تتوالى الأحداث دراماتيكياً ، تختلط الأوراق ، بالصورة التي تكشف عن ارتباك الواقع السياسي لدى صانعي القرار ، و عدم مفهومية هذا الأمر لدى عامة الشعب . السبب في هذه المسألة يكمن في عدم إغلاق الهوة أو الفجوة الحادثة في العلاقة ما بين العامة ، و النخبة السياسية . ما يؤدي إلى عدم التواصل الشفاف ، و الصادق بين مكونات المجتمع و شرائحه الاجتماعية من ناحية ، و بين مكوناته السياسية التي يبدو أنه قد غلب عليها في صناعة الحدث الركون إلى اللاعب الرئيسي (المندوب السامي الحوثي) و عليها ان تستقبل نتائجه من ناحية أخرى . هذا التيه سببه غلبة الرخاوة السياسية لدى قادة الأحزاب و منظمات المجتمع المدني ما أدى إلى لامبالاتها في مجريات الأحداث للمشهد السياسي في اليمن ، فحدث الذي حدث . حتى ولو بدت هذه النخب و المكونات تعبر عن موقفها فيما يجري ؛ الا أن هذا التعبير بدى عند البعض خجلاً و البعض متردد و متذبذب ، و الأخر خائفاً ، و مرتبكاً ، و ان كان هذا الموقف واضحاً إلى حد ما عن سابقيه ، و الرابع المتخلف هو الوحيد الذي يدرك ماذا يريد ،اذ رسم الخريطة الجيوسياسية ليعرف حركته أين تبدأ ، و أين تنتهي ، أين مداخل التحرك و دعم هذا التحرك داخلياً و خارجياً من ناحية ، و في ذات الوقت رسم خريطته السوسيوسياسية مدركاً تأثير الابعاد الاجتماعية التي لو اهملها فانها قد تعوق حركته ، و تحد من تحقيق أهدافه ، كما أنها قد تُجهز على ثورته المدّعاة في حالة تنبهها لما وراء هذه الثورة ، حقيقته و مآلاته من ناحية أخرى .
بل أن ما اسميه (المندوب السامي الحوثي) طور نفسه على المستوى السياسي وقبل لعب دور الحاضر المختفي في مفاوضات ،وتشكيلات الحراك السياسي بما فيها الذي يحدث الآن في أكثر من عاصمة غربية ، وعربية ، يحضر ليوقع الإتفاقات ، ويساهم في كتابة البيانات المعبرة عن آمال الشعب في التحرر من هذا الوضع الذي غابت فيه الدولة عن دورها ليكون الفراغ المرتبك هو البديل الأسوأ .
وهذا الحاضر المختفي الذي كما اسلفنا يحرص على التواجد في مفاصل الحياة السياسية ، بينما هو يختفي في حالة تنفيذ الإتفاقات ، ولا يلتزم بما يصدر في البيانات ، خاصة أن أهدافه قد تطورت ، التي يريد أن يحققها بعمليتي المد والجزر في تعامله مع السلطات المحلية في المحافظات المستهدفة ، والمراد السيطرة عليها ؛ فالمناورة ، وامتصاص الغضب ، وشراء الذمم ، أو استخدام القوة إن تطلب الأمر ذلك ؛هي الأساليب التي يتبعها لاسيما فيما نشهده من رخاوة شديدة في المنظومات السياسية ، والقانونية ، الرسمية والمجتمعية .
نلاحظ أن هذه الحالة خلقت أطماع ، وطموحات عند قوى خارجية ارادت من اليمن ساحةً لتصفية الحسابات ،والتعويض عن ما فقدته في مواطن كانت هامة لها على المستوى الجيوسياسي في الوطن العربي .
وفي ذات اللحظة تخلى داعمون ،ولاعبون سياسيون عن دورهم في اليمن ، وهذا الدور يعد مفصلياً ،خاصة في جوانبه الاقتصادية ، الذي يمثل استمراره إبقاء الوضع فيما بين مرحلتي الحرب والسلم ، وإن كان إلى السلم أقرب في حالة تنبه قوى المجتمع السياسية المختلفة ، إلى أهمية الاستفادة من هذا الحضور ، اما غياب هذا الدور فإنه يُفرغ الميدان السياسي للاعب أو حد يمارس صلفه كيف يشاء ، وعلى القوى الاجتماعية والسياسية ، محلياً، وإقليمياٌ، ودولياً تحمل المسؤولية عن النتائج التي قد يُفضي إليها هذا الصراع بما تنعكس خطورته على المحيط الإقليمي ، والمصالح الدولية المتصلة باليمن .
وهنا لابد أن نشير إلى أن توقف المساعدات الاقتصادية عن اليمن من قبل دول الخليج ، والدول ،والمنظمات المانحة الأخرى ، سيصيب الحياة السياسية والاجتماعية في مقتل ، بل أنه سيكرس الحاجة للدفاع عن النفس بين القوى والمكونات السياسية ، ما يؤدي إلى تعميق عملية الصراع فتفقد سلطات الدولة آخر حضور لها في نفسية المواطن البسيط .
فتجتمع عوامل الصوملة ، والسورنة ، واللبننة ، في آنٍ واحد فتقضي على جسم الدولة ، وهيبتها ، ودورها ليكون الأقوى في عملية الصراع المحتدم ، هو المتمكن كما يعتقد في بسط نفوذه ، وهذا لن يتحقق لطرف ، ما سيخلق تفكيراً بتقوقع كل طرف في جهة جغرافية ،ليتخندق فيها سياسياً ، ويعلن هويته الخاصة على حساب الهوية الوطنية الجامعة ، فتتمزق اليمن ،وتتعدد المصالح لتحضر بدلاً من المصلحة الوطنية العليا .
وهنا لابد من التفكير جدياً في العمل الحقيقي الذي من شأنه تحويل آمال ، وطموحات المواطنين في اليمن إلى حقيقة واقعة بدلاً من أن تظل أملاً في السراب ننتظر تحقيقه .
وهذا لن يتأتى طالما أن العامة مشغولة في تأمين لقمة العيش ، صعبة المنال ، والنخبة مشغولة في تحقيق مكاسب آنية وخاصة ، بينما الوطن غائب عن ذهن الجميع رغم إدعاء الكل السياسي عكس ذلك .