عودة الابن الضال مقتدى الصدر يعود إلى العراق
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 28 مايو 2007 05:01 م

مأرب برس ـ عمان ـ خاص

طالعتنا الأخبار برجوع السيد مقتدى الصدر من المروج الخضراء في قم إلى مرتع ظهور جده المهدي في الكوفة بعد أن أنكر أنصاره بصلافة وعناد أشبه بعناد البغل هروبه إلى إيران عشية تطبيق الخطة الأمنية الجديدة بناء على نصح رئيس الوزراء المالكي مؤكدين وجوده في مكان ما داخل العراق وهي فرية أصروا عليها لغاية ظهوره في الكوفة وذلك لحفظ ماء الوجه بعد أن أطمئن وتيقن من وأد مشروع المصالحة الوطنية في مهده وفشل الخطة الأمنية؟ وبعد أن تسلم توجيهات خامنئي لإدارة المرحلة المقبلة في العراق وهي كما تشير كل الدلائل ستكون حاسمة فالإدارة الأمريكية لم يعد بوسعها أن تداري سلسلة فضائحها وخسائرها المتلاحقة في العراق بعد أن تكبدت في يوم واحد خمسة عشر قتيلاً وعشرات طائرات سمتيه في أبرز معسكراتها المحصنة في العراق على أيدي قوات المجاهدين الظافرة ولا شك أن عودة الابن الضال لم تكن وليدة الصدفة أو تعبير عن موقف بطولي كما حاول البعض أن يفسره كمريم الريس وهي إحدى الزينبيات لتي تشغل منصب مستشار المالكي للشؤون القانونية فقد استغربت من اعتبار البعض غيبته الصغرى كأنها تهمة باعتبار انه كن متواصلاً مع أتباعه من خلال سفرائه!! من المؤكد أن عودته كانت نتيجة حتمية لظروف داخلية وخارجية أوجبت عليه مغادرة الربيع الإيراني المزهر إلى الخريف العراقي المقفر؟

بلا شك إن الموقف الدولي للمقاومة العراقية الباسلة قد ترك ظلالا كارثية على إدارات الاحتلال فقد حلت لعنة العراق على رئيس الوزراء البريطاني بلير الذي تنحى عن منصبه بعد الهزائم والخسائر التي تلقتها القوات البريطانية في العراق بالرغم من أنها موضع حسد من قبل شقيقتها الأمريكية لكونها تتولى مسؤولية القاطع الجنوبي الذي تسكنه الأكثرية الشيعية المؤيدة للاحتلال والمتعاونة معه بموجب فتاوى مرجعياتها الدينية والسياسية، والأمر الثاني تنامي الصراع داخل الكونغرس الأمريكي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأن إقرار الكونغرس الأمريكي قانون تمويل حرب العراق وأفغانستان بدون تضمينه فقرة تتعلق بانسحاب هذه القوات من العراق قد أعقبه تأكيد من زعيم الديمقراطيين في المجلس هاري ريد بأن " زمن منح الشيكات على بياض وإعطاء الضوء الأخضر لسياسة بوش الفاشلة في العراق قد ولى وان الديمقراطيين لن يستكينوا أبدا أبدا أبدا" كما أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أكدت من جهة أخرى بأن التصويت القادم للكونغرس سيكون في شهر سبتمبر القادم للنظر في تمويل حرب العراق، ناهيك عن الضغوطات الشعبية الشديدة التي باتت تخنق الرئيس بوش فقد أظهرت نتائج آخر استطلاع قامت به شبكة سي بي سي بالتعاون مع صحفية نيويورك تايمز بأن 76% من الأمريكيين يعتقدون أن ما تقوم به قواتهم في العراق يجري بصورة سيئة، واعتبر 47% منهم أنها تجري بصورة سيئة جداً؟ وهذا يعني أن السفن ستجري بما لا يشتهي بوش وإدارته فالصراع مستمر والأصوات المؤيدة لانسحاب القوات المرتزقة أخذت تزعق داخل الولايات الأمريكية وكانت السحنة التي خرج بها الرئيس بوش في خطاباته خلال الشهر الحالي نذير شؤم واضح ويأس كبير بدت علاماته على وجهه كما وصفه الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، فوصفه بأنه ذو شخصية كارثية!

 كما لاحت في الأفق دعاوي كثيرة تشير إلى احتمال انسحاب القوات الأمريكية من العراق بشكل طارئ أو نصف قواتها على اقل تقدير وهذا ما اكدته صحيفة نيويورك تايمز بأن البيت الأبيض يدرس احتمال تخفيض عدد قواته في العراق بنسبة 50% ويبدو أن وزير الدفاع لعراقي عبد القادر العبيدي انتابته حمى الانسحاب المفاجئ وهو أدرى الناس بضعف قوات غير القادرة والمؤهلة لحماية الوزير نفسه فانبرى مصرحاً" بأن الجيش العراقي يضع خطط الاستعداد لأي انسحاب أمريكي مفاجئ" وقد انتقلت حمى الخوف إلى وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري الذي طار إلى لندن مستجديا من الحكومة البريطانية إبقاء قواتها في العراق بعد انتهاء اكسباير بلير وكالمفجوعة بموت وليدها تباكى الزيباري بحرارة على فراق القوات البريطانية الشقيقة وأنتحب بقوة" لا تبقونا وحدنا" وكان منظراً يدعو للسخرية حقاً من أولئك النصابين والعملاء؟ وقد أربكت هذه التطورات مقتدى الصدر وأدرك مغبة عدم انتهاز الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية بانسحابها المفاجئ مما عجل بعودته لمواجهة هذه الاحتمالات؟ ويبدو أن الإدارة الأمريكية نفسها قد لمست نوايا الصدر هذه فقد ذكرت إحدى وكالاتها بأن الصدر يخطط لملأ الفراغ السياسي الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق بعد مرض منافسة الحكيم، كما صرح احد المسئولين في التيار الصدري بأن التيار يعتقد أن انسحابا أمريكيا وشيكا من العراق مضيفاً بان التيار الصدري يعد العدة لتشكيل قيادة العراق الجديدة؟

من جهة ثانية ظهرت بعض الدلائل والتي تسربت من الإدارة الأمريكية إلى وسائل الأعلام بأن صبر هذه الإدارة قد نفذ من تصرفات المالكي وحكومته المبتلاة بشتى أنواع الأوبئة من فساد و الطائفية وعنصرية وإجرام وغيرها، وعبر عدد من المسئولين الأمريكيين عن رغبتهم باستبدال المالكي بشخص آخر أكثر جدية وواقعية وأقل طائفية؟ سيما أن الوفد العراقي برئاسة النائب صلاح الدايني قد كشف بوثائق لا يرقي لها الشك تورط رئيس الوزراء نفسه بدعم فرق الموت واستعانته بالمخابرات الإيرانية لتصفية بعض النواب والرموز المناوئة لسياسته وبعضهم من اتهمه في سابقة تاريخية تحت قبة البرلمان بتهمة الإرهاب مهددا بتصفيته؟ ويبدو أن هناك رغبة أمريكية جدية في استبدال المالكي بعد أن أثبت فشله وطائفيته باقتدار كبير تفوق فيه على منافسه الجعفري، وقد نشرت صحيفة لوس انجلوس تايمز و الواشنطن بوست تقريرا عن نية واشنطن بتغيير حكومة العراق الحالية والبحث عن بديل مناسب، كما أكدت وجود فجوة كبيرة بين المالكي ومعظم وزرائه وكان هذا سببا مضافاً لعودة الصدر من منفاه الأختياري؟

كما ظهرت مؤشرات أخرى ركزت على الدور القادم لرئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي المعروف بعلمانيته وصلابته وهو احد الوجوه التي يمقتها مقتدى الصدر وجيشه المهزوز بعد المعارك التي دارت بين قواته والقوات الحكومية تدعمها القوات الأمريكية في النجف وكربلاء؟ وكانت الأخبار لتي تناقلتها وسائل الأعلام قد أظهرت علاوي بمظهر القائد المنتظر للعراق وتمادت في الترويج بأنه بصدد أعداد محاولة انقلابية للإطاحة بحكومة المالكي مما جعل الأخير ينتفض في جحره ويصب لعناته على أية محاولة للإطاحة بسلطته التي لا تتجاوز أسوار المنطقة الخضراء مذكرنا بوزير الصحة في حكومته علي الشمري عندما قال" لا استطيع العيش بدون وزارة"؟ ولاشك أن مطالبة رئيس كتلة الجبهة العراقية للحوار الوطني صالح المطلك الإدارة الأمريكية إلى التعجيل بتغيير حكومة المالكي بسبب نزعتها الطائفية لم يكن وليد الصدفة ايضا ؟

كما أن الموقف العربي بعد مؤتمر الشيخ أفرز أصواتا تناصر المقاومة العراقية بصورة علنية وتطالب قوات الاحتلال بالانسحاب من العراق فقد كانت كلمة الأمين العام الجامعة العربية واضحة بإدخال المقاومة العراقية كطرف في المعادلة العراقية، ناهيك عن توفر القناعات لدى الإدارة الأمريكية نفسها بأن المقاومة العراقية هي طرف رئيسي في المعادلة لعراقية وربما كفتها أكثر ترجيحا من كفة لمالكي نفسه وقد أكدت الواشنطن بوست بأن الرؤية الأمريكية الجديدة تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في العراق والتقرب من المقاومة العراقية وهذا ما أشار إليه إياد علاوي عندما كشف عن لقاء مرتقب بين مسئولين أمريكيين وفصائل من المقاومة العراقية معرباً عن تشجيعه لمثل هذه المبادرات؟ بالرغم من نفي الناطق بأسم كتائب ثورة العشرين عبد الله العمري وهي أهم فصائل المقاومة العراقية من وجود مثل هذا الأمر؟ لكن هذا لا ينفي وجود مثل هذه الرغبة لدى فصائل أخرى وفي نفس الوقت لا يمكن تثبيتها؟ سيما أن المتحدث بأسم القوات الأمريكية في العراق العميد كريستوفر غارفر قد صرح لقناة الجزيرة الفضائية بأجراء حوار مع عناصر مسلحة من السنة؟ ولاشك أن المفاوضات المباشرة بين الأمريكان والمقاومة العراقية ستجعل الصدريين في خانة المتعاونين مع قوات الاحتلال وليس كطرف يقف ضد قوات الاحتلال كما يروج لنفسه مما يجعلهم في زاوية حرجة كقوى غير وطنية إضافة إلى أنه يفضح دورهم المتهادن مع الأمريكان عربيا وعالميا وهذا الأمر عجل بدوره من عودة الصدر إلى الأضواء كطرف وطني مقاوم للاحتلال. كما انه يفسر تهجم الصدر في أول ظهور علني له على قوات الاحتلال مطالبا برحيلها أو جدولة انسحاب قواتها معتبرا أن الحكومة العراقي لا تتمتع بصلاحية كاملة لتطلب بقاء أو تمديد وجود هذه القوات وفي محاولة استقطاب العرب إلى جانبه أدخل الصدر شعار الوقوف ضد إسرائيل وهذه مبادرة جديدة تدخل في السياق ألأعلامي أكثر منه العملي؟

يضاف لذلك انتهاج المقاومة العراقية أسلوبا وتكتيكا جديدا في عملياتها المسلحة وتوجهها والإعلامي، كما أنها أخذت تتناسل بشكل مخيف بضم عناصر جديدة لها وظهر نوع من التنسيق بين الوحدات الجهادية نفسها مما أنعكس في نقلة نوعية وعددية في المهمات الجهادية بدأت تؤرق الأمريكان وربيبتهم حكومة المالكي أو الهالكي كما يسميه العراقيون بسخرية، وهذا الأمر يعني تنامي الطائفة السنية التي تسيج المقاومة العراقية بكل أصنافها وتوجهاتها ولاشك أن ذلك من شأنه أن يخلق تخلخلا من وجهة نظر الصدريين في معادلتهم الطائفية بعد أن أفل دورهم في مقارعة الاحتلال وانكشفت حقيقة تبعيتهم الفارسية فقد تأكد للعالم أجمعه بأن المقاومة سنية صرفة، وما عدا ذلك مجرد ثرثرة أو تصفية حسابات إيرانية أمريكية على الساحة العراقية ولا يمكن أصفاء صفة المقاومة عليها وأن أضيفت فهذا تجني ما بعده تجني وعار ما بعده عار أن ينسب الشيعة لأنفسهم دوراً يتناقض كليا مع توجهاتهم السياسية وتوجهات مراجعهم الدينية وموقفهم المتعاون مع قوات الاحتلال؟ وقد اقلق هذا الموضوع الصدر الذي أحس بأن المقاومة العراقية سحبت البساط من تحت أقدامه وان لافتات الصدريين في مقارعة الاحتلال قد أسقطتها المقاومة العراقية مع أقدام الغزاة في الوحل؟

السبب الآخر تجلى في هروب مقتدى الصدر وقيادات جيشه العرمرم إلى إيران تاركين أعوانهم يقعون كالفئران في المصيدة الأمريكية وقد تنامى الشعور لدى القيادات الصغيرة بأن القيادات العليا لفرق الموت قد درئت بنفسها عن مواجهة الغول الأمريكي متخلية عن مسؤوليتها تجاههم وتركتهم وحيدين في قبضة الأمريكان والبريطانيين الذين قاموا بعمليات قتالية ضد جيش المهدي وكبدوه خسائر فادحة وكان عدد من هذه القيادات ومنهم قائد الجيش في محافظة البصرة وسام ابو قادر وعدد من كبار قادة جيش المهدي في الديوانية وبابل وبغداد قد لقوا حتفهم جراء هذه العمليات ونتيجة للشلل الذي حصل في جيش المهدي بسبب هروب قياداته وتعرضه إلى هجمات شديدة من قبل القوات الأمريكية والبريطانية تؤازرهما القوات لعراقية فأن الجيش أمسى على وشك الانهيار والتفكك في صفوفه وكان لا بد من العودة إلى لمُ الشتات قبل ضياع الفرصة وفوات ألأوان؟

تشير الأحداث المتلاحقة في العراق إلى وجود طبخة سياسية جديدة فقانون النفط والغاز تم إرجائه إلى شهرين قادمين بسبب تضارب المواقف الكردية في البرلمان مع التوجهات العربية، إضافة إلى تهديد اردوغان باجتياح كردستان وتصريحه بأنه لا يحتاج إلى أذن من احد لدخول شمال العراق كما تزامن ذلك مع عثور القوات التركية على شحنات من الأسلحة المتوجهة من شمال العراق إلى عناصر من حزب العمال التركي؟ إضافة إلى انفراط الائتلاف الشيعي العراقي بعد انفصال حزب الفضيلة وتهديد التيار الصدري بالانسحاب إضافة إلى فشل المالكي من تحقيق المصالحة الوطنية وفشل الخطة الأمنية باعتراف الأمريكيين أنفسهم فقد اعترف الجنرال بيتر بيس رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية بأن عدد القتلى بين المدنيين العراقيين زاد عن مستواه قبل الحملة الأمنية، إضافة إلى فشل المالكي من تعيين وزراء بدلا من الوزراء الصدريين وانكشاف لعبته بترشيح الوزراء المرشحين من حزبه احدهم متورط بفساد مالي وآخر طرد من وظيفته بسبب غياباته المستمرة؟ إضافة إلى إعلان اياد علاوي لمشروعه الجديد خلال اجتماع القائمة العراقية في عمان هذا الشهر بتشكيل جبهة وطنية جديدة بسبب تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ومن المتوقع إن تستقطب بعض النواب والتيارات السياسية ومنها حزب الفضيلة والتوافق، علاوة على التغيرات في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والموقف المتذبذب للمالكي تجاه جيش المهدي ونية الجعفري بالانشقاق عن المالكي في تشكيل حزب جديد، ولا شك أن الصدر وجيشه ليس بمعزل عن هذه التطورات مما يقتضي التواجد على الساحة العراقية ومراقبة الأوضاع عن كثب والاستعداد للحالات الطارئة؟

ومن الأسباب الأخرى لعودة الصدر إلى العراق التغييرات التي أجراها منافسه عبد العزيز الحكيم الذي استغل هروب الصدر إلى إيران لإعادة بنيته التنظيمية ولو من الناحية الشكلية فقد أعلن عن تغيير أسم تنظيمه وتمسكه بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في محاولة للتقرب من أمريكا، ولاشك إن الصدر لا يرغب أن يخطف منافسه الحكيم الأضواء منه سواء بهذه الإصلاحات الهامشية أو التقرب من الولايات المتحدة فالتقرب مقبول ولكن لحد الخط الذي لا يهدد التيار الصدري نفسه؟ وطالما أن الحكيم أستغل غياب الصدر لترويج أفكاره الجديدة فلا بأس أن يعامله الصدر بمبدأ المقابلة بالمثل فيستغل غيابه عن الساحة للمعالجة في إيران ويبدأ بترويج أفكاره لإعادة الأضواء إليه ثانية؟

من الأسباب الأخرى هو وجود اكبر زعيمين شيعيين في إيران في نفس الوقت، ومن المؤمل أن تبدأ مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن العراق في نهاية الشهر الحالي، وبلا شك أن وجود الزعيمان سيعزز من قوة الاتهامات الأمريكية في حجم التدخلات الإيرانية في شؤون العراق الداخلية ولا حاجة إلى إثباتات وشواهد رغم توفرها فوجود الحكيم والصدر في إيران هو دليل قاطع على حجم هذا التدخل سيما أن الحكيم قد عاده في مشفاه مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والسيد حسن نجل الخميني وهاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام مما يدل على الحظوة التي يتمتع بها ؟ لذا كانت الرسالة واضحة من الحكومة الإيرانية للصدر وهي أن رقعة الشطرنج الإيرانية لا تحتمل وجود أميرين ولابد من مغادرة احدهما وطالما أن الأقرب هو الابن الروحي لخامنئي عبد العزيز الحكيم وبحكم مرضه فأن الصدر أولى بالمغادرة بعد تزويده بالإرشادات اللازمة للتوجهات القادمة واخذ تعهد من المفاوض الأمريكي بأن لا تطال يداه مقتدى الصدر شخصياً وقد استوعب الصدر الدرس وحفظه على ظهر قلب بعد أن تم تأمين الجانب الأمريكي وهذا ما يفسر رجوعه وظهوره أمام الملأ في خطبة الجمعة في مسجد الكوفة دون أن يعيره الأمريكان أي اهتمام؟ أما الشعارات التي طرحها بحركة بهلوانية وهو يلبس الكفن مقلداً أبيه محمد محمد صادق الصدر بقوله لا لأمريكا ولا للاحتلال ولا لإسرائيل فهي ليست أكثر من ذر الرماد في العيون؟ فلو كان حقيقة لا يخاف الموت كان الأولى به أن يبقى في العراق ولا يهرب لإيران ليكفي العباد من شر لبس كفنه وهو على قيد الحياة ولكنها خزعبلات ينجح تمريرها على السذج والبلهاء فقط؟

ولم ينسى خامنئي أن يحمل الصدر رسالة مهمة تتعلق النواصب فقد أشار في خطبته بأنه يستنكر قيام النواصب بإجبار المسيحيين على اعتناق الدين الإسلامي ولا نعرف حقيقة هذه الأطروحة الصدرية الفنطازية فحتى قوات الاحتلال لم تشير إلى مثل هذه المسألة ولو كانت حقيقية لكان الأعلام الغربي قد أستثمرها أفضل استثمار للنيل من تنظيم القاعدة؟ كما لم نسمع يوماً شكوى من المسيحيين حول هذه الظاهرة؟ ولكننا سمعنا المئات منهم يشكون من إرهاب الميليشيات وبالذات جيش المهدي؟ وكما هو معروف أن عناصر المهدي فجرت المئات من محلات باعة الخمور وهي مملوكة من قبل المسيحيين بموجب القانون العراقي الذي يمنح حيازتها لغير المسلمين كما قتل العديد منهم وهجروا لهذا السبب؟ علاوة على أن عناصر المهدي تفرض الحجاب على الفتيات في سن السابعة جبرا سواء كن مسلمات أو مسيحيات ويعاقبون بالجلد في محاكمهم الخاصة لمن لا يذعن لمشيئتهم؟ ولكنهم مع ذلك يسمح بزراعة المخدرات وترويجها ويحضون على زواج المتعة الجماعية من الزينبيات؟

وكانت الوصية الأخيرة من المعلم خامنئي إلى تلميذه المطيع أن لا ينسى في خطبته العصماء الإشارة إلى معاناة الحوثيين في شمال اليمن والتي تدعمهم إيران بالمال والسلاح والأعلام؟ سيما أن اليمن طالبت الحكومة الإيرانية بموقف واضح من قضية الحوثيين ولكن الموقف الإيراني اتسم بما يسمى بالتقية وهو مبدأ شيعي معروف بأن تظهر غير ما تبطن وهو ما تسميه بقية المذاهب بالنفاق! وحمل الصدر الوصية في قلبه وأداها بأمان في أول ظهور علني دون أن يدرك مغبة هذا التحرك الساذج فالسياسة الخارجية ليست من مهام المعممين وسبق أن وجه النائب القزم جلال الدين الصغير إساءات دنيئة لا تتفق مع أخلاق أبناء الشوارع وليس رجال الدين لحكومتي اليمن وليبيا الشقيقتين بسبب استنكارهم لطريقة إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وهي الطريقة التي أنتقدها الرئيس بوش نفسه وتابعه البريطاني الذليل بلير؟ كما رفض رئيس الوزراء المالكي ووزير خارجيته هذا التدخل السافر في سياسة العراق الخارجية من قبل إطراف غير معنيين بها وأكدا أن هذه المسائل تدخل في صميم عمل وزارة الخارجية فقط وليس مأذون لأحد أن يصرح بما يتعارض وهذا النهج؟ ولكن الصدر ضرب عرض الحائط هذا التوجيه متناغما مع التوجهات الإيرانية؟

الغريب أن الصدر لم يطالب الحكومة اليمنية بمعالجة موضوع الحوثيين انطلاقا من حرص اخوي أو إسلامي باعتبار أن المسألة يمنية خالصة وتتعلق بسيادة بلد شقيق وان الصدر ليس أكثر حرصاً من الحكومة اليمنية في معالجة مسألة تتعلق بجزء من شعبها؟ بل وجه ندائه إلى الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة في سابقة خطرة تعد تدخلاً سافراً في شؤون اليمن الداخلية متناسيا قول المالكي في مؤتمر شرم الشيخ بأنه يحذر" من يفكر عنا" أو يتدخل في شؤون العراق الداخلية أو ينصب نفسه وصياً على العراق؟ ولم يكلف الصدر نفسه عناء دراسة طبيعة المشكلة وربما سمع للمرة الأولى بالحوثيين في حضرة أستاذه خامنئي دون أن يفقه من الموضوع شيئا؟ وأكاد أن اجزم أن معرفة الصدر بالحوثيين لا تزيد عن معرفة أشعب بالفيزياء النووية؟ لذا كان طرح الموضوع في الخطبةغريبا في بابه فكأنما يتحدث احدهم عن الكواكب السيارة ويقطع كلامه بالقول" أن الحمير تستخدم للنقل" فشتان بين الحديثين أو الربط بينهما؟ وقد زاد من الطين بله أن المالكي أوفد وزير التربية والتعليم خضير الخزاعي إلى صنعاء حاملاً رسالة لنظيره اليمني علي محمد تتعلق بتحسين العلاقات الثنائية وتطويرها في مختلف المجالات وهي أول زيارة رسمية لمسئول عراقي إلى اليمن منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003ولاشك أن موقف الوزير في صنعاء كان محرجاً للغاية؟

وكان مسك الختام في مسرحية الصدر هو هروب أحد قادة فرق الموت علي الشمري وزير الصحة إلى بلاد العم السام ومن الصعب تفسير هذه الخطوة الجريئة من قبل الوزير الصدري وطلبه اللجوء لسياسي في بلد الاحتلال؟ ولم يتمكن الصدر من تفسير الظاهرة الشاذة فأحالها إلى قياداته المعروفة بتضارب آرائها وسفاهتها فقد ذكرت غفران الساعدي بان للتيار الصدري خلافات مع الوزير بسبب أدائه غير المرضي؟ واعتبر آخرين إن الموقف شخصي! متناسين انه كان احد قيادي التيار؟ ولا نعرف ما الذي تقصده النائبة الصدرية بأدائه غير المرضي وما الذي كان يطلبه التيار أكثر من عطاء وزيره بعد أن ثبتت عليه جريمة تهريب ملايين الدولارات من خزينة الوزارة إلى ميليشيا المهدي والمتاجرة بأعضائهم والسماح لفرق الموت بالتواجد في المستشفيات العراقية وخطف الجرحى مقابل فدية وتصفية أبناء الطائفة السنية من ديوان الوزارة حتى أحتفل الوزير بمناسبة أخراج آخر سني من وزارته كما تم اختطاف وكيل الوزارة المرشح من مكتب الوزير نفسه ومازال مجهول المصير؟ وقد وصف احد الإعلاميين وزارة الصحة بأنه أحس وهو داخل الوزارة بأنه في مجلس الشورى الإيراني فقد كانت صور الخميني وخامنئي تزين ممرات ومكاتب الوزارة بشكل كثيف قد لا ترى مثيلا له في إيران نفسها؟ فما هو الأداء المميز من وجهة نظر النائبة إذن أنه لأمر مهول بكل تأكيد؟

 الحكومة العراقية من جانبها فسرت هروب الوزير وفق احدث الأساليب التحليلية المبتكرة تذكرنا بأساليب جحا وحماقاته في تفسير الظواهر فقد أدلى القرقوز صادق الركابي المستشار السياسي لرئيس الوزراء في تصريح غريب من نوعه ومثير للسخرية في الوقت نفسه مستبعداَ أن يكون وراء تقديم الوزير الشمري اللجوء السياسي في أمريكا أسبابا سياسية؟؟؟؟

إما نكتة الموسم كما يدعوها العراقيين فقد تجلت عندما طالب الصدر في خطبته عناصر جيشه السائبة بقوله" أنصح الأخوة الأعزاء في جيش المهدي اللجوء إلى الطرق السلمية في حال الاعتداء عليهم؟؟ فقلب بذلك الصدر كل الموازنات عندما حول القاتل إلى ضحية واللص إلى سيد والظالم إلى مظلوم؟ وربما ستشهد الأيام المقبلة والله أعلم بأن يعتدي مواطن مثقف وواعي على عناصر من جيش المهدي المسلحين بلا ذنب يرتكبونه فيعتذرون منه ويقدمون له باقة من الزهور مزدانة بالتماس العفو والمغفرة....أو أن يقوم احد الأساتذة الجامعيين بإقصاء عائلة من جيش المهدي من دارها قسراً فتستحلفه العائلة بأن تسلمه مفاتيح الدار بعد تنظيف الدار وتهيئة وجبة الغذاء للأستاذ الجامعي قبل أن تودعه بالقبل والأحضان... فلله في خلقه شؤون؟

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي