الاستقواء بالخارج..ضرورة شرعية أم تبعية فكرية؟!!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 25 يوماً
الأحد 23 مايو 2010 12:50 م

ما أحوجنا في الزمن الصعب إلى ثقافة التأصيل والتقنين الرشيد, لكل شئوننا وأوضاعنا وأحوالنا، وفق هدي الإسلام, حتى لا نظِل ولا نتخبط, لأنه حين يتبين لنا الهدى الإلهي والنهج الرباني، في هذه المسألة أو تلك, فمعناه أنه تبين لنا طريق الهداية, واتضحت معالم الرشاد, وبانت الخطوط والخطوات نحو الصواب .

ومن القضايا المعاصرة التي يجب أن نبحث عن تأصيل شرعي لها, قضية الاستقواء بالخارج, واستنصاره, وطلب دعمه ومساندته لقضايانا, أو دعوته للإسهام في حلحلة بعض مشكلاتنا الداخلية, أو بعض قضايانا الوطنية, وذلك نظراً لما تعيشه شعوبنا من اضطهاد واستبداد, فُرض عليها من قوى الطغيان والديكتاتورية والتخلف, التي جثمت على صدور شعوبنا مذ أن غادر المستعمر بلداننا, وترك تلاميذه غير النجباء, وكلاء عنه ليؤدوا نفس دوره أو أفضل منه, في أحيان كثيرة, وهو ما يفسر لنا سر تخلف أمتنا عن ركب الحضارة والتقدم, رغم نيلها ما يسمى بالتحرر أو الاستقلال \"الظاهري\" منذ عقود من الزمن .

نود أن نتناول هنا مسألة الاستقواء بالخارج, على النحو الذي أشرنا إليه قبل قليل, ما مشروعية هذا الاستقواء, وما حدوده, وما ضوابطه, وما أهم المحاذير الشرعية فيه؟. وذلك من خلال النقاط الآتية :

1) لا يرى الإسلام مانعاً من الاستعانة بقوى العدل والتحرر, في أي مكان من الأرض, حتى وإن كانت هذه القوى ليست على ملة الإسلام, لغرض رفع الظلم, أو للتخفيف منه، أو لتحقيق مصلحة شرعية ما, وهذا الجواز دليله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة, لأنّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد, ومعلوم أن نجاشي الحبشة لم يكن إذ ذاك مسلماً, وأيضاً استعانته صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط في هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, حين كانت قريش, تطلبه صلى الله عليه وسلم, وجعلت جُعلا لمن يأتي به صلى الله عليه وسلم, حيا أو ميتا, مائة ناقة .

وغير ذلك من الأحداث الثابتة في السيرة النبوية, مما جعل هذا الأمر من الوضوح والجلاء بمكان .

أما حديث: (ارجع فإنّا لا نستعين بمشرك) فمحمول على المشرك الحربي, أو من لا يؤمَن جانبه, بأن ينقل أخبار المسلمين إلى عدوهم, أو محمول على النسخ .

جاء في شرح البخاري لابن بطال :

\"(إنا لا نستعين بمشرك) قد يكون خاصاً في ذلك الوقت؛ لأنه قد استعان بصفوان بن أمية فى هوازن، واستعار منه -صلى الله عليه وسلم- مائة درع, وخرج معه صفوان بن أمية حتى قالت له هوازن: تقاتل مع محمد ولست على دينه؟! فقال: ربٌ من قريش خير من رب من هوازن. وقد غدا معه المنافقون وهو يعلم نفاقهم وكفرهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) يشتمل على المسلم والكافر، فيصح أن قوله: (لا نستعين بمشرك) خاص في ذلك الوقت, والله أعلم\". (شرح البخاري لابن بطال : 9/287).

وبالتالي فيجوز للمسلمين أو بعض المسلمين الاستعانة بأيّ قوة في الأرض لرفع الظلم والقهر والاضطهاد, أو للتخفيف منه, شريطة ما يأتي :

أ‌) ألا يستعان بالحربيين أو البغاة, وإلا كان كما قالت العرب كالمستجير من الرمضاء بالنار، لأن الواجب الشرعي هو مقاومة المحارب ودفعه وصده عن ديار المسلمين، بكل وسيلة ممكنة, وهذا لا يتفق مع طلب عونه ومساندته, وفتح الديار له في أي صورة من الصور .

ب‌) لا يجوز أن تتجاوز هذه الاستعانة حدود الرأي والتأييد والمساندة والتعاون في الإطار العام, بمعنى أنه لا تجوز الاستعانة بالكفار عسكريا, لما لا يخفى من مفاسد وشرور, بل تبقى الاستعانة في إطار التعاون والمعروف العام بين الأمم ، وبما لا يهدد أمن البلد وسيادته وحرياته .

ت‌) أن يكون هذا الانفتاح وفق رؤية شرعية راشدة, يقررها علماء السياسة الشرعية، وهذه الرؤية يجب أن تكون قائمة على دراسة واعية لفقه المصالح والمفاسد, وأن يغلب على الظن تحقق المصلحة, وفق القياس الصحيح, فإذا رأى الخبراء أنّ هذه الاستعانة أو علاقة التعاون تحقق درءً للظلم, أو تحقق مصلحة للمسلمين, جازت، وإن لم تكن فيها مصلحة للأمة بل كان ضررها أكبر من نفعها فلا تجوز .

قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83.

وقد قال العلامة الشاطبي في الموافقات: \"الشريعة مبنية على تحقيق المصالح ودرأ المفاسد \" بل قال بعض أهل العلم \"الشريعة قائمة فقط على جلب المصالح, لأنّ درأ المفاسد جزء من تحقيق المصالح\" .

ث) لا يجوز أن يتجاوز التعاون مع الكفار دائرة الاستفادة العلمية والتعاونية, وفق فقه المصلحة, بمعنى آخر أنه لا يجوز أن نتعدى هذا الإطار, إلى إطار الولاء لهم, وتنفيذ مخططاتهم في ديار المسلمين, أو إفساد المجتمع والبيئة المسلمة, باسم التعاون الدولي, أو نشر آرائهم وأفكارهم، نعم نؤيد سياسة الأبواب المفتوحة, لكن لا يعني هذا أن نذوب في حبهم أو التعاون معهم, على حساب هويتنا وأخلاقنا، ومصالح شعوبنا .

كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}المائدة51.

2) لا ينبغي التقليل من قوى الخير في عالمنا, فإن رصيد الفطرة ورصيد الأخلاق الإنسانية لا يزال يعمل عمله في المحيط الإنساني, رغم ما علا الفطرة البشرية من ركام جاهلي هائل, وليس أدلّ على ذلك من وجود بعض الشخصيات الغربية التي تقف مساندة لقضايا العرب والمسلمين, ولنتساءل في هذا السياق : كم عدد السفن التي جاءت من أوربا إلى غزة, مطالبة بكسر الحصار, وكم عدد السفن التي جاءت من بلاد العرب والمسلمين ؟؟!!. لا شك أنه لا وجه للمقارنة, مما يؤكد أن رصيد الفطرة الإنسانية لا يزال بخير, بل نراه في بعض الأحيان والمواقع والمواقف يتجاوز حتى رصيد الأخلاق الإسلامية, وهو أمر مؤسف بالطبع, لكنه الواقع .

على أنه أيضا يجب ألا نهوّل من هذا الدعم أو المساندة الغربية، فهي للأسف الشديد لا تزال في الإطار الشخصي أو الفردي, وليست هناك منظمات غربية معتبرة, تقف في صف قضايا المسلمين, وأيضا هذا الدعم لا يكاد يتجاوز الجانب الإعلامي والنظري البحت, ربما من أسباب ذلك روح التعصب المقيت, لدى الذهنية الغربية، إلا أني أعتقد أن التقصير واقع من جهة المسلمين أيضاً، لأنهم لم يحسنوا استخدام وسائل إعلامهم لبيان قضاياهم العادلة والمصيرية, واقتصر دور الإعلام العربي والإسلامي على ثقافة الترفيه, أو ثقافة العري, وبات دور وسائل الإعلام العربية والإسلامية، هو جلد الذات وبث الهزيمة النفسية والروحية لدى شعوبها، أو ممارسة دور الأبواق للسلطات الفاسدة، أو ممارسة ثقافة اللحم المكشوف .

3) كلمة شكر وتقدير نوجهها هنا لرواد التغيير والإصلاح , للإسلاميين في مصر, وهي بحق تعد من الإشراقات في أمتنا, وبادرة كبرى من بوادر الأمل والبِشْر, ينبغي الإشارة إليها والإشادة بها، حيث بدأت بعض القوى الاستعمارية في فترة من الفترات تشعر بالقلق نحو بعض القوى الوطنية والإسلامية, في مصر, نتيجة مدها المتنامي يوما بعد يوم ، سيما بعد أن حصد التيار الإسلامي أكثر من 88 مقعدا في مجلس الشورى المصري، وإزاء هذا التوجس أرادت هذه القوى الاستعمارية مغازلة الإسلاميين، للجلوس معها على طاولة المفاوضات والمحاورات, التي لا نهاية لها, لغرض احتوائها أو محاولة تطويعها، لصالح مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة, فما كان من إسلاميي مصر, إلا أن اشترطوا أن تكون هذه المفاوضات علنية لا سرية, وأن تكون تحت سمع وبصر السلطات المصرية .

أحسب أن هذه بادرة كريمة ورائعة, تستحق الإشادة بها, سيما أنّ هذه القوى الوطنية والإسلامية عانت كثيراً من سلطات مصر الأمنية، فقد زجت بأبنائها بالآلاف أو بمئات الآلاف في السجون والمعتقلات, ولا يزال جزء كبير من أبنائها في غياهب السجون, إلى يومنا هذا، إلا أن الإسلاميين رفضوا الارتماء في أحضان الأجنبي الغادر, على حساب الوطن والأمة, وبصرف النظر عن مدى توافقنا أو اختلافنا مع هذه القوى الإسلامية أو تلك, إلا أنها بحق بادرة مباركة بكل اللغات والمقاييس .

وبنفس القدر فإنا نبرأ إلى الله ممن يفتح الأبواب على مصراعيها, أو يزيل الحواجز والسدود لتَنْفُذَ من خلالها المخططات الاستعمارية إلى هوية أمتنا وإرادتها, أو لزرع الهزيمة النفسية والمعنوية فيها, أو يسعى لتنفيذ أجندات المستعمر وثقافته في بلاد الإسلام .

قال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153 .

والله تعالى من وراء القصد, والحمد لله رب العالمين,،