وحتى توضع النقاط على الحروف
بقلم/ عمر عبد المجيد الزنداني
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع و 6 أيام
الخميس 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:04 م

مدنية أو إسلامية .. ما معنى مدنية، وما علاقتها بإسلام الدولة؟وآخر: لماذا لا تقتصر الديانات على العبادات فقط ويوضع قانون بشري لتسيير الأمور الأخرى ؟؟ مهاترات هنا وهناك .. هذا يفسق ذاك وذاك يسفه هذا، وآخر يخون آخر، وآخر يتفنن في الصاق تهم التطرف في خصمه، معركة مفتعلة لا أرى مبررات لنشوبها، ولا دواعي لحدوثها..

وبالرغم أني استنكر الجدل في أوضاع استثنائية لا تقوى على تحمل الخلاف، إلا أنني سأعرج على خواطر يجبرني على كتابتها اشتداد الجدل.. فمفهوم الدولة المدنية الحديثة كما يعرّفوها اليمنيين– ولا علاقة لمفهومنا كيمنيين بأي مفاهيم في أي مكان أخر فلكل مكان معطياته – تعني لكثير من الشباب المطالبة بدولة تقوم على أسس العدل والمساواة ، دولة المؤسسات ، دولة يحميها العسكر لا يحكمها ، دولة لا تفرق بين مواطنيها في الحقوق والواجبات..

وهذه هي المطالب التي اندلعت لأجلها ثورتنا اليمنية ، فهي ثورة ضد الفساد والظلم ونهب الحقوق ومصادرة الحريات في المقام الأول، فبالتالي القول بالمدنية لا تعني وقوفها ضد الإسلام وأحكامه ولا يعقل أن يفهم شباب الساحات أن المدنية هي استبعاد الدين عن هويتهم.

ومن باب الإنصاف فإن الحديث عن الهوية الإسلامية فلا يعني هذا بكل الأحوال أنها مصادرة للحريات والحقوق أو اضطهاد للأقليات غير المسلمة فهم نسيج من هذا المجتمع لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم .. ولا تنفي الهوية الإسلامية مبدأ التعايش مع الآخر، مهما اختلفت ديانته أو آراءه أو أفكاره، ومن قال غير ذلك فهو محارب للقيمة الأساسية التي جاء بها الإسلام....وبالتأكيد فإن الهوية لا تعني نموذج طالبان أو السعودية فذانك نموذجان فشلا في تحقيق الهوية الإسلامية الخالية من النفاق لأنهما مارسا الإكراه الذي يتناقض تماما مع مبادئ الإسلام وتعاليمه، وأي نظام يقوم على ظلم الناس ومصادرة الحقوق والحريات باسم الدين فهو نظام كهنوتي .. فالظلم ومصادرة الحقوق أو الحريات مرفوض في جميع الديانات والشرائع..

الحقيقة أن ما يجري من نقاش هو مجرد تفريغ للمصطلحات من محتواها الحقيقي وتحريفها حسب أهواء شخصية ، ومحاولة من البعض للاستفادة من موجة الإيمان بمدنية الدولة لصالح فكرة او فكر..!فلا مدنيتنا تعني كفرنا أو إنكارنا لديننا ولا إسلاميتنا تعني الظلم ومصادرة الحقوق والحريات، وأي نظام دولة لا يحقق العدالة والمساواة فهو نظام مرفوض سواء تلبس بالدين أو بالمدنية..

لا نحتاج إلى وكلاء للدين ولا وكلاء للحداثة، نحتاج إلى عقل يحترم الجميع من أجل الجميع، ولا بد باعتقادي أن نتوجه نحو حوار جاد، حوار يعكس صفاء قلوبنا، ورقي أخلاقنا .. وحبنا لأرضنا ..نناقش فيه المفاهيم بعيدا عن لمز الآخر أو إقصاءه .. بدلا من التراشق الإعلامي ..والمهاترات التي لم تفد ولن تفيد أحد..

وقبل أن ننتقل لهذا الحوار، لابد أن نلم الشمل ونوحد الصف من أجل تحقيق الهدف الذي خرجت من أجله ثورتنا، ومن أجل إكمال المسيرة التي سالت من أجلها دماء الشهداء في مختلف الميادين، وعلينا أن نترك كل ما يمكن أن يفرقنا ويبعدنا عن الهدف الأساسي.

رسالة أخيرة ..

لابد لأي دولة تريد أن تفرض احترامها وتملك قرارها أن تمتلك المقومات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، ولا يوجد احد يختلف مع هذه المفاهيم، فالعمل من أجل نهوض هذا البلد إذا ما سيطر على منهجية الجميع في التفكير سنصل إلى نقاط اتفاق، خصوصا أننا استطعنا في امتحان الثورة أن نجتاز ألاعيب الخلاف، وأجبنا بجدارة عن أسئلة الشراكة والعمل المشترك من أجل الهدف العام والصالح العام.. فما أجملك وطن إن سيطرت مصلحتك على عقولنا اجتمعنا، وانهينا التمترس خلف مصطلحات الخلاف!