القرضاوي: الغرب أتاح لجماعات العنف أن يشتد ساعدها
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 15 يوماً
الثلاثاء 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 10:45 م
 

أكد يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه ما كان يتمنى لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وقال القرضاوي في رده على أسئلة أرسلتها له وكالة الأنباء الألمانية عبر البريد الإلكتروني: كنت أود للإخوان ألا يشاركوا في هذه الدورة من الانتخابات التشريعية، وأن يقاطعوها كما قاطعتها قوى وطنية أخرى إذ أن الظاهر من كل ما تقوم به الدولة من مواقف وإجراءات أنها مصممة على ألا تسمح لأي قوة سياسية في البلد أن تأخذ إلا الفتات.

ولكنه استطرد "بالتأكيد على أنه لا يحجر على الإخوان أن يجتهدوا لأنفسهم في ضوء رؤاهم وأهدافهم المرحلية، ولعلهم ينتهزون فرصة الانتخابات ليتصلوا بجماهير الشعب الذين لا تمكنهم الدولة من اتصالهم بهم بسهولة".

ولفت إلى أنه على الرغم من أن الإخوان كانت لهم (أقلية كبيرة) في المجلس النيابي الماضي "ولكن لم تمكنهم أغلبية الحزب الوطني من إنجاز أمر ذي بال".

وحث القرضاوي من له حق التصويت على أن يختار النائب الذي يراه أصلح النواب لدينه ودنياه، كما شدد على ضرورة وجوب الذهاب للتصويت.

وفيما يتعلق بعزم اتحاد علماء المسلمين تسيير قوافل لغزة وإمكانية أن يكون هو شخصيا على رأس أي منها، كشف القرضاوي أن أصدقاء له أبلغوه بأن رجال أمن في مصر قالوا لهم بصراحة: قِل للشيخ يوسف لا يخرجها، ولا ضرورة لخروجه في القافلة، لأنه سيضطرنا إلى أن نمنعها! ربما كان هناك احتمال بمرورها إذا لم يكن على رأسها.

وأضاف: والحقيقة أن في نفسي شيئا من خروجي على رأس قافلة، أخشى أن يكون فيها شيء لغير الله، فلا أكسب أجرا.. والمهم هو وصول قوافل المساعدات إلى أهل غزة المحاصرين المظلومين.

وفيما يتعلق بالاعتداءات المتكررة على مسيحيي العراق، قال الفقيه الإسلامي: لقد أصدرنا باسم/ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين/ بيانا نستنكر فيه هذه الاعتداءات المتكررة على المسيحيين في العراق، وعلى الكنائس المسيحية، فهذا ما يحرمه الإسلام تحريما باتا، فقد أكد الإسلام كل التأكيد على حِرمة الدماء، وقرر القرآن مع كتب السماء أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأراض فكأنما قتل الناس جميعا.

وشدد على أنه حتى لو كان هناك مسلمات مأسورات في الأديرة المصرية، فلا يجوز معاقبة الكنيسة العراقية عما تفعله الكنيسة المصرية / ولا تزر وازرة وزر أخرى/.

ورأى أن موضوع الأسيرات المسلمات في الأديرة هو حقيقة واقعة أكدتها المصادر الموثقة، على الأقل بالنسبة لوفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة وماري عبد الله، ولكنه شدد أيضا على أن هذا "لا يبرر الاعتداء على الكنائس، وهو موضوع مصري بحت يجب على السلطة المصرية أن تحله بحكمة وحزم، ولا يجوز أن تكون الأديرة كيانات لها سلطان فوق سلطان الدولة، فمن شأن هذا الوضع أن يثير الفتنة، ويمسي حجة في أيدي الغلاة".

وفند القرضاوي الدعوى التي تقول إن الأقباط في مصر مضيق عليهم، وقال: لا شك أنها دعوى غير صحيحة، والمسلمون في مصر يتمنون أن يفسح لهم في أنشطتهم الدينية مثلما يفسح للأقباط، أنا منزلي في مدينة نصر (بالقاهرة) مطل على كنيسة من أكبر الكنائس، رغم أن معظم السكان حولها مسلمون. وهي تقوم بأنشطة من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، وتملك أتوبيسات تنقل الناس من بيوتهم إلى الكنيسة، ومنها إلى أماكن أخرى، وعندهم أنشطة دينية وثقافية وفنية ورياضية واجتماعية، والمسلمون مفروض عليهم أن يغلقوا المسجد بعد الصلاة مباشرة".

وأضاف: عدد الكنائس في كثير من الأماكن أكثر نسبيا من عدد المساجد، رغم أن المسلمين يحتاجون إلى المسجد في اليوم خمس مرات، والكنيسة لا يِحتاج إليها إلا في الأسبوع مرة واحدة. وقد أفتيتِ في مناسبات شتى: أن من حق الأقلية المسيحية أن يبنوا كنائس لهم بقدر حاجتهم إليها، وبقدر أعدادهم، ولا يجوز التضييق عليهم في ذلك ، كما لا يجوز المبالغة في بناء الكنائس والظهور بمظهر التحدي للأكثرية المسلمة.

وفي المقابل، رأى القرضاوي أن مطالب المسلمين بإقامة مساجد لهم في الغرب عادلة، فهي بناء على أنهم مواطنون أو مقيمون إقامة شرعية قانونية، وأن المساجد ضرورة في حياتهم، وأن القوانين المحلية والدولية تجيز لهم ذلك. ومع ذلك فهم يشكون من التضييق عليهم في حريتهم الدينية.

وشدد على أن ما يسمى بالعنف أو الإرهاب لا يكفي أن يجابه بسلاح الأمن وحده أو بالقوة العسكرية وحدها. فقد تكون القوة ضرورية لازمة لمقاومة الضربات التي توجهها هذه الجماعات للمجتمع المدني ومؤسساته، ولكن على المدى الطويل ومن أجل الوقاية والتحصين فلا بد من وسائل أخرى هي في حقيقتها وسائل فكرية وعلمية ودعوية، فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر، والذين يعتقدون أن القوة وحدها هي الوسيلة الوحيدة الناجحة، مخطئون في تصورهم.

وأضاف إن الحل النافع هو الحوار العلمي الهادئ مع هؤلاء، حتى يقتنعوا بخطئهم ويغيِروا ما بأنفسهم، كما فعلت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر، الذين أصدروا عددا من الكتب سموها (المراجعات)، وهذا هو الطريق.

وردا على سؤال حول تأييد البعض المطلق لتنظيم القاعدة حتى ولو كان المسلمون أول ضحايا عملياته، جدد القرضاوي رفضه للغلو الديني تماما مثل الغلو اللاديني منطلقا من أن أصل الدين يقوم على الوسطية والاعتدال، ولفت إلى أنه ضد ظاهرة (التوسع في التكفير) أو (الغلو في التكفير)، فيخرج كل واحد مَن يخالفه في فَهمه للدين من الإسلام، ثم يستحل بذلك دمه وماله!!.

وأضاف: لقد قاومت الغلو النظري الذي تمثل في كتابات المتطرفين ومحاضراتهم وخطبهم، ثم قاومت الغلو العملي، الذي تمثل في جماعات العنف، وناقشت فقههم الذي استندوا إليه وفندته ابتداء بجماعات الجهاد والجماعة الإسلامية، وانتهاء بتنظيم القاعدة، وما يلحق به من السلفية الجهادية وأمثالها.

واستطرد: لكن يجب أن نعترف­ إذا كنا موضوعيين­ أن الغرب بمظالمه للمسلمين وجوره على حقوقهم، ووقوفه دائما مع عدوهم الذي اغتصب أرضهم­ أرض فلسطين­ وإهدار حِرِماتهم، وناصر حصارهم وتجويعهم، بمواقفه اللاأخلاقية، هو الذي أتاح لجماعات العنف أن يشتد ساعدها وإن كانت معارَضة من جمهرة الأمة الإسلامية وجمهرة علمائها.

وحول السبب في عدم اتفاق علماء المسلمين على تعريف محدد يفرق بين المقاومة والارهاب، قال: لا يكفي أن أحدد أنا أو يحدد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مفهوم الإرهاب الممنوع، والفرق بينه وبين الجهاد المشروع، وإنما أهم من ذلك أن تحدد الجهة العالمية ­ التي تدعي أنها تقاوم الإرهاب ­ معنى الإرهاب، ولا تدعه مفهوما هلاميا ورجراجًا يتسع لمختلف التفسيرات والتأويلات.

وأوضح أنه يعني بهذا أمريكا، التي تحرص على أن يبقى مفهوم الإرهاب غير محدد، لتِدخل فيه كل ما تشاء إدخاله، من كل مَن يخالف سياستها أو يعارض مظالمها أو ينتقد مواقفها المتحيزة ذات المعايير المزدوجة، التي تتيح لإسرائيل ما تحرمه على غيرها وتمنحها من المزايا ما لا تمنحه لغيرها.

وشدد على أن من حق كل شعب احتلت أرضه أو انتهكت حِرماته أو دنست مقدساته أو اعتدي عليه بغير حق أن يدافع عن نفسه بكل ما يستطيع من قوة ضد مَن اعتدى عليه ومَن يسانده ويعاضده ويمده بكل أسباب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولكنه في دفاعه ليس مطلق السراح يفعل ما يشاء، بل مقيد بقانون أخلاقي ملزم له في السلم والحرب.

وأوضح أن الحرب في الإسلام، تحكمها قِيَم أخلاقية صارمة فلا يِقتل إلا مَن يِقاتل ولا تِقتل امرأة ولا وليد ولا يِقطع شجر ولا يِهدم بناء ولا يخرب عامر ولا يِمثل بمقتول، ولا تجوز الخيانة ولا الغدر، ولا ما فيه فساد في الأرض، إلا ما اقتضته الضرورات الحربية التي تقدر بقدرها.

وفيما يتعلق بعشوائية الدعوة للجهاد، قال: بينت في كتاباتي أن الجهاد إنما شرعه الإسلام للدفاع عن الأمة ودينها وحريتها وحِرِماتها، ولم يشرع ليقاتل مسالما قط ، وأن النبي لم يقاتل إلا مَن قاتله، ولم يقاتل أبدا مَن سالمه وأن القرآن بين أن المسلمين لا يخوضون الحرب إلا مضطرين "كتب (عليكم القتال وهو كره لكم).

وأوضح أن الدعوة للجهاد هي شأن الإمام، أي ولي الأمر الشرعي الذي بايعته الأمة، وليس من شأن كل أحد أن يدعو إلى إعلان الحرب والقتال.. والغرب يظلم نفسه ويظلم الإسلام حين بات لا يرى من الإسلام دين التسامح إلا ذلك النفر القليل من المسلمين الذين ينحرون الرهائن، وهم يهتفون: الله أكبر!! فهؤلاء جهلة أكبر الجهل بالإسلام يسيئون إليه وإلى تعاليمه من حيث يظنون أنهم يحسنون.. وكل دين فيه هؤلاء المتطرفين والإرهابيين، وقد رأينا الإرهاب في أمريكا نفسها، وفي إسرائيل وفي الهند وفي إنجلترا، وفي غيرها، ولم تِتهم ديانات هذه البلاد، فلماذا يِتهم الإسلام وحده بأنه دين الإرهاب؟!.

وتعليقا على دخول التلاسن الشيعي السني مرحلة أكثر خطورة بعد قيام الناشط الشيعى ياسر الحبيب بسب السيدة عائشة، أكد القرضاوي أن أهل السنة هم الذين بدأوا التقريب.. ولكن كان هناك أشياء تشوب التقريب معظمها يجيء من قِبَل الشيعة.

وأوضح أن من ذلك الموقف من القرآن: حيث يشيع في التراث الشيعي الكلام عن أن القرآن ناقص، وألف في ذلك بعضهم كتابا مشهورا. وإن كان الثقات من علمائهم ينكرون ذلك، ويقولون: هذا كلام الإخباريين، لا كلام الأصوليين. وإن كانوا لا يكفرون مَن يقول بذلك كما يفعل أهل السنة. ويكفينا نحن المعتدلين من أهل السنة: أننا لم نَرَ عندهم مصحفًا غير مصحفنا، فهو الذي يطبعونه في مطابعهم ، ويوزعونه على العالم، ويحفظونه لأبنائهم، ويذيعونه في إذاعاتهم وتلفازاتهم، ومنه يستمدون الأحكام في العقائد وفي الفقه، وبه يستدلون.

ومن بين تلك الأشياء أيضا "الموقف من السنة: فالسنة عندهم لا تقتصر على سنة محمد صلى الله عليه وسلم، بل سنة المعصومين جميعا ، فيدخل فيها سنة الأئمة الاثنى عشر، ويشترطون أن تصل إليهم عن طريق رجالهم ، فهم يرفضون كل كتب السنة، التي صنفها الجهابذة الحفاظ العدول المتقنون ، حتى الصحيحين البخاري ومسلم".

ومن بينها أيضا:"الموقف من الصحابة وأمهات المؤمنين : وخصوصا السابقين الأولين مثل أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة، وهذا خلاف جوهري ، وهو أخطر خلاف، وعليه يشب الصغير ويهرَم الكبير، ولا يزال يثور بين الحين والآخر ، يقوده المتعصبون، ولا يبالون حين يشعلون ناره مَن تحرق ومن تصيب".

كما أن من بينها "قصة نشر المذهب في بلاد المذهب الآخر: وهي التي أثرتِها منذ سنتين في القاهرة ، فأثارت ضجة كبرى عند الشيعة، فقد لمست وترا حساسا لديهم ، وقد حذرت من خطر هذا الغزو الجديد الذي يدخل على المجتمعات السنية الموحدة المستقرة، فتقسمها وخصوصا أن علماء السنة لا يحصنون الجماهير ضد هذا الغزو، ويبتعدون عن ذكر الخلافات، حفاظا على وحدة الأمة، وبعدا عن إثارة الفتن، لكن الشيعة لديهم رجال مدربون على الدعوة إلى المذهب ، مدعومون بالمال والتأييد من دولة غنية ذات رسالة".

 

وأضاف :"من هنا كان تحذيري للشيعة من هذه اللعبة الخطرة ­ والمصارحة في هذه الأمور أنفع من المداراة ­ وخصوصا على مذهب أهل السنة الذي ينكر التقية في التعامل مع المسلمين بعضهم وبعض، على أنها لا تجوز ­ حتى مع الكفار ­ إلا استثناء ومن باب الضرورة".

 

ومع هذا، أكد على أن الجميع بالمنطقة مع إيران إذا اعتدى عليها معتد، ونؤيد حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وندعوها إلى الالتحام بمحيطها العربي والإسلامي والتعاون مع جيرانها. وقد أعلنتِ ذلك مرارا.

 

وردا على تساؤل حول إمكانية أن يؤدي الخلاف المذهبي بالمسلم لتكفير أخيه المسلم، قال: الخلاف المذهبي نوعان بناء على تفسير كلمة مذهب: فهناك المذهب الفقهي، وهو ما يتعلق بفروع الشريعة وأحكامها العملية. وهناك المذهب الاعتقادي وهو ما يتعلق بالعقيدة وأصول الدين.

 

وأوضح أن الخلاف في الأول سهل، لا يترتب عليه تكفير ولا إخراج من الملة. أما الخلاف في المذهب الاعتقادي فهو الذي يمثل الخطر لأنه يتعلق بالأصول لا بالفروع وبالعقائد لا بالأعمال، وهو الذي يمكن أن يكون فيه التكفير.

 

وأشار إلى أن جمهور أهل السنة لا يكفرون الشيعة، إلا الغلاة منهم، وبعض السلفيين يكفرونهم لقولهم في القرآن أو قولهم بأن كل الصحابة ارتدوا ونافقوا أو اتِهامهم عائشة بما برأها الله منه، فمثل هذا لا يِشَك في كفره، لأنه مكذب بصريح القرآن.. ولكن الشيعة أكثر توسعا في التكفير لأهل السنة؛ بناء على ما أصلوه من معتقدات يعتبرون بها غيرهم كفارا.