تخلف المسلمين
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و 7 أيام
الجمعة 13 مارس - آذار 2015 10:22 ص
إن حال الأمة الإسلامية وما هي فيه من نكبات التخلف والتمزق والهوان والحروب المذهبية الطاحنة بين ابنائها الممزقة لأواصرالأخوة والمحبة بين أمة محمد عليه الصلاة والسلام. أمام هذا الواقع المؤلم يُرجع البعض سبب هذه النكبات الى دين الإسلام والفقه وإجتهاد العلماء، مما دفع بالبعض الى ترك دين الإسلام والبعض الأخر يبحث عن حلول خارج هذا الدين العظيم ، ومن تبقى من المسلمين يقف حائراً أمام هذه المظاهر البشعة من سفك للدماء عن طريق القتل والذبح والتدمير وترويع الأمنين وتكفيرهم وتهجيرهم من قراهم ومناطقهم وكل ذالك باسم الإسلام وهذا كله غير صحيح.
فدين الله الحق ليس له علاقة البتة في كل تلك الأفعال والأعمال والأقوال التي تدعي الإنتساب إليه زوراً وبهتان ، اذ يزخر تراثنا الفقهي والفكري بأشياء لا تمت لدين الله وكتابه وصحيح سنة رسوله عليه الصلاة والسلام. ولكي نفك الإشتباك والإشتباه بين هذه المفاهيم الخاطئة عن ديننا الإسلامي العظيم، وبين واقع الأمة يجب علينا أن نحدد بعض الأسس والمفاهيم التي تمكننا من القراءة السليمة للمشهد وفك الإشتباك
أولاً:- علينا أن نتفق على معيار نقيس ونوزن به الأمور لكي نستطيع من خلاله معرفة الأشياء بدقة وذالكم هو كتاب الله العزيز.                  
ثانياً:- علينا أن نستخدم فهمنا وفق أرضيتنا المعرفية وسقفها وأدواتها وزماننا ومكاننا لنستنبط من كتاب الله وصحيح سنة رسوله الكريم ما يمكننا من تشخيص العلة والداء، حيث نجد أول أمر أمرنا الله به هو ( إقرأ ) لذالك علينا أن نقراء لأن من قرأ علم ومن علم عرف ومن علم وعرف أمِن وعَمَّر ونجا، ثم إن الله أخبرنا أن هناك من يكيد ويمكر لهذا الدين والمؤمنين به بقوله سبحانه ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) ابراهيم ٤٦ . كما نجد في منهج الله في كتابه أنه سَنَّ سُننا وقوانين في الوجود المادي والإنساني من يعمل عليها ويربط بين الوجودين للكون والإنسان يُعَمّر الأرض ويهيمن.
ثالثا:- يجب أن نفرق بين الفقه ( المذهب) والدين والإسلام وتاريخ المسلمين ، وكذالك بين عبادة الله بالشعائر وعبادته بالإستخلاف وعمارة الأرض .
فالفقه الذي هو المذهب هو اجتهاد وفهم بشري لنصوص الدين( الكتاب وصحيح السنة الذي لا يتعارض مع الكتاب) بينما الدين هو كلام الله ومنهجه في كتابه الذي يشتمل على رسالة رسوله ونبوة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وما ثبت بالدليل القطعي عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يتعارض مع ما جاء في كتاب الله وهو ما يطلق عليه صحيح السنة.
لذالك فالفقه كلام بشري عالج قضية ما في زمن ما معتمداً على ما لدى الفقيه المجتهد من معرفة وسقف معرفي وأدوات معرفية مرتبطة بزمانها ومكانها، ولذالك فهو محدود المعرفة، وهو ما نطلق عليه المذهب.
بينما دين الله وكلام الله مطلق المعرفة يحوي الزمان والمكان وسيرورتهما وصيرورتهما من بداية الخلق الى ساعة الحق.
وهنا تبرز معجزة نبوة الرسول الخاتم ورسالته المتمثلة في كتاب الله من خلال ثبات النص وتحرك المعنى عبر الزمان والمكان ومعرفتها وسقفها المعرفي وأدوات هذه المعرفة، حيث يستطيع مجتهدي كل زمان ومكان استنباط ما يوافق زمانهم ومكانهم وعلومهم المعرفية وأدواتها، ومن ذالك نستنبط ان ما يناسب زمان ما قد لا يناسب زمان أخر ، وهذا الفهم أورده الله لنا في كتابه بما تمثله قصة أهل الكهف عن دعاة الدين الجديد الذين فروا بدينهم من بطش الحاكم فأماتهم الله وحين بعثهم وجدوا أن الدين الذي كانوا دعاته أصبح مهيمناً ومنتشراً، فأماتهم الله مرة أخرى، لأن الزمان غير زمانهم.
وعليه لا يمكن لأي إنسان أن يشارك الله في معرفته المطلقة فمعرفته وعلمه محدودة مهما بلغا، ومن ذالك نعرف أن الإجتهاد الفقهي البشري مرتبط بالزمان والمكان والأرضية المعرفية وادواتهما، وعليه فالفقه والإجتهاد ( المذهب ) لا يمكن اعتباره ديناً بديلاً لدين الله وعندما يقع الخلط ويصبح المذهب دينا هنا تبرز صنمية التمذهب ويصبح المذهب دينا بديلا لدين الله ويصبح لدينا أكثر من دين واحد وفقا لعدد المذاهب وهنا تبرز اهم مشكلة أدت بوصول الأمة الى ما وصلته وتم تأسيس الدول وفقاً للمذهب وليس للدين وهكذا نشأ الصراع المذهبي بين المذاهب.
ولتوضيح مفهوم الفقه والإجتهاد وارتباطه بالمعرفة وأدواتها وزمانها ومكانها أورد المثال الأتي.. فَلَو شاهد أب من أبائنا سائلا احمر اللون يقطر من إصبع أحدهم لقال عنه أنه دم لأن أرضيته المعرفية وسقفها المعرفي تؤكدان له هذا المدلول ، وأداته المعرفية هي عينه المجردة، بينما لو أن أحد أبنائه درس علوم الأحياء في مدرسته وشاهد هذا السائل فأن أرضيته المعرفية تقول له أنه دم، بينما سقفه المعرفي أضاف اليه معلومات عن مكونات هذا السائل فيضيف انه سائل احمر إسمه دم ويتكون من كرات دم حمراء وبيضاء وصفائح دموية الخ .... وأداته المعرفية بجانب عينه المجردة هي المجهر المخبري ، ولو أن شقيق هذا الإبن درس الطب بعد المدرسة فإن أرضيته المعرفية تخبره أن هذا السائل ذو اللون الأحمر هو دم ومكوناته هي كرات دم حمراء وبيضاء وصفائح دموية الخ .... وسقفه المعرفي يؤكد له أن خلية كرة الدم الحمراء تحوي مكونات عدة منها ميتوكوندوريا ورايبوزومز الخ ... ولها وظيفة تختلف عن وظائف مكونات الدم الأخرى، وأداته المعرفية هنا بجانب عينه المجردة هي المجهر الإليكتروني وهنا لو تسألنا هل الأب مخطئ أو أحد أبنائه الدارس في المدرسة أو كلية الطب، قطعا لا فكلهم محقين وعلى صواب في توصيفهم وقولهم في الدم وتعريفه، فكل منهم إعتمد على أرضيته المعرفية وأدواتهاوسقفها وزمانها ومكانها، وهذه هي معجزة كتاب الله ودينه المناسب لكل زمان ومكان حتى قيام الساعة وهو ما يعرف بثبات النص وتحرك المعنى.
وهكذا هم علماؤنا المجتهدون رضوان الله عليهم أجمعين في فهمهم لدين الله ولكتاب الله ولصحيح سنة رسول الله، فكل منهم رأى من عين معرفته وسقفها وأدواتها وزمانها ومكانها وبذالك سادوا زمانهم ومكانهم.
والنقطة قبل الأخيرة هي فض الاشتباه والإشتباك بالتفريق بين الإسلام وتاريخ المسلمين حيث أن الخلط هنا ايضاً شديد التشابه والتشابك عند الكثيرين فمعروف ان تاريخ الإنسان ملئي بمآسي الصراع بسبب السلطة والثروة والعصبيات، وما ينتج عن هذا الصراع من احداث توصف بالبشعة وتاريخ المسلمين مثل غيرهم من الشعوب ملئي بمثل هذه الأحداث الناتجة عن هكذا صراع، ولكن هذا ليس هو دين الإسلام لأن دين الإسلام بمنظومته العقائدية والقيمية محدد بضوابط تمنع نشوء أي صراع بسبب السلطة والثروة والعصبيات لأنه دين كوني ورحمة عالمية لكل مخلوقات الله ومن ظمنها الإنسان.
ودين الإسلام أتى بشعائر يتعبد بها المسلمون لربهم وهي ثابتة لا تتغير شكلاً ولا مظموناً مثل الصلاة والزكاة والصوم الخ... بينما هناك التعبد لله بالإستخلاف والذي كُلف به الإنسان ليعمر الأرض وفق قوانين الله وسننه التي تتكشف للإنسان مع مرور الزمن وهي في تغير دائم وعليه استكشافها والتعامل معها وبها يبني ويُعمر ويقوم بعبودية الإستخلاف وفق منهج الله ودينه ورسالته الخاتم. 
من كل ما سبق نجد أن المشكلة اليوم هي فينا لأننا نريد أن نرى دين الله وكتابه وصحيح سنة نبيه عليه الصلاة والسلام بعيون مُجتهدينا الأوائل  وبمعرفتهم وأدواتها ، لا بعيوننا ولا بزماننا ومكاننا ولا بمعرفة عصرنا وأدواتها، فأصبحنا بذالك أُمة ميتة كأهل الكهف لا تعيش عصرها ومعرفته وأدواته وتوقف بنا الزمن والتطور والمعارف في قرن التدوين، ولم نتعاداه.
كما إن دين الله تم استبداله بدين المذهب ( التمذهب) وتمزقت الأمة بين ديانات مختلفة وعمدت مدارس التمذهب الى تكفير بعضها بعضاً، وأسس هذا الإنحراف لجذور الصراع المذهبي المدمر والمكفر للمسلمين وغيرهم.
كما إن البعض منا فهم خطأ ان تاريخ المسلمين هو الإسلام وتاريخه وحَمَّل دين الإسلام كل أخطاء وخطايا المنتمين للإسلام إسما لا فعلا ودين الله بريئ من كل تلك الأخطاء والخطايا.
ولكل ذالك الإنحراف فقدت الأمة البوصلة الحقيقية التي توجه توجهها نحو فهم العلاقة التي تربط بين دين الله الحق - لا دين التمذهب- ومنهجه وبين خليفته( الإنسان المؤمن الصادق ) وعصره ومعارف عصره ليطوع محيطه المادي في سبيل القيام بعبودية الإستخلاف .
وكانت المحصلة الطبيعية لكل ذالك الإنحراف هذا التردي والتخلف والحروب التي تعصف بأمة الإسلام ويعبث بها العابثون ويهيمن عليهاالطامعون ونحن غثاء كغثاء السيل.
ولا مخرج لنامن هذه المعاناة الا بتصحيح مسار الإنحراف باستعادة دين الله الحق والقيام بعبودية الإستخلاف لنستعيد دورنا الوسطي وعزتنا وشهادتنا على الأمم.