الهجرة .. معالم على الطريق ( 1- 3 )
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
السبت 04 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:12 م

الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام حدث هام في تاريخ الإسلام .. وبرغم ما فيها من ألم الفراق ومعانات البعد عن الأحبة والديار إلا أنها كانت فرجا بعد ضيق ويسرا بعد عسر وقوة بعد ضعف ومن منطلق أهميتها لا بد لنا من وقفة اعتبار وفائدة من تفاصيلها الهامة بما يخدم المسلم في مسيرة حياته على مختلف الجوانب والتوجهات فمن فوائدها ودروسها :

1 ـ تطابق وسائل العدو قديما وحديثا :

واجهت قريش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بشتى أنواع وسائل الصد والرفض فمن السخرية إلى المفاوضات ومن التعذيب إلى الإغراءات ومن الحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب إلى الاغتيال السياسي .. فقد عزمت في دار ندوتها على اختيار 40 شابا جلدا من مختلف الديار لقتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيتفرق دمه بينهم فترضى بنو هاشم بالدية .. يا لها من خطة محكمة . وبعد خروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدأت قريش في وسيلة أخرى بإعلان جائزة ( مائة ناقة ) لمن أتاها بمحمد .. فتحركت الرجال يبحثون عن المطلوب دوليا لعلهم ينالون الجائزة الكبرى !!

ـ أما ترى مدى التطابق بين هذه الأساليب وبين ما يقوم به أعداء الأمة اليوم .. يسخرون منا في رسوماتهم وأفلامهم ومنتدياتهم ويشوهون صورة الإسلام الجميلة لإقناع العالم بأننا أهل فرقة وشتات وتناحر ويظهروننا بصورة التخلف والجهل وإلصاق الإرهاب السلبي بنا وهم أولى به منا ـ وبعد أن تؤدي الوسيلة غرضها يبدأون بالاعتذار إلينا والجلوس للتفاوض والتحاور معنا إما باسم تألف الشعوب أو تقارب الأديان .. مع وعود كاذبة وإغراءات مزيفة باعتماد دولنا في مخطط التنمية ومشاريع التطور والارتقاء .. وللأسف الشديد لا نجد حاكما مسلما يرد عليهم بضاعتهم كما ردها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .. ولكن يرد كبيرهم وصغيرهم قائلا : لو وضعتم دولارا في يميني واليورو في يساري لأعطيتكم ما تريدون ضد الإسلام وأهله .. سجونا وتشريدا .. ظلما وتهديدا .. قتلا وتنكيلا وتبديدا .. بشراكم .. فلا تحرمونا من فيض عطاياكم !!

ـ وهاهو سلاح الحصار الاقتصادي يستمر في عصرنا هذا بالعراق وغزة والسودان وغيرها من البلدان فتصمد الشعوب كصمود بني هاشم حتى يهيئ الله لهم فرجا .. وان مع العسر يسرا ..

وما أشبه وثيقة المقاطعة المعلقة من قريش في جوف الكعبة بوثائق العدوان الصادرة من كعبة الفجار ( مبنى الأمم المتحدة ) وما أقوى التشابه في قرار اغتيال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المصادر من دار الندوة بقرارات مجلس الأمن بتشكيل القوة الدولية لاغتيال الدولة الخارجة عن المنظومة فيحصل إجماع عالمي واشتراك دولي في الجريمة فتضيع المطالبة بالحقوق .. ومثل ذلك ينطبق تماما في اغتيال الأفراد والقيادات .. عياش وياسين والرنتيسي .. مع تأييد إسرائيل في تصفية أعدائها والذود عن حوضها ضد العزل الإرهابيين !

ـ وأما إعلان الجوائز فحدث عنه ولا حرج يفوق عدد ألوفها عدد شعر لحية المسلم المطلوب !!

2 ـ الإعداد القوي والتخطيط السليم يحقق النصر :

ـ بدأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الترتيب والإعداد لهجرته .. بادئا باختيار الصاحب والرفيق له وهو ابوبكر الصديق ( رضي الله عنه ) ثم باختيار الدليل للطريق عبد الله بن أريقط ( وكان كافرا ) وترتيب مهام وسائل المساعدة وعوامل النجاح الأخرى ( الدعم اللوجستي ) : أسماء لجلب الطعام للغار وتساعدها عائشة في صنعه .. عبد الله بن أبي بكر للاستخبارات .. راعي الغنم لمحو الآثار .. علي بن أبي طالب للتموية .. ثم باختيار الوقت المناسب ( ساعة الصفر ) والخروج لجهة معاكسة عن الهدف( تشتيت الانتباه ) وتحديد مكان الاستراحة والتواري عن الأنظار في الغار ( المنزل الأمن ) .. مستعينا في كل ذلك بالثقة بالله وحسن التوكل عليه ..

ـ وهكذا فإن لم يكن للحركات والدول المسلمة مثل هذا الفكر والتخطيط وبعد النظر والدقة في التنفيذ مع حسن الصلة بالله فان النصر والتمكين ما يزال عنهم بعيدا بعيدا !! كما أن نصر وعزة هذا الدين مسئولية الجميع .. فقد كانت خطة الهجرة محكمة ولكل فرد فيها دوره المحدد من كافة أفراد المجتمع .. الرجل والمرآة .. الصغير والكبير .. الكافر صاحب الخبرة المؤتمن والراعي الأجير .. الكل يشارك في تحقيق الغاية وقد ينالهم شيء من الأذى والترويع كما نالته أسماء من لطمة أبي جهل وترويع أهل البيت ولكن ذلك كله يزول باشراقة أول شعاع للنصر المبين

3 ـ في مرارة الدواء حلاوة الشفاء

كانت الهجرة أليمة وشاقة .. حتى أن رسول الله يقول لمكة : لولا أن اهلك أخرجوني ما خرجت .. ومرت لحظات شوق وحنين على الصحابة وقد تركوا ورائهم الأحبة والذكريات الجميلة .. ولكن في جوف هذه المرارة والعذاب النفسي سيتذوقون حلاوة النصر ونعمة الانتصار ..

وقبلها أتاهم العذاب الجسدي صروفا وألوانا .. فخلط بلال مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فغلبتها .. نعم لقد كانت الهجرة مخرجا وحلا لمشاكلهم مع قريش .. وقبلها كانت هجرة الحبشة نصرا وفتحا ونشرا للدعوة في غير مكة .. وحاليا كانت هجرة الناس إلى دول الجوار حلا طيبا للفرار من شر وفتنة أو لكسب رزق بعد أن ضاقت بهم السبل .. فبرغم ألامها ولكن كان لا بد منها ..

ـ ما أجمله من درس نستفيده من هذه الهجرة .. فان الابتلاءات في طريق الدعوة هي بمثابة لبنات تتراص لتشكل السبيل المتين .. الإقصاءات .. المطاردات .. السجون .. الهجرات .. التهديدات .. كلها مرارات وألام وحسرة ولكن لا بد منها لنتذوق حلاوة العافية وطعم المسرة .. فثق أخي أن النصر قريب .. فقد بلغ الظلم مداه .. وتعدى الباطل حده .. ولكنكم قوم تستعجلون.