عصر الفرس والروم .. هل عاد من جديد ؟
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 4 أيام
السبت 15 أكتوبر-تشرين الأول 2011 07:35 م

العظماء دائما يولدون من رحم الأحداث العظيمة؛ وليس ثمة شك أنه قد توالت علينا - منذ زمن سقوط الخلافة الإسلامية إبان التآمر اليهودي الغربي عليها - أحداث عظام كانت كفيلة بأن تلد مثل ذلكم العظماء على مر التاريخ؛ بيد أن ثورات الربيع العربي تعد - حتى الآن على الأقل - هي من أعظم تلك الأحداث التي عرفها العالم العربي بل على ذروتها من حيث الأهمية والقوة والقدرة؛ وتعد صيحاتها كذلك من أسمع الصيحات وأبلغها أثرا على الإطلاق؛ وذلك لما أسفرت عنه هذه الثورات من تغيرات جذرية في الواقع العربي المعاش؛ فهي مقبلة على تسطير تاريخ جديد مشرق لهذا العالم؛ وما كان ذلك ليحصل لولا هذه الثورات التي هي من نفس الشعوب وإرادتها؛ والتي هي - أولا وأخيرا - من إرادة الله القوي المتين؛ فما زلت أقول مرارا وتكرارا أن إرادة الشعوب من إرادة الله؛ وليرضى من رضي وليسخط من سخط؛ إذ هذه الإرادة التي تمثلت في الثورات؛ هي من حركت المياه الراكدة، وهي في الوقت نفسه من نفثت في العالم الإسلامي الروح وقد كان أشبه بالميت لعقود طويلة فأعادت إليه ألقه وعزته وكرامته من جديد.

وهي أي الثورات - في الوقت نفسه – من علمت إسرائيل حسن الأدب مع الشعوب؛ ولم تكن تحسن سوى سوئه زمنا طويلا؛ بيد أنها لم تملك تجاه الثورات إلا أن تفزع وترتعش فرائصها؛ بل وجعلتها تراجع نفسها مليا لتتعلم أدب الاعتذار أيضا؛ ولولا هذه الثورات وصيحاتها المدوية القوية ما كانت إسرائيل لتعتذر – بتاتا – من مصر، وقد أخذتها العزة بالإثم عندما رفضت الاعتذار نفسه إلى تركيا جراء ما أقدمت عليه من عدوان مستفز تمثل في مجزرة سفينة الكرامة وقتلها التسعة الأتراك على ظهرها ولم تكن مضطرة لفعل ذلك القتل؛ لولا غطرستها وعنجهيتها التي ليس لها مثيل في العالم المعاصر، وفي الوقت نفسه كان عرض تركيا لإسرائيل بعد تلك المجزرة زهيدا جدا بالنسبة لها وفي الوقت ذاته كان مغريا لإسرائيل؛ إذ الاعتذار - بتصوري – تجاه قتل تركي واحد؛ يعد ثمن أقل من البخس؛ بيد أن الذي لا يمكن تصوره؛ هو كيف رفضت إسرائيل ذلكم العرض المغري جدا من قبل تركيا؛ لتركب غباءها - على عادتها- وما عرفت أن ذلك الرفض سوف يكلفها الكثير؛ وقد حصل بالفعل؛ نعم قد حاولت تركيا فك حصار غزة فلم تفعل تجاه تعنت إسرائيل بيد أن الرسالة وصلت إلى العالم؛ وفي الوقت نفسه فك الله حصار الدور التركي من تلكم المبادرة التي كبلته عقودا من الزمن؛ من بعد سقوط الخلافة حتى وصول حكومة أردوغان إلى الحكم؛ إذ كل هذه الفترة لم تقم تركيا بدورها المناط بها كما يجب تجاه أمتها الإسلامية والعربية؛ بسبب تلك الاتفاقيات التي عقدتها الحكومات العلمانية - السابقة لحكومة أردوغان - مع الغرب وإسرائيل؛ ومثلها في ذلك التكبيل الاتفاقية المصرية/الإسرائيلية؛ التي شلت أيضا الدور المصر الرائد تجاه أمته العربية؛ فمعروف أن تركيا كانت تمثل القلب النابض للجسد الإسلامي، ومصر تمثل القلب نفسه لكن للجسد العربي، وجاءت إسرائيل لتتآمر على الدولتين؛ فأمرضت القلبين وبنت على أساسيهما دولة الجدر فلما تعافى القلب الأول لم تبن إسرائيل اغتمامها ولا حسرتها أو فزعها؛ وتمثل ذلك في رفضها الاعتذار لتركيا؛ حتى توهم الناس بأنها ما زالت قوية؛ بيد أنه لما قامت ثورات الربيع العربي وبدأ القلب الثاني يتعافى ويلتمس الشفاء لم تستطع إسرائيل إخفاء فزعها بل سارعت على الفور للإعراب عن ذلك الضعف والفزع؛ عن طريق رئيس وزرائها عندما وصف ما يحدث من ثورات في العالم العربي من أنه (زلزال)؛ وبناء عليه سارعت إسرائيل بالاعتذار رسميا لمصر؛ وإن كان ما يحدث - من وراء الأستار - في الأراضي المصرية وفي الواقع المعاش للمصريين يقول غير ذلك.

بيد أنني أستطيع القول أن توصيف ما يحدث من ثورات بالزلزال من قبل رئيس وزراء إسرائيل فيه كثير من الحصافة والحساب الدقيق للأحداث؛ وهذا يرجع - بتصوري - إلى سببين رئيسيين هاميين: الأول أنه حسب حساب منطقي وعقلاني، ليضع الثورات في مكانها الصحيح من حيث قوتها وقدرتها ولم يكن غبيا كبعض الزعامات من أمثال القذافي وصالح، والثاني وهو الأهم أنه يدرك تماما حقيقة دولة إسرائيل؛ وأنها تقوم على حزمة جدر متنوعة: بشرية (الأنظمة العربية) وأسمنتية، وإلكترونية، ولما كانت إسرائيل تقوم على تلك الحزمة من الجدر؛ فإن توصيف الثورات العربية بـ (زلزال) كان – فعلا - على درجة عالية من الحصافة ودقة عالية في الحساب؛ إذ – كما هو معلوم – أن الزلزال هو العدول الأول للجدران؛ فما تلبث هذه الأخيرة بعد حصول الأول إلا أن تتداعى متساقطة تباعا؛ ولا ننسى أن إسرائيل كما قال لنا القرآن تقوم على حزمة جدران؛ وها هو النوع الأول منها (الأنظمة العربية) قد بدأ يتساقط جدار تلو آخر؛ فهي جدران كما سلف أقيمت على أساسات قلب مريض؛ وبتعافي هذا القلب لم يبق أمامها إلا أن تتساقط وتتهاوى لترحل إسرائيل – كالزعامات العربية - إلى الهاوية؛ لهذا إسرائيل بدأت تتعلم كثيرا الأدب – ولم تكن تعرف كما سلف إلا قلته - فاعتذرت لمصر، وكلنا يعرف أنه قبل حدوث الثورات قد رفضت – مرارا - الاعتذار لتركيا؛ على الرغم – كما سلف – من أنه أي الاعتذار ثمن أقل من البخس.

ليس ثمة شك أن اليهود يحسبون لكل شيء – كبيرا كان أو صغيرا- لكن ظاهرهم كان يدل قبل الثورات على أنهم لا يحسبون حتى أنني في مقالي هذا اتهمتهم بأنهم يركبون غباءهم لما نراه من مواقفهم المستفزة وكيف يتعاملون مع أخطائهم بأخطاء أكثر فداحة وليس أدل على ذلك ما حصل من رفض الاعتذار لتركيا؛ فعلا هذا التصرف الأرعن لا يعني أن الأحداث تمر عليهم عفوا دون حساب؛ بيد أنني أريد أن أقول أنه بعد الثورات صار حسابهم وخوفهم ظاهرا غير مخفي وبادي للعيان مما يدل على أنه صار خوفا شديدا أفقد إسرائيل توازنها؛ وأرادت أن توصل من خلال تلك الحسبة الظاهرة رسالة إلى أمريكا لتلتزم هذه الأخيرة بواجبها نحوها وإلا فهم يحسبون منذ زمن بعيد وقد سجل لهم القرآن الكريم ذلك؛ إذ بين لنا حقيقة حساباتهم ودقتها؛ (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) ولعل مجي لفظ (صيحة) منكرا يدل على أنهم يهتمون لأي شيء مهما كان صغيرا؛ ومجي لفظ (العدو) معرفا يدل على الإمعان في العداوة وأصالتها هي ديدنهم؛ ولما كانوا العدو الأول والأصيل للصغيرات من الصيحات، فكيف سيكون موقفهم من الثورات وصيحاتها المدوية (!) وإذا كان البعض لا يكفيه تصديق قرآننا الذي أقر بأن عداوة اليهود لنا أصيلة ورئيسة وحذرنا منهم؛ فإن تصريحات رئيس ورزاء إسرائيل فيها الكفاية لتؤكد ذلك لمن كان له قلب وليتأكد لنا أن ما يحدث الآن في مصر من تآمر على الثورة وقتل المصريين ليس وراءه إلا إسرائيل؛ فهي العدو الأخطر والأول والآصل على ثورات الربيع العربي كلها.

بالله عليكم معاشر القراء والمتابعين بعدما وصف رئيس وزراء إسرائيل الثورات من نها زلزال ماذا تتوقعون ؟ هل تتوقعون أن يسكت عليها ؟ حتى تأتي لتسقط جدرانهم – عفوا – دولتهم ؟ ألم يكن وصفه هذا كافيا لنأخذ حذرنا على ثوراتنا بالإضافة إلى أن القرآن قد حذرنا من مؤامراتهم (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو؛ فاحذرهم)؛ إذ عطف بحرف الفاء؛ ليطلب إلينا سرعة الحذر وأخذ الحيطة، فأين عقولنا مما يحصل الآن لثوراتنا من تآمر هابط ودنيء ليس هناك طرف مستفيد منه سوى إسرائيل ! وهل تظنون أن إسرائيل سوف تسكت أو يهدأ لها بال أو يقر لها قرار قبل أن تؤمن نفسها من ذلكم الزلزال؛ خاصة وأنها ليست مؤمَّنة من حيث الأساسات؛ إذا لم يبق أمامها إلا خيارا واحدا فقط؛ وهو أن تحرف طريق ذلكم الزلزال من اتجاهها ما دامت أساساتها هشة ولا تقوى على تحمله. اصحوا يا عرب ويا مسلمين، فقد تجدون أنفسكم بعد صحوتكم أنكم في زمن أو عصر التئام قلب وجسد الفرس والروم صدكم من جديد.

وإن ما يحدث من تبادل للاتهامات بين السعودية وإيران ليس ثمة شك أن وراءه تلك اليد الآثمة، وهي اليد نفسها التي تقتل المصريين في مصر اليوم؛ وكما أشرت في مقال سابق تحت عنوان (السعودية بين خيارين أحدهما مر) أذ قد قصدت هذا العنوان ولم يكن فيه مجال للخطأ؛ حيث أن السعودية – للأسف - اختارت لنفسها المر؛ عندما أدارت ظهرها لأمتها؛ وشعوبها وهم سندها المتين والأمين، لتركن إلى أمريكا حليفة إيران، وقد أشرت فيه من أن إيران تولي وجهها باتجاه مصالحها فهي قبلتها وهي دينها وفي نفس الوقت أمريكا متكفلة أن تحمي أمن إسرائيل من أي خطر يهددها؛ وعندما يشير رئيس وزراء الأخيرة؛ بأن هناك زلزال متجه صوب جدرانه أو دولته؛ فإن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي؛ وقد تعهدت مرارا وتكرارا بتوفير الأمن والحماية والاستقرار لإسرائيل؛ وقد أخذت على نفسها والعهود والمواثيق لأجل ذلك؛ ولو اضطرت لأجل إيقاف ذلكم الزلزال أن تعلن حربا على العرب لا تبقي ولا تذر.

وأظن هذه المرة أن الذي قد يحارب بالنيابة عنها وعن إسرائيل (إيران) وافتعال قصة اغتيال السفير السعودي قد تكون الشرارة التي ستشغل الحرب في الجسد العربي والإسلامي؛ المهم أن يستمر قيام دولة إسرائيل؛ ولا يهم الأخيرة نوع الأساسات التي تقيم دولتها عليها؛ حتى ولو كان هذه المرة على أشلاء جسد ممزق بعد انهيار الأساسات السابقة؛ وذلك بعد تعافي القلبين (تركيا/مصر). فهل هذا يعني أن حروب الفرس والروم عادت إلى الواجهة على الرغم من أننا في القرن الواحد بعد العشرين، أظن أن هذا هو التحليل المنطقي لما يحدث خاصة بعد تصريحات أو بمعنى أدق توصيفات إسرائيل للثورات من أنها زلزال؛ فهناك زلزال قادم، وهناك جدر مهددة بالانهيار وهناك قوة عظمى قد أخذت على نفسها أن تحمي تلك الجدر، وهي مطالبة بوقف الزلزال أو حرفه عن مساره بأي وسيلة من الوسائل مهما كانت قاسية أو دامية؛ وعليه فلا ضير – كما لا مناص – من أن يوجه الزلزال وجهته باتجاه الخليج؛ وإيران قد تكون النقطة التي يتجه منها الزلزال، وهذا يعني أن الجسد والقلب الفارسي الرومي قد يلتئم من جديد ويوحد الهدف ضد العرب والمسلمين على الرغم من أننا في القرن الـ (1) بعد العشرين.

أنا لا أريد أن أضع نفسي في صورة مسعر حرب بين أمم وحضارات ولا حتى أتهم بذلك؛ لكن دلوني على البديل المنطقي وقولوا لي ما هي الطريقة الأكثر نضوجا والتي تكفل حماية جدر إسرائيل وتأخذ بها أمريكا بعد تعافي القلبين أو أحدهما في طريقه إلى التعافي؛ وإسرائيل لم تقم جدرها إلا على أساسات ذلكما القلبين المريضين؛ والآن قد صمما على المضي في طريق التعافي بل ومصران كل الإصرار هذه المرة؛ بمعنى أن على إسرائيل أن تبحث على أساسات جديدة لتبقى جدرها دون تهاوٍ ولم يبق لها إلا أن تقيم تلك الجدر على أشلاء جسد ممزق؛ تمزقه الحروب ولا أظن أن هناك خيار ثالث أو أن هناك طريقة أخرى لا أعرفها ؟ أو أن إسرائيل لا بد وأن تتنازل كثيرا عن غطرستها؛ لتقبل بدولة وحدود قد رفضتها منذ عقود أو هي الحرب الصليبية الفارسية من جديد لا محالة ؟