شعرة معاوية بين الإصلاح والمؤتمر
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 8 أيام
الأحد 06 يناير-كانون الثاني 2008 10:05 ص

مأرب برس - خاص

من الواضح جدا أن المسرح السياسي سيشهد تغيرات جذرية قادمة ، وان الفترة المقبلة ستعيد من جديد توزيع المواقع السياسية من ناحية قربها أو بعدها من المركز حيث أنه لن تكون هناك مواقف ثنائية مزدوجة ، مما سيعطي تحررا أكثر سعة من ذي قبل ويفك بعض القيود على اتخاذ المواقف والقرارات .

آخر ما تلتقطه الذاكرة من تضارب لتلك المواقف هي المكالمة الهاتفية الشهيرة للشيخ الراحل عبدالله الأحمر في مؤتمر حزب الإصلاح الأخير والذي قرر إعادة ترأسه للمرة الثالثة للحزب مخالفين بذلك اللوائح الداخلية والتي تنص على أن مدة الرئاسة لا يجب أن تتجاوز الفترتين والذي يعتبر بالتالي هذا النص منطلق لمطالبة هذا الحزب بالتداول السلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات وتطبيق ما جاء بالدستور، هذا المأزق الفج الذي وقع به الإصلاح فتح عليه سيل من الانتقادات الجارفة ووضع قادته في مأزق كان من الصعب عليهم تبريريه تحت أي مسوغ كان .

ليس هذا وحسب ، بل أن هناك من يدعي بأن وقوف الشيخ عبدالله الأحمر وإعلانه دعمه لإعادة ترشيح الرئيس للحكم من جديد بعكس موقف حزبه الذي كان لديه مرشح مختلف وقف خلفه ودعمه بقوه مؤشر آخر على هذه الازدواجية .

حزب الإصلاح هو كما يدعي أنه حزب يتخذ من الإسلام خطابا سياسيا ويمارس من خلال هذا الخطاب عمله الحزبي وقد سبق له وأن دخل السلطة ومارسها ، كما أنه هناك الكثير من اللغط حول صدور فتاوى دينية عنيفة من قادته تجاه الأطراف السياسية ألتي تختلف معها منهجا وفكرا ، إلا أنه وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن ينكر التحولات الثقافية والإيديولوجية ألتي طرأت مؤخرا على عقلية هذا الحزب إذ تحالف مع أحزاب قومية ويسارية كان يعتبرها إلى وقت قريب أحزابا مشكوكا في عقيدتها كما أن هذا التحالف لم يرق لكثير من كوادره كونه يناقض ما تم غرسه في مخيلتهم تجاه الآخرين ، وهذا التحالف في نظري يأتي ضمن حالة الازدواج القائمة في وقت قد يفسرها البعض بأنها مسألة برغماتية مطلوبة في العمل السياسي ، إلا أن هذه الحالة من التناقضات الفكرية داخل الحزب الواحد ليست غريبة عن باقي الأحزاب السياسية الأخرى في اليمن التي نادرا ما تحافظ على هوية أحزابها ونقاء أفكارها و مواقفها السياسية ذات المنطلق الإيديولوجي .

ورغم الشعار الديني العريض الذي يرفعه الإصلاح إلا أنه لا يمكن إغفال الخط القبلي والذي يعتمد عليه الحزب ميدانيا من خلال رئيسه الراحل عبدالله الأحمر والذي كان و في نفس الوقت الصلة بين الحزب وبين النظام الحاكم ، وحزب مثل هذا يستند على أهم قاعدتين في اليمن ألا وهي الثنائية _ الديقبلية _ هو ولاشك حزب ذو جماهيرية واسعة ويمتلك قاعدة متينة ومنافس قوي وذو حضور لافت مما يؤهله فعلا لقيادة أحزاب اللقاء المشترك وأن يصبغ على هذا اللقاء لونه فقط بينما تختفي باقي الألوان الأخرى تحت جناحيه .

في القادم من الأيام لا بد وأن يحدث تغيير في النهج وقد يتواءم الحزب مع نفسه أكثر كما أن الهوة ستضيق بين خطابه والممارسة _ على الأقل هذا ما نتمناه _ إلا أنه ستواجهه عدة إشكاليات إذ أن الكثير من المتابعين يشيرون إلى أتباع نهج توريثي على رئاسة الحزب حيث أن أحد الأسماء المطروحة وبقوة هو أسم حميد الأحمر الذي لمع نجمه مؤخرا في الانتخابات الرئاسية الماضية واستطاع أن يشكل لوبي قوي له داخل الحزب أو بين مختلف الأقلام الصحفية التي تدعمه ، وأن حدث هذا رغم استبعاده سيدخل الإصلاح من جديد في دوامة من التناقضات والازدواجية بين شعاراته وممارسته الفعلية لأنه من غير المعقول أن يتم توريث رئاسة الحزب _ حتى وان بدت لنا عملية التنصيب ديمقراطية _ بينما هو يرفع صوته ضد ما يقال أنه هنالك توريث على حكم اليمن كما سيؤكد السطوة القبلية على الحزب بجوار البعد الديني الذي يقف على رأسه عبدالمجيد الزنداني والذي هو الآخر لديه مواقفه المستقلة والغير متوافقة مع حزبه والذي يعيش حاليا عزلته الذاتية والبعيدة كل البعد عن المجال السياسي ، إلا أن التعويل على استمرار هذه العزلة هو أمر لا يمكن الاعتماد عليه كثيرا ، فالزانداني يظهر حين يحتاجه النظام الحاكم ، وكالعادة تكون مواقفه تصادمية مع حزبه!

يا ترى لماذا قادة هذا الحزب يمضون عكس تيار حزبهم ، وكيف نستطيع أن نفهم هذه الحالة الانفصالية الشديدة ، إلا أنه وكما يبدوا لنا بأن الشيخين لم يعودوا يمتلكون زمام الأمر داخل الحزب حيث أن مواقفهما مختلفة تماما عن موقف حزبهم دون أن يؤثر طرف على الآخر ، ليبدوا لنا وكأن الأمر أنه هناك حزبين داخل حزب يعمل كل منهما بطريقته المستقلة والذاتية دون أن يعترض على الآخر بأي شكل من الأشكال .

وفي المقام الأخير يبقى هذا الحزب هو الحزب الأكثر ديناميكية والقدرة على الحشد حيث أنه يعتبر مركز استقطاب قوي لكثير من الشخصيات الناقمة على أحزابها والأكثر صمودا حتى الآن من الناحية التنظيمية والوضوح الفكري ، ولا أحسب أن رحيل رئيسة سيؤثر به كثيرا أن لم يجعله أكثر صلابة وتصميما بالمضي قدما نحو تحقيق ما يعتقد أنه الأفضل للشعب اليمني ، كما أنه قد يتيح الفرصة من جديد نحو الالتزام الصارم بلوائحه الداخلية مما سيعطي انطباع أكثر أريحية تجاه المتابعين أولا وبين كوادره ثانيا.