اخوتنا الحوثيين.. الإصلاح لا يصلح عدوا..
بقلم/ جمال انعم
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و يومين
الأربعاء 11 يناير-كانون الثاني 2012 11:29 م

التحامهم المبكر بالثورة السلمية، بدوا في طريق كسب أهم معاركهم ضد صالح ونظامه، فبعد قتالٍ مرير فُرض عليهم، اختاروا النضال السلمي، ومنحوا قضيتهم أبعادها الوطنية العادلة، وهزموا صالح بأكثر مما فعلوا خلال جولات الحرب المتعاقبة.

  كان موقفاً فاجأ كثيرين، وحسم الرأي الداخلي والخارجي لصالحهم. لقد أعلنوا عن أنفسهم، طلاب دولة مدنية، وأدانوا حروب الحكم الهمجية ضدهم بأرقى الأساليب وأكثرها تحضرا.

  فرضت الثورة عليهم الالتقاء بمن يكرهون، ووقفوا أمام تحديين: إما تصفية ثاراتهم على حساب الثورة.. أو ترك الثورة تصفي حسابات اليمنيين جميعاً مع بيئة القهر والفساد والتخلف، صانعة الحروب، والمنتجة للثارات والنعرات والعصبيات المقيتة. ولقد نجحوا في التجاوز على هذا الصعيد، معطين بذلك رسائل مطمئنة ومعززة للثقة.

  لاح الوطن منتصراً في هذا الانصهار، بدت ثارات الأمس سهلة الوأد أمام اليمن الجديد، المتعدد المتحد، المختلف المؤتلف، الملتحم بكليته في هذا المد الثوري الظافر ، الذي يجسد عظمة اليمن واليمنيين.

  في ساحات وميادين الثورة، اجتمعت اليمن كلها. ولأول مرة واجه الجميع تحديات العيش المشترك في مساحة واحدة محددة، واجهوا اختبار ما هو أكبر من مجرد التعايش: مواجهة الموت جنباً إلى جنب، من أجل الحياة بكرامة. وجدوا الوطن الحلم الذي يوحدهم، أدركوا أن معركتهم هي ضد ما يفرقهم ويجعلهم طعاماً للغول الحاكم.

  كان حصاد الجمع الهادر إنتصارا بكل ما للكلمة من معنى. ورغم ما يفرضه هذا الاحتشاد غير المسبوق من تبعات، فقد ظلت الأخطاء والحماقات غير منظورة في المشهد النبيل، الزاخر بالروح، المفعم بالعاطفة، المتسم بحضور أخلاقي لافت يحكم مسلك الثائرين.

  لم تفلح كل محاولات النفخ في الهِنات، وإثارة المكبوتات، ظلت الثورة اندفاعاً نحو الأمام، لا يسمح بالالتفات إلى معارك الأمس البينية الصغيرة والحقيرة. بدا أن كل نكوص خيانة، عارٌ لا يليق بأحرار خرجوا للتخلص من السجان، وكل موروثات السجن العتيق.

  ما الذي يحدث الآن؟ ولماذا يحدث؟

  ثمة شحن عصبوي أرعن، يتلهى البعض بإيقاظ الحزازات النائمة، يغريهم استعداد البعض للتشمير عن الشر وإبداء وجه مبغض قديم، طافحٍ بحنق العصور.

  هناك من يدفع بالإخوة الحوثيين لأن يكونوا المعادل لشرور الحكم الذاهب، وفي المقابل هناك من يظن أن بمقدوره جر الإصلاح لأن يكون الأخ الأكبر وارث الثارات والخصومات.

  استجابة الإخوة الحوثيين تجعلهم يبدون كما لو أنهم في مهمة البحث عن عدو يعوض خساراتهم ربما لأهم عدوين لدودين كانا يمثلان مكسبهم الأهم من الحرب.

  لا يريد إخوتنا الحوثيون أن يقال أنهم خسروا أعداءهم في هذه الثورة، أهم ركيزتين قامت عليها أسطورتهم. هم يدركون قصدي تماماً! ولا يريدون أن يقال أن الثورة السلمية أضافت إلى خسرانهم سلبهم سطوة المحارب المتمنع بقوة السلاح، وأنهم باتوا يعيشون أزمة وجود وضياع هوية، وأنهم يتخبطون بحثاً عن ذاتهم المضاعة في ميداني الفعل الثوري و السياسي، وهما ميدانان غريبان عنهم، لم يختبراهما من قبل ولم يتدربوا على إحراز سبق فيهما، لهذا يذهبون بعيداً للإعلان عن أنفسهم بيأس بالطريقة العنيفة التي يحسنونها.

  إن أسوأ ما يمكن أن يقال عن حماستهم للقتال، وبحثهم الأعمى عن الاعتراك والاشتباك مع هذا أو ذاك، ممن تتوافر فيه بعض موجبات الخصومة: أنهم نبت الحرب، وأنهالم تعد وسيلة دفاع بالنسبة لهم، بل صارت حياة، ومشروع وجود. وأنهم خاضوا صراعاً مديداً ثم تركوه يقودهم، وأنهم قد أسسوا وجودهم على الحرب حتى غدوا أُسارى لها، بل أكبر ضحاياها على الإطلاق، وأنهم ما عادوا يستطيعون العيش بدونها، إذ هي التي سوقتهم وعرفت بهم وأعلنت عنهم، حتى اختفت قضيتهم تماماً، وصارت الحرب هي القضية.

  لهذا يبدون مفتعلي حروب، لا يتخيلون بقاهم دون معركة، والثورة السلمية لا تناسب المزاج المحترب، لذا يجهدون لجعلها ساحات توتر وصراعات لاتهدأ، وذاك لكي يضلوا في مرمى الأنظار .

  إن أفدح ما يسوق إليه هذا المسار أن يصل اليأس بهذا الباحث عن معركته، لأن يخوض معارك الآخرين بما فيهم معارك عدوه بالأمس.

  أي اعتراف يطلبه إخواننا؟ وعلى أي أساس؟ وممن بالضبط؟

  أيريدونه اعترافاً على قاعدة المواطنة المتساوية؟ أم على عصبية استعلائية أو جهوية ومناطقية؟ أم على ما هم عليه من القوة والقدرة على إثارة المشاكل وصنع الأزمات؟

  أم لأنهم مظلومون ويستحقون أن يدفع لهم الجميع الثمن الذي يقررونه ويقدرونه؟

  أم لأنهم المحاربون الذين تواضعوا فوضعوا السلاح جانباً وانخرطوا في ثورة سلمية، وهو ما يستوجب تعاملاً مختلفاً وإمتيازات بعينها؟

  ثم ممن يريدون هذا كله؟ من الدولة؟ أم من الباحثين عنها؟

  يتحمل الحوثيون مسؤولية الخطاب العام، الذي يتحدث عنهم ويعرضهم ويصورهم كتهديد دائم للمشروع الوطني، وكحركة دينية عصبوية، تتكئ على عقيدة قتالية، تعتمد العنف خيار وجود.

  يراهن البعض على أن للفتنة حمّلةٌ جاهزون، وبنادق موغرة مشرعة نحو الصدر، وعقول جامدة، غير قادرة على التعامل مع المتغير الجديد، والانفتاح على الفضاء السياسي بما يحسم الهوية، ويحدد الوجود، وبما يعزز من الاندماج في الفضاء العام و الشراكة مع مختلف القوى الفاعلة في صناعة القرار والفعل، ضمن شروط العمل المتعارف عليها دونما إجحاف، أو اعتساف.

  ما أنا واثقٌ منه: أن الإصلاح لن يكون العدو سهل المنال، وأن من يبحث عنه كوريث لصراعات الماضي لن يجده أبداً. لأنه حزب المستقبل، وصاحب مشروع وطني متجاوز للعصبيات، وللمشاريع الثأرية الضيقة البغيضة.

وما أنا متأكد منه أن إخوتنا الحوثيين لن يسمحوا بأن يتحولوا إلى حامل لصراعات ما قبل الثورة، ولا إلى أكبر ناصر للماضي المندحر والمنهزم.