يا جنوب السودان وداعًا
بقلم/ محمد الشحري
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 13 يوليو-تموز 2011 04:32 م

لا أدري ماذا سيكون موقف الشارع العربي من انفصال جنوب السودان؟ لو لم يكن الربيع العربي مزهرًا، ولو لم تكن النار مستعرة في بعض أقطار الوطن العربي من رأس الحد حتى مدينة العيون الصحراوية، فقد انشغل العرب بثوراتهم ونسوا حدث التاسع من يوليو الذي سيدون كتاريخ لإعلان استقلال جمهورية جنوب السودان، وبالتالي انفصالها الكلي عن السودان الوطن الأم، مما يشكل خسارة كبيرة بالنسبة للشمال السوداني وكذلك بالنسبة للأمة العربية، وهذا لا يعني ختام مسلسل اقتطاع الأراضي العربية، بل نقول إن الدوائر المتربصة بالوطن العربي لا تزال في أوج نشاطها، وربما يزيد انفصال الجنوب السوداني تعطشها لفصل أقاليم عربية أخرى قد يكون كردستان العراق في أولها في حالة ضعف تركيا وإيران وسوريا، الدول التي تعارض أن يكون هناك دولة للأكراد الذين تشكل أراضيهم جزءًا من هذه الدول.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي أوصل الأقليات التي تعيش في الوطن العربي إلى المطالبة بالانفصال؟، وهل عجزت الأنظمة الحاكمة عن استيعاب الآخر؟ وهل سعت الحكومات إلى أن يكون الوطن للجميع ويتسع للجميع بصرف النظر عن العرق والديانة؟ وهل حق الآخر يلغيه الحزب الحاكم باسم الوطنية والقومية؟، هذه الأسئلة دارت برأسي حينما كنت أتابع على شاشات الفضائيات إعلان استقلال جمهورية جنوب السودان، بمباركة من قبل المجتمع الدولي، وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير.

الحقيقة أن غياب الدساتير الوطنية التي تقترحها الشعوب وتصوت عليها، والتي تنظم العلاقة بين الفرد والسلطة وبين الأفراد بعضهم البعض، تؤدي بالأوطان إلى ما يُحمد عواقبه، إذ أصبحت بعض الدول مستباحة من قبل العسكر الذين يقومون بالانقلابات ويرجعون الدولة إلى الخلف، فيلغون الدساتير ويفرضون حالة الطوارئ، ويمنحون أنفسهم الحق في العبث بمقدرات الدولة، ويهيمنون على مفاصل الإدارة، ولا يمنحون الأقليات حقوقها أو يتركون لها المجال للتعبير عن نفسها، مما يجعل الطرف الآخر- الأقلية- يستعين بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لاستعادة حقوقه وإثبات وجوده، مما يترك فرصة للأجنبي في الدخول لمساعدة الأقلية لحمايتها في العلن وللتمصلح منها في الخفاء، وهذا ما حصل للأسف في جنوب السودان، فمنذ الاستقلال عن انجلترا وهو في صراع مع السلطة المركزية في الخرطوم، التي لم تنجح في فك أهل الجنوب من الارتماء في حضن المستعمر الانجليزي الذي عاد للجنوب من باب الكنيسة على الرغم من أن المسيحيين لا يشكلون أغلبية في الجنوب، فقد كان مجلس الكنائس العالمي حاضرا في كل الاتفاقيات التي وقعها الجنوبيون مع الخرطوم منذ اتفاقية أديس بابا 1972، وفي هذا الاتفاق يقع العسكر مرة أخرى في الخطاء، حيث فرض الرئيس السوداني جعفر نميري تطبيق الشريعة الإسلامية في الجنوب على ناس لا يشكل المسلمين خمس مجموع السكان، ووفق الإحصائيات المتوفرة حاليًا (وتعود للعام 1956) فإن المسلمين يشكلون فقط 18%، والمسيحيين 17%، والبقية ديانات أفريقية متعددة.

ماذا لو منحت الخرطوم أهل جوبا حكما ذاتيا في إطار الوحدة الوطنية، وتقاسم الثروات إلى أخرها من الحقوق التي تمنع إزهاق الأرواح واستنزاف المقدرات وانفصال الجزء من الكل، وتذليل كل العوائق التي تقف في طريق السلام ، لو تنازلت الخرطوم عن كل ذلك من اجل لم الشمل لما وجد الآخر – المتربص- ثغرة ينفذ منها ليهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. 

إن النفاق الدولي في مسألة جنوب السودان واضح للعيان ولا يدعو مجالا للشك، وهنا أقدم دليلا على أن المجتمع الدولي الذي تحركه أصابع الصهيونية العالمية، وقف مع خيار انفصال الجنوب ودعمه بكل الوسائل الممكنة، لأن الانفصال سيوّلد دولة أفريقية في منابع النيل يجعلها تُعيد اتفاقية تقسيم مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب ومنها طبعا مصر والسودان مما يعني استمرارية الأزمات في حوض النيل.

إن النفاق الذي أتحدث عنه هو دعم الغرب لانفصال جنوب السودان، وتجاهله لمسألة الصحراء الغربية الممثلة بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، لأن الصحراويين يطالبون بحق تقرير المصير سواء التصويت للانضمام للمغرب أو بإعلان استقلال جمهورية الصحراء الغربية، المعترف بها من قبل الجزائر وبعض الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي حالة صوت الصحراويون لاستقلال الصحراء الغربية، فإن الدول الغربية لن تربح شيئا من ذلك؛ لأن جمهورية الصحراء الغربية ستبقى عربية مسلمة، واستقلالها سيُنهي العداء بين الجارتين الجزائر والمغرب.