عن ضلالات حزب الزعيم
بقلم/ عارف أبو حاتم
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 28 يوماً
الأحد 18 سبتمبر-أيلول 2016 05:41 م
كانت إحدى الخطوات الجريئة لأمين عام المؤتمر الشعبي السابق عبدالقادر باجمال السعي للفصل بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة اليمنية، وهي خطوة من الناحية السياسية والتنظيمية مهمة جداً، حتى يستقيم أمر المؤتمر الشعبي العام تنظيمياً، ويتم ترتيب صفوفه بعيداً عن طوابير المنتفعين والملتحقين رغبة في المال والوظيفة، وثانيها: ترويض المؤتمر على العمل الحزبي والسياسي خارج مؤسسات صنع القرار الرسمي، فالمؤتمر حزب لا يعيش ولا يكسب سياسياً واجتماعياً إلا من خزينة المال العام ومن توجيه مسؤوليه ومسؤولي فروعه لمؤسسات ومكاتب الدولة.
لو قُدِرَ لخطوة باجمال تلك أن تتم في 2007 لكانت أجدى وأنفع لمصلحة تماسك كيان المؤتمر، وترويضه على تقبل العمل كحزب معارض بعد أن ولد ونشأ في أحضان السلطة.
لكن الفهم القاصر لعلي عبدالله صالح رئيس الدولة ورئيس المؤتمر وقتها فسر كلام باجمال بأنه رسالة له مفادها: حزبك يعيش على هيبة الدولة، ويقتات من مالها العام، ويستقوي بعضلاتها، وإذا فُصِلت مؤسسات الدولة عنه سينتهي ويتحول إلى حزب عدمي.
وما زاد من يقين صالح "بخبث" نوايا باجمال تصريحات الأخير اللاحقة التي قال فيها: "أنا بنيت أحزاباً ودمرت أحزابا"، في إشارة تهديدية إلى قدرته على تدمير "المؤتمر" الحاكم.. غير أن تهديدات باجمال ذهبت نحو التنفيذ دون اشتراط وجوده، فقد عمل المؤتمر على فقدان قيمته وقدرته على المناورة والكسب السياسي، من خلال أمرين؛ الأول: مضاعفة كمية الفساد المالي والإداري في حكومته التي شكلها ويديرها بمفرده، وترك الحبل على الغارب لكل نافذ وفاسد، حتى فشل في تحقيق برنامج حكومته الانتخابي، وأوسع مساحة النقمة الشعبية تجاه الحزب الحاكم، والأمر الآخر: تغذية المؤتمر بكوادر وقيادات فاشلة سياسياً ومحروقة شعبياً، جميعها محسوبة على الرئيس صالح، الذي أتاح لها مساحة أوسع للتحرك تنظيمياً، وبعضها من جيل الشباب أو بالأصح من جيل النزق السياسي المفتقر للخبرة السياسية والتنظيمية أمثال: عارف الزوكا، وحافظ معياد وياسر العواضي في مقابل ذلك تم إقصاء وتهميش جيل الخبرة والحكمة داخل المؤتمر الحاكم أمثال: أحمد الأصبحي وعبدالسلام العنسي ويحيى العرشي وصالح عباد الخولاني وحسين الحبيشي ومحمد الفسيل
كانت الحكمة السياسية لدى الدكتور عبدالكريم الإرياني تمكنه من مراقبة المآلات والانتكاسات التي يشهدها المؤتمر، ويقدم اعتراضه على عدد واسع من قرارات باجمال التنظيمية، إلا أن الأخير كان صاحب نفوذ أقوى وأوسع نتيجة جمعه بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحزب الحاكم، مضافاً لذلك غياب الرغبة الحقيقية لدى صالح في تصحيح مسار حزبه الحاكم وتخفيف اعتماده على مقدرات الدولة، ومكافحة الفساد الذي التهم سمعة المؤتمر وحكومته، فلا يوجد فاسد واحد من رجال الدولة في السنوات العشر الأخير لم يلتحق بالمؤتمر الشعبي العام، حتى صار مظلة يقف تحتها كل فاسد، ويسعى إلى ظلها كل قاصد مال ومنصب.
إطلاق يد صالح داخل المؤتمر وحضور كاريزميته الطاغية جعلت أعضاء الحزب يتسابقون على وده وطاعته التنظيمية، حتى اعتقد الرجل أن المؤتمر هو إحدى متعلقاته الشخصية التي يجوز التصرف بها على النحو الذي يريد دون أي مراعاة للأدبيات التنظيمية والقواعد الناظمة للسلوك السياسي للأحزاب.
 في فبراير 2012 تم انتخاب نائب صالح في رئاسة الدولة ورئاسة الحزب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية كجزء من حل سياسي قدمته المبادرة الخليجية للأزمة اليمنية التي نشبت بين نظام صالح وثوار فبراير 2011.. ولم تدم حالات الوئام طويلاً بين صالح وهادي وبدأ الأول بتوجيه ضربات موجعة لخلفه ومنع قادة حزبه من التعاطي بإيجابية مع الرئيس الجديد، وذهب نحو زعزعة حكم هادي من خلال الاغتيالات والاختلالات الأمنية والضربات الإرهابية الموجعة وكلها من صنيعة صالح وشيئاً فشيئاً خرج للعلن الخلافات الحادة بين صالح والرئيس الجديد حول الهيمنة في صنع قرار حزبهم المؤتمر الحاكم، وبطبيعة الحال مالت الكفة لرجحان صالح باعتباره الرجل الأقرب لوجدان أعضاء حزبه وقادة دولته وجيشها، ولم يكن أمام هادي غير الاستقواء بالأمم المتحدة التي أصدرت عبر مجلس الأمن القرار 2140 لعام 2014 وجمدت فيه الأصول المالية لصالح ومنعته من السفر.. في مقابل استقواء صالح بجيش عائلي بناه طيلة 34 سنة وحزب اسسه ورأسه وخزينة مالية ملأها خلال سنوات حكمه، وشبكة علاقات اجتماعية لا أحد يجيدها مثله
سلم صالح أمره لرغبة انتقامية تسيطر على كل خلية في جسمه، وذهب يتحالف مع الإماميين الجدد الذين خاض ضدهم ستة حروب متواصلة بين عامي 2004 - 2010 من أجل الانتقام من خصومه السياسيين الذين انتزعوه من كرسي الحكم المملوك له، وحوّل حزبه العظيم من كيان سياسي إلى ميليشيا مسلحة ودفع هذا السلوك جزء كبير من قيادات وقواعد المؤتمر إلى الانشقاق عن صالح والاعتراف بشرعية هادي
اليوم وبعد هذه الحرب الشرسة ضد الدولة والشعب نجد المؤتمر الشعبي العام أمام مفترق طرق: إما أن يستمر ويتجدد بتجدد الحياة ويتغير مع جملة المتغيرات المحلية والدولية، ويدفع نحو إعادة هيكلته والبحث عن قيادة جديدة، وحيوية، بعيداً عن صالح وعائلته ورجاله أو البقاء تحت معطف المسنين والمحروقين شعبياً وسياسياً، وبالتالي يتحول من مؤتمر شعبي إلى مؤتمر عائلي، ومن ملكية جماهيرية إلى قطاع شخصي، أشبه بإحدى مزارع "رئيسه" في تهامة.