عن التغيير الأمن والجذري باليمن
بقلم/ كمال البوعاني
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 3 أيام
الأحد 13 مارس - آذار 2011 09:26 م

ربما لم يفت الوقت بعد. ما زال في اﻹمكان إيجاد مخرج مناسب للأزمة الحالية في اليمن. كل احتمالات الفوضى والتقسيم والنزاعات اﻷهلية - سواء في ذلك ما صدر على سبيل التحذير عن مراقبين مشفقين على مستقبل اليمن أو على سبيل التهديد عن الرئيس ومؤيديه- يمكن تجنبها إذا ما بدأت عملية إصلاح النظام من اللحظة الراهنة ودون مزيد من إضاعة الوقت. اﻷمر على وجه التحديد يتعلق بمسئولية مشتركة بين الرئيس والمطالبين بإسقاطه.

مسئولية الرئيس

بالنسبة للرئيس، فلا يبدو حتى اﻵن أنه أدرك أن هناك تغييرا من نوع ما ينبغي أن يتم على وجه السرعة. ﻻ أحد يعلم كم سيمر من الوقت قبل أن يتوقف الرئيس عن إطلاق المبادرات ويبدأ في تحويلها إلى قرارات جمهورية فورية النفاذ. الحقيقة أنه ﻻ يستطيع أن يستخف بعقول الناس أكثر من ذلك، فاﻹصلاحات التي يذكرها في مبادراته ليست جزءا من اللعبة السياسية ليلوح بها كأوراق الكوتشينة في وجه خصومه. إخراج المظلومين من السجون وملاحقة الفاسدين وإصلاح الدستور واجبات معلقة في عنقه منذ سنين ويوشك أن يفوته وقت أدائها، ولا يحق له أن يساوم عليها لتحقيق مكاسب سياسية. علاوة على ذلك، الكل يعلم أن الرئيس الذي أسس نظامه على شفا جرف هار قد جعل من نفسه منذ البداية ليس رأس النظام فحسب بل قلبه ولسانه ويده ورجله، ولذا فلا يستقيم له اليوم أن يقف بين طرفي النزاع موقف الوسيط الذي ﻻ يملك إﻻ أن يتقدم بمبادرات.

الحقيقة أنه مع مرور الوقت يصبح سقوط النظام نتيجة حتمية ﻹصراره على تجريب وسائل قمع المتظاهرين التي أثبتت في التجارب الثلاث الماضية (التونسية والمصرية والليبية) أنها تأتي دائما بنتيجة عكسية. السقوط الوشيك يأتي أيضا لتراخي الرئيس عن إحداث إصلاح راديكالي في نظامه يعلم اليمنيون أنه يجب أن يطال أركان هذا النظام بما في ذلك أبناء الرئيس ومقربين منه. وعلى نحو أكثر تحديدا، ينبغي على الرئيس في اليومين القادمين إصدار قرارات جمهورية فورية النفاذ يكون في مقدمتها :

1. إقالة كل أبنائه وأقربائه من مناصبهم العسكرية والمدنية واستبدالهم بشخصيات حسنة الصيت في أوساط الجيش والمجتمع المدني.

2. إقالة الحكومة الحالية وتعيين حكومة خبراء من شخصيات حسنة السمعة، مع إلغاء وزارة اﻹعلام.

3. حل جهازي اﻷمن القومي واﻷمن السياسي وإحالة سجنائهما للجنة قضائية مستعجلة للبت في أمرهم.

4. تشكيل لجنة من خبراء دستوريين لصياغة دستور جديد وقانون للانتخابات.

5. حل مجلسي النواب والشورى والدعوة إلى انتخابات في الشهور القليلة القادمة.

6. اﻻستقالة من حزب المؤتمر الشعبي العام وإعادة هيكلته أو حله على خلفية تبديد المال العام وأعمال "البلطجة".

ﻻ شك أن كثيرين يستبعدون أن يقدم الرئيس على إحداث تغييرات بهذا الحجم باعتبار ما يمثله شخصه من النظام، ولكن بالنظر إلى الواقع الجديد الذي يتشكل داخل اليمن وخارجها فإن إنفاذ هذه القرارات يبدو هو الحل اﻷكثر واقعية الذي سيضمن للرئيس مخرجا آمنا من هذه اﻷزمة بما يحفظ له مكانه -ولو بشكل تشريفي أو إلى أجل مسمى- على رأس الدولة. في اعتقادي، أوان ذلك لم يفت بعد.

مسئولية المتظاهرين

أما بالنسبة للمتظاهرين، فمسئوليتهم في تجنيب اليمن احتمالات الانزﻻق للفوضى والتناحر اﻷهلي لا تقل عن مسئولية النظام الذي يواجهونه. على أنه ﻻ يمكن ﻷحد أن يصدق ما يقوله النظام ومؤيدوه من أن نزع فتيل اﻷزمة مرهون بفض المظاهرات واﻻعتصامات. على العكس من ذلك، يجمع المراقبون على أن خروج الشباب السلمي وصمودهم البطولي في ساحات التغيير جاء ليفكك أزمات أكثر خطورة تتعلق بانفصال الجنوب وحرب صعدة وانتشار تنظيم القاعدة، وقام بإحياء الوعي الشعبي بطول اليمن وعرضها وتحفيزه للبحث عن فرص حقيقية للتغيير. إن احتمال تحول اليمن إلى "دولة فاشلة" ( failed state ) ﻻ يمكن استبعاده في الوقت الراهن، لكن ليس بسبب هذه المظاهرات الشعبية بل ﻹنه -حسب كل التقارير السياسية واﻻقتصادية التي تناولت الشأن اليمني في السنوات الخمس اﻷخيرة- المصير الذي ينتظر اليمن من جراء أزمات نشأت وتفاقمت في كنف النظام الحالي بفعل الفساد والظلم وسوء اﻹدارة. (اليمن تقدمت من المرتبة 24 إلى المرتبة 15 على مؤشر الدول الفاشلة بين سنتي 2007 و 2010، وهذا اﻻنهيار المتسارع حدث كما هو واضح دون أن تعيق المظاهرات عجلة اﻹصلاح التي يتحدث عنها النظام).

في اعتقادي، يمثل الشعب اليوم اﻷمل الوحيد ﻹنقاذ اليمن من مصير الدولة الفاشلة وﻻ سبيل له إلى تحقيق ذلك -بعد الفشل الذريع الذي منيت به العملية السياسية طوال السنوات الماضية- إلا سبيل المظاهرات وتصعيد الاحتجاجات السلمية حتى يتم الإصلاح المنشود. وعند هذه النقطة بالذات يصح الحديث عن مسئولية المتظاهرين في الحيلولة دون السقوط في دوامة العنف والفوضى. وبشكل أكثر تحديدا:

1. سلمية الاحتجاجات: ينبغي على المتظاهرين المحافظة على سلمية المظاهرات رغم ما سيكلفهم ذلك من خسائر بشرية إضافية في اﻷيام القليلة القادمة أثناء محاولات التصدي لعناصر أمنية أو لمعتدين مؤيدين للنظام. في هذا السياق أيضا، يجدر بالمتظاهرين أن يهتموا بطمأنة وتأمين سكان الأحياء التي يعتصمون فيها على أطفالهم وممتلكاتهم وأن يعيدوا تموضعهم في الأماكن التي يصعب فيها ضمان ذلك.

2. إصلاح النظام بدلا من إسقاطه: إسقاط النظام ﻻ ينبغي أن يكون في حد ذاته هدفا للمظاهرات. يعلم الجميع أن ذلك ليس إﻻ نصف الحل أو ثلثه. ذلك أن رحيل الرئيس ونظامه لا يضمن بالضرورة إقامة نظام بديل قائم على العدالة والحرية والديموقراطية. إن من يقرأ شعارات المظاهرات ويستمع إلى تصريحات منظميها يجد أنها ﻻ تكاد تذهب إلى أبعد من نقطة إسقاط النظام وﻻ تقدم تصورا واضحا لمرحلة ما بعد النظام، وكأن المتظاهرين ينوون العودة إلى منازلهم ما إن يسقط النظام وترك مسألة إنشاء نظام جديد لموازين القوى القبلية والدينية والحزبية في الشارع اليمني، وليس خافيا على أحد أن أغلب هذه القوى لا تبدو واضحة بشأن طبيعة النظام السياسي الذي تؤمن به.

إن صمام اﻷمان في هذه اﻷزمة هو استمرار المظاهرات واﻻحتجاجات السلمية لكن نحو هدف يجمع عليه اليمنيون، معارضو الرئيس وموالوه، حتى ﻻ يمكن للسلطة الحالية أن تتخذه ذريعة لفض المظاهرات بدعوى عدم شرعيتها، وهذا الهدف في رأيي هو إصلاح النظام الحالي بانتزاع سلطات الحكم واﻹدارة من الفرد الرئيس -دون المطالبة بإسقاطه- وتسليمها لمؤسسات الدولة وإرجاع الديموقراطية إلى هياكلها الخاوية. وعليه فلا ينبغي بهذا المعنى المؤسساتي أن تتحول المظاهرات إلى نزاع شخصي مع الرئيس بدافع اﻻنتقام، مما قد يثير حفيظة قطاعات كبيرة من الشعب كان الرئيس مرشحهم في اﻻنتخابات الرئاسية اﻷخيرة. ﻻ شك أن الرئيس مسئول عن دم الشهداء والجرحى الذين سقطوا، لكنه إن استجاب لمطالب التغيير المشروعة وأحدث إصلاحات جذرية في نظامه من قبيل ما تحدثت عنه من قرارات جمهورية فورية النفاذ، فينبغي أن يتخلى المتظاهرون عن مطلب رحيل الرئيس وأن يدفعوه بدلا من ذلك نحو المزيد من تحديد صلاحياته وسلطاته على الجيش واﻷمن والقضاء ليتمكنوا في المستقبل القريب من محاسبته وعزله بحكم قضائي إن ثبت ما يتهم به. أعتقد أن هذا النوع من البراغماتية في إدارة النزاع مع الرئيس يعد أخلاقيا في هذه المرحلة وهو فوق ذلك ضروري لتجنب طائر الشؤم "القذافي" الذي يحوم على اليمن، كما سيجئ في فقرة ﻻحقة.

3. استمرار المظاهرات بخارطة طريق واضحة المعالم: مجددا، استمرار المظاهرات السلمية شرط حيوي للخروج من اﻷزمة، لكني أعتقد أن الوقت قد حان لأن ينتزع المتظاهرون زمام المبادرة من السلطة والمعارضة وأن يبدأوا في رسم خارطة طريق تحدد خطوات إصلاح النظام على نحو مفصل وفي إطار زمني محدد. خطوات تتضمن الإصلاحات الجذرية التي يتراخى الرئيس عن إقرارها حتى اﻵن، وهي إقالة أبنائه وأقربائه من مؤسستي الجيش واﻷمن، وتشكيل حكومة خبراء إنتقالية، وحل جهازي اﻷمن القومي والسياسي ومجلسي النواب والشورى ووزارة اﻹعلام، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، والدعوة لانتخابات برلمانية. إطلاق هذه الخطة من ساحات اﻻحتجاج ينبغي أن يصحبه رفض قاطع لأي شكل من أشكال الحوار، والتعهد بتصعيد اﻻحتجاجات وعدم فض المظاهرات حتى تدخل اﻹصلاحات حيز التنفيذ. لقد حقق المتظاهرون مكاسب كبيرة على اﻷرض تجلت في توسع رقعة اﻻحتجاجات وحفاظها على سلميتها وكشف اﻻنتهاكات الحقوقية من قبل السلطات أمام الرأي العام، وإضافة هذا البعد التصحيحي للمظاهرات وبلورته في خارطة طريق واضحة المعالم من شأنه في اعتقادي أن يعزز هذه المكاسب ويقوم باجتذاب قطاعات كبيرة من الجيش واﻷمن وموظفي الدولة ممن ما زالوا مترددين ولم يحسموا أمرهم بعد.

4. تجنب السيناريو الليبي: الرئيس يهدد بالفوضى والحرب اﻷهلية. لكن إن التزم المتظاهرون بالاحتجاج السلمي ولم يحرك الرئيس فرق الجيش واﻷمن التي يقودها أبناؤه فلن تتأزم اﻷمور إﻻ على الصعيد السياسي، ثم لن تلبث أن تنفرج بتنحي الرئيس على الطريقة المصرية أو ببقائه كما أسلفت في سدة الرئاسة منزوع السلاح ومحدد الصلاحيات على نحو يفضي إلى تغيير جذري للنظام. إﻻ أن احتمال السيناريو الليبي ﻻ ينبغي إغفاله من قبل المتظاهرين لتشابه الرئيس مع القذافي في مسألة إقصاء القيادات العسكرية التاريخية وتمكين أبنائه وأقربائه من قيادة فرق من الجيش ذات جاهزية قتالية خاصة على مدى السنوات الماضية. في اعتقادي، ينبغي أن يبدأ المتظاهرون في التحرك على مستوى اﻻتصالات مع قيادات من الصف الثاني أو الثالث في مختلف قطاعات الجيش لتأمين توازن فعلي على الصعيد العسكري. ﻻ أتحدث هنا عن التخطيط ﻻنقلاب عسكري ولكن عن مساع ودعوات علنية (على شكل شعارات شعبية وحملات إعلامية ووفود قبلية ودينية من المستوى الرفيع) لحث القيادات الوسطى من الجيش واﻷمن على التزام الحياد أسوة بالنموذج المصري المشرف، وباعتبار أن أي قطيعة بين المتظاهرين و الكوادر الوسطى والدنيا من الجيش واﻷمن قد يفضي إلى نتائج كارثية تشبه ما يحدث في ليبيا اليوم.