الاسترتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة في اليمن
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 14 سنة و أسبوع
الأربعاء 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 05:34 م

عشر سنوات مرت على تفجير ال11 من سبتمبر 2001 لبرجي التجارة العالمي في نيويورك, عشر سنوات وتنظيم القاعدة يخوض حرباً مفتوحة على كل الجبهات, في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق والصومال والسعودية وبلاد المغرب العربي, عشر سنوات استنزفت فيها القدرات المالية للولايات المتحدة الأمريكية, وسقط خلالها آلاف من القتلى في أصقاع كبيرة من العالم, عشر سنوات ولازال تنظيم القاعدة يزبد هنا ويرعد هناك, ويهدد ويقتل ويفجر ويواجه ويتحدى وكأنه قوة عالمية موازية للولايات المتحدة الأمريكية, لقد استطاع هذا التنظيم أن يجر العالم العربي والإسلامي إلى مربع المواجهة مع الغرب, وتأثر الكثير من شباب المسلمين بأفكار التنظيم التي يقول عنها محمد بن المختار الشنقيطي : بأنها أفكار شرعية, تستخدم وسائل غير شرعية في وجود قادة شعوب متخاذلين لا يحملون هماً سوى إشباع غرائز التحكم والبقاء, لقد مرت التسع السنوات بالنسبة لقادة تنظيم القاعدة بسلام, وعجزت أجهزة المخابرات العالمية عن إلقاء القبض على القادة الفعليين للتنظيم, وأصبح أكثر السياح الأجانب اشد خوفاً من أعضاء التنظيم المطاردين في الكهوف والجبال والصحاري المفتوحة, والمحاربين بالطائرات الأمريكية بدون طيار, ولم تفلح أمريكا في إقناع الشعوب المسلمة بمدى خطورة تنظيم القاعدة, بقدر ما استطاعت القاعدة أن تقنع العامة بأنها تخوض حرباً ضد أمريكا التي تتزعم الحروب الصليبية في العالمين العربي والإسلامي, المشاهد هنا أن أمريكا وحلفائها يخوضان حرباً مع أناس يعتبرون أنفسهم شهداء يمشون على الأرض, يحمل كل منهم حزاماً ناسفاً فوق ظهره يفجر نفسه في اقرب لحظة يرى انه فيها مستهدف من قبل الأعداء, وفشلت أمريكا في إلقاء القبض على ابرز القادة الفعليين في بعض الدول التي يتواجد فيها عناصر ذلك التنظيم, كما هو الحال مع أبو علي الحارثي الذي قتل بطائرة دون طيار في اليمن, أو كما هو الحال مع أبو مصطفى الزرقاوي في العراق, ومثليهما الحال مع بعض قادة التنظيم في باكستان, المهم هنا أن التنظيم يبدوا لكبار الكتاب والمحليين عصياً على الهزيمة, أو الاختفاء, وسيظل شبح رعب, يجلب للأمة الإسلامية الكثير من المصائب والمشاكل.

اليمن واحدة من دول العالم التي ابتليت بهذا التنظيم, ولا تزال تخوض معه حرباً تصل حتى الآن إلى زهاء تسع سنوات, منذ الوهلة الأولى التي قتل فيها أبو علي الحارثي, وخسر الاقتصاد اليمني خسائر كبيرة جراء الهجمات الانتحارية لأفراد التنظيم على السياح الأجانب, وهو ما جعل قطاع السياحة يشهد تراجعاً ملحوظاً في أعداد الزائرين إلى اليمن, واليوم وبعد مرور عشر سنوات على تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك , نتوقف قليلاً عند تكتيكات القاعدة الجديدة, التي اتخذتها في اليمن, والتي تتسم بأنها مرحلة متقدمة في عمر هذا التنظيم المخيف, الذي لا يعيش إلا على الأشلاء المتناثرة, والجماجم المتطايرة.

لعل أهم ملامح التغير الجديد في الإستراتيجية القاعدية الجديدة, إدراكها بأهمية الجانب الإعلامي, الذي يلعب دوراً كبيراً في صناعة الهزيمة النفسية لدى الطرف الأخر, بالإضافة إلى انه يسجل حضورها في أذهان الآخرين مما قد يؤدي يوماً من الأيام إلى قبول القاعدة كأمر واقع لابد من التفاوض معه, وتصبح لدى مجلس الأمن شراً لابد منه, ولقد كانت للتصريحات التي يدلي بها ابوهريرة الصنعاني القائد العسكري في جناح التنظيم بجزيرة العرب دوراً كبيراً في إعادة الحياة إلى خلايا التنظيم التي ذبلت وكادت أن تغادر التنظيم بسبب الحرب التي تشنها الحكومة اليمنية على أعضاء التنظيم في أكثر من جبهة, وحينما يشعر التنظيم انه هزم في مكان ما يسارع إلى الظهور الإعلامي في مظهر المنتصر, مما قد يفقد الحكومة لذة الانتصار الذي سرعان ما يتلاشى عن طريق ضربات الخطأ, ولقد كان لتصريحات الريمي الجديدة بإنشاء جيش أبين عدن في الوقت الذي يتزامن فيه استعداد اليمن لخليجي عشرين دوراً كبيراً في بث الخوف في نفوس الآخرين, وخاصة أولئك القادمين من دول الجوار.

أما المرحلة الأخرى من مراحل الإستراتيجية الجديدة هي استهداف الشخصيات الكبيرة ذات العيار الثقيل بدلاً من الشخصيات التي لا ثقل له, لقد كان التنظيم في ما مضى يستهدف أفواج السياح, ولكنه سرعان ما تحول إلى استهداف السفراء بدلاً من السياح, حيث قام بمحاولات اغتيال لعدد من الدبلوماسيين سواء داخل اليمن أو خارجه, لعل أخرها في اليمن هو استهداف السفير البريطاني في حي نقم بالعاصمة صنعاء, بالإضافة إلى استهداف مجموعة من الدبلوماسيين البريطانيين في ذات المكان الذي اُستهدف فيه السفير, كما عبر أعضاء التنظيم الحدود ليصلوا إلى قلب وزارة الداخلية السعودية, لتسفر محاولتهم لاغتيال مساعد وزير الداخلية الامير محمد بن نايف بالفشل, وكان بإمكان التنظيم أن يقوم بعملية انتحارية في اقرب مركز حدودي أو تجمع عسكري, إلا أن محاولة اغتيال الأمير السعودي رسالة قوية لا تخلوا من دلالات عدة تريد القاعدة أن توصلها للأسرة الحاكمة في الرياض, مفادها أن المرحلة الجديدة هي مرحلة استهداف الكبار, ولذلك عليهم أن يفتشوا غرف نومهم جيداً, بحسب رسالة من تنظيم القاعدة للقادة الكبار الذين يقفون بقوة في محور أمريكا ضد تنظيم القاعدة, وعلى المستوى الداخلي فقد غير التنظيم من إستراتيجيته بنفس الاتجاه السابق شعاره الجديد ( مرحلة

الكبار) فحين قتل ظلماً وعدواناً عدد من الجنود في أكثر من محافظة يمنية, ولعل أشهر تلك المجازر ما قام به التنظيم من استهداف لمجموعة عسكرية في رمضان, في محافظة أبين حين كانت تستعد لتناول وجبة الإفطار, لكن الجديد في الأمر أن الجنود لم يعودوا هدفاً رئيسياً لتنظيم القاعدة, الذي سعى مؤخراً للقضاء على ثلاثة من أشهر رجالات الدولة في كمائن متفرقة, الأول محافظ محافظة شبوة علي حسن الأحمدي والثاني نائب رئيس هيئة الأركان العامة, بالإضافة إلى كمين أخر نُصب للمهندس احمد الميسري محافظ أبين, قُتل فيه شقيقة, ولعل أخر عملية قام بها التنظيم اغتيال ضابط مخابراتي كبير بمحافظة حضرموت مدير الأمن السياسي.

الهجوم بدلاً من الدفاع تلك سمة جديدة من سمات قيادة التنظيم في شبه الجزيرة العربية, فلم يعد هناك دفاع عن النفس, بل أصبح الاعتداء المتكرر هنا وهناك على الجنود والمنشئات والسفارات والشخصيات الاعتبارية سمة من سمات الخطط الجديدة, لأشخاص يسكنون الجبال, ويعيشون حياة التقشف والكفاف, ففي حين كانت مجموعة تعترض ضباط مخابرات في صنعاء, كانت الأخرى تخطط لاغتيال محافظي شبوة وابين, وعندما كانت الطائرات الأمريكية تقصف في مأرب, والقوات الحكومية تطارد أعضاء التنظيم في صحراء مفتوحة, كانت مجموعة أخرى تخطط لاقتحام مبنى الأمن السياسي في عدن, تلك نقطة جديدة مفادها أن المهاجم يكون دائماً في موقع المنتصر, وان لم يكن كذلك فقد دفع عن نفسه عار الهزيمة.

لعل السر الأهم في محافظة التنظيم على وجوده طيلة كل العقود السابقة يرجع إلى ثقته الزائدة بقيادته, وثقته القوية بان المستقبل سيكون له انطلاقاً من تفسير قراني للآية الكريمة ( إن الله مع الذين امنوا والذين اتقوا والذين هم محسنون ) وقوله تبارك وتعالى ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) وقوله ( كم من فئة قليلة هزمت فئة كثيرة بإذن الله ) تلك الثقة جعلت الآلام والضربات الموجعة للتنظيم, الم يخففه أمل النصر الموهوم, والسيادة المزعومة, لان التسلق على جماجم الأبرياء, والخروج عن كلمة المسلمين, التي يسعى بها أدناهم, عُرف جديد, خلقته التفسيرات الجديدة لعداوة أمريكا, بعيداً عن منطق العقل والشرع, ومثل هكذا خطابات تفاؤلية نجدها في رسائل أنور العولقي التي يتوعد بها أمريكا بالقتال حتى يقاتل أخر فرد في التنظيم المسيح الدجال, وهو تخطيط طويل المدى, قد يموت أفراده لكنه يظل حياً, إلى ما يشاء الله.

المنهج التكفيري الذي يبدوا بقوة للحكومات المسلمة, وجعلهم أعداء في مقابل تخفيف لهجة الهجوم على العدو الأول أمريكا, حيث أصبح التنظيم يصف زعماء العالم العربي بالطواغيت, ويسقط عليهم أحكاماً جائرة, كالطواغيت وعبدت الدولار, والعملاء, واليمن واحدة من الحكومات المرتدة في نظر تنظيم القاعدة, والتي يجب مقاتلة جيشها, واصطياد قادتها, وقطع رقاب مسؤلي الصف الأول في الحكومة وعلى رئسهم رئيس الجمهورية المشير علي عبد الله صالح, إذ قال أنور العولقي الأمريكي الجنسية من أصل يمني, والمتواجد حالياً في محافظة شبوة ما نصه ( نقول لجنود الرئيس المرتد بأنه ليس بيننا وبينكم إلا الدم مادمتم عسكراً وجنوداً لذلك الطاغوت وسترون ذلك قريبا ) لعل حرب الاستنزاف هي أيضاً مرحلة متقدمة في التخطيط المتبع لتنظيم القاعدة, والجيش عندما يتبعثر هنا وهناك يصيبه ويصيب حكومته الوهن, فالقاعدة تقوم بمهاجمة دبلوماسيين في صنعاء, وتنصب كمائن لقادة الحكم المحلي في الجنوب, وتهاجم مقرات المخابرات في عدن, وتتصيد لضباط الأمن السياسي في صنعاء , وتقود حرباً مع الجيش اليمني في شبوة وأبين, وتنفذ عمليات الاغتيال في حضرموت, وتدرب أعضائها في مأرب, بينما الجيش يواجه تمرد في الشمال, وانفصال في الجنوب, واستنفار امني في عدن لحماية خليجي عشرين, ومثل هكذا استنزاف للجيش اليمني لا يتم القضاء عليه إلا من خلال تشكيل مجالس صحوات في مأرب وشبوة وأبين وحضرموت وصنعاء على غرار مجالس الصحوات في العراق المحتل.

ما يريده التنظيم في اليمن هو بالتأكيد جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة, ومبارزتها خارج حدودها, مما قد يجعلها فريسة لوحش منتقم, ولقمة سائغة للحصول على شهادة شرف للمرور بها إلى جنة عرضها السموات والأرض, بحسب بيانات التنظيم, والمتبع لتفجيرات التنظيم في نيروبي ودار السلام وبالي باأندنوسيا وشرم الشيخ وإسلام أباد وعمان والسعودية والعراق وأفغانستان, يرى أن القوة الهائلة التي يواجها التنظيم والمتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى اثنين وخمسين دولة, لم تفلح في القضاء على التنظيم, بل ينموا ويكبر يوماً بعد أخر, حتى قال فيدل كاستروا احد القادة الثورويين ان اسامة بن لادن يلتقي بالرئيس الامريكي في البيت الأبيض, ومن هذا المنطلق نجح التنظيم في جر الولايات المتحدة للحرب خارج أراضيها وخسرت أمريكا في مواجهة القاعدة على اقل تقدير حوالي سبعة آلاف قتيل ومائة وعشرين ألف جريح وأكثر من اثنين ترليون دولار, مما جعل الكثير من المحللين الأمريكيين يستبعدون أي نصر قد تحرزه أمريكا ضد القاعدة في أفغانستان وغيرها من البلدان الأخرى.

تلك نقاط سريعة نستكملها في كتابات قادمة, في محاولة لتقديم أفكار متقدمة قد تخفف من خطر هذا الوباء القادم على بلاد لا تعرف سواء الأمن والإيمان.