الموصل قاهرة الصليبيين والصفويين..وقاصمة الأمريكان
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الأربعاء 20 فبراير-شباط 2008 05:44 م

مأرب برس – خاص

الموصل المدينة المشهورة العظيمة، إحدى قواعد بلاد الإسلام، وهي ثاني أكبر مدن العراق كثافة بالسكان بعد بغداد - في الوقت الراهن–. وهي مدينة مشهود لأهلها بالشهامة والرجولة ومقارعة الظلم والعدوان قديما وحديثا. فإذا انضافت العقيدة إلى ذلك فهم الذروة والهامة.

وقد لعبت الموصل أدوارا مهمة وبارزة في التاريخ الإسلامي، وكان لها على مر العصور – ولا زال حضور فاعل، وباع طويل في نشر الإسلام ونصرته والدفاع عنه والتصدي لأعدائه. كما كان لها نفس الدور في نشر العلم والثقافة العربية والحفاظ على الهوية الإسلامية.

وتذكر المصادر أنه بعد أن تم فتحها صلحا على يد القائد العربي المسلم ربعي بن الأفكل، جعلها الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله ، قاعدة للفتوح ومركزا لأجناد الدولة، ومنها انطلقت الجيوش الإسلامية في العصرين الراشدي والأموي لفتح المدن والمناطق فيما وراء تلك الجهة، وبصفة خاصة أرمينيا وأذربيجان.

ويُنظر المؤرخون لمدينة الموصل على أنها المدينة التي انطلقت منها أولى العمليات الجهادية المباركة، ضد الفرنجة الصليبيين الذي احتلوا القدس وفلسطين والجزيرة وسواحل بلاد الشام واستوطنوا فيها ، بدءا من عام 1097م ، فكانت هذه المدينة الأبية معقل ونقطة انطلاق الأتابك التركي عماد الدين زنكي ، البطل المسلم ، الذي كان له شرف رفع راية المقاومة الإسلامية الحقيقية والمنظمة ضد الفرنجة الصليبيين في منطقتي الشام والجزيرة.

وعماد الدين زنكي هو صاحب الانتصار الأول للمسلمين، على الصليبيين الغزاة الاستيطانيين ، والمتمثل في انتزاع مدينة الرها الإستراتيجية في إقليم الجزيرة، من أيديهم في عام 1144م – بعد انطلاقته المظفرة من الموصل - كما كانت عادته في حروبه وغزواته الجهادية –

وقد كان للموصل في عهد ابنه نور الدين حضورا كبيرا في مجال الجهاد ضد الصليبيين، فكانت مخزنا للمقاتلين الأبطال وخير ظهير لنور الدين والمسلمين - وكذلك كانت بالنسبة لعهد البطل صلاح الدين الأيوبي.. ولم تجرؤ أيادي الصليبيين الأثيمة أن تمتد إليها. وبقيت متحررة من همجيتهم ووحشيتهم، وضلت - بجانب عدد قليل من المدن الإسلامية - تقارعهم وتوجه السلاح إلى نحورهم، حتى قُبيل جلائهم نهائيا عن الشام.

كما لعبت الموصل – بجانب العثمانيين - دورا حيويا مهما في الدفاع عن العراق وأهل السنة في وادي الرافدين ، ضد مخططات وغزوات الشيعة الصفويين الكثيرة والمتكررة للعراق وأهله، على مدى عقود عديدة من الزمن، ولاسيما خلال الفترة (1136- 1249هـ / 1724- 1834م ) ، إبّان حكم أفراد عائلة الجليلي الأقوياء .

وفي أثناء الاحتلال الانجليزي للعراق بعد الحرب العالمية الأولى ( 1914-1918 ) ، انطلقت من إحدى النواحي التابعة للموصل ( تلعفر ) شرارة ثورة العشرين، والتي انتشرت بعد ذلك انتشار النار في الهشيم ، لتعم سائر أرجاء العراق، وفي مقدمتها مدينة الموصل، ولتستمر حوالي ستة أشهر، ملحقة خلالها أفدح الخسائر بالإنجليز – ناهيك عن العشرات من القتلى والجرحى في صفوفهم - وملقنة إياهم درسا لم ينسوه أبدا ، فلا زال في أذهانهم حتى اليوم .

وهاهي مدينة الموصل الحدباء تستهل هذا العام الهجري الجديد 1429هـ، بخوض معركة كسر عظم ، مع قوات الاحتلال الأمريكي والبشمرجة الكردية ، وجيش الحكومة العراقية العميلة. إلى جانب من انضم إليهم من المرتزقة واللصوص وقطاع الطرق ممن يسمون أنفسهم زورا وبهتانا برجال الصحوات. وهي المعركة التي طال انتظارها بالنسبة للفريقين، لكون العدو الأمريكي ظل يؤجلها ويتهرب منها، ولم يجرؤ على خوضها طيلة السنوات السابقة ، خوفا من عواقب خسارته لها ، وهي الخسارة التي توقعها جيش العدو والتي – بالتالي - كانت ستؤدي إلى تقويض وجوده في العراق والمنطقة مبكرا ، نظرا لما تمثله هذه المدينة من ثقل بشري ومادي ومعنوي وتاريخي، فهي ثاني مدن العراق من حيث الأهمية، ومن حيث حجم السكان ( أكثر من ثلاثة ملايين نسمة ) ، وهي مدينة مترامية الأطراف وذات مساحة كبيرة جدا، وليس للشيعة شأن يذكر فيها فالغالبية العظمى من قاطنيها من أهل السنة والذين ينتمي أكثرهم لقبائل عربية أصيلة مثل عشائر الجبور وعشائر بني طي ، وعشائر الساده ( أحفاد الحسن بن علي رضي الله عنه) وغيرها من العشائر العريقة والتي لا تزال تحتضن المجاهدين رغم المؤامرات والدسائس وأساليب الابتزاز والترهيب والترغيب التي تمارس ضدها – لأن هؤلاء المجاهدين باختصار شديد هم أبناؤها وهم من لحمها ودمها وهم يدافعون عنها وعن دينها وعن شرفها وكرامتها وليسوا مجلوبين ولا مستوردين من الخارج كما يروج لذلك الاحتلال وأعوانه من الخونة والمشبوهين المنسلخين عن دينهم وإنسانيتهم والمستعدين أن يضحوا بكل صفة غالية نفيسة مقابل لعق أحذية المحتل فقط – وليس ما هو أبعد من ذلك –

منشغل بمواجهة المقاومة العراقية المشتعلة في العاصمة بغداد وفي مدن ومناطق الوسط والغرب والشرق .

وهي – أي مدينة الموصل - معقل العديد من الجماعات الجهادية لاسيما جماعة أنصار السنة، وجماعة دولة العراق الإسلامية - التي يُشار إليها باسم القاعدة في وسائل الإعلام – والتي خصصت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير 25مليون دولار للقضاء عليها ، من خلال تأسيس ما يسمى " بـ " مجالس الصحوات " التي أوكلت إليها مهمة محاربتها. والتجسس عليها وإخراجها من تجمعات العشائر العراقية الحاضنة لها ، بتواطىء مكشوف من الحزب الإسلامي الذي يرأسه الدكتور طارق الهاشمي ، وبدعم من بعض الأنظمة العربية الرسمية الحليفة للأمريكيين .

وكان أهالي مدينة الموصل في مقدمة العراقين الذين انتفضوا حاملين السلاح ضد الوجود الأمريكي بعد سقوط بغداد مباشرة في أبريل 2003 ، وبلغت انتفاضتهم ذروتها إبان العدوان الأمريكي الهمجي على الفلوجة في أواخر عام 2004 ، وفي غضون ذلك سيطر المجاهدون من مختلف الفصائل سيطرة شبه تامة على المدينة واستولوا على كميات هائلة من أحدث الأسلحة والذخائر، قدرت بـ 11 ألف قطعة سلاح ومركبة بقيمة 40 مليون دولار.- طبقا لمصدر صحفي غربي – ومنذ ذلك الحين والحرب سجال بينهم وبين عدوهم، إنما تأخرت مسألة المنازلة وحسم المعركة فيها للسبب الذي ذكرناه آنفا. ولكون الجيش الأمريكي، ومن أجل تحقيق انتصارات وهمية أو جزئية على الأرض، وعادة ما يكون ذلك لأهداف إعلامية وسياسية تحسّن من صورته وصورة رئيسه أمام الرأي العام الأمريكي والغربي ، عمد إلى استعراض عضلاته بالقوة الجوية وبسلاحه الفتاك ، على مدن عراقية صغيرة أو ثانوية مثل الفلوجة وسامراء الرمادي وحديثة والقائم . وذلك على نحو يشبه الخطة التي كان يتبعها الفارس العربي عنترة بن شداد في حروبه في الجاهلية، وهي التركيز على المقاتل الضعيف الهزيل وضربه ضربة قاضية ينخلع لها قلب الشجاع، ثم يحمل عليه فيقتله.

بيد أن هذه الخطة لم تنجح لا في أفغانستان ولا في العراق، وسارت الريح بغير ما يشتهي الأمريكيون، وهاهي الموصل لا تزال ثابتة، ولما تلق السلاح بعد، ولم ينل من صمود أهلها أو يوهن من عزيمتهم، ما حدث للمدن العراقية الأخرى من تدمير وتخريب ومن سفك لدماء أهلها البريئة. بل أن تلك المدن الصغيرة التي ُضربت بالأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا، وهدمت على رءوس أهلها، لم تعلن هزيمتها ولم تنسحب من ساحة المعركة، ولازالت تقاوم حتى الآن رغم كل ما لحق بها– بما ذلك مدينة الفلوجة التي سُويت بالأرض. في حين وصل جيش الاحتلال الأمريكي إلى أقصى غايات الاستنزاف وهو لا يزال عاجزا عن حماية قياداته العسكرية والسياسية في قاعدته الرئيسية في المنطقة الخضراء ، والتي تتولى حمايتها ربع القوات الأمريكية تقريبا .

والوضع في تلك المدن، وفي غيرها مهيأ للانفجار من جديد في أية لحظة ضد الأمريكيين والحكومة العميلة – وهي ستنتفض حتما في حال مهاجمة الموصل لا سيما إن تأخر الحسم – وهو أمر متوقع كما يرى المراقبون .. فهل يا ترى ستجرؤ القوات الأمريكية – والحال هذا - على اقتحام مدينة الموصل – كما صرحت بذلك مؤخرا بعض القيادات العراقية والأمريكية ؟

هذا ما ستشكف عنه الأيام القليلة القادمة .