توجه لإلغاء تقنية الفار من مباريات كرة القدم واستبدالها بـ(FVS).. ماهي؟ حمدي منصور لاعب نادي السد بمحافظة مأرب ينتزع ثلاث ميداليات ذهبية ويحقق أعلى النقاط في بطولة الأندية العربية للووشو بالأردن صورة.. هل ظلم الحكم الإماراتي المنتخب السعودي أمام استراليا؟ مع تواصل انهيار العملة.. الرئيس يبحث هاتفيا مع رئيس الحكومة خطة الانقاذ الإقتصادي وتدفق الوقود من مأرب وحضرموت ترامب يرشح أحد الداعمين بقوة لإسرائيل في منصب وزير الخارجية بـ 21 قذيفة مدفعية.. أردوغان يستقبل أمير قطر في أنقرة تفاصيل من لقاء العليمي برئيس أذربيجان إلهام علييف على هامش قمة المناخ 5 من نجوم الكرة اليمنية القدامى يشاركون في خليجي 26 بالكويت ماذا يعني قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن؟ إنهيار مخيف للريال اليمني في عدن صباح اليوم الخميس
اغرورقت عينا الفتاة العشرينية السمراء الجميلة بالدموع وهي تنظر للفيلا الفخمة التي تتوسط الحديقة في أحد أحياء العاصمة، وانتبهت السيدة اليمنية التي كانت تصطحبها, فسألتها عم ألمّ بها ومن خلال تنهيدة عميقة وبصوت خفيض ردت: "لقد كان لنا بيتاً في مقديشو مثل هذا البيت".
صدقاً كانت الفتاة تقول، لأنها بداية حلت ضيفة عند إحدى قريباتها التي كانت قد ولدت في مدينة عدن، واكتسبت جنسيتها، وبعزة نفس رفضت أن تعيش عالة على قريبتها - التي هي بالمناسبة جارتي وقد كنتُ أنا شخصياً طرفاً في التوسط لتشغيلها- بعد أن صممت على العمل، حتى ولو كان هذا العمل خادمة منزل "شغالة" أو "عاملة" تلطيفاً، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئًا, فمهما غيّرنا المفاهيم وتلاعبنا بالألفاظ والكلمات فمحتواه ومضمونه واحد.
كان والد الفتاة مسئولاً كبيراً وموظفاً معتبراً قبل الحرب، وكان هو وأسرته من أوائل ضحايا تلك الحرب الملعونة التي أتت على البلاد والعباد، فدُمر البيت الجميل الذي كان يملكه وتحطمت معه أحلام الأسرة في الشعور بالسكينة والأمن والاطمئنان، فقُتل من قتل من أفراد أسرتها وهرب من هرب، وكانت اليمن محط رحالها أولاً.
كان ذلك في بداية التسعينات حينما دمر نيرون الصومال محمد زياد بري البلاد, وتشتت الصوماليون في كل بقاع الأرض، وكانت النساء في طليعة المهاجرين، انتشرن في دول الجوار في كينيا والحبشة وجيبوتي وانتقلن إلى الضفة الأخرى من البحر إلى سواحل خليج عدن والبحر العربي.
النساء تهاجر؛ لأن الرجال هناك يقاتلون ويقتتلون فييتمون الأطفال ويّرملون ويثكلون النساء، وتفقد الأسر عائلوها من الذكور فتناط هذه المهام بالنساء. وفي زمن الحرب تصبح الظروف غير آمنة وخاصة للعزل وتتعطل وسائل الحماية ويتحمل كل فرد مسؤولية حماية نفسه أو أسرته. كانت النساء تهاجر بحثاً عن الأمان والعمل لإعالة أسرهن. ويتعرضن عند محاولات الهروب وفي بلدان الاغتراب لأسوأ أنواع الانتهاكات، لا أبالغ إن قلت أن المحظوظة منهن هن اللائي انتقلن إلى العالم الآخر؛ لأن الله تكفلها بوضع حدٍ لمعاناتها، أما سيئات الحظ فقد تجرعن مرارة الانكسار والشعور بالاحتقار الذاتي والوأد النفسي لذنب ليس لهن به حيلة، حيث كان المسلحون يتعرضون للفلاحات والراعيات بل ويقتحمون البيوت لينالوا من النساء. ولذا كان الفرار من هذا الجحيم هو أفضل الخيارات.
في عرض البحر عند الانتقال من الساحل الغربي في بربرة أو مقاديشو إلى الساحل الشرقي في عدن أو ميّون أو كمران أو خرز أو بير علي, لم يكن يخلو الأمر من الكثير من المشقات، أبسطها ابتزاز الفارين وسلبهم أموالهم وممتلكاتهم وحرمانهم من الماء والغذاء، وربما رميهم وسط البحر غذاءً لأسماك القرش والحيتان المفترسة، ويحصل ذلك حينما يمرض المهاجر مرضاً شديداً يُخشى انتقاله للآخرين مثل أمراض الكوليرا. وكثيراً ما كانت الرحلة تنتهي في وسط البحر لتقذف القوارب القديمة المتهالكة بحمولتها من النساء والأطفال, وقليل جداً من الرجال دون أن يرف جفن للضمير العالمي ولعتاولته المتفرجين من أساطيلهم وسفنهم ويخوتهم الضخمة الفخمة على الصوماليين الخائفين البائسين والهاربين من وطن يتهاوى لبنة لبنة على أيدي أبنائه الأشقياء.
هذه الحكايات والأحداث جرت على ألسنة من عايشوها وعانوا من ويلاتها وما على من يريد أن (يقرّح قلبه) سوى العودة إلى تقارير منظمة الأمم المتحدة للاجئين ومنظمة الهجرة الدولية.
أردت من خلال ما تقدم إيصال الرسالة إلى كل من يبشر بالعرقنة والأفغنة والصوملة – لا بشرهم الله بخير – فالصوملة معناها انتهاك الحرمات.. حرمات الدم والمال والعرض، وأكثر ضحايا هذه الانتهاكات سيكونون النساء والأطفال.
صاحبة هذه القصة من حُسن طالعها وربما دعوات والديها أنها وقعت في أيدي أسرة كريمة وأمينة احترمت إنسانيتها وآدميتها وعرفت أنها عزيزة وممن قيل فيهم "ارحموا عزيز قومٍ ذل", فرحمتها وأكرمتها. وهذه الفتاة ذاتها رفضت أسر كثيرة تشغيلها لجمالها, وأتذكر, والله ما على أقول شهيد, إن سيدة شابة محترمة كانت بحاجة إلى مساعدة تشتغل عندها قالت لي ضاحكة: "هذه باين أنا بارجع أشتغل عندها", وأردفت: "قلنا لك جيبي لنا شغالة مش سيدة", وأضافت "هذه لن ترضى أسرة بتشغيلها خوفاً على رجالها من الفتنة". وحقاً هذه الفتاة كانت سيدة في دارها ترفل بالحرير وتتلذذ بأطيب طعام وكان تحت إمرتها العديد من الخدم والحشم. ولكن الزمن – زمن زياد بري – جار عليها فطردها من نعيم الوطن إلى ذل الاغتراب، ولأنها محظوظة فلم يطل بها المقام كثيراً في اليمن, بل لقد جاءتها الفرصة لتطير إلى أوروبا ولتتحرر من عمل الخدمة المنزلية المهين بالنسبة لكثيرات غيرها يقودهن سوء طالعهن للوقوع في أيدي أسر غير أمينة, لا تحترم آدمية الإنسان وكرامته واعتبار العمل المنزلي عمل شريف شأنه شأن أي عمل آخر يعين هؤلاء الفتيات على كسب عيشهن بالوسائل الشريفة بدلاً من الوقوع في براثن الجريمة أو الرذيلة.
وهناك فتيات للأسف الشديد ضاقت أمامهن الخيارات، ولم يكن أمامهن سوى البقاء في المخيمات أو العمل في البيوت, وتعرضن في كلٍ منهما لأسوأ أنواع الانتهاكات النفسية والجسدية.
ما يحدث اليوم في أبين ولحج, وقد ينتقل إلى عدن, يؤشر إلى أن التأريخ قد يعيد نفسه لتنتقل حرائر اليمن من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي في بربرة وكيسمايو وهرجيسة أو ربما أديس أبابا أو أسمرة, وربما إلى شمال الجزيرة أو شرقاً إلى ما بعد حدود المهرة, متعرضات لشتى صنوف العذاب والذل والمهانة إذا لم يظهر معتصم اليمن ليستل سيفه ويشحذ عقله ليذود عن نساء اليمن محنة قادمة لا محالة, وينقذهن كما أنقذ الخليفة العباسي المعتصم بالله بن الرشيد سيدة عمورية من مهانة الروم في القرن التاسع الميلادي, والذي بلغ به الاعتزاز بالشرف حد أنه حينما بلغه وقوع المرأة في الأسر وامتهانهم لكرامتها وهي تستغيث.. وامعتصماه.. وامعتصماه.. وضع كأسه جانبا وقد كان يهم بشربه, وقال: "لا شربته إلا بعد فك الشريفة من الأسر" وقد فعل. رحم الله المعتصم سليل الأسرة النبوية الشريفة ذا النفس الأبية والشرف والمروءة. فهل من معتصم آخر في اليمن ينقذ حرائره من النزوح والهروب.. وقد يكون أولاً نزوحاً داخلياً من منطقة إلى أخرى أو من محافظة إلى محافظة, ولأسر الشرائح الفقيرة, ولكن إذا ما استعرت واشتدت وانتشرت أتون النيران – لا سمح الله- فلا يستطيع أحد أن يتنبأ إلى أين سيكون الملجأ والمنجى، ولن توفر تلك الحرب بيوت العز والشرف مثل صديقتنا في هذه القصة التي فاجأتها الحرب قبل أن يرتب والدها أوضاعه وأوضاع أسرته, مما أضطرها وهي سيدة القصر أن تعمل خادمة منزل.
وهذه دعوة بالمناسبة لا لإنقاذ النساء والأطفال فحسب, بل لإنقاذ البلد ومقدراته وإمكانياته بإيقاف هذا الصراع المسلح العبثي الذي لن نجني من ورائه إلا الخسارة والندم. وإن كان تركيزي في هذا المقال على النساء, فما ذلك إلا لأستثير غيرة وحمية الرجال ونبصرهم بفداحة المصير الذي يقودونا إليه مع سبق الإصرار والترصد, وخاصة تلك الأطراف المخططة والمنفذة لهذا النزاع المسلح, مؤكدين لهم بأن نساءهم سوف يكّن أول الضحايا لهذه الحرب.. وكل واحد يضبط سلاحه ويعود إلى رشده؛ ليحمي نفسه وشرفه وشرف كل نساء اليمن.. بل وكل أبناء الوطن.