فهمي هويدي: حرب غزة لم يكن تحدٍ عابر بل كان إنجازًا قَلَب الموازين
بقلم/ مأرب برس - متابعات
نشر منذ: 6 ساعات و 53 دقيقة
السبت 01 فبراير-شباط 2025 07:55 م

 

 

مأرب برس- إنسان للإعلام-

 

في ظل التحولات الجيوسياسية والتوترات المتزايدة التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية، يبرز الحديث عن توازنات القوى وأدوار الفاعلين الإقليميين، خاصة في ظل الصراع الدائر في فلسطين.

 

في هذا الحوار الخاص لـ"مركز إنسان للدراسات الإعلامية"، يقدم المفكر والكاتب الصحفي الأستاذ فهمي هويدي رؤية تحليلية معمقة حول المشهد السياسي الراهن، متناولاً قضايا رئيسية مثل: الدور الإيراني، الصراع العربي "الإسرائيلي"، واقع الإعلام العربي، ومواقف الدول المختلفة من المقاومة الفلسطينية.

 

ما الذي أضافته التغطية الإعلامية لأحداث "طوفان الأقصى" للمشهد الإعلامي العربي؟

الإعلام العربي ليس منفصلاً عن السياسة، بل هو جزء من أدواتها. ومن الخطأ الاعتقاد بأن هناك حرية إعلامية مطلقة، فمعظم المؤسسات الإعلامية العربية تعمل وفق توجيهات سياسية واضحة.

 

ويشهد الإعلام في العصر الحالي تحولات جذرية، بعيدًا عن النموذج التقليدي الذي كان سائدًا قبل خمسة أو ستة عقود، فلم يعد الإعلام يعتمد فقط على التوجيهات المباشرة، بل أصبح أكثر تعقيدًا، ويتأثر بالواقع السياسي لكل دولة على حدة، فالمشهد في فلسطين يختلف عنه في سوريا، كما أن طبيعة التفاعلات في العراق ولبنان تتباين وفقًا للتحالفات والخلافات الخاصة بكل بلد.

 

في السياق المصري، لم تكن هناك مشكلة جوهرية مع سوريا، غير أن بعض التصرفات الإعلامية والشخصية زادت من حدة التوترات. ويبرز في هذا السياق دور أحمد المنصور، الذي اتسمت تحركاته بعدم النضج السياسي، حيث ظهر في مشاهد مصورة مع أشخاص ملثمين، يحمل مسدسًا، في استعراض بعيد عن الجدية السياسية، أقرب إلى محتوى مواقع التواصل الاجتماعي منه إلى الفعل المؤثر.

 

هذه الخطوة لم تسهم إلا في تعقيد العلاقات، وفتح ملفات حساسة متعلقة بالمقيمين في الخارج، والتنظيمات المتطرفة، والجماعات العائدة من مناطق النزاع كسوريا.

 

وفي سياق آخر، لم يكن ظهور عبد الرحمن القرضاوي في المسجد الأموي سوى حركة استعراضية بلا تأثير سياسي حقيقي، فالنشاط السياسي الفاعل لا يُبنى على استعراضات إعلامية، بل على عمل منهجي واستراتيجي بعيد عن الضجيج غير المدروس، والمناضل الحقيقي لا يعلن عن نضاله عبر وسائل استعراضية، ولا يسعى لإثارة الانتباه بطرق تضر به وبمحيطه.

 

كيف ترى مسألة الهدنة الآن؟ وهل ترى أن الوسطاء فعلا ضامنين حقيقيين لهذه الهدنة أم سيتم التلاعب بهم؟

يجب أن نكون واقعيين. الأطراف التي نتعامل معها، مثل "إسرائيل" وأمريكا، ليست جديرة بالثقة، فهي كاذبة ومراوغة بطبيعتها.

 

لقد رأينا كيف تم تأجيل الاتفاقيات مراراً لإعطاء "إسرائيل" الفرصة لمواصلة عدوانها، و"إسرائيل" لم تحقق أي هدف استراتيجي من حربها، فرغم مرور أكثر من عام على بدء الحرب، لم تتمكن من تحقيق أهدافها الأساسية، إذ لم تنجح في القضاء على حركة حماس، ولم تستطع فرض التهجير الجماعي على الفلسطينيين، كما فشلت في نزع سلاح المقاومة.

 

على العكس، أثبتت حماس قدرتها على الصمود والمقاومة حتى اللحظة الأخيرة، حيث استمرت في تنفيذ عملياتها العسكرية رغم الضغط الهائل، والقصف المكثف، الذي يعادل إسقاط 34 قنبلة ذرية على قطاع غزة، لم تتراجع الحركة عن مواقفها المبدئية، بل حافظت على ثباتها، وإن تفاوضت حول تفاصيل تنفيذ بعض الشروط.

 

من منظور استراتيجي، خاض الفلسطينيون حربًا ضد تحالف يضم "إسرائيل" والولايات المتحدة، واستطاعوا الصمود في وجه قوة عسكرية جبارة، مما يُعد انتصارًا نسبيًا، فإسرائيل، التي كانت تتوقع استسلامًا سريعًا، وجدت نفسها أمام مقاومة لم تعهدها من قبل، وهو ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى الاعتراف بأنهم يواجهون "عدوًا لم يعرفوه في أي مواجهة سابقة"، بل إن التقارير تشير إلى أن ثمانية أعضاء في الحكومة "الإسرائيلية" ذرفوا الدموع خلال أحد الاجتماعات، بعد اضطرارهم إلى تقديم تنازلات لصالح الفلسطينيين.

 

بهذا، تثبت الوقائع أن الصمود الفلسطيني في هذه الحرب لم يكن مجرد تحدٍ عابر، بل كان إنجازًا استثنائيًا قلب الموازين، وأجبر "إسرائيل" على إعادة حساباتها.

 

وبالتالي، فإن الحديث عن دور الوسطاء مثل مصر وقطر يجب أن يُفهم في سياق اللعبة السياسية. لا أحد يستطيع أن يدعي أنه صانع الانتصار الفلسطيني، وهؤلاء لعبوا أدوارًا مساعدة فقط، وكانوا في المطبخ الدبلوماسي أكثر من كونهم صانعي قرارات مصيرية.

 

نشرت أربع صحف "إسرائيلية" رئيسية مقالات عن الهزيمة.. ماذا يعني هذا؟

نشر أربع مقالات في الصحف "الإسرائيلية" الرئيسية حول "الهزيمة" يشير بوضوح إلى أزمة داخلية عميقة في "إسرائيل". هذا ليس مجرد تحليل سياسي، بل هو اعتراف من داخل المؤسسة الإعلامية "الإسرائيلية" بأن الحرب لم تحقق أهدافها، وأن المقاومة الفلسطينية صمدت رغم الحصار والقصف المكثف.

 

ومن الضروري الاعتراف بأن الفلسطينيين خاضوا معركتهم وحدهم، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه قدم لهم دعماً حقيقياً. الدولة الوحيدة التي يمكنني أن أذكرها في هذا السياق هي إيران، التي كانت الأكثر تسليحاً لهم، والفلسطينيون بدأوا القتال، وكانوا في حالة استعداد دائم لهذه الحرب رغم الحصار المفروض عليهم لمدة 17 عاماً، ونجحوا في التكتم الشديد على تحضيراتهم، لدرجة أنه لم تتسرب أي معلومات حول ما كان يتم التحضير له.

 

وفيما يتعلق بالحادثة التي حدثت مع يحيى السنوار، نجد أن استشهاده قد فضح "الإسرائيليين" أكثر مما أساء له، والعصا الخشبية التي كانت معه والتي استخدمها في تلك اللحظة جعلته يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وأثبتت أن كل شيء حدث كان بإرادة الله.

 

أما بالنسبة لدور الوسطاء مثل قطر ومصر وأمريكا، يمكن القول إن هناك مساعٍ للمساعدة، لكن لا يمكن نسبة أي نجاح حقيقي إليهم. فعلى سبيل المثال، إذا كانت مصر تروج لدورها في وسائل الإعلام المحلية، فالجميع يعلم أن هناك محدودية حقيقية في قدرتها على التأثير في الوضع. حتى هذا الكلام الذي يروج في الصحف المصرية يهدف إلى إرضاء القيادة السياسية، لكنه لا يعكس الحقيقة ولا يعبر عن الواقع الذي يعيشه الناس. كما أن الدور القطري، رغم كل ما يقال، لا يعدو كونه جزءًا من جهود أكبر، يشارك فيها الأمريكيون أيضًا.

 

وبالنسبة للتدخل الأمريكي، فإننا نحتاج إلى أن نفهم هذا السياق ضمن قواعد اللعبة السياسية. فلا يمكن اعتبار تصريحات أو جهود الدول الكبرى في هذا المجال انتصارات حقيقية، لأن من يخسر في النهاية سيكون الفلسطينيون أنفسهم، الذين يفقدون أرواحهم ومنازلهم وأحباءهم.

 

عائلات كامله في غزة مُحيت من السجلات المدنية.. كيف ترى ذلك؟

ما حدث في غزة ليس مجرد خسائر بشرية، بل إبادة موثقة.. لكن "الدم غلب السيف"، كما تقول الحكمة التاريخية، فرغم كل الأسلحة المتطورة، وجدت "إسرائيل" نفسها في مواجهة ضمير عالمي بدأ يتغير، خاصة بعد أن حذرت حكومتها جنودها من السفر خوفًا من ملاحقتهم قانونيًا بجرائم الإبادة.

 

 المدفونون تحت الأرض يطاردون الأحياء، كما وصفها محمود درويش في قصيدته: "حاصر حصارك، أنت تحاصر حصارك وأنت مدفون تحت الأرض".

 

وعندما نتحدث بجدية، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. إذا كان الهدف هو مجرد المجاملة لإسعاد الرئيس أو لرفع المعنويات، فهذا شيء مختلف، لكن عندما نتحدث بواقعية ونعرف الوضع عن كثب، فإن الحقيقة مرة، مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعانون من الجوع والتشرد والقتل والدمار، وتم هدم بيوتهم ومستقبلهم بالكامل.

 

كل هذه المآسي حدثت على الأرض، أما عن حديث وسائل الإعلام وكتابات السوشيال ميديا، فقد فضحت الفجوة بين ما يُقال في الخارج وما يحدث فعلاً على الأرض.

 

لابد أن نتحلى بالتواضع والاحترام، لأن هذا الموضوع أكبر من أي مجاملات، فهناك حوالي 50,000 شهيد، بالإضافة إلى أعداد كبيرة ما زالت تحت الأنقاض، وهناك العديد من القصص الإنسانية المأساوية التي لا يجب أن نتجاهلها أو نستخف بها.

 

هذا واقع لا يمكن الجدال فيه أو تحريفه من باب الأدب والحياء، وإذا كان هناك من لا يرى هذا الواقع، فنسأل الله أن يهديه، لأن الحقائق واضحة أمام الجميع.

 

بماذا تفسر دخول ترامب في المشهد الفلسطيني بهذه الصورة؟

دخول ترامب في المشهد لا يعني ضمان الهدنة أو التوصل إلى حلول دائمة، فالمرشحون الرئاسيون يقولون الكثير خلال حملاتهم، ولكن عند الوصول إلى السلطة، يواجهون واقعًا مختلفًا.

 

والكونغرس، مجلس الشيوخ، اللوبيات، والصحافة الحرة كلها عوامل تحد من حركته.. صحيح أن ترامب يُرعب أوروبا، لكن تأثيره على المعادلة الفلسطينية-الإسرائيلية يبقى محدودًا ضمن إطار المصالح الأمريكية وليس وفق خطابه الشعبوي.

 

مثلا، عندما كنا صغارًا، كان لدينا هتاف في المدرسة يقول: "مصر والسودان لنا وإنجلترا إن أمكننا"..كنا نهتف بذلك، وكان من ضمن الهتاف "إنجلترا إن أمكننا". الهتاف في الشارع ليس مكلفًا، كل ما يتطلبه هو رفع الصوت، لكن الحسابات والتحديات التي تأتي مع تنفيذ هذه المواقف على أرض الواقع تختلف بشكل كبير. وعندما نتحدث بجدية، نواجه حسابات أخرى، ومن هنا تأتي حدود ترامب.

 

هل تعتقد أن إيران في حالة انحسار أم أن ما يحدث مجرد توقف مؤقت يعقبه انتشار جديد؟

لا، لا يمكن القول بأن إيران في حالة انحسار. هناك مسألة أساسية يجب إدراكها، وهي أن إيران تعد حليفاً رئيسياً في المنطقة، كما أنها الممول الأساسي للمقاومة الفلسطينية. إلى جانب ذلك، فإن إيران وتركيا يشكلان عمودين رئيسيين في العالم الإسلامي، لذا فإن التعامل مع إيران يجب أن يكون بناءً على مواقف سياسية وليس على أسس طائفية.

 

أنا أختلف مع السياسة الإيرانية في بعض الأمور، لكنني لا أرى مبرراً للصدام الطائفي مع الشيعة أو استخدام مصطلحات مثل "المجوس"، فهذا خطاب عبثي ومدمر. المشكلة الأساسية تكمن في أن الدول العربية نفسها تفتقد إلى قاعدة سياسية ثابتة تستند إليها، فلا السعودية ولا الإمارات تمثلان بديلاً عن إيران وتركيا، فإيران وتركيا هما الدولتان الأكثر تأثيرًا، وهذا لايعني التقليل من مصر باعتبارها دولة ذات تاريخ ودور إقليمي محوري.

 

يمكنك أن تختلف مع إيران، أن تدين سياساتها أو تنتقدها، لكن عليك أن تدرك حدودك. هناك فرق بين العتاب والخصومة، وأنا أمارس العتاب منذ أكثر من أربعين عاماً، فقد كنت أول صحفي عربي ذهب إلى إيران في الأسبوع الأول بعد الثورة، وما زال موقفي ثابت من فكرة الاختلاف.

 

بعد استهداف حزب الله تصاعدت موجة التحريض ضده.. كيف ترى ذلك؟

يمكن الاختلاف في السياسة، ولكن لا بد من معرفة الحدود. عندما يُقال إن "الإيرانيين مجوس وروافض"، فهذا خطاب غير مقبول، بل إنه يدل على سطحية في الفهم السياسي.

 

 علينا أن ننتقد سياسات إيران إذا أخطأت، ولكن لا يجب أن نسمح بخطاب الكراهية الطائفي الذي لا يخدم سوى أعداء الأمة