الأشموري والستار الأخير
بقلم/ ياسر حسن ثامر
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
الأحد 05 أغسطس-آب 2012 11:33 م

لم يكن فقط من المع نجوم الفن في اليمن ؛ لكنه منذ ما قبل النجومية وبعدها، كان إنسانا مفعما بالنبل والجمال، والأخلاق العالية، والسجايا الحميدة ، والقيم الفاضلة، والمبادئ السامية، وما الأعمال والأنشطة التي عرف الناس من خلالها عبدالكريم الأشموري – الفنية والثقافية والسياسية والاجتماعية – ما هي الا نتاج متميز لتلك الإنسانية التي كان يتمتع بها، ومحصلة رائعة لكل المثل والقيم التي آمن بها، وناضل في سبيلها، ودافع عنها، وضحى من أجلها حتى آخر مشهد في حياته الشاقة والمشرقة.

ترجمة لتلك القناعات عاش الاشموري محترما لذاته في المقام الأول، فكان بذلك حريصا على احترام الاخرين فيما يقدم لهم من أعمال درامية – مسرحية كانت أو تلفزيونية أو سينمائية أو اذاعية – وهو ما جعله متميزا في الاختيار، متجددا في المضمون، مقنعا في الأداء، ونبيلا في الغاية والوسيلة على حد سواء، فأصبح بخبراته وتجاربه الفنية المتوالية واحدا من الفنانين القلائل في بلادنا - الذين لا يتجاوزون أصابع اليدين – ممن وصلوا الى مرحلة الاحتراف، احتراف في التعامل مع النصوص، ومضامينها، ومتطلباتها .. مخففا بذلك الكثير من العناء على الكاتب والمخرج، ناهيك عن أن ذلك الاحتراف بدا جليا في تمكن الاشموري وقدرته على خلق إحساس حقيقي لدى المشاهد أو المستمع بصدق الشخصية التي كان يؤديها، خيرة كانت أو مريبة.

خلال مسيرته الفنية انتهج الأشموري وعدد من رفاق دربه، فلسفة واضحة وعميقة تجاه مشاكلنا الاجتماعية والوطنية؛ فتوجهت معظم الأعمال التي قدمها لتسلط الضوء على صور وأشكال الفساد المالي والإداري والاجتماعي، مدركا أنه لا يمكن لنا أن نتقدم طالما ظلت تلك الصور لصيقة بالدولة والمجتمع، ولمن لا يعرف روعة الأشموري وأصالة معدنه على الواقع، أتمنى أن يشاهد الحلقات الثلاث التي جسد فيها الأشموري شخصية الوزير في اوائل رمضان الجاري في اطار مسلسل \"عيني عينك\" ذلك ان تلك الشخصية كانت أقرب الى حقيقة الفنان الإنسان عبدالكريم الأشموري، كما أتمنى من وزير الإعلام أومن قنواتنا الفضائية أن تحاول بث تلك الحلقات مجددا.

قدس الاشموري الفن وجعل منه رسالة سامية لخدمة المجتمع ، ورغم تقلده لعدد من المواقع السياسية، والاجتماعية، والإدارية، وما ترتب عليها من أنشطه مدنية وحزبية، الا انه في اطار الفن كان حريصا على ترك خيارات السياسة جانبا، ونبذ الولاءات الضيقة، منطلقا من حب الناس والوطن، كأساس للعيش والتعايش والنجاح، فكانت له مواقفه الوطنية المشرفة، في مختلف الظروف والمراحل التي مر بها اليمن، وحافظ على الفن طاهرا نقيا دون ان يدنسه بقذارات التعصب السياسي، أو يسخره لخدمة السياسة والسياسيين. ولعله بذلك يعد مدرسة مثالية للمبتدئين والمبتدعين في هذا المجال، ولكل من لم يتمكنوا من الإمساك بخيوط هذا الفن، واكتساب مهاراته العصية على من يرون أنه مجرد شكل من أشكال التهريج والاضحاك.

رحل الاشموري في بداية العقد الخامس من العمر، وهو لا يزال في قمة عطائه الفني، لم اكن أتخيل ان ألتقي بمعظم الزملاء من الفنانين دون أن المح الاشموري يحمل سيجارته بين إصبعيه ويقربها الى فمه، أو أسمع حتى قهقهته التي كانت تدوي في المكان لتضيف جوا من المرح على تجمع الفنانين، لكن ذلك حدث يوم جنازته المهيبة، لقد رأيته مسجى محمولا فوق رؤوس زملائه، وأصدقائه، ومحبيه، متجها نحو مسكنة المؤقت بين يدي الله. شاءت الأقدار أن يترجل هذا الفارس النبيل عن صهوة الإبداع، الإبداع الذي طالما صال وجال به، بكل ثقة واقتدار، ليسكن قلوب الملايين من محبيه في أرجاء اليمن، الكثير منهم أيضا لم يتخيلوا الأمر، ولم يصدقوا الخبر، اعتقدوا أنه من المبكر أن يسدل الستار الأخير على الاشموري ليرحل عن دنياهم، لكنها سنن الله في خلقه، التي لا نملك الا أن ننحني إيمانا بها، وحمدا وشكرا على ما قضاه الله فينا، وربما علينا الاستعداد دوما لخسران ما هو جميل في حياتنا، لكن علينا بالمقابل أن لا نجعل من الأسوأ بديلا لما خسرناه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.