنتخاب الرئيس أو الزعيم او الجنرال أو المُشير أو العقيد من قبل الشعب ترسيخاً للديمقراطية وإن لم يكن هُناكـ مُنافساً لفخامة الرئيس وحضرة الزعيم وسعادة المشير وجناب العقيد ، كُل مايجري تحت مسمى الديمقراطية ، وليحيا وطن الديمقراطية ، وليعيش مُشير الديمقراطية ...

• وفي حال أن ظهر في الإنتخابات مُنافس من المعارضة إن كانت هُناكـ مُعارضة بالمعنى الحقيقي للمُعارضة ، فإن الفوز مُحققاً لصالح الزعيم والرئيس والمُشير والعقيد مادام هو مرشح الحزب الحاكم ، فأصوات جميع منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية تذهب لمصلحة سعادة الرئيس وإلاَّ فإن الرواتب لن تُصرف مالم يتم تسليم ورقة الإقتراع الفارغة بعد ان تم تسليمهم أوراق إقتراع سبق تعبئتها لصالح الزعيم ، وبالروح والدم نفديكـ يامُشير ، وتحيا الديمقراطية الحقّة ...

• أن يتم إبادة الطبقة الوسطى ليزداد عدد المُنتسبين للطبقة المُخملية والعُليا ، ويذهب مُنتسبي الطبقة الوسطى للانتساب بكل فخر وفقر للطبقة الدُنيا ليزداد أعداد الفُقراء والمعدمين الذين يسكن البعض منهم الاحياء الفقيرة ، بينما يعيش البعض منهم في قُرى من الصفيح ، ويفترش البعض منهم الشوارع والأرصفة فالأرض فراشهم والسماء دثارهم الذي يتدثرون بهـ ، كُل ذلكـ يحدث في وطن الديمقراطية بكل فخر وإعتزاز ...

• من الطبيعي أن ينتشر الفساد ويزداد أعداد الفاسدين من أولئكـ المتمترسين في كراسي السُلطة ، ومن الطبيعي جداً أن يتصدر وطن الديمقراطية قائمة البُلدان الأكثر فساداً ، وبكل فقر يتصدر قائمة البُلدان الأكثر فقراً ولافخرُ ، وإن كان – ولم يزل - البلد بخير على الدوام ، فحريّاً بنا أن نعرف بأنهـ متى ماساد الفساد البلاد واستشرى بين العباد فجديراً بأن يكون سبباً رئيسياً في حضور الفقر بقوة ووصول البلاد إلى حافة السقوط في وادي الضياع والانهيار ، تعيش الديمقراطية ، ويحيا المُشير ليموت الوطن ...

• ليس غريباً في بلد الديمقراطية أن تجد العساكر تتكاثر أعدادهم وتتناسل حيث يفوق عددهم عدد المدنيين من مواطنيهم ، وفي ظل انتشار العساكر بطول البلاد وعرضها إلا أن ذلكـ الانتشار والحضور المُكثّف لم يجعل الأمن مُستتب والأمان في حالة استقرار بل زاد الطين بلِّة حيث يتمايل الوضع بين الإنفجار وعدم الإستقرار ، وسبب ازدياد عداد العساكر يتمثل في حماية القادة والمسئولين وقصورهم وتحركاتهم التي تُرسي قواعد الديمقراطية وتهدم الوطن المواطن ...

• في احد المطارات لبلد الديمقراطية أمام ضابط الجوازات والتأشيرات الممنوحة للمُغادرين الذي يجلس خلف كاونترهـا يقف مواطنهـ في طابور مُنتظراً دورهـ ليتم منحهـ تأشيرة خروج ومغادرة بلدهـ لبلدٍ آخر من اجل العلاج وإمامها كانت هُناكـ إمراة شقراء بولندية في عقدها الثالث برفقتها كلبها المُدلّل والمُرفّهـ رفاهيةٍ تفوق رغد ( شظف) العيش الذي يعيشهـ مواطنون كثر في بلد الديمقراطية ، الكلب يحمل إسماً عربياً كما ثبت في وثيقة السفر خاصتهـ وتذكرتهـ التي بحوزة تلكـ الشقراء التي لم تنتظر طويلاً أمام ضابط الجوازات ومُفتش الأمتعة التي تحتوي قطعاً أثرية تاريخية يتم تهريبها بواسطة الشقراء التي أغوت وفتنت – دون قصد - كُل من وقف أمامها ، حان دور مواطن بلد الديمقراطية المُسافر من أجل العلاج فقد تم إيقافهـ ومنعهـ من السفر وإلصاق تُهمةٍ هو منها برئ براءة الدم من إبن يعقوب ، والسبب إخبارهـ لهم بأن هُناكـ تاريخاً مسروقاً يتم تهريبهـ بواسطة الشقراء وكلبها الذي يحمل إسم شعبان كونها تشرفت بتبنيهـ في شهر شعبان في إحدى رحلاتها لدولةٍ عربية مُسلمة ، ذلكـ التاريخ المسروق تم تقديمهـ هديةٍ متواضعة لتلكـ الشقراء من أحد أصحاب المعالي في بلد الديمقراطية والسبب ليس كرمهـ الحاتمي الذي يتصف بهـ بل السبب يكمن في شبقهـ الجنسي الذي لم تُشبعهـ الشقراء التي جاء بها احد القوادين المشهورين لدى أصحاب المعالي في بلد الديمقراطية ، ففي بلد الديمقراطية حيث الجميع يتنفسها يتم مُصادرة الحُريات وقمعها بينما الكلاب الأوروبية والأمريكية التي قامت بتصدير الديمقراطية لنا بُحجة تحريرنا تعيش حياتها بُحريّة مُطلقة وتحوز وثائق سفر لم يحوزها الكثير من أبناء وطن الديمقراطية أو تمت مُصادرتها أو مُنع إصدارها لمنع حائزيها من السفر ولو كان من أجل العلاج والتداوي ...

• ليس مُستغرباً أن تجد صوت السلاح يعلو على صوت العلم والثقافة والأدب والقانون في بلد الديمقراطية ، فقد تجد عساكراً مُدجّجين بأسلحتهم يقتلون عالماً وأكاديمياً ومُثقفاً وأديباً ومُحامياً قانونياً وطبيباً وتربوياً دون أن يتم سؤالهم : لماذا ؟ ، ودون أن يتم مُحاكمتهم ، كُل هذا جائزاً في بلد الديمقراطية .. فلتحيا الديمقراطية وليموت الجميع دام مصلحة جناب الزعيم تقتضي ذلكـ ...

• لأعجب في بلد الديمقراطية أن يعلو صوت القبيلة على صوت الدولة وزمجرة القانون الذي تلاشى واضمحل إلا من الورق وبعض المباني الحكومية ، بل لاعجب أن يتجسد القانون في شخص حسبما تقتضي مصلحتهـ فيتفوهـ أمام من يطالبون بالرجوع للقانون قائلاً : أنا القانون ، ولاضير أن تجد حكومة بلد الديمقراطية تلجأ إلى الإحتكام للأعراف القبلية وتجعل القبيلة هي المحكمة وشيخ القبيلة القاضي الذي يقوم بإصدار الأحكام إستناداً للأعراف القبلية – التي تُضاهي القوانين قوة – بدلاً من القانون والشرع ليتم إدانة الحكومة وتغريمها مايلزم بما قامت بهـ من إنتهاكات وتجاوزات في حق القبيلة ، تحيا القبيلة وتعيش الديمقراطية وليموت الوطن ...

  

• من الغريب والنادر جداً في بلد الديمقراطية أن تسمع أو تجد من تمت مُحاكمتهـ لارتكابها جُرماً يشاهدهـ ويشهد عليهـ الكثير ، كالتورط في قضايا فساد مالي وأخلاقي ، أو ارتكاب أخطاء طبية أودت بحياة الكثير من البشر الذين لاحول لهم ولا قوة ، فمادمُت في بلد يتنفس الديمقراطية مثلما يتنفس الهواء فليطمئن قلبكـ ولتبرأ يديكـ من ماقمُت باختلاسها من اموال لن تُسأل يوماً من أين لكـ هذا ؟ ، ولتنام قرير العين مُستريح الضمير لأنكـ لن تجد من يُقاضيكـ ويعاقبكـ جرّاء ماأقترفتهـا يديكـ الملائكية الرحيمة بمُصادرتها حياة الكثير من المرضى التي عبثت فيها وقُمت عن طيب خاطر ورضي ضمير بتقديمها للموت دون خبرةٍ أو رحمةٍ او رأفةٍ كونكـ طبيباً في بلد الديمقراطية ...

• في بلد الديمقراطية لن تجد من يقول : لا ... لا للتسول بإسم الشعوب ، لا لتبذير ثروات الوطن تحت مُسميات عديدة كمحاربة الإرهاب المزعوم بدلاً من مُحاربة الفقر المستشري ، لا للسلاح والتسليح مادام الأمن غير مُستتب ومادام مايتم إنفاقهـ على السلاح والتسليح يعادل عشرة أضعاف مايتم إنفاقهـ للعلم والبحث العلمي ، فالإحصائيات تُشير بأن نصيب الفرد العربي من البحث العلمي سنوياً مايعادل عشرة دولارات بينما نظارة شمسية واحدة لأصحاب المعالي وأبناءهم يتم شراءها بمبلغ ثلاثمائة دولار أي مايعادل راتب عسكري ثلاثة أشهر ، ناهيكـ عن السيارات الفارهة والملابس الراقية والعطور الفرنسية التي يتم تغييرها وتبديلها كُل فصل من فصول السنة ، فلن تجد من يقول : لا لإهدار المال العام ، كُل ذلكـ يحدث في بلد الديمقراطية ، وقد يأتي اليوم الذي نسمع قولاً : جَنَتَ على أهلها الديمقراطية !!...

• في بلد الديمقراطية إن وجُد من يحاسبكـ ويقول لكـ : من أين لكـ هذا ؟ ، فلن تجد من يرد بجواب يُشبهـ جواب عمرو بن العاص على عُمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما سألهـ : من أين لكـ هذا ؟ ، وقتها كان إبن العاص والياً على مصر فقال للخليفة : والله لو كانت خيانتكـ حلالاً ما خُنتكـ وقد أئتمنتني ، فإن لنا أحساباً لو رجعنا لها لأغنتنا عن خيانتكـ . فرغم الخيانة للأمانة إلا أن الكثير لن يغتني من الأحساب التي لن يرجع لها أبداً رغم زعم الكثير من أبناء بلد الديمقراطية بأنهم أصل العروبة وذوو أحسابٍ رفيعة ...

• في بلد الديمقراطية يتم إرساء قواعد الأسُرية الملكية ، فتجد أبناء العائلة هُم من يسيطرون على المناصب الهامة التي يقوم عليها أي نظام ، ورغم تلكـ المظاهر العائلية إلا أنّهـ يتم التمسكـ بالديمقراطية وإتخاذها ستاراً كاذباً وحجاباً خادعاً فتحت ذلكـ الستار يتم سلب ونهب ثروات الوطن ، وخلف ذلكـ الحجاب يتم تجويع وإستعباد وإذلال وتفقير الشعوب إلا من الديمقراطية التي بها يزعمون التحرير والتطوير ...

• قبل الوداع وباسم الديمقراطية التي اتنفسها واتناولها كمُخدِّر أنتشي بها أحببت في لحظة إنتشاءي حد الثُمالة أن أختتم ماكتبتهـا بكلمات للأديبة الجزائرية / أحلام مستغانمي أقتبستها من كتابها ( قلوبهم معنا وقنابلهم علينا ) من مقال بعنوان ( رسالة إلى فلورانس : الرهينة لدى بلد رهين ) وضمنتها مقالي عسى أن تكون بلسماً شافياً لبعض القلوب المُحكمة أقفالها وتلكـ الكلمات هي :

الذي يختطف شخصاً يُسمَّى إرهابياً ، والذي يختطف شعباً يُسمَّى قائداً أو (( مُصلحاً كونيّاً )) . نحن شعوب بأكملها مخطوفة لتاريخ غير مُسمَّى . باع الطُّغاة أقدارنا للغزاة ...