عبدالفتاح … المفكر القائد والاديب المنظر
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: أسبوع و 9 ساعات
الأربعاء 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 06:29 م
  

تحتاج الشعوب في فترات انكسارها وعجزها إلى قراءة سيرة القادة الكبار لتجمع شتات الذاكرة الوطنية الجمعية وتستنهض قدرة الامة على صناعة قيادات فاعلة تتناسب وتحديات المرحلة.

 

الأديب والشاعر والقائد والمفكر الشهيد عبد الفتاح إسماعيل يمثل واحد من برز القيادات السياسية والوطنية والفكرية والثقافية اليمنية في القرن العشرين، الرجل المتواضع حد الروعة والسياسي المحاور بتميز وحنكة واقتدار حد الإبهار  

 

 يملك شخصية متعددة الأفاق واسعة الإطلاع متنوعة الأهتمام 

 

أدرك جيدا عمق المهمة التاريخية التي عاشها وحمل همومها وتطلعاتها 

 وتنوع عطائه الإبداعي والثقافي والسياسي وانصهر في عمق المجتمع واستغرق ذاته في الضمير الوطني بروح المثقف وحنكة السياسي ورمزية القائدة وإبداع الأديب وبسالة الثائر 

 

أحدٍ طلائع الثورة اليمنية في جنوب الوطن قائد جبهة عدن في الكفاح المسلح ضد الإستعمار البريطاني

واحد اهم ملهمي تجربة اليسار العربي، كان له موقعا متميزا وفاعلا في قيادة الجبهة القومية فقد وقع على تكليف القيادة العامة للجبهة القومية لقحطان الشعبي بتولي رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 

نقف في هذه السطور على اهم مراحل حياته ونضاله :

 

اولا: النشأة 

 

ولد في 11 جمادى الآخرة 1358هـ/ الثامن والعشرين من شهر يوليو 1939م، من أسرة فقيرة. 

في قرية صغيرة اسمها "الأشعاب" الواقعة في ناحية حيفان – محافظة تعز قلم الشعب وسيف الجمهورية

حاضنة الثورة وقبلة الحرية وحادية مسيرة النضال الوطني الشامخ, صانعة الأمجاد التليدة وشلال الدم المتدفق الحر, قلب اليمن النابض، ولاّدة الأحرار، نهر الثورة الذي لا ينضب ومخزونها المتجدد. 

 

تلقى تعليمه الأولي القراءة والكتابة في معلامة كتاب والده الفقيه إسماعيل

 

الطموح المبكر والهمة المتقدة جعلته يهاجر الى مدينة عدن, المدينة الباسلة حاضنة النضال ومعلمة الاجيال وقلعة الحرية التي انطلقت منها مواكب الاحرار لتحرير اليمن من كهنوت الإمامة واستبداد المحتل وفيها أكمل الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية بحي التواهي.

 

  في صفر 1375هـ/ أكتوبر 1955م التحق بمركز تدريب العمال في مصافي الزيت البريطانية B.P بعدن الصغرى،  

عمل في مصفاة تكرير النفط التابعة لشركة النفط البريطانية (بريتش پتروليوم) من عام 1957م إلى 1961م. 

والتحق بالحركة النقابية العمالية وأدّى نشاطه النقابي إلى فصله عام 1379هـ/ 1960م.

 

ثانيا:مسار العمل النضالي والسياسي 

 

 لعب ادورا نضالية في صنع الثورة وإنجاز الاستقلال ضد امبريالية انجلترا الاستعمارية وساهم بشكل الكبير في تأسيس وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية والتهيئة الفاعلة لقضية الوحدة والذود عن السيادة والحفاظ على استقلال وسلامة الوطن في ضل دولة الكادحين اليمنيين وكان فاعل مؤثر في حركة التحرر الوطني العربية والعالمية المعاصرة في النضال ضد القوى المناهضة للثورة والتحرر والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام . 

 

بدأ نشاطه السياسي في 1957 م وانظم إلى حركة القوميين العرب في العام 1959 م التي كانت قبلة المثقفين والزعماء السياسيين المناهضين للاستعمار الأجنبي في كل البلدان العربية، وساهم في تأسيس فرع الحركة في جنوب اليمن, وكان احد مفكريها ومن انشط عناصرها التنظيمية ساهم في تشكيل عدد من خلاياها حتى إعتقالة من قبل سلطات الاحتلال البريطانية في عدن بتهمة التحريض السياسي للعمال.

  

في أواخر عام 1379هـ/ 1960م عمل مدرّسًا في مدرسة الحسوة لفترة قصيرة، ثم التحق بالعمل مع أخيه المهندس والمقاول عبدالجليل إسماعيل, واستمر في مواصلة نشاطه السياسي والتنظيمي .

 

 في عام 1964م تولى مسؤولية العمل العسكري والسياسي للجبهة القومية في عدن، واختير عضواً في اللجنة التنفيذية القومية في عام 1965.

 

 تلقى دورة تدريبية على السلاح في إحدى مناطق لحج وتولى قيادة العمل الفدائي، وبدأت العمليات العسكرية ضد مراكز القوات البريطانية ومصالحها ومصالح عملائها وأصبح اسمه الحركي "عمر"، وكانت المساجد أماكن للقاء الفدائيين وإعداد الخطط ، وتوزيع المهام ، والقيام بالاعمال الفدائية ضد قوات الاحتلال.

 

شارك في التحضير للمؤتمر العام الأول للجبهة القومية الذي انعقد في شهر صفر 1385هـ/ يونيو 1965م بتعز، وانتخب عضوًا في المجلس التنفيذي، الذي شكل نقلة كبيرة في تصعيد الكفاح المسلح في كل مناطق الجنوب،

 

في صفر 1386هـ/ يونيو 1966م، عقد المؤتمر الثاني للجبهة القومية في مدينة جبلة، اقر فيه رؤية لمعالجة الموقف، عقب ذالك سافر وفد الجبهة القومية إلى القاهرة، وكان عبدالفتاح عضوًا فيه، وتم إجراء الحوار في الإسكندرية الذي توج باتفاقية الإسكندرية في 20 ربيع الآخر 1386هـ/ الثامن من أغسطس 1966م، وهي التي حددت العلاقة مع الجبهة القومية في إطار جبهة التحرير وتلا ذالك مؤتمر خمر للجبهة القومية المنعقد في أوائل شعبان 1386هـ/ ديسمبر 1966م، الذي أعلن استقلال الجبهة القومية عن جبهة التحرير،

 

في رجب 1387هـ/ نوفمبر 1967م ترأس عبدالفتاح إسماعيل وفد الجبهة القومية للحوار مع الرئيس جمال عبدالناصر في القاهرة.

 

 17 شعبان 1387هـ/ 20 نوفمبر 1967م، وصل وفد الجبهة القومية المفاوض برئاسة قحطان الشعبي إلى جنيف، حيث استمرت المفاوضات مع الوفد البريطاني تسعة أيام، وفي 26 شعبان 1384 هـ/ 29 من نوفمبر 1967م، واعلن فيه بيان الاستقلال، الذي قراءه عبدالفتاح وقرارات الجبهة بإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وتعيين قحطان الشعبي رئيسًا للجمهورية ولأول حكومة وطنية وعين الشهيد/عبد الفتاح اسماعيل وزير للثقافة والارشاد وشئون الوحدة اليمنية.

 

شارك في صياغة وثائق المؤتمر العام الرابع، وهو أول مؤتمر علني تعقده الجبهة القومية، في مدينة زنجبار محافظة أبين، واستمر من الثاني إلى السادس من شهر ذي الحجة 1387هـ/ الثاني إلى السادس من شهر مارس 1968م.

 

في 20 ذي الحجة 1387هـ/ 20 مارس 1968م، نشب الخلاف بين قيادة الجيش، والتيار اليساري، وتعرض عبدالفتاح إسماعيل إلى الاعتقال مع عدد من رفاقه

 

 وإلقائه في المنفى من قبل الجناح الأيمن لجبهة التحرير القومية. في المنفى صاغ مسودة برنامج جبهة التحرير القومية, البيان اليساري. أخذ على عاتقه قيادة وتعزيز الجناح اليساري لجبهة التحرير القومية

 

16 صفر 1388هـ/ 14 مايو 1968م، اعلن عن قيام حركة مسلحةً تهدف الى إسقاط سلطة الرئيس قحطان الشعبي  

وعاد عبدالفتاح إسماعيل بعد انتهاء علاجه في بلغاريا إلى تعز، وتمكن من قيادة الحوار مع رفاقه، وقيادة السلطة، وتوصل إلى صلح عاد بموجبه إلى عدن، كما عاد الآخرون؛ وقدم برنامج استكمال مرحلة التحرير الوطني، وهي الوثيقة التي شكلت الحد الأدنى لتلاقي وجهة النظر بين التيارين، ولكن الصراع استمر واستطاع مع رفاقه حسم الصراع مع قيادة السلطة والقيادة العسكرية المؤيدة لها داخل تنظيم الجبهة القومية؛ مما أدى إلى استقالة الرئيس قحطان الشعبي في 7 ربيع الآخر 1389هـ/ 22 يونيو 1969م، وحل محله مجلس الرئاسة برئاسة سالم ربيع علي، وأصبح عبدالفتاح إسماعيل الأمين العام للتنظيم السياسي في الجبهة القومية،

  

 ثالثا: الدور السياسي في بناء الدولة والحزب 

 

بعد استعادة السيطرة في عام 1969، أنتخب أمين عام للجنة المركزية لجبهة التحرير القومية, وعضو في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى حتى عام 1975.

.

 - عام 1970، انتخب رئيساً للجنة التنفيذية الدائمة. اخذ على عاتقة دوراً بارزاً في إجراء حوار بين الجبهة القومية للتحرير والأحزاب اليسارية الأخرى أدت نتائج هذه الخطوة إلى تشكيل الحزب الإشتراكي اليمني.

 

- عام 1971 انتخب رئيساً مؤقتاً لمجلس الشعب الأعلى .

 

وأعيد انتخابه أمينًا عامًا في المؤتمرين الخامس والسادس مارس 1972م، ومارس 1975م.

 

- 5 فبراير 1975م/ 23 محرم 1395هـ، قاد الحوار بين التنظيم السياسي للجبهة القومية، واتحاد الشعب الديمقراطي، وحزب الطليعة الشعبية  

 وأدّت إلى توحيد الفصائل الثلاث في مؤتمر توحيدي عقد في شوال 1396هـ/ أكتوبر 1976م، وخرج المؤتمر بدمج الفصائل الثلاث في تنظيم واحد هو التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية كحزب للسلطة، وانتخب عبدالفتاح إسماعيل أمينًا عامًّا له.

 

 - انتخب امين عام للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية وعضو هيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى وفي المؤتمر الاؤل للحزب الاشتراكي اليمني الذي عقد في الفترةمن11--13اكتوبر1978م انتخب امين اللجنةالمركزية للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى.

  

- ذي الحجة 1398هـ/ ديسمبر 1978م، انتخب رئيسًا لهيئة مجلس الشعب الأعلى بعد أحداث التحول الذي طرأ بتحويل مجلس الشعب الأعلى من مجلس معين إلى مجلس منتخب وبعد الانتخابات العامة التي أجريت. 

 

- 8مارس1979م تم توحيد فصائل اليسار الخمس في شمال الوطن في اطار (حزب الوحدة الشعبية اليمني) (الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ومنظمة المقاومين الثوريين اليمنيين،واتحاد الشعب الديمقراطي اليمني، وحزب الطليعة الشعبية،وحزب العمل اليمني).

 

- 9مارس1979م تم توحيد الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب الوحدة الشعبية اليمني في حزب واحد(الحزب الاشتراكي اليمني الموحد)بقيادة واحدة(لجنة مركزية ومكتب سياسي) وبرنامجين سياسيين لحزب حاكم في الشطر الجنوبي وحزب معارض في الشطر الشمالي وانتخب الشهيد المناضل الرفيق/عبد الفتاح اسماعيل اول امين عام للحزب الاشتراكي اليمني الموحد ..

 

- فبراير 1979م/ ربيع الأول 1399هـ، 

واجه عبدالفتاح إسماعيل، بعد ولايته كرئيس وأمين عام تفاقم الحرب الأهلية بين الشطرين، ورغم تقدم الشطر الجنوبي في الحرب إلا أن عبدالفتاح أصرّ على إيقافها في ظل معارضة بقية قادة الجنوب، وأدار الحوار مع علي عبدالله صالح؛ مما أدّى إلى عقد مؤتمر قمة بينهما في الكويت، وفي 1 جمادى الأولى 1399هـ/ 30 مارس 1979م، توصلا إلى اتفاق إنهاء الحرب، حددت اتفاقية الكويت إجراءات توحيد اليمن على أسس الدمج في كيان واحد، وفق برنامج زمني محدد.

 

- 4 جمادى الآخرة 1400هـ/ 20 أبريل 1980م قدّم استقالته تجنبًا لأي مواجهة، في ظل عدم رضا قواعد الحزب الاشتراكي التي أبدت الالتفاف حوله، على خلفية اتفاقية الكويت التي تحفظت العناصر ذات الثقل القيادي في قيادة الحزب الاشتراكي؛ عليها والتراكمات صراع الاجنحة التي أدّت إلى حالة من التكتل السياسي في المكتب السياسي ضد الرئيس عبدالفتاح.

 

بعد تقديم استقالتة في من كل مناصبه  

غادر إلى موسكو تجنبا لأي صدام قد يهدد تجربة اليمن الديمقراطية وتجنبا لأي صراع قد يؤدي إلى خسارة الوطن والدخول في صرعات كارثية . 

 

في لقاء جمع الشاعر السوري 

 أيمن أبو الشعر سال الشهيد عبدالفتاح عن تلك الصرعات فاجاب : 

"لنقل أنها تباينات في الرأي ، وهو أمر مفيد لإغناء التجربة الديمقراطية .. - صمت قليلا وأردف - لكنه خطر على سلطة وليدة وحزب مناضل حين تتحول تباينات الرأي إلى تكتلات ومحاولة للخلاص ممن لديهم رأي مخالف وحصارهم أو تهميشهم وكأنهم خصوم هنا يكمن الخطر ولا بد من تكريس الحوار المبدأي والديمقراطية .]

  

رابعًا: الدور المعرفي والمكانة الدولية  

 

كان له دورًا بارزًا في العلاقات الخارجية، ما ساهم في التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة وفي المجال العسكري، وتولى رئاسة مجلس السلم والتضامن اليمني وانتخب عضوًا في هيئة رئاسة منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي، وحصل على عدد من الأوسمة العالمية أهمها: "وسام الصداقة بين الشعوب" من الاتحاد السوفيتي السابق، و"وسام الثورة الليبية"، و"وسام الشجاعة الأثيوبي"، و"وسام النجمة الكبيرة الألماني للصداقة بين الشعوب"، و"وسام أجو ليولوري" أعلى وسام لمجلس السلم العالمي، كما نال الدكتوراه الفخرية من جامعة موسكو في شعبان 1396هـ/ أغسطس 1976م، ومحليًّا نال "وسام 14 أكتوبر"، و"وسام 30 نوفمبر" من الدرجة الأولى، وصدر له عدد من الكتب؛ أهمها: "مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية"، عن دار الفارابي ببيروت، وكتاب آخر في "الثقافة الوطنية"، عن دار ابن خلدون. 

 

من اقوال الشهيد 

«ستظل وحدة الشعب وتقدمه الاجتماعي هدف كل الأقلام الشريفة وستظل الكلمة مجزأة الحرف ركيكة المعنى إذا لم تكن من أجل الشعب وتقدمه الاجتماعي».

 

من اقواله :

"إن الوحدة اليمنية هي التعبير الأمين والصادق للمصالح المادية والروحية لأوسع جماهير شعبنا اليمني، إنها التعبير الصادق والأمين لمبادئ ثورتنا ولا بد من مواصلة العمل الدؤوب لتوفير الأجواء الصحية لتحقيقها بواسطة الطرق السلمية وبمضامين وطنية ديمقراطية."

 

خامسًا :العودة والمشاركة السياسية 

 

- 15 جمادى الآخرة 1405هـ/ 7 مارس 1985م، عاد من منفاه إلى أرض الوطن

 

وعين سكرتيرًا للدائرة العامة للحزب الاشتراكي، في ظل صراع محتدم على السلطة بين قطبين، هما: الرئيس علي ناصر محمد- الأمين العام للحزب الاشتراكي، ونائبه العميد علي ناصر عنتر؛ مما أدّى إلى انقسام الحزب،  

 

- محرم 1406هـ/ أكتوبر 1985م، 

انعقاد المؤتمر العام الثالث للحزب وخرج بقرارات لإنهاء الصراع، وانتخب قيادة متوازنة، وانتخب علي ناصر محمد أمين عام ورئيس، وعلي عنتر عضوًا في المكتب السياسي، عبدالفتاح عضوًا في المكتب السياسي، وحصل مؤيدوه على أغلبية المكتب السياسي إلا أن الأوضاع تفاقمت واندلعت أحداث دامية في 21 ربيع الآخر 1405هـ/ 13 يناير 1985م، التي بدأت في قاعة المكتب السياسي وادت الي استشهاده مع خيرة قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني وتسببت في شروخ اجتماعية ومآسي دفع ثمنها ابناء الشعب اليمني العظيم 

 

رحم الله الشهيد المناضل عبدالفتاح احد ابرز القيادات الوطنية التي لعبت أدوارا خالدة في النضال من أجل الحرية والاستقلال والسيادة والعدالة الاجتماعية وتحقيق وحدة الوطن والتغيير لمصلحة أوسع فئات الشعب اليمني..

الخلود والرحمة لكل شهداء الوطن وثواره الاحرار على درب سبتمبر واكتوبر المجيد .