الاتجاه المعاكس لثوابتنا.. صفقة أم سقطة؟
بقلم/ أمير سعيد
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و يومين
الأربعاء 12 مارس - آذار 2008 02:49 م

يزيدونه إطراء أو ينعتونه بما يليق في تقديرهم؛ فيقولون لقد صار الآن سلطة أولى بعد أن قفز فوق كل السلطات، وأضحى الرابح الأكبر في معركة كسب قلوب وعقول الشعوب والجماهير، وصحيح أن الإعلام في ظاهره يبدو كذلك، بيد أن المعادلة ليست بهذه البساطة في التعامل مع الإعلام؛ فمعظم مفردات الإعلام وأدواته قد خرجت من رحم أروقة الأجهزة وردهات السلطة الأولى سابقاً.. جل ما في الأمر أن كثيراً من "تجليات الإعلام" خرجت من الأسر المحلي إلى الأسر العالمي؛ فغدا التدجين معولماً، وغادر بساطة الطرح التأليهي للحاكم إلى سحر المفاهيم البراقة المفضية في النهاية إلى نتائج ربما كانت أشد قبحاً من سذاجة إعلام "بالروح بالدم.." البائدة.

فبمفهوم حرية الرأي والتعبير أمكن أن تخرق الآذان أقوالٌ هي أقبح مما كنا نسمعه إبان تسلط الأنظمة الأقوى على القنوات الأرضية؛ ففي رحابة الفضاء جاز أن نستمع إلى تبريرات لا تقل هرطقة ولا تجديفاً عن منطق صاحب الرسوم المسيئة.

وبالمفهوم ذاته يمكن أن يروغ المتجاوز من لعنات الجماهير وغضباتهم.. استمعنا إليه، وتساءلنا، كيف يمكن لإعلامي بارز يتوافر على خبرة واسعة مرت به على محطات مرموقة ومشهورة واحترافية، وشبكة اتصالات أوسع مما يدركه العقل البسيط أحياناً، وعلاقات تمكنه من جلب سفراء القوى العظمى أحياناً ليسمعوا في بلاد بني يعرب ما لا يرضيهم ويجلسوا يستمعون إلى هجوم الخصوم عليهم، وتمنحه "شرف" الجلوس مع زعماء عالميين ومحليين بارزين.. كيف يمكن له بعد أن تمكن من الحصول على جوائز إعلامية تجعله يتبوأ مكاناً مرموقاً بين الإعلاميين، واستطلاعات تجعله يحصل على المركز الأول أحياناً بين مذيعي العرب، ويشغل حيزاً بين لداته في العالم، أن توقعه دكتورة نفسية موتورة بالضربة القاضية هكذا بمنتهى السهولة؟!

المثير للحيرة لمعظم من شاهد الجريمة والإساءة للدين الحنيف، أن يقع المذيع في شراك ضيفة هزيلة المنطق متهافتة الرأي ضحلة الثقافة محدودة الفهم موتورة الحديث؟!

هل وقع ما رأينها هكذا بمنتهى السهولة، وبشكل عفوي طليق يحول بيننا والتشبث ببعض المظاهر اللافتة أو يمنح عقولنا مساحة للتفكير بأكثر من سيناريو وطريق؟!

محال في الحقيقة أن يفهم البسطاء وربما الصغار أن "الضيفة" قد حلت على برنامجه أول مرة لتصادم الناس في معتقداتهم ودينهم فجأة دون معرفة مسبقة أو استعراض دقيق لما تقول وتتفوه به علناً في أكثر من مكان؛ فكيف يسوغ أن يحدث ذلك للمرة الثالثة!!

إن افتراض الغباء هو درب من الغباء! فالرجل الذي لا تخونه قدراته في لجم ضيوفه إن جازوا الحدود تعامل هذه المرة بقدر ملاحظ بقوة من البراجماتية التي جمدت لسانه وشلت يديه عن التلويح بهما في وجه ضيفته وجلس ساكناً عندما بادرته ضيفته "عندما اتصلت بي تدعوني إلى برنامجك لم تقل لي لا تتحدثين عن القرآن"، مع أن العُرف الإعلامي لا يسمح بالبوح بمثل هذه الترهات. وبعيدٌ عن المنطق أن يتصل معد أي برنامج أو مقدمه ليقول لضيوفه مثلاً "لا تتفوهوا بألفاظ خارجة وإباحية"! إذ المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً كما تنص على ذلك القاعدة الشهيرة السائدة.

لمصلحة من إذن قد جرى ما رأيناه ببالغ الأسى؟ هل لذلك صلة بافتتاح محطة تليفزيونية عالمية بثها بعد بضعة أيام باللغة العربية اسمها بارق في سيرة المقدم الذاتية، وبدأت في استقطاب بعض من المراسلين في لبنان وغيرها بالفعل في القناة لحسابها؟! ربما، لكنه احتمال مستبعد بعض الشيء..

هل تدخل الحلقة الأخيرة ضمن سياق التحول الدراماتيكي للبرنامج في الآونة الأخيرة باتجاه معاكس لثوابتنا وقيمنا، والميل الواضح لضيوف لم يكونوا ضمن المنظومة الفكرية المعلنة لمقدم البرنامج؟ وهل أفلس العطاء فجرى اجترار الماضي لكن باتجاه معاكس لما قد كان؟! قد يلحظ الراصدون شيئاً من ذلك بوضوح في الآونة الأخيرة.

هل أوجدت الحلقة مبرراً ومنطقاً يمكن التذرع به من قبل واضعي وثيقة الإعلام الفضائي العربي للعودة بالحالة الإعلامية إلى مربع الصفر الممجوج السابق؟ في الحقيقة المؤسفة، نعم، مهد هذا وأخواته لتضييق الهامش في الحرية الإعلامية السياسية بسبب هذا النزق والخلط المبهم لحرية التعبير والرأي.

هل تطرح تلك الحلقة مفهوماً جديداً للإعلام من حيث لا تدري ينضبط فيه ما يقال وفقاً لقيم المجتمعات العربية ولا يصادمها؟ ربما في الحقيقة يطرح ذلك المفهوم، لكن في كتابات المخلصين غير القادرين على الفعل والتأثير، وإنما الراجح أن يلتقط هذه "السقطة" أو "الصفقة" سيان، مَن يسعى لتضييق الهامش على حساب السياسة لا القيم والأخلاق.

هل للحلقة علاقة بما ترنو إليه القوى العظمى في التعاطي مع مقدساتنا بحيث تصبح الإساءة أو مفاهيمها المناظرة وغير الصريحة "معولمة" و"معولبة" أيضاً في صندوق "الاتجاه المعاكس"، وأشباهه من صناديق الدنيا الإعلامية العربية؟!

كل هذه تساؤلات يفترض أن تفضي إلى فهم السياق الذي جرت فيه الحلقة تلك وإدارة مقدمها لها.. غير أنه ومع أهمية الإجابة عنها، إلا أن الأهم منها هي تلك النتائج المتخلفة عن بث تلك الحلقة ما خالف ما رنت إليه "الضيفة" وأشياعها؛ فالحاصل أننا يمكننا أن نرصد احتراق هذه الضيفة نهائياً في المكان ذاته الذي عرفها العالم العربي من خلاله، واستحالة استضافتها مستقبلاً في أي من الفضائيات العربية التي تخشى على سمعتها وجماهيريتها.

ونستطيع أن نلمس انتباهاً من الجماهير العربية لرغبات الآخرين في تمرير إساءات كهذه تحت طائلة حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، ولاشك أن إثارة الضيف المقابل لقضية عدم استعداده لسماح التجديف والهرطقة والإساءة للقرآن ـ بخلاف آخرين ربما اكتفوا بدور المناظر والرد المباشر فقط ـ قد لفت المشاهدين إلى ضرورة عدم السماح لمثل هؤلاء بالبوح بما يعتقدون من عقائد وأفكار تتضمن سباباً واضحاً لديننا الحنيف ارتكاناً إلى ضرورة سماع "الرأي الآخر".

ثم هو لافت إلى أهمية أن تنقى وسائل إعلامنا العربية من هذا القيح النتن من الأفكار المستوردة والإساءات المستجلبة وألا يفسح له المجال تحت أي لافتة كانت..

وأخيراً هو بارقة لابد وألا تخطئها العين في أهمية الكلمة سواء أكانت من هذا الطرف أم من ذاك، ودورها في خلق الوعي أو نسفه، وتحرير الشعوب بالإسلام أو تعبيدهم للخارج عبر طابوره الخامس في بلادنا أو من الناطقين بألسنتنا.

إن الإساءة حالة عامة تطغى هذه الأيام وتتلون بكل لون، وتضرب على غير وتر، وتقرع طبول الحرب.

* لواء الشريعة