حزب المؤتمر.. العدم الذي أضحى يلتهم كل شيئ !!
بقلم/ عبدالجبار سعد
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الإثنين 13 أغسطس-آب 2007 09:44 ص

مأرب برس - خاص

صيغة المؤتمر الشعبي العام كما عبرت عنها إرادة الحكمة اليمانية .. في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي .. كان أكمل الصيغ التنظيمية السياسية في التاريخ العربي والإسلامي .. بل والإنساني عامة .. فلقد قام المشروع ليوفق بين رغبة القوى السياسية المختلفة في التعبير عن وجودها السياسي والفكري من خلال عمل سياسي منظم وبين رغبة الشعب والأمة بتجنب التعددية الحزبية التي تخلق البعد والجفاء بين شرائح المجتمع وتوسع شقة الخلاف بين الفر قاء إن وجدت اختلافات .. إلى درجة يصبح الجمع بينها مستحيلا وحسمها بغير الصراعات التي تصل الى النزاع المسلح غير ممكن غالبا..

***

وجد المؤتمر الشعبي العام ووجدت وثيقته التي قام عليها ( الميثاق ) وشاركت كل القوى السياسية والفاعلة في صياغة ومناقشة الوثيقة مثلما شاركت في إنشاء وتكوين المؤتمر الشعبي العام بأطره التنظيمية التي جمعت بين مستويين منتخب ومعين .. وكان يؤمل أن ينتهي الأمر إلى أن تصبح كلها منتخبة .. إذ أنه قد روعي في الفترة الأولى أن تكون نسبة الثلث بالتعيين بحيث يضمن إشراك قوى سياسية ربما تعسر عليها أن تدخل في المؤتمر من خلال الانتخابات مع أن وجودها يمثل ضرورة سياسية وثقافية ووحدوية ..

وهكذا فقد كان المؤتمر الشعبي العام وجودا جامعا لكل أطياف المجتمع اليمني من مشرق اليمن إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه ..وظل هكذا حتى الوحدة اليمنية .. وأذهب حاجة القوى السياسية إلى التعبير عن وجودها الحزبي من خلاله كما أذهب مساوئ التخندق والتمترس بين القوى المختلفة .. كما جنب البلاد ويلات الهيمنة الحزبية لبعض أشكال العمل السياسي التي شهدتها الأنظمة الاشتراكية والشيوعية .. وحتى بعض الأنظمة القومية .. التي خلطت بين التجارب المختلفة .

***

ظل المؤتمر الشعبي بهذه الصفة حتى جاءت الوحدة لتحيله إلى حزب يضاهي سائر الأحزاب وانسحبت من داخله كثير من الرموز السياسية والفكرية لتعود إلى عباءاتها الاولى .. ولتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .. ولتفتتح بالوحدة حقبة الشتات و الصراعات السياسية العنيفة .. التي انتهت بالحرب التي كادت تودي بالوحدة فيما أودت به من سلام ووئام بين اليمنيين .

أصبح المؤتمر الشعبي العام مجرد حزب من أحزاب بعدما كان حزب الأحزاب .. وأصبح ينظر إليه كحزب السلطة أو حزب الرئيس بعدما كان حزب الشعب وحزب الأمة .

وأصبحت رموزه تعبيرات غير مريحة لنظر الناس .. لأنها تحولت إلى مراكز من الهيمنة غير الصالحة .. والانتفاش والظهور غير المنتج سياسيا وفكريا وثقافيا .. بل أصبحت عوامل إثارة للصراعات بين مختلف القوى بعدما كانت عوامل ائتلاف ..

***

المؤتمر الشعبي العام .. وكل رموزه الفكرية والثقافية والسياسية والتنظيمية أصبحت تستثمر حالات الرواج السياسي لمواقف شخص الرئيس لكنها للأسف لا تشارك في خلق هذا الرواج .. وتطيح بالتوازنات التي يخلقها مسلك وسير الرئيس يدلا من أن تعززها.. وتتعامل مع كل مايدور في الداخل وفي المحيط العام عربيا وعالميا .. تعامل المتفرج الفاقدلكل حضور وفعل وتأثير .. فالمؤتمر الشعبي العام .. وجودكبير حجما .. كبيرإسما .. كبير تمويلا.. عديم تأثيرا .. ذلك أن مجموعة من القيادات لا ترى أن من الواجب تحريك .. هذه الأطر التنظيمية واستثمار قدراتها السياسية والفكرية والثقافية والإنسانية لخير البلاد والعباد .. لأن ذلك قد يفقدها البهرج واللمعان التي تكتسبه هذه القيادات لوحدها تحت عدسات التصوير والمصورين .. وبالتالي فسيفقدها التواجد الدائم كأكف مستحوذة ومستجدية بين يدي المكافآت والعطايا والتحويلات التي يغدق بها الرئيس عليها ..بين الحين والحين .

***

قيادات المؤتمر للأسف غائبة بنفسها وتمارس مسالك تغييب لكل الكفاءات والقدرات في كافة مستويات العمل التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام .. وإذا أردنا قراءة حتى سريعة منصفة لجوانب التقصير والتقاعس التي تعيشها هذه القيادات فسنعجز عن الاستقصاء لها مجتمعة ولكن يمكننا الإشارة إلى القليل الذي يمكن استعراضه في هذه المناسبة .. وباختصار شديد,,

  • من بين خمسة الف وخمسمائة منظمة من منظمات المجتمع المدني الفاعلة تخريبا وتنديدا وتشويها ومحوًا لكل جوانب قيمنا ووحدتنا وعقيدتنا .تمارسها أشرس القوى المعادية لا نرى أي نشاط مقابل من المؤتمر وفعالياته الشعبية والمدنية وبالتالي فيكفي أن يجتمع من كل منظمة من هذه المنظمات المعادية في كل مناسبة ربع إنسان وليس إنسانا كاملا .. وتحضر الجزيرة والعربية والحرة ومثيلاتها لتغطي فعاليتها وتحسب على الأمة أن هذا حدثا تاريخيا وتفرض ماتريد على حكومة ودولة المؤتمر .. وكأنها قضاء الله النازل .. ولا توجد أية تحركات فاعلة مقابلة مع أنه لو تحرك عشرة أشخاص من هذه القوى اللقيطة يمكن أن يحرك المؤتمر عشرة آلاف من القوى اللصيقة بالأرض والتاريخ والإنسان .. ولكن أين من يحس ؟
  • من بين بضع مواقع انترنت تنشط في الشأن اليمني تحس أن اليمن قد أصبحت .. روسيا البلشفية في يوم ثورة أكتوبرلينين وأن الشارع يتهيأ للانقضاض على حكم القياصرة اليمنيين الذين تصورهم الكتابات الإلكترونية تصويرا تتقزز منه حتى أمهات الكتاب فيها أنفسهم .. ولكن هذا الحضور وهذه الثقافة لعشرات من الأفاقين وفاقدي الدين والكرامة الوطنية والبائعين وجوههم للغرب .. هي التي تحكم عالم الأعلام والترويج في الشبكة العنكبوتية .. ولا وجود لأي فعل منظم يواجه هذا الغزو الفاسد الذي يستهدف كيان الأمة كلها وليس شخص الحاكم أو أشخاص حزبه .. ولو تم حشد واحد في الألف من قدرات المؤتمر الفكرية والسياسية والإعلامية لذلك لم يكن هناك وجود لكل هذا التخييل والتهويل الإعلامي الفاسد .
  • من بين كل الكفاءات الأكاديمية التي تعد بالآلاف من حاملي الدكتوراه والماجستير عداعن الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات لا نجد واحدا منهم قدم دراسة مستفيضة واقعية عن أي مظهر من مظاهر الفساد والاختلال في البلاد وما أكثرها يمكن أن تعين الحكومة على حل مشاكل الوطن التي أدمت ظهور أبنائه .ولكنهم جميعا متربصون بانتظار الحقائب الوزارية والمواقع العليا في الإدارة لكي يمارسوا جهالتهم وابتزازهم وغرورهم واستعراضات دعاواهم الفارغة فيفاقمون الأزمة المعاشة.. ويعمقون شعور المواطن باليأس والإحباط من حكم دولة المؤتمر بل حتى من حكم الرئيس الذي تم الاستحواذ عليه وعلى محاسنه من هذا المحيط الملوث .ثم عندما يتملهم الثراء يتركون مواقعهم لغيرهم وتستمر الدورة من جديد.
  • من بين كل الأحداث التي مرت بها البلاد .. لم نسمع عن دور حقيقي للمؤتمر كوجود تنظيمي وسياسي فيها قبل تلك الأحداث .. ولا خلالها ولا بعدها .. وفي الواقع هذا الهم يضاف إلى كل الهموم التي تعنينا فليتخيل متخيل أن كوادر المؤتمر الذين ينتشرون في كل أرجاء الوطن من المهرة إلى حجة.. أجل ليتخيل متخيل أنهم يمارسون دورهم في معرفة هموم الناس .. ونقل معاناتهم ورصد مشاعرهم وتقديم مقترحاتهم حول كل هذه هل يمكن أن نفاجأ في كل مرة بالأحداث العاصفة في صعدة والضالع وعدن وأبين وغيرها ..؟

يستحيل أن يكون ولكن هذا يضاف إلى التقاعس الملحوظ في أجهزة الرصد الأمني والسياسي .. ليجعلنا نعيش كحكومة وكشعب على ألطاف الله واجتهادات الرئيس في اختراق دائرة الحصار المحكم الذي تفرضه عليه دوائر القرار في المؤتمر والأجهزة الامنية .. والعسكرية الأخرى وربما مايأتي غالى الرئيس خارج نطاق الحصار المضروب سواء جاء من خارج البلاد كتلك الملاحظة التي حققت ضرب مركز من مراكز النفوذ العسكري ذات يوم من هذا العام ولولا أن هذا المركز قد أضر بالتزامات الرئيس تجاه مؤسسه اعمارية شقيقة ماكان يمكن أن يبعد ولا حتى يعلم به الرئيس ذاته ولكن تظل هذه للمناسبات والصدف وحدها وكذا لو أن أحدا أوصل للرئيس خبرا عن فساد مستأصل وكان الشخص موضع ثقة عالية لديه فالرئيس يتصرف في الساعة نفسها على أساس ذلك اماإذا مرت الساعة عليه فالمحيطون كفيلون بغسل ماعلق بذاكرته منها وإحلال ما يوافق مراداتهم .

  • الخطوات التي أزمع الأستاذ باجمال القيام بها في فصل المؤتمر كحزب .. عن الحكومة ., وتنشيط دوره وحضوره في الساحة السياسية لا يبدو أنها حققت شيئا من مراداتها وربما تحولت إلى طرفة للمجالس .. وحكاية من حكاية هادم المعبد على رأسه ورؤوس خصومه ليس إلا .. ونحن نعتقد أن شيئا كهذا يمكن أن يكون مصدر تنفيس عن الدولة والحكومة معا لو تحقق تفعيل مستقل للمؤتمر وتحريك لأطره واستثمار لكوادره فالفراغ الذي يعيشه الكثير من كوادر المؤتمر في مختلف مستوياته لو تم استغلاله بعيد عن العمل الروتيني والإداري الذي يشغل الحكام والإداريون يمكن أن ينتج مجموعة من المشاريع والرؤى والمقترحات والتصحيحات المبرأة من الغرض وغير المتحيزة .. وتعين الحكو مة ومستويات القرار على كل المشاكل .

***

أخيرا فإنه لا يوجد مؤتمر إلا في الأخبار الموسمية للدورات المنعقدة لهيئاته القيادية .. وفي اتهامات الأحزاب المعارضة .. فهل آن الأوان ليكون المؤتمر .. حزب الشعب .. أو حزب الأمة أو حتى حزب الرئيس الذي يشاطره الفعل والحركة وليس الذي يقتل كل انجازاته إن وجدت أو حتى نواياه في الإنجاز ويصادرها ويشوهها .. لصالح مجموعة من المنتفعين والبطالين من قياداته..

فالمؤتمر انتقل نقلة مخيفة من حزب الأحزاب إلى حزب غير الرئيس وليس حزب الرئيس كما قديعتقد البعض فالرئيس في وادٍ والمؤتمر وقياداته في وادٍ آخر تماما .. فأصبح عدما يتحرك ويلتهم كل خيراتنا المادية والثقافية والسياسية ..

وربما يكون لنا معاد لمثل هذا ..إن شاء الله .