يبدو للمتتبع البسيط لما يدور فى المشهد السياسي اليمني أن خيارات هادي بدأت تضيق إلى أبعد ما يمكن تصوره ، فقد خربت الطبخة على صانعها ، ولم يعد ينفع معها تعديل أو حتى إعادة طباختها مرة أخرى ، ولذلك لو استطعنا أن نحدد خيارات هادي المتاحة في هذه المرحلة الصعبة عليه وعلى اليمن ، بعد فشل مخطط ضرب الإصلاح بالحوثيين ، نجد أن خيارات هادي بالنسبة للوحدة أو الإنفصال خيارات خطيرة ، ولذلك فخيار بقائه ضمن الوحدة ، أي أن يكون رئيسًا لليمن الموحد فهذا الأمر من سابع المستحيلات أن يتحقق ، ويقف ضده أطراف عدة ، وكل طرف له ثأرات سياسية ومناطقية وعسكرية معه ، وكل ألاعيبه السابقة مع هذه الأطراف لم تنطل ِعلى أحد منهم ، والأهم من ذلك فكل مواطني أبناء المناطق الشمالية مجمعةً على كراهية بقائه ، فكيف بإعادة انتخابه مرةً أخرى ، أما المؤتمر الشعبي العام فقد حسم المسألة مبكرًا ، وأظهر عداءه لهادي بصورة قاطعة ، وقام بفصله من الأمانة العامة للمؤتمر ، مما يؤكد أنه لن يكون مرشحها القادم فى الإنتخابات الرئاسية ، والحوثيون نجدهم بين خياري إبقاء التحالف مع صالح أو الإستمرار مع هادي لإكمال المخطط ، فالذي يمكن له أن يحقق لهم السيطرة على اليمن كاملة من الطرفين فسيكونون حتمًا معه ، وسيدعمونه بقوة ، ولن يحسم مسألتهم من أي التحالفات حتى يكونوا معه إلا ما قررته أمهم إيران ، إذن فمطلوب من هادي تقديم الكثير من التنازلات كي يحظى بقبول الحوثيين له ولو أصبح رئيسًا شكليًا لليمن ، وهذا الخيار خطير جدًا حيث قد يؤدي بهادي إلى مواجهة مباشرة مع المؤتمر كحزب ( عفاش ونظامه ) ودول الخليج وبالأخص السعودية ، وقيام حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس ، وإن لم يسر مع الحوثيين لاستكمال المخطط السابق في إسقاط الشمال ثم الجنوب معناه الدخول مع الحوثيين وعفاش ومن ورائهم إيران في مواجهة مباشرة ، وهذا الخيار أخطر من سابقه ، أما الأطراف الأخرى أقصد الأحزاب السياسية وعلى وجه الخصوص الإصلاح ، وقبائل اليمن وغيرها من المتضررين سيشاهدون ما يحصل وبصمت لأنهم غير معنيين بعصيدة هادي لأنه أوقع نفسه في حفرة أرادها لغيره ، ولن يشمتوا به لأنهم يعلمون أن الخراب سيعم اليمن بأكملها ..
بقي خيار هادي وهو الإستئثار بالجنوب والسعي للإنفصال ، ومن وجهة نظره أنه ابن الجنوب وقد نقل الألوية العسكرية ، وسيحقق لهم تطلعهم نحو الإنفصال ، كما يروج لذلك بعض الأطراف الجنوبية المؤيدة له ، وأنه أفضل خيار له في ظل اختناقه بالوضع فى الشمال ، وعدم قدرته على السيطرة عليه ، لكن هناك ما يجعل هذا الخيار ليس سهلاً _ كما يعتقد هادي _ يمكن البناء عليه من ناحية منطقية ومناطقية بغيضة ، فهادي في نظر الجنوبيين خائن قاد معركة احتلال الجنوب في 94م ، بل هو من جناح الزمرة ، وثأرات يناير لم تزل ماثلة أمام أبناء الضالع ويافع وردفان وغيرها .. إذن القبول الشعبي فى الجنوب رغم تطلعهم للإنفصال لن يكون هادي هو الشخص المقبول بتاتًا ، كما لن يقبل به جناحا الصراع الخليجي والإيراني ، فهو لن يمثل أحدهما ، فالخليجيون ما زالوا متأثرين من قيام هادي بخداعهم في إسقاط الشمال بيد الحوثيين ، وإيران لن تقبل به كبديل ليحكم الجنوب وكل الجنوبيين ترفضه ، كما أن إيران لم تقتنع إلى الآن بمساعدة البيض لإسقاط الجنوب ، باعتباره شخصية غير مُجمع عليها ، فاختارت ضمن مخططها إسقاط الشمال والجنوب معًا ليكون بيد حليفها الأقوى ( عبد الملك الحوثي ) باعتباره شخصية مجمع عليها ، وقادرة على تنفيذ اجنداتها بدقة ... ولذلك فخيار أن يفر هادي إلى الجنوب لن توافقه كذلك أمريكا وبريطانيا ودول الغرب باعتباره شخصيـــــــــة - رغم وقوفها إلى جانبه – غير مقبولة شعبيًا ، وليس لديه القدرة على القيادة السياسية والشعبية وتلبية مصالحهم السياسية والإستراتيجية واقعيًا بعد سقوط شعبيته ، ونحن نعلم أن السياسة لا تعرف المحبة والتعلق بالأشخاص لكن تعرف مصالحها فقط ، وقد يؤدي هذا الخيار إن حصل إلى حدوث حرب أهلية مناطقية تعيد صراعات يناير من جديد ، كما أن التعويل على قيام اللجان الشعبية التي تم استقدامها من أبين ولحج وشبوة غير مجدية ، ولن تحقق النجاحات المرجوة لها باعتبار أن الحوثيين ونظام عفاش لن يسمحوا لهادي بالسيطرة على الجنوب ، وعناصرهم المسلحة موجودة في عدن وخارجها ، وسينضم إليها كثير من المتضررين من هادي ونظامه ، بل يمكن أن يتم اكتساح الجنوب مرة أخرى كما حصل في عام 94م لاعتبارات كثيرة أهمها أن الإستثمارات الشمالية فى الجنوب بمليارات الريالات ، منها مدن سكنية ومصانع وشركات لا تحصى ولا تعد ، وهذا الأمر سيجعل كل الفئات المتضررة من الإنفصال تقف صفًا واحدًا ضد مشروع الإنفصال ، ولن يفعل ألف أو ألفين مسلح أو أكثر من اللجان الشعبية أمام قوة عسكرية ضاربة ، خصوصًا إذا ما علمنا أن غالبية من تم تجنيدهم من اللجان الشعبية رواتبهم قد لا تتعدى ثلاثين ألف ريال ، وفي غالبية الأحيان لا يستلمون مرتباتهم ، وأغلبية الأسماء المسجلة وهمية وغير حقيقية ( أي أنها أموال منهوبة من الذي قام بتجنيدهم ) ، أما الألوية التي يمكن الإستناد عليها فهي ليست جنوبية خالصة ، كما أنها مكلومة مما حصل لزملائهم في كثير من المحافظات من مؤامرة استهدفت حياتهم ومعنوياتهم وآلاتهم ومعداتهم العسكرية ، ولذلك لا يركن هادي أن يقوموا بأي دور معه لاحقًا ، كما أن هادي بالنسبة للأفراد الجنوبيين فى القوات المسلحة ليس بالشخصية الكارزمية الذي يمكن الوقوف إلى جانبه كمحرر للجنوب ، فهو لن يكون مثل علي البيض أو علي ناصر أو غيرهما .. ولذلك فمتوقع أن يقوم بالسماح للحوثيين وتمكينهم من السيطرة على الجنوب كاملاً ، مقابل أن تقف إيران معه ضد عفاش وعصابته ، ومساعدته في أن يكون رئيسًا لليمن ولو بصورة شكلية ، وما تعيين اللواء / محمود الصبيحي كوزير للدفاع إلا مؤشرًا واضحًا لإسقاط الجنوب بيد الحوثيين باعتبار أن اللواء / الصبيحي وقف وبرجولة أمام مشروع الحوثي التوسعي ، وهذا الخيار الأخير إن تم اتخاذه من هادي سيساهم بصورة مروعة في إذكاء صراع مذهبي بين أبناء المناطق السنية والتمدد الشيعي فيها ، مما يعني إدخال الجنوب في صراع حامي الوطيس ، ستضطر حينها السعودية من التدخل بحجة القضاء على التمدد الشيعي ، وكذلك قيام القاعدة وبقية الأطراف الجنوبية المعارضة للحوثيين بالمشاركة في هكذا معركة ، وإن لم تكن مرتبة ، وسيلقى هذا الحلف دعمًا خليجيًا واسعًا ، وكذلك دعم بعض الدول الأوروبية ، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا باعتبار أن السيطرة على الجنوب معناها السيطرة على باب المندب ، وهذا أمر مستحيل لا يمكن السماح به ، وربما تتوسع تلكم المعارك المحلية إلى صراع إقليمي على الممرات الدولية ..
ولذلك تجد أن خيار البقاء لهادي كرئيس سواء لليمن الموحد أو فى الجنوب لوحده أصبح مستحيلاً ، وفيه خطورة عليه شخصيًا ، والبلد يسير في صراعات إقليمية تهدد البلد بالتقسيم والتجزئة ، وأما ما يسير هادي عليه الآن ، وهو أن تقوم الحكومة الحالية بتسيير أمور البلاد ، وكأن البلاد لم تسقط من يديه ، فهذا أيضًا لن يتم والمؤتمر والحوثيون رفضوا هذه الحكومة ، ومعنى ذلك أن خيارات التعطيل والعرقلة ، إن لم نقل إنقلاب وهو ( وارد حتمًا في ظل المتغيرات الجديدة والعقوبات المفروضة على عفاش ) ، فلن يكتب لهذه الحكومة النجاح البتة ، وستظل منغمسة بصراعات مسلحة تأكل الأخضر واليابس ، ولعل الدعوات المؤتمرية الحالية لصناعة تحالفات جديدة يقصد بها التصريح بالتحالف مع الحوثيين ، يؤكد أن هناك ترتيبًا إيرانيًا خطيرًا يجمع عفاش والحوثي في بوتقة واحدة يتم فيه توحيد اليمن كاملة ، لتكون كلها تحت السيطرة الإيرانية ، ربما غير مهم لدى الحوثي أن يكون أحمد علي صالح رئيسًا للبلاد ، ويبقى عبد الملك مرشدًا للثورة بيده السلطة الدينية والسياسية ، وربما يحظى هذا الخيار بتأييد أمريكي وأوروبي مقابل أن يتم ضمان مصالحهم فى اليمن ، وخصوصًا أن ذلك ممكن حدوثه كما حصل فى العراق ، وطالما تم الإلتزام من قبلهم بتنفيذ متطلبات المشروع الإيراني الأمريكي العالمي بالقضاء على الإسلام السياسي السني المعتدل ، لنعلم كذلك حينها أن هادي وعفاش تم استخدامهما كورقة لتشكيل خارطة جديدة لليمن اقتضت المصلحة التخلص منهما جميعًا ، وهذا المشروع رغم الخيارات الممكن اللجوء إليها من قبل صانعي الأزمة اليمنية الخارجية ، أيضًا لن يكتب له النجاح باعتباره خيار يضر بالجيران ( السعودية ) ولن تسكت عليه ، بل ستقوم بتمزيق أطراف البلاد لإعلان الإستقلال ، وستدعم قيام هذه الأقاليم ، إقليم حضــــــــــــرموت ( حضرموت ، شبوة ، المهرة ، سقطرى ) وإقليم سبــــــــأ ( مأرب والجوف ، البيضاء ) ، وستدعم انفصال اقليم عدن ( عدن ، لحج ، أبين ، الضالع ) لتكون دويلات مستقلة خاضعة للسيطرة السعودية ، لئلا تستأثر إيران باليمن كاملاً ، ولن تجعلها تنعم بالأمان والسيطرة وتتفرغ للسعودية وتهددها ، بل ستعمل على جعلها تغرق في بحر من الصراعات المناطقية والمذهبية داخل اليمن كي لا تصل إليها ، وهذا يؤكد أن اليمن تمر بأبشع مؤامرة في تأريخه وهو تمزيقه إلى دويلات ضعيفة ، ليذكرنا ذلك بالقسم الذي أقسمه الرئيس المزعــــــــــوم ( عبد ربه ) ذات يوم أنه لن يسمح لليمن أن تتمزق في عهده .. لكنه للأسف لم يكن مخلصًا لا لليمن ولا للجنوب ، بل لم تشهد اليمن تشرذم وفوضى وسقوط أسس الدولة فيها كما حصلت في عهده ، ولذلك فالأولى له ثم أولى له أن يعيد حساباته مرة أخرى مع الشعب الذي انتخبه ، ويخرج من السلطة بسلام وأمان ، ويسعى إلى أمرين فقط هما تطبيق مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة وإقامة انتخابات رئاسية حرة ونزيهة لا يكون هو فيها ، وليختار الشعب من يختار ، رغم قناعتنا أن ذلك لن يتم من قبله فلكل مبتدأ خبر .. والمبتدأ هنا ليس مرفوعًا كما نعلم ، لكنه مجرورًا فالخبر يكون أيضًا مجرورًا للأسف ..