الثورة وجزراتها الست
بقلم/ عباس السيد
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 4 أيام
الأحد 12 فبراير-شباط 2012 05:13 م

كان تنظيم الضباط الأحرار يدرك جيداً حجم التحديات والصعوبات الداخلية والخارجية التي ستواجه ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م ،وقد كان افتقاد قادة الثورة إلى القاعدة الجماهيرية أبرز هذه التحديات ، نظراً للظروف السياسية والثقافية السائدة آنذاك .

لذلك ، لجأ قادة الثورة إلى تغطية تلك الفجوة من خلال تبني أهداف الثورة التي شكلت جسراً سهل عملية انتقال فئات وشرائح شعبية واسعة من ضفة الإمام إلى ضفة الجمهورية.

نجح قادة الثورة في خلق قاعدة جماهيرية عريضة اصطفت حول مصالحها المُضمنة في أهداف الثورة الستة وعملت من أجل تحقيقها ، وأصبح الشعار "الجمهورية أو الموت" .

بعد ثمان سنوات من الحرب الأهلية التي أججتها قوى إقليمية ودولية وراح ضحيتها حوالي 200 ألف نسمة ، أنجزت الثورة انتصارها وارتفع علم الجمهورية في السهول والجبال من تعز إلى صعده ، وبقي تحقيق الأهداف الستة وتعزيز ما تحقق منها هي المهمة الرئيسية " المفترضة " لقادة الجمهورية.

خلال الفترة من 62-1978م ، تعاقب على الحكم الجمهوري أربعة رؤساء تراوحت فترة حكم كل منهم بين ثمانية أشهر إلى سبع سنوات ، انتهت فترة حكم انثنين منهما بالقتل والآخران بالنفي، وجميعهم أصبحوا في ذمة الله.

ما الذي تحقق من الأهداف في عهدهم ؟! أين أصابوا وأين أخطئوا ؟! قد نختلف في الإجابة عن هذه التساؤلات ، ولكن الذي لن يختلف عليه الكثيرون هو أن الرؤساء الأربعة لم " ينقلبوا " على أهداف الثورة ، إمّا لأنهم كانوا أوفياء لهذه الأهداف ، وإمّا لأنهم لم يجدوا الظروف الملائمة لعملية الانقلاب.

عام 1978م تسلم الرئيس على عبدا لله صالح زمام الحكم الجمهوري وبالتالي مسؤولية تحقيق الأهداف الستة ، بينما كان للرئيس صالح هدفه الخاص ، وهو تحاشي مصير أسلافه الأربعة ، وقد سخر كل شيء لتحقيق ذلك ، فأمتد عهده إلى أكثر من ضعف المدة التي قضاها أسلافه الأربعة مجتمعين.

نجح الرئيس بامتياز في تحقيق هدفه الخاص ، وكان ذلك النجاح على حساب أهداف الثورة الستة على الرغم من توفر المناخات والإمكانات الملائمة لتحقيقها خلال فترة حكمة .. لم يفشل الرئيس صالح في تحقيق الأهداف الستة فحسب ، ولكنه أنقلب عليها من خلال سياسة ممنهجة كرست الاستبداد وحولت الجيش إلى ميليشيات عائلية ومهدت لتوريث الحكم ، كما أدت سياسات صالح إلى تصدعات في النسيج الاجتماعي والفكري والجغرافي يصعب ترميمها وجبرها في المستقبل المنظور ـ على الأقل ـ.

وبحسب تقارير أممية تُصنف اليمن ضمن أكثر الدول تخلفاَ في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم وتأتي عربياَ قبل الصومال ودولياَ قبل أفغانستان.

في مطلع 2011م ، أي بعد قرابة 50عاماَ من تبني الثورة والنظام الجمهوري للأهداف الستة ، وجد اليمنيون أنفسهم وكأنهم يركضون خلف ست جزرات طيلة العقود الماضية ، ولأنهم أيقنوا أن الطريق لا يزال طويلاَ وبلا نهاية وقد أنهكهم المشوار، توقفوا عن الركض ، وصرخوا بصوت واحد : الشعب يريد إسقاط النظام.

سقط صالح من على صهوة حصانة ، فأنقذه أصدقاؤه " بحصانة " أخرى غادر على " متنها " البلاد بعد أن سلّم " العُصِي والجزرات الست " لأقاربه وأعوانه في النظام الجديد ـ القديم كي يستمروا في ممارسة نفس الحيلة ، مع أنها باتت مكشوفة وقديمة بالنسبة للشعب.

في يوم الأربعاء ـ على قرنهم وقرن أبوهم يا وزير الإعلام ـ الموافق 1 فبراير 2012 ، رفضت صحيفة الثورة أن تستمر في دورها القديم " كعصا للجزرات الست" حيث اختفت من صفحتها الأولى زاويتي أهداف الثورة اليمنية إضاءة الرئيس ، وقد جاءت هذه الخطوة بعد شهر من بدأ الصحيفة سياسة تطبيع لعلاقتها مع القارئ أتسمت بالهدوء والحذر.

على طريقة " رمتني بدائها وانسلت " شن أتباع النظام وأجهزته حملة شعواء على وزير الإعلام وقيادة الصحيفة الذين اتهموا بالخيانة والعمالة وتعرضوا للشتائم والتهديدات لأنهم " أسقطوا" أهداف الثورة ، ولا تزال الصحيفة ترزح تحت سيطرة ميليشيات مسلحة حتى بعد إعادة زاوية الأهداف والإضاءة .

المؤسف ، أن بعض إخواننا الطيبين ـ داخل الصحيفة وخارجها ـ لا يزالون أسرى حيلة الجزرات الست ، فهم يعتبرون أن الصحيفة وقعت في خطأ فادح حينما ألغت زاوية الأهداف الستة من عدد 1 فبراير، ومنهم من لا يتردد في إدانة الصحيفة وتجريمها.

ولهؤلاء نقول : إن الذي يجب أن يحاسب ويدان هو من أنقلب على الأهداف الستة وأزالها عن " الواقع " وقد كان المعني والمسئول عن تنفيذها ، وماحدث في الصحيفة ليس سوى إزالة حبر من على ورق ، أو بمعنى أخر " إسقاط الجزرات ، وإذا كان لا بد من محاسبة الصحيفة ، فلتكن المحاسبة على دورها طيلة العقود الماضية ، أما خطواتها الأخيرة فهي محاولة للتوبة ، فلماذا تغلقون أبواب التوبة ؟!

أهدف الثورة يا هولاء ليست ورقة صاغها مشعوذ وطلب منا تعليقها على رقابنا أو ربطها بسواعدنا كي نتخلص من الاستبداد والاستعمار ، ونتعافى من الجهل والفقر والمرض ، ونبني جيشاَ وطنياً ونزيل الفوارق بين الطبقات ، و..، ..

كما لم تصغ هذه الأهداف لتتحول إلى درس محفوظات أو لتنشر في زاوية ثابته بالصحيفة ، ولا لتعلق في الساحات والجدران .

أهداف الثورة هي مبادئ أساسية يُستلهم منها الدستور والقوانين والسياسات والخطط والبرامج في كافة المجالات لكي يتم تحقيقها على أرض الواقع وهي بمثابة عهد قطعته الثورة والجمهورية على نفسها أمام الشعب ، وعلى قيادات الدولة الوفاء بالعهد والعمل على تنفيذه كل حسب مسؤوليته واختصاصه.

مسؤولية صحيفة الثورة فيما يتعلق بالتزامها بأهداف الثورة وتنفيذها يتركز في سياستها التحريرية ومدى التزامها بمهنيتها من خلال تبني قضايا الوطن والمواطن وهمومه وتطلعاته ، ونقل الأحداث والمعومات بموضوعية وصدق ، واحترام عقلية القارئ ، والإرتقاء بثقافته ، من خلال هذه السياسة تستطيع الصحيفة أن تكون بالنسبة للقارئ مرصداً لمراقبة وتقييم مستوى تنفيذ أهداف الثورة وأن تسهم في معالجة الإخفاقات وتصحيح المسارات.

وفي حالة عدم التزام الصحيفة بهذه السياسة ، أو تحولها إلى بوق يسبح بحمد الحاكم ، فإنها تكون قد تخلت عن مسؤوليتها في تنفيذ أهداف الثورة ، وفي هذه الحالة يحق لنا أن نعتصم ونضرب أمامها المخيمات وأن نطالب بمحاكمة قيادتها.

إن كيل الاتهامات والتخوين والشتم الذي يتعرض له معالي الأستاذ علي العمراني ، وزير الإعلام والأستاذ ياسين المسعودي رئيس تحرير الصحيفة ونائبه الأستاذ عبدالرحمن بجاش ، ليس سوى محاولة إبتزاز واضحة تهدف إلى ثني كافة وسائل الإعلام ـ الممولة من المال العام ـ عن تصحيح مساراتها وتحمل مسؤولياتها الحقيقية في تنفيذ الأهداف الستة وتسليط الضوء على الأسباب التي أعاقت تحقيق الأهداف والمسئولين عنها.