الحل السحري لإنهاء الصراع !( 2 )
بقلم/ علي محمد الخميسي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 04 يناير-كانون الثاني 2011 06:26 م

تطور الوعي السياسي في المجتمعات الغربية كان له الدور الأكبر في الوصول إلى الصيغ الديمقراطية البناءة التي جعلت من انتقال السلطة في البلدان المتقدمة انتقالا سلسا خاليا من الصراع والعبث السياسي الذي تشهده العديد من دول العالم الثالث .

أمريكا على سبيل المثال خليط من المهاجرين والأجناس والطوائف والأديان ولكنها لكي تبني دولة عظمى على أسس متينة من الاستقرار السياسي أخذت بالديمقرطية التعددية الناضجة كمنهاج ووسيلة حضارية للتنافس السلمي على السلطة , فأمريكا كما نعلم يحكمها حزبين رئيسيين لم نسمع عبر التاريخ الأمريكي ومنذ نشأة هاذين الحزبين ( الجمهوري والديمقراطي ) أن احدهما اعترض على الآخر في قراراته وبرنامجه وخياراته السياسية والاقتصادية والإدارية بعد أن نال - الجمهوري أو الديمقراطي - ثقة الناخب الأمريكي , فحزب الأغلبية الذي حاز على ثقة الناخبين يحكم ويتحمل المسئولية في إدارة الدولة , وحزب الأقلية يعارض ويقوم المسار ولا يعترض في الفاضي والمليان آو يتدخل في خيارات وقرارات حزب الأغلبية الحاكم حتى تنتهي الفترة الدستورية المحددة فتتغير المعادلة في دورة انتخابية متجددة لينال حزب الأقلية ثقة الشعب فتتحول هذه الأقلية إلى أغلبية بشكل ديمقراطي حر وبوسائل تنافسية حضارية , وهكذا تسير العجلة السياسية في الدول الديمقراطية المتحضرة , والحكيم يا حكماء اليمن من أخذ بتجارب الغير الايجابية وليس العكس فالحياة كما نعلم مدرسة كبيرة لابد أن يتعلم منها الجميع , ونحن كشعب لسنا اقل حضارة من الغرب حتى نتبنى الأسوأ في هذا الجانب واعني هنا بالحضارة بمفهومها الشامل وليس بمفهومها المادي .

بلادنا ونتيجة لحداثة التجربة وللتراكمات السياسية السابقة لازالت تخطو ببطء نحو الوصول إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة في هذا الجانب , والمشهد السياسي اليمني يعاني كثيرا من أمراض الشمولية التي سبقت انتهاجنا للنظام السياسي التعددي , ونتيجة لعوامل عدة لا يتسع المجال لسردها وصل الوضع اليوم إلى حالة التأزم وانعدام الثقة بين حزب الأغلبية النيابية وأحزاب المعارضة الرئيسية التي لازالت بحسب نتائج آخر انتخابات تمثل الأقلية ,

في هذه الحالة بدلا من الخوض العبثي في حوار ماراثوني لن يقدم أو يؤخر شي في ضل تمسك كل طرف بآرائه , بالتالي لماذا لا تحترم الأقلية خيارات حزب الأغلبية وبالأخص قراراته الأخيرة في شأن التصويت على قانون الانتخابات وتشكيل لجنتها العليا التي في تصوري لم تخرج عن الأطر الدستورية والقواعد الديمقراطية السليمة ؟! ...لماذا الإصرار على قلب المعادلة السياسية في البلد بحجة الحوار (( الشامل )) والتوافق السياسي والديمقراطية التوافقية وتقاسم السلطة التي ثبت فشلها في المجتمعات المتعددة كما أسلفنا فما بالك بمجتمع كمجتمعنا , ولنا في تجارب التسعينيات وسياسة القسمة والتقاسم وما سمي حينها بالشراكة والحكومات الائتلافية ( المؤتمر –الاشتراكي – الإصلاح ) خير مثال وابلغ درس , فهذه الحكومات الفاشلة بتلك الصيغ الحزبية " التقاسميه " لم تقدم شئ للوطن ولا للتنمية الحقيقية فيه , ....

قد يقول قائل إذا كان الأمر كذلك لماذا الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في هذا الظرف إذا كانت الشراكة في حكومات ائتلافية سابقة قد فشلت ؟ ...وللإجابة على هذا التساؤل الهام : حكومات الوحدة الوطنية تختلف شكلا وجوهرا عن الحكومات الائتلافية التقاسمية التي نتحدث عنها , فتشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل ظروف استثنائية وفي ظل تحديات جمه تواجه البلد ككل , وفي ظل مخاطر ومؤامرات حقيقية تستهدف امن واستقرار ووحدة الوطن كل ذلك يدعونا كأحزاب سلطة ومعارضة وقوى وطنية أخرى إلى تبني هذا الخيار كضرورة وطنية وخيار سياسي حكيم , وبالتالي متى سنعي كأحزاب سياسية سلطة ومعارضة حجم المشاكل السائدة في الوطن , ومتى سندرك حقيقة تلك المؤامرات التي تستهدف البلاد والعباد وتتطلب اصطفاف وطني حقيقي بعيدا عن اللجان والإقصاء والتخوين والصراع السياسي المقيت ؟!!

هذا التساؤل نضعه أمام عقلاء وحكماء اليمن من الطرفين سلطة ومعارضة , ونضعه بشكل خاص أمام " المعتصمين " في مجلس النواب الذين اعترضوا على تصويت حزب الأغلبية على قانون الانتخابات والاستفتاء الذي نوقش وعدلت العديد من مواده بما يعزز من شفافية العمليات الانتخابية بموافقة سابقة بين كتلة السلطة والمعارضة في المجلس النيابي الحالي , وبالتالي التصويت على هذا القانون والمصادقة عليه هو في النهاية إجراء دستوري خاصة وقد وصل الحوار مع المعارضة في هذا الشأن إلى طريق مسدود وقدمت الكثير من التنازلات واستنفذت فترة التمديد والسنتين ولم يعد هناك وقت للأخذ والرد والحوار البيزنطي الذي يهدد الجميع - سلطة ومعارضة - بفراغ دستوري ومصير مجهول للبلد ككل .

وتشكيل لجنة عليا للانتخابات من القضاة خطوة في الطريق الديمقراطي الصحيح ومطلب من مطالب المعارضة في حوارات سابقة أيضا , ويكفي أن هذه اللجنة المستقلة بعد أن أدت القسم الدستورية باشرت عملها بتشكيل فريق فني لتصحيح جداول وسجلات الناخبين من حالات التكرار وصغار السن وفقا للمواد المعدلة في قانون الانتخابات الذي اقر مؤخرا , فلماذا إذن التحجج الدائم بوجود نيه التزوير بعد كل هذه الإجراءات التي كان المشترك يطالب بها فتحقق الكثير منها باستثناء موضوع " القائمة النسبية " التي تحتاج إلى وقت ودراسة متأنية حتى يأخذ بها , وبالتالي هذه المماطلة ومحاولة التعطيل لا تعني سوى هروب واضح للمشترك من الاستحقاق الانتخابي وهو أمر عجيب ونادر فالمتعارف عليه في دول العالم الديمقراطي أن أحزاب المعارضة غالبا ما تدفع وتضغط لإجراء الانتخابات في موعدها ولكن في بلادنا للأسف الشديد يحدث العكس !!

* (( الحل )) :

الحل المنطقي في تصوري ( بعيدا عن الحلول السحرية وشراكة القسمة والتقاسم ) ليس الاعتصام والضغط الغير دستوري على السلطة للتراجع عن قراراتها ( الديمقراطية والدستورية) الأخيرة كما تطالب كتله المعارضة ,وليس أيضا ممارسة شتى الضغوط السياسية للوصول إلى صيغ المحاصصه أو القسمة والتقاسم التي ستكرس الصراع ولن تحله .

الحل يكمن يا عقلاء وحكماء اليمن بالإيمان الفعلي قولا وعملا بالديمقراطية الناضجة والتعددية السياسية البناءة ..... الحل يكمن يا عقلاء وحكماء المؤتمر بالصبر وعدم الاندفاع واتخاذ القرارات الحماسية الغير محسوبة ..... الحل يكمن يا عقلاء وحكماء المشترك بالاعتراف بحقوق وصلاحيات الأغلبية النيابية وقبول تحدي المنافسة الشريفة والمشاركة الديمقراطية الفاعلة في السابع والعشرين من ابريل عام 2011م بعيدا عن التشكيك الغير مبرر بعدم نزاهة الانتخابات ووجود نية مسبقة من قبل طرف السلطة لتزوير نتائجها لصالحه , فالقانون كما أسلفنا عُدل بحسب اتفاق الجميع بصرف النظر عن موضوع التصويت , ولجنة الانتخابات شكلت من القضاة بحسب اقتراح المشترك السابق , والرقابة الحزبية والمحلية والدولية (( الفاعلة )) على هذه الانتخابات هي الضمانة الأهم في تصوري للخروج من هذه الإشكالية أو التحجج الواضح من قبل المعارضة للهروب من الاستحقاقات الديمقراطية والشعبية واستبدالها بمشاريع غير ديمقراطية ولجان حوارية غير دستورية في محاولة مكشوفة وواضحة للانقلاب على القانون والدستور والنظام التعددي السياسي ! .

ومسألة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعديلات الدستورية المطروحة يمكن تأجيلها إلى بعد الانتخابات على أن لا تضل كمسمار جحا أو حجر عثرة أمام إقدام المشترك نحو الانتخابات كما يعلن قادته يوميا فهذه الإصلاحات في تصوري من الأساسيات وستظل كذلك لأنها محل إجماع الأحزاب والقوى السياسية في السلطة والمعارضة بصرف النظر عن رؤى كل طرف من بعض القضايا المطروحة والتي تحتاج فقط إلى حوار جاد وتنازلات متبادلة وتغليب المصلحة الوطنية العامة وثوابت الأمة على أي مصالح أخرى للوصول إلى التقارب والاتفاق الحقيقي والفعلي في هذا الجانب الهام بعد إجراء الانتخابات النيابية القادمة ولكن بعيدا عن صفقات المحاصصة والقسمة والتقاسم ...

والضمانات المطلوبة للسير نحو هذه الإصلاحات بعد الانتهاء من استحقاق العملية الانتخابية والانتصار لدستور البلاد المهدد بالفراغ , يمكن الحديث عنها والاتفاق عليها – أي هذه الضمانات - قبل عقد هذه الانتخابات فالوقت لازال فيه متسع , والقيادة السياسية في البلد ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية لن تتردد في تصوري عن تقديم أي ضمانة موضوعية تعزز من الثقة بين طرفا المعادلة السياسية في البلد , ولنعد فقط إلى خطابات الرئيس ومرونته ومبادراته الايجابية في هذا الجانب وعندها سيزداد تفاؤل الجميع ...

وبالتالي المسألة ليست معقدة بتلك الصورة التي تسوق لها بعض الأطراف داخل المشترك ولجنة الحوار , والحل بسيط إذا خلصت النوايا فقط وانتصرنا جميعا سلطة ومعارضة للدستور وللتجربة الديمقراطية وللمصالح العليا للبلد وتخلينا كمشترك عن المشاريع " التغييرية " العبثية واللجان الحوارية الغير دستورية و الطموحات السياسية الضيقة والتلويح أو التهديد باستخدام ورقة " الفوضى الخلاقة " !! .

  ali.alkhamesy@hotmail.com