يد البطش الحوثية تطال ملاك الكسارات الحجرية في هذه المحافظة افتتاح كلية التدريب التابعة لأكاديمية الشرطة في مأرب اول دولة توقف استيراد النفط الخام من إيران تقرير حقوقي يوثق تفجير مليشيا الحوثي لِ 884 منزلا لمدنيين في اليمن. منفذ الوديعة يعود لظاهرة التكدس .. وهيئة شؤون النقل البري تلزم شركات النقل الدولية بوقف رحلاتها إلى السعودية المبعوث الأممي يناقش في الرياض مع مسئولين سعوديين معالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن وقضايا السلام أسباب وخفايا الصراع بين فرعي العائلة الملكية في قطر وقصة الجوهرة الماسية التي فجرت الخلافات توجه لإلغاء تقنية الفار من مباريات كرة القدم واستبدالها بـ(FVS).. ماهي؟ حمدي منصور لاعب نادي السد بمحافظة مأرب ينتزع ثلاث ميداليات ذهبية ويحقق أعلى النقاط في بطولة الأندية العربية للووشو بالأردن صورة.. هل ظلم الحكم الإماراتي المنتخب السعودي أمام استراليا؟
لا بد لأية ثورة أو دولة أو كيان من عوامل مهمة أساسية تكون عمود النجاح، ولا يمكن أن تنجح إلا بالأخذ بها، مهما كانت الظروف والأسباب.
عواملُ مختلفةً شكلت قوةً لنجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وأسهمت في نجاحِها، سنسردها تباعاً هنا من خلال قراءة متأنية وتحليلية لأحداث الثورة، وتشتمل –في رأيي- على خمس عشرة نقطة، على النحو التالي:
- مراجعة التجارب السابقة ودراستها دراسة متأنية والاستفادة منها، وعلى وجه الخصوص ثورة فبراير (الثورة الدستورية 1948). فبعد مراجعتها واستلهام دروسها من قبل الثوار، وخاصة أصحاب التجربة الذين خاضوها كالزبيري والنعمان والإرياني والفسيل وصبرة والمطاع والموشكي ودماج، وغيرهم. وكان من أهم الدروس تلك هي إعداد العدة، وعدم التسرع، وانتظار اللحظة المواتية، وتجييش الشعب، وغرس الفكر الثوري في أوساطهم، ونشر التوعية، وأهم نقطة فيها عدم استبدال إمام بإمام أو الاكتفاء بمجرد الإصلاح؛ بل الاجتثاث للإمامة من جذورها، والبحث عن سند إقليمي خارجي دون استعداء لدول الجوار.
- استقطاب جيش الإمام من الداخل بسلاحه، ونشر التوعية الثورية في أوساطه، وإظهار مظالم الإمامة على الشعب اليمني والجرائم التي تشيب لها الرؤوس. وفعلاً نشط العديد من الثوار بشكل شخصي أوساط الجيش الإمامي، وبعد استمالة العديد من الضباط تم تأسيس منظمة الضباط الأحرار، التي ما لبثت أن تم تغيير تسميتها إلى تنظيم الضباط الأحرار يتكون من قاعدة تأسيسية للضباط الأحرار (اللجنة العامة والقاعدة العريضة) تنتخب قيادة عامة لتنظيم الضباط الأحرار عبر الاقتراع السري، والالتزام بالنتائج دون اعتراض.
- التنظيم الدقيق، والعمل السري المثمر؛ إذ كان تنظيم الضباط الأحرار على حذرٍ تامٍ من عدم انكشاف تنظيمهم حتى لا يتم الإطاحة بهم كمن سبقهم من الثوار الأوائل، خاصة وهم يرون حصاد الأعناق من سفّاح لا يرحم حتى بمجرد الشبهة. فلا ينجح عمل ولا يثمر دون تنظيم دقيق وإعداد جيد، خاصة وهو قائم على ثورة مسلحة واجتثاث لأعتى حكم مستبد ومتخلف شهده العالم في العصر الحديث، وثورة لألف عام ليس بشكل لحظي أو زمن بسيط، وأن أبسط الأخطاء ستودي باليمن واليمنيين إلى الهاوية وتدفع الشعب اليمني إلى اليأس والقنوط من عدم التغيير واستحالته.
- شبابية الثوار؛ حيث كان جل الثوار شباباً أعمارهم بين الخامسة والعشرين والثلاثين عاماً، وهي مرحلة فتية لتأسيس الدول وخوض المعارك والوثوب بها وحسمها والنهوض بالدول وعمر الطموح للبروز وإثبات الذات وتحقيق المزيد؛ إذ يقدم الشباب على المهمات بحماس منقطع النظير، تساعده فتوته ونشاطه في سرعة الحركة والقوة والحماسة المتقدة نشاطاً وألقاً وعطاءً، وعدم تهيب المعارك أو حسبان حسابات معرقلة ومعيقة، ناهيك عن أن الشباب -خاصة إن لم يكونوا قد ارتبطوا بعائلات وأطفال- لا يلوون على شيء، ولا يوجد ما يشدهم إلى الوراء وما يقيد قلوبهم وعواطفهم وحركتهم.
فمن خلال مراجعة أهم الأحداث التاريخية الإسلامية نجد أن الشباب كانوا هم عامل الحسم الأول في المعارك، ناهيك عن تأسيس الدول وخوض المراحل المفصلية في التاريخين العربي والإسلامي.
لقد كان الشاب الملازم علي عبدالمغني، الذي أسس تنظيم الضباط الأحرار في تعز، ثم في صنعاء، عمره حينها لا يتجاوز خمسة وعشرين عاماً، وكان الدينمو المحرك للثورة الذي يتنقل من مكان إلى آخر حول قصر البشائر أثناء دكه بالدبابات ليلة السادس والعشرين من سبتمبر، وعين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد على رأس جيش المسلمين إلى الشام لمواجهة الروم، وهو يقدر هذه المسألة حق تقديرها، وهو ينظر لتأهيل الشباب ونقل القيادة بين أجيال الرسالة من الكبار إلى الشباب وصناعة قادة مستقبل الدولة، وفي الجيش من هو أقدم منه وأعلى مكانة وأكثر خبرة من خيرة الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، وكان عمره 18 عاماً فقط. وقد كان محمد بن القاسم الثقفي -حينما تولى جيش المسلمين لفتح السند- عمره 17 عاماً، وكان هارون الرشيد قائد جيش الدولة العباسية وعمره 15 عاماً، وتولى الخلافة في العشرين من عمره، وكان عمر طارق بن زياد حينما فتح الأندلس 28 عاماً، وكان عمر عبدالرحمن بن معاوية الأموي (صقر قريش) 24 عاماً حين أقام إمارة أموية في الأندلس (إسبانيا اليوم)، حتى جعلها مقراً لملكه، وما كان له اجتياز القفار والأنهار والبحار وركوب الخطوب لو لم يكن في سن الشباب، وكان عمر الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي رسول 26 عاماً، حينما أنهى الانقلاب وأسس الدولة الرسولية الثانية والكبرى في تعز، وكان عمر محمد الفاتح حينما فتح القسطنطينية 21 عاماً، وقد أعد جيشاً مكوناً من أكثر من ربع مليون جندي وفتح القسطنطينية، رغم معارضة الكهول بكل قوة للمغامرة بذلك الفتح.
فقد كان عمر معظم الضباط الأحرار في العشرينيات من العمر، وقلما بلغ منهم بداية الثلاثينيات، وهو عمر الفتوة والعطاء والشباب الحقيقي، عدا السلال والعمري وجزيلان والجائفي، الذين كانوا أكبر سناً من الآخرين، لكن الشباب هم الذين كانوا عمود الثورة ووقودها في الميدان، رغم نصيحة الكبار كالإرياني والنعمان بالتريث قليلاً وإصلاح البدر.
كل هذه الأمثلة هي منار أمثلة حية على إمكانية الشباب في قيادة الثورات وتأسيس الدول؛ ليسوا مثقلين بالأعباء من خلفهم، ويدفعهم الحماس والطموح إلى الأمام دون كثير من الحسابات المثبطة، وكما قيل: من يحسب حساب النهايات لا يمكن أن يصنع البطولات.
لم يكن سهلاً بناءُ تنظيمِ الضباط الأحرار وبروزُهم كمعارضين للإمامة، ناهيك عن القيام بثورة مسلحة، وهم كانوا يرون رؤيا العين مصيرَ الثوار السابقين وهي تقطع أعناقُهم كمنظرِ إرهابٍ تنخلعُ له قلوبُ الشجعان، ويُحْجِمُ عن الثورةِ كلُّ مغوار، لكن هؤلاء الضباط رأوا مشيخَ الإمامة وترهلها، ونضجَ الظروف وتغيرَ موازينِ القوى، وتذمرَ الشعب من حكم الإمامة، وتوق الناس للانعتاق، فباعوا أنفسَهم لله والوطن، وغدوا فدائيينَ حقيقيينَ للوطن، افتدوا بأرواحِهم ومُهَجِهِمُ الوطنَ والشعب، وحملوا أكفانَهم وأرواحَهُم على أكُفِّهِم، لينطلقوا ثائرين لا تشدُّهم إلى الوراء نزعاتُ اليأسِ ولا حبُّ الحياة، ولا دموعُ البنين والأمهات والزوجات وأرحامٌ يخشونَ عليهمُ الفاقةَ وأحزانَ المصير، ولا الحسابات الضيقة، فقد كان خلاصُ اليمن في عيونهم فوق كل حساب.
- الشجاعة والتضحية، فقد كان شباب الضباط الأحرار ومعهم القيادة العليا، تتَّقِدُ فيهمُ العزيمةُ وروحُ التضحيةِ والبسالةُ والشجاعةِ والاستماتةُ في سبيل غايتهم الأسمى وهي التحرر من الكهنوت والعبودية. وهذه لها أمثلة كثيرة وكبيرة؛ حيث انبرى منهم فدائيون في اللحظات الحاسمة، يتقدمهم أولُ فدائيي الثورة النقيب حسين السكري، الذي أوكلت له مهمة اغتيال البدر في قصر البشائر بعد اجتماعه بحكومته، وأن يكونَ هو صاحبُ الإشارة والشرارةِ الأولى لتفجير الثورة، ما إن يسمعِ الثوارُ صوتَ رصاصاتِه في القصر حتى تدك الدبابات ذلك القصر بمن فيه، لكن سلاحَه خذله في أحرج اللحظات وقت التنفيذ، ثم كان الفدائي الآخر الملازم محمد الشراعي، صاحب الدبابة والطلقة الأولى، ثم بمدفعه الذي استبدل به الدبابة التي تعثرت بعد طلقتها الأولى لينتهي محترقاً فيه مع ثائرَينِ آخَرَين هما الملازم عبدالرحمن المحبشي، والعريف أحمد العزكي، ليكونوا أول شهداء وفدائيي الثورة.
- وجودُ مشروعٍ جامعٍ وهادٍ يهديهم إلى غاياتِهمُ النبيلةِ وأهدافِهم السامية، لم يقدموا على الثورة إلا وقد حسبوا لكل شيء حسابه، ورتبوا للثورة أهدافاً سامية وغايات نبيلة، وحددوا نوعية النظام وتوجه الدولة، واختاروا الرئيس قبل تفجير الثورة، ولم يؤجلوا الاختيار لما بعدها فيتقاتلون على الرئاسة، وإن حاول بعضهم بعد الثورة قطف ثمارها قبل أن تنضج، بحسب مذكرات كثيرٍ من رجالها.
- تشكيلُ روحِ الفريق الواحد، وعدمُ وجودِ الخلافاتِ التي هي داءُ الثوراتِ وسُمُومُها، فقد شكلوا أثناء تفجير الثورة قيادة تقودها وتشرف عليها برئاسة السلال، ومجلس يضم علي عبدالمغني وجزيلان والعمري وعبدالسلام صبرة. وتسبب خلافهم فيما بعد الثورة بإضعافها وحصول الانقلابات وصولاً إلى محاولة ترتيب الإمامة صفوفها وقيامها بحصار السبعين يوماً التذي كاد يسقط الجمهورية لولا الفتية المخلصين من الضباط الغيورين كعبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه الميامين.
- الإعدادُ الجيدِ والمرتب، سواء للتخطيط أو العتاد والعدة وغيرها، فقد قرأنا الكثير من الترتيبات الدقيقة التي أعدها الثوار في تعز للقضاء على الإمامة، فقد كانت منطقة الثورة وتفجير شرارتها من هناك والاستيلاء على القصر ومجمع العرضي وقلعة القاهرة والقلاع المجاورة، لولا أن تدخل القدر ومات الطاغية يوم 19 سبتمبر لتنقلب الخطط رأساً على عقب، وتفجير الثورة في صنعاء على البدر الذي بويع بالإمامة. أما أحرار تعز فقد سيطروا على كل مفاصل دولة الإمام ومخازنه وقصوره ومواقعه العسكرية وقلاعه الحربية دون أن يطلقوا رصاصة واحدة، وذلك يعود للترتيب المتميز الذي قام به الثوار هناك وعلى رأسهم الأب المؤسس عبدالغني مطهر الذي مول كل خطوات الثورة هناك بشراء الولاءات العسكرية وتموين التحركات وشراء وتجهيز السلاح وتوزيعه.
- سرعةُ المبادرةِ: أهم شيء وعامل من عوامل نجاح الثورة كان في سرعة اتخاذ القرار وأخذ زمام المبادرة دون تلكؤ أو تردد، وقد ضربنا مثالاً كيف سارع الأحرار إلى سرعة اتخاذ القرار بقصف دار البشائر حينما لم تصلهم إشارة النقيب السكري وفشل مهمته، سرعان ما تم اتخاذ القرار والبدء بالعمل المسلح بقصف دار البشائر. هناك من الآراء من تذكر أن الملازم علي عبدالمغني هو من سارع بتوجيه الأمر بالبدء، وكانت أول دبابة هي دبابة الفدائي الملازم علي الشراعي.
موقف آخر من مواقف زمام المبادرة، هو أن الحرس الإمامي تنبه أن السلاح الذي يخرج من المخازن لا يذهب به إلى القصر وإنما لاحظوا أنه يهرب تهريباً وبدأوا للتصدي للثوار من استكمال تهريب السلاح، إلا أن الضباط الأحرار اشتبكوا معهم وأقنعوا الحراسة بخدعة سريعة مكنتهم من استكمال أخذ السلاح والذخيرة، وأتموا مهمتهم في تهريبه، وتزامن ذلك مع بدء شرارة الثورة.
ومن خلال هذه النقطة تحديداً، وأنا أراقب أحداث الإنقلاب الحوثي على الدولة من دماج وحتى صنعاء، كان محور الارتكاز في الاستسلام وضرب الجمهورية والدولة هو عدم الأخذ بزمام المبادرة من قبل الدولة التي استظل الجميع بظلها، أو أي من القوى العسكرية المعارضة للتسليم، دون أن يتحركوا فخذل الرئيس هادي الدولة، وانكفأت الأحزاب تنتظر ما ستؤول إليه الأمور دون الأخذ بزمام المبادرة؛ لأن الدولة هنا وقفت موقف المتفرج بل ووقفت إلى جانب الانقلاب ضد كل من أراد التصدي له، فخذلت القشيبي واتهمته بأنه قائد مليشيا للإصلاح في مواجهة مليشيا للحوثي، وكانت القاصمة أن يزور رئيس الدولة عمران ويقول: عادت لحضن الدولة. كان الحوثي هو الوحيد الذي يمتلك زمام المبادرة ونجح في انقلابه، وعادت الإمامة مجدداً.
حاول الفريق علي محسن صالح، الذي كان في منصب مستشار الرئيس العسكري، استدراك الأمر، فارتدى زيه العسكري وذهب إلى مقر الفرقة الأولى مدرع لقيادة المعركة من هناك وتجميع المقاومين من حوله، لكنه كغيره خذل في اللحظات الحرجة قبل أن يطلب إليه الرئيس هادي مغادرة الفرقة والنجاة بجلده بينما كانت قذائف الانقلابيين الحوثيين وعلي صالح تنهال على الفرقة من كل صوب وبتواطؤ مكشوف من الرئيس هادي ووزير دفاعه الذي سلم كل شيء للانقلابيين، وهنا تحققت مقولة صالح بحروفها "سأسلم البلد لأيدي أمينة"!
- وحدةُ القرارِ والقيادة، وتمثل في مجموعة القيادة التي رأسها السلال والعمري والجائفي وعبدالسلام صبرة الذي كان الوحيد من بين المدنيين وهو حلقة الوصل والاتصال وموجه التوجيهات بين وحدات الثورة المختلفة، وما بين الأحرار المدنيين والعسكريين، وعلى رأسهم السلال، بينما كان ابنه الملازم عبدالله عبدالسلام صبرة يقود إحدى الدبابات السبع التي قصفت دار البشائر، دون التنازع على إنفاذ القرار الذي يقلب الموازين رأساً على عقب.
تشتت قوى الشرعية اليوم، في كيانات مختلفة، وعدم وحدت قرارها هو أساس كل بلية، وأساس قوة الانقلابيين الحوثيين، ولا يوجد بين المكونات من يقود زمام المبادرة للتصدي للحوثية وتمدداتها، بل من يبادر يتم خذلانه، كما كان موقف الرئيس السابق صالح في حروب صعدة، وحتى الجيش الوطني، الذي تصدى للحوثية وكاد أن يقضي على انقلابهم، والمعول عليه في استعادة الدولة، مازال يتعرض للخذلان كما تعرض القشيبي الذي حمل الجمهورية على عاتقه وهو يتصدى للانقلابيين الحوثيين في معسكره بعمران.
- الطاعةُ المنضبطةُ للقيادة، وهي أهم عامل تنفيذي توصل الخطة إلى النجاح؛ فعدم التنفيذ أو المنازعة في القرار والعصيان في اللحظات الحرجة تمثل رصاصة الرحمة الأخيرة على الثوار وتفشل كل نجاح، كما هو حاصل اليوم كثيراً.
لولا وجود هذه الطاعة المنضبطة في الثورة، بين مختلف وحداتها، وهي تتلقى التوجيهات والأوامر من قيادة الثورة التي كانت تقيم في مبنى الكلية الحربية من قبل الزعيم عبدالله السلال والعقيد حسن العمري والمقدم عبدالله جزيلان والملازم علي عبدالمغني، ما كان للثورة أن تنجح، ولتم التنازع بين قياداتها من أول أيامها، ولكن تمت الثورة بنجاح، وما بدأت النزاعات والاختلافات إلا بعد نجاح الثورة، وكان لأثر هذه النزاعات انتكاسات مختلفة على الثورة وعلى البلاد، وذلك لمحاولة بعض القيادات قطف ثمار الثورة قبل نضوجها لتصدر المشهد وحصر الثورة بأشخاص محددين، متناسين أنها كانت ثورة شعب بكل فئاته وشرائحه.
- استثمارُ الخلاف الأسري بين البدر وعمه الحسن والأسرةِ الحاكمة بشكل عام، كانت من النقاط الهامة التي ركز عليها الثوار؛ فقد كان التنافس على أشده بين الحسن والبدر، وإن كان قد تمت البيعة للبدر، وتأييد الحسن له لتوحيد مواقفهما في مواجهة الثوار، إلا أن الشرخ بينهم كان له تأثير كبير، وقد استغل السلال هذا الأمر أثناء التوجيه بفتح مخازن السلاح ومنحه للثوار.
- والأهمُ من ذلك كله عدمُ التردد والأخذُ بزمامِ المبادرةِ والمباغتة قبل أن يصطلحَ الحسن مع ابن أخيه الإمام المُتَوَّجِ لأيام. فالتردد لا يصنع الثورات وإنما يصنع المقابر لمن يقودونها؛ لأنهم في لحظة ضعف بسيطة من التردد تنكشف خططهم وتذهب رقابهم ضحية لذلك التردد، كما هو حال عبدالله الوزير؛ قائد ثورة 48 وإمامها المتوج لأيام؛ فقد كان متردداً وغير مستعد بجيش لمواجهة أحمد حميد الدين وجيشه القادم من حجة، إلا من بعض السرايا البسيطة التي لا ترقى إلى المواجهة الفاعلة، كانت النتيجة قطع عنقه مع بقية الثوار المساندين.
في أحرج اللحظات الحاسمة للثورة السبتمبرية، بينما لم تصل إليهم إشارة البدء من قصر البشائر بفعل انكشاف الملازم السكري، كان بعض الضباط الأحرار قد بدأوا بالتردد لعدم وجود الإشارة، لكن سرعة اتخاذ قرار القائد علي عبدالمغني والسلال أمرت بالبدء بالثورة وإطلاق قذائف الدبابات على قصر البشائر، وفي تلك اللحظة الحاسمة هي التي قادت إلى حسم الثورة والمعركة مع البدر في القصر.
- هناك نقطة في غاية الأهمية لنجاح أية مقاومة وأي كيان، وهي التلاحم الفردي والجماعي في تنفيذ المهمات والتحركات؛ وهي إيجاد نواة صلبة تسند بعضها بعضا، ويسند أفرادها بعضهم بعضاً بالتعاون والتضحيات مهما كانت الظروف؛ إذ لا نجاح لأية مهمة بدونها والانضباط فيها تقوم على التعاون والتكاتف والتنفيذ دون تردد التي تعتمد على الثقة والتكامل؛ فالعمل الجماعي مثمر مهما كانت الصعوبات، والعمل الفردي نتائجه بطيئة ومحدودة.
فإنكار الذات في هذه المواطن وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية الأنانية هي من أهم عوامل النجاح والنهوض، وتطبيق مبدأ الإيثار قبل كل شيء هو من أهم العوامل التي تتجاهلها الشخصيات والقيادات الأنانية التي تختزل كل شيء في ذاتها لحب الظهور والشهرة، وقد رأينا كثيراً من النماذج في تأسيس الدول والجيوش والكيانات التي كانت نقاطٍ مفصلية في صناعة التحولات تأتي من هذه النقطة تحديداً.
- مَثَّلَ العاملُ الخارجي والسندُ الإقليمي عاملاً مهماً من عواملِ نجاحِ الثورة؛ إذ مثَّلَ الدعمُ المصري اللا محدود من قِبَلِ الزعيم جمال عبدالناصر للثورة اليمنية أهمَّ عمقٍ وسندٍ خارجيٍ للثورة، على اعتبارِ أن لكل ثورةٍ عُمقاً وتأثيراً خارجياً يمكن أن يسهم بوأدها أو نجاحِها، فتم دعمُ الثورةِ بالسلاح والمقاتلين، ناهيك عن العَلاقاتِ الدولية وسعيِ مصر السريع للاعترافِ بالجمهورية، شكَّلَ لها تأثيراً بين الدول الأخرى التي سارعت للاعتراف بها بعد اعتراف مصر.
- كانت عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي عقود التحرر والمد الثوري في كل المناطق العربية، وكان لتأثر بعضها ببعض بفعل وسائل الاتصال المتمثل في ظهور الإذاعات والتلفزيونات، كان له الأثر البالغ في إنشاء جيل ثوري تخلق من قبل هذه التأثيرات، ناهيك عن التحركات السابقة التي شهدتها البلاد من عام 1936 وحتى عام 1962، وهي فترة تخلُّقِ جيل كامل غير الأجيال السابقة. ولقد لعبت إذاعة صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة الدور الأبرز في بث الوعي الثوري الجماهيري، وهو الصوت الذي كان يستمع له اليمنيون، وكان صوت الزبيري يصدح من ذلك المنبر ويجلجل في كل أنحاء اليمن، ما إن أتت فترة الخمسينيات إلا وقد كان ذلك الجيل يقود المظاهرات والاحتجاجات لأول مرة في اليمن، مما حدا بالإمام أحمد حميد الدين أن يهدد ويرعد في هذا السبيل، ويرسل وفداً للتفاوض مع الزعيم عبدالناصر على الأقل لإيقاف صوت النعمان والزبيري والأحرار هناك مقابل الانضمام للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تتكون من مصر وسوريا.
ومن خلال هذه المفاوضات يتضح مدى حجم وقوة تأثير هذا الصوت الإذاعي في الداخل اليمني جعل الإمام يفاوض في أهم القضايا السيادية، وإن كانت مراوغة مؤقتة منه.
ملاحظة هامة:
مع أن الإمام أحمد كانت عاصمة دولته مدينة تعز إلا أن كل صفقات الأسلحة التي اشتراها من الاتحاد السوفييتي كان يرسلها لتخزن في مخازن صنعاء، فلماذا لم يأخذ تلك الأسلحة إلى عاصمته ومقر حكمه تعز؟
الجواب ببساطة هو أنه بفكره العنصري السلالي والمناطقي لا يثق بتعز ومناطق السنة مهما كان عيشه فيها ومعرفته بها وإحكام قبضته عليها؛ فقد كان يدرك يقيناً أن حكمه مؤقتاً وماضٍ إلى زوال، وأنه يخشى ثورة في تعز يتم الاستيلاء على هذه الأسلحة واستخدامها ضده، لكنه من مأمنه يؤتى الحذر؛ فقد كانت الأقدار تعمل في الخفاء لإيصال هذه الأسلحة إلى مخازن في صنعاء ستطالها أيدي الثوار، وستكون هي العامل الحاسم لإنهاء الحكم السلالي الذي جثم على صدور اليمنيين أكثر من ألف عام.