|
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
على خلفية تداول أنباء عن تسويات مفترضة أو محتملة ليس بجديد على خلفية الرؤية الضبابية للمشهد اليمني برمته منذ بدء هذه الحرب.
معلوم بأن الحالة اليمنية ليست بمنأى عما جرى ويجري في الإقليم، فالبؤر السياسية في المنطقة متداخلة ومتقاطعة، فالتحليلات والتوقعات تتزايد قبل أسابيع من جولة تفاوض مفترضة آخر الشهر الجاري نوفمبر، والتي أعد لها فور فشل لقاء سابق في مطلع سبتمبر الماضي.
ما استجد هو “نوعية” الضغوط الدولية والأميركية تحديداً على التحالف الذي تقوده السعودية فيما يتعلق بملف اليمن وبالتالي على مستقبل الاستقرار في اليمن على خلفية تداعيات حادثة مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، متزامنا مع تلويح عواصم غربية بوقف مبيعات السلاح للسعودية ولاسيما من الإدارة الأميركية بكل مؤسساتها التشريعية والسياسية وإمبراطوريتها الإعلامية.
تزامن تفاوض الأطراف اليمنية مع تداخل قضايا إقليمية ومحلية على خلفية القضية المذكورة فكل هذا ليس بمعزل عن أمور أخرى طي الكتمان، فتتداول الإنباء عن اتصالات سرية بين السعودية وإيران وكذلك وساطة باكستانية وكلها تتعلق بالملف اليمني.
وفي هذا السياق فرؤية ” ميسي” وزير الدفاع الأميركي تتلخص في أنها تقوم على محاولة تقديم «ضمانات لدول المنطقة تتضمن حماية أمنها القومي، عبر حزمة ضمانات تشمل حدودا منزوعة السلاح، ويمن دون صواريخ بعيدة المدى». وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها وزير الدفاع الأميركي صراحة عن هذا الأمر، وفي السياق نفسه أكد الوزير ماتيس «أن تلك الخطوات كفيلة بدفع عجلة التسوية السياسية في اليمن، دون الإشارة إلى المرجعيات والقرارات الأممية». وأظهرت تصريحات “ماتيس” في مؤتمر (حوار المنامة) تزايد الرهان الدولي على إحراز تقدم في جهود السلام في اليمن من خلال الجهود التي يقوم بها المبعوث الأممي “مارتن جريفيثس”، والتي من المفترض أن تتوج، في نوفمبر القادم، بعقد جولة جديدة من المشاورات في إحدى العواصم الأوروبية.
التي خلت من أية إشارة للقرارات الدولية المتعلقة بالملف اليمني، أو شروط الحكومة اليمنية بشأن اي تسوية سياسية- بأنها محاولة لإعادة إحياء خطة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري العابرة للمرجعيات اليمنية والدولية، والتي قوبلت برفض شديد من الشرعية اليمنية حينها. ويتصف الموقف الأميركي بالتناقض تجاه القضايا العالقة في المنطقة، فبينما تتخذ واشنطن موقفا متصلبا إزاء إيران وحزب الله، فإنها تتبنى في ذات الوقت الرؤية الأوروبية المتساهلة مع المليشيات الحوثية. وعلى صعيد متصل، قام وفد المفاوضات الحوثي برئاسة محمد عبدالسلام بزيارة إلى العاصمة موسكو، حيث التقى بمسؤولين في الخارجية والاستخبارات الروسية. وأكدت مصادر سياسية أن تلك الزيارة على علاقة بإشارات سابقة بعثتها موسكو بشأن إمكانية مشاركتها بفاعلية في الملف اليمني كضامن دولي لالتزام المليشيات الحوثية بأي تسوية سياسية، إلى جانب الضامن الإقليمي المتمثل في سلطنة عمان.
وفي محاولات شبه يائسة يحاول التحالف إسناد قوات المقاومة المشتركة لإحراز نصر عسكري خاطف قبيل انطلاق الجولة القادمة من مشاورات السلام، ويعكس هذا ان الجبهات تسخن وتبرد تبعا لترمومتر المواقف السياسية وليس كمبدأ بنية التحرير، وألا لكان التحالف عمل شيئا خلال سنوات الحرب فيما تستميت ميلشيا الحوثي لإفشال أي تقدم عسكري للتحالف قد ينعكس على المسار السياسية في الأيام القادمة.
ويتفق الكثير من الخبراء والسياسيين، على أن الإدارة الأميركية تريد “توقف مؤقت” للحرب وليس نهايتها، او على الأقل انتهاء الحرب بشكلها الحالي.. ما يضمن استمرار بقاء الحوثيين كقوة تهدد السعودية، وبذلك تظل المملكة رهينة الحاجة إلى سلاح وحماية أميركية، وبالتالي انتعاش الخزينة الأميركية بمليارات الدولارات مع ضمان استمرار تدفق النفط الذي تحتاجه الشركات الأميركية، وتلك معادلة لا تضع في الحسبان سوى المصالح الأميركية ولو على حساب تحول الشرق الأوسط، إلى ساحة حرب مفتوحة ومنطقة مضطربة.
لا تبدو رؤية وزير الدفاع الأميركي في جوهرها دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بقدر ما تحمل معها رؤية غربية لتنفيذ طلبات مليشيا الحوثي الانقلابية.، فهي تعطي حركة الحوثي أكثر مما يطلبوه علناً !
فهو يقدم منطقة حكم ذاتي للمليشيا -لم تحدد جغرافيتها- مقابل لا شئ فيما يتعلق استعادة الدولة بقيادة الحكومة الشرعية والذي شن التحالف هذه الحرب تحت هذه اللافتة، بل ان ما يلمح له من حلول من أجل معالجة الآثار الجانبية للحرب وهي إطلاق الصواريخ الباليستية ونشوء المعارك الحدودية مع السعودية.
وكأنه تنفيذ حرفي لما يطلبه الحوثيون بـ”تعليق الغارات الجوية” مقابل “وقف الصورايخ الباليستية والهجمات على الحدود.
وهذا الإيحاء لمؤشرات فرض حلول جاهزة يأتي بداهة على خلفية مضمون كلمة وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر الأمن في البحرين أواخر الشهر الماضي أكتوبر والتي يذهب بعض المحللين السياسيين بأنها ضمن رؤية أميركية لتسوية ما بعد الحرب في اليمن والتي تأتي في مرحلة تقهقر للسياسة السعودية اثر تداعيات “قضية خاشقجي”.
وأقل ما يمكن قوله عن رؤية “ماتيس” لإنهاء الحرب في اليمن أسوأ بمراحل من مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري قبل نحو عامين (2016) التي تقوم على ثلاثة أسس: ” تقترح الخطة حلاً من ثلاثة بنود رئيسية هي: حكومة وحدة وطنية، وانسحاب المسلحين من المدن والمؤسسات، وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث”. وكانت الحكومة اليمنية قد رفضت “مبادرة كيري” جملة وتفصيلا
هو حل لإشكالية ومخرج للسعودية من مستنقع اليمن وليس لليمن. فحل مشكلة عدم استقرار اليمن نفسها فيما بين شعبها لا تكمن بمنطقة منزوعة السلاح فهذه جزئية تخص السعودية فقط
وبداهة ليس وفاء للسعودية بل تكتيك لابتزازها مستقبلاً بفزاعة “الحوثي” فمنذ مجي إدارة “ترامب” والمبادرات والتلميحات لما يسموه ( أقليات، حكم ذاتي، مناطق آمنة منزوعة السلاح وتهدف عملية إنشاء مناطق آمنة إلى توفير التدخل الإنساني من خلال ممرات آمنة لحماية مدنيين حقوقهم مهدورة ويتعرضون للتعذيب، من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن بناء على توصيات لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهذه الظاهرة ليست جديدة في العلاقات الدولية، فقد قامت الأمم المتحدة بالتدخل في عدد من الدول بهدف التدخل لحماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان، وحماية الأقليات وتقديم المساعدة الإنسانية، بينما وردت مفردة أقلية في خطة كيري الوزير السابق للحوثيين فلا يعقل ان تعزل هذه الأقلية وهي حصان طروادة للإدارات الأميركية المتعاقبة.
تسعى واشنطن في حال نفذت خطتها إلى استحداث منطقة آمنة حدودية منزوعة السلاح والمناطق الآمنة (Safety Zones) بالمناسبة مصطلح غير رسمي، لا تعريف له في القانون الدولي، يضمّ عدداً متنوّعاً من المحاولات الهادفة لحماية مناطق معينة، بإعلانها مناطق خارج نطاق الاستهداف العسكري.
فواشنطن اذاً لا تريد وقفا لهذه الحرب وليس نهايتها بمعنى إيجاد حلول ومخرج لكلا من السعودية والطرف الانقلابي ليس إلا، فلو كان الهدف القضاء على جماعة الحوثي لاتخذت الحرب مسارا آخرا، أقله التركيز على العاصمة صنعاء، وتكثيف كل الجهود والقدرات لاستعادتها، أما المسارات الراهنة وقد توقفت الحرب على مشارف العاصمة، فيما تركزت على الأطراف حيث الحدود اليمنية السعودية في “صعدة وحجة”، وفي الساحل الغربي لاستعادة الحديدة، فالظاهر منها أنها فقط للضغط على الحوثي لينخرط في مفاوضات الحل السياسي، مع الإبقاء عليه كقوة سياسية، وحتى عسكرية في البلاد.
فالحوثي على استعداد للتماهي مع حلول كهذه فهو برجماتي وليس بعدوا عدوا القوى الغربية بقدر ما تتقاطع مصالحها معه للحد من نفوذ قوى الإسلام السياسي السني كما يصورها الغرب او كما يصورها إعلام الحوثي نفسه.
ومن هنا فيستبعد تسوية مفترضة ممكنة من خلال مفاوضات آخر الشهر الجاري برعاية اممية، في مثل هذا الوضع السياسي والعسكري الراهن، فما تريده الشرعية لن يقبله الحوثي بالمفاوضات، وما قد تسعى الدول الغربية لإقناع الحوثيين به من خلال مقاربة المسألة من خلال الصواريخ البالستية، و الحدود، والسواحل، لا يبدو أن الحوثي سيقبله أيضا، أما الحديث عن بقاء الحوثي كقوة عسكرية في الهضبة فهو أمر لا تملك الشرعية الجرأة على القبول به، ما يؤكد أن لا تسوية سياسية ممكنة في
القريب العاجل، كما لا حسم عسكري قريب في ظل التباينات الواضحة بين ما تريده الشرعية، وبين ما يريده التحالف العربي، او ما تريده القوى الغربية المؤثرة عليه.
أعتقد أن الحكومة اليمنية الشرعية ستتريث في أي مفاوضات قبل ان تتضح القضايا المستجدة على دول الإقليم وبداهة لها علاقة جدلية بما سيحدث في اليمن بل ومن باب النصيحة في حال التئم لقاء تشاوري او تفاوضي آخر الشهر أن لا يقفز المتحاورون لحلول طوباوية تحقق فقط أهداف الطرف الانقلابي وتنقذ التحالف ولا تتعمق لأصل وجوهر الإشكال عودة الشرعية وطي صفحة الانقلاب، وبداهة يتأتى ذلك بأن يقتصر أي لقاء على إبداء حسن النوايا كما أعلن في جنيف الملغي في مطلع سبتمبر أي أن يركز على حلول إنسانية مستعجلة ” ملف الأسرى والمختفين قسرا ” والممرات الإنسانية الآمنة، قضايا انقطاع المرتبات لأكثر من عامين، انهيار العملة وبالتالي وضع البنك المركزي الخ وفي حال توصلوا لبعض الحلول سيكون انجاز كبير وواقعي ومن خلاله ستظهر النوايا لجولة مفترضة لاحقة
وفي حال افترضنا تمت هذه الرؤية ومن ثم تتم تسوية يتساءل الشارع اليمني هل استمرت الحرب لتنتهي بهذه التسوية
هل اكتملت الصورة بعد أربع سنوات من حوثنة الدولة وماذا تحقق من عاصفة الحزم ؟ وهل تسوية وفق هذه الرؤية تحقق سلام مفترض ودائم لليمن
هل اكتملت الصورة بعد أربع سنوات من حوثنة الدولة وماذا تحقق من عاصفة الحزم؟
تسوية تضمن بقاء الحوثي سواء بمشاركة في السلطة او ما يسمى بحكم ذاتي حلول تصب في حل مشكلة الحوثي وليس مشكلة اليمن، رغم أن الحوثي في أضعف حالاته لكن مثل هكذا تسوية ستعيد له الروح.
مبادرة لا تختلف عن مبادرة كيري التي جوبهت برفض الشرعية، الظروف هذه المرة مختلفة وهي بداهة تصب لصالح الحوثي
مساعي لإنهاء الحرب بأي صيغة فأي تسوية تمهد وتهيئ لحرب تلد أخرى ليست تسوية بل شرعنة للحوثي بشكل أو بأخر. فإيقاف الحرب بأي ثمن ليست أمنية الشعب اليمني.
وتسوية بهذا الشكل بمثابة رصاصة الرحمة على الوحدة الوطنية سوى وحدة اليمن بشكلها الحالي او وحدة المحافظات الشمالية نفسها.
عشرات الآلاف من الضحايا ومثلهم جرحى وملايين مشردين داخل اليمن وخارجه وأكثر من عامين بدون مرتبات وانهيار للعملة ونسيج اجتماعي مفكك وفي نهاية الأمر نفطر ببصلة.
في الخميس 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 08:17:19 م