عائض القرني.. جهاز دعائي متحرك لعقيدته.. وامته.. ووطنه!
بقلم/ يحيى عبدالرقيب الجُبيحي
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 26 يوماً
الأحد 22 إبريل-نيسان 2007 09:33 م

«ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. وجادلهم بالتي هي احسن.. ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله.. وهو اعلم بالمهتدين».

الاية (125) من سورة النحل.

«حتى النجوم.. لكم سهيل وحده

لو خيّروه ما اشتهى غير اليمن!».

الشيخ.. عائض القرني.. من قصيدة له بمدح اليمن.

- قبل سنوات ثلاث.. ربما تزيد أوتنقص قليلاً.. وتحديداً في مساء يوم ما.. لا اتذكرها جيداً.. واثناء مروري ب: (جولة سبأ) على مقربة من مسجد ذي النورين بالعاصمة صنعاء.. فوجئت بتجمع بشري يخرج من المسجد.. وبصورة استثنائية وكثافة لا تعرفها العاصمة اليمنية بتلك الصورة في حياتها اليومية! وحينما استفسرت عن سبب ذلك التجمع وتلك الكثافة وبتلك الصورة المحكومة بالهدوء والوقار.. رغم عدم قدرة مرور السيارات حينها بسبب كثافة الطوفان البشري الخارج من داخل وباحات المسجد.. كان الرد.. حضور محاضرة القاها الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني!

لقد تساءلت مع نفسي آنذاك.. هل هذا الداعية الذي كنت قد سمعت عنه وعن مميزاته في طريقة الدعوة الى الله.. وقرأت عنه ببعض الصحف حول بعض توجهاته الفكرية ومواقفه العامة.. وتعرضه بسبب ذلك لبعض المضايقات!.. مجرد سماع وقراءة لبعض الاراء الصحفية عنه فحسب! ودون ان اقرأ له اياً من مؤلفاته.. أو أسمع أياً من محاضراته.. أو أشاهد أياً من برامجه!.. أقول.. تساءلت مع نفسي بحسن نية.. هل هذا الداعية.. قويُُّ بآرائه وحضوره الفكري والدعوي الى درجة حضور ذلك التجمع البشري وبتلك الكثافة والصورة لسماع محاضرته في قلب العاصمة اليمنية؟! وخلال تعاطي «القات» الذي يصعب ان لم يستحل العزوف عنه لدى الغالبية من اليمنيين؟!.

- وجاء الرد على تساؤلي من أقرب الناس الى نفسي حسّاً ومعنى.. ممثلاً باهدائه لي كتاب «لاتحزن» للدكتور عائض القرني ذاته.. الذي تصفحته.. ثم.. اندفعت لقراءته صفحة صفحة بسبب اسلوبه الادبي الرائع.. وطريقة الطرح بسرد القصص والنماذج والعبر.. وبأفكاره الجادة والرصينة والمسؤولة.. ودراسته لمجمل مشاكل العصر من خلال هذه الأفكار.. والنماذج الخاصة والعامة.. ووضع الحلول المناسبة لتلك المشاكل وللباحثين عن السعادة الحقة.. وغير ذلك من الآراء والتوجهات الاسلامية المستنيرة التي حفل بها كتاب :(لاتحزن) والذي كتبتُ عنه مقالة بنفس هذه الصحيفة العام المنصرم وبنفس عنوان هذا الكتاب.. وهي المقالة التي كانت أحد أسباب العلاقة الأخوية والمجردة مع الدكتور عائض القرني.

- لقد دفعني كتاب: (لاتحزن) الى اقتناء بعض مؤلفات هذا الداعية الاستثنائي.. والتي منها: (التفسير الميسر) الذي اقتصر بتفسيره (على زبدة القول وخلاصة الكلام) حسب تعبيره.. وهو مايميزه عمّا عداه من كتب التفاسير.

- وكتاب :(مقامات عائض القرني) التي سافر بالقارئ عبرها من بلد الى بلد ومن فن الى فن ومن فكرة الى اخرى.. وبصورة ممتعة.. ووعظ صادق ومؤثر.. ليعيد بهذه المقامات فناً كاد أن يندثر وأدباً أوشك ان ينقرض.. بل ان الوضوح والتنوع.. والمتعة بالسرد.. تجعل من المقامات :(العائضية) اكثر تميزاً وأداء من مقامات :(الهمداني) و(الحريري)!. وأفضل مافي هذه المقامات حسب فهمي.. قصيدة شعرية بعنوان :(عنوان المؤلف) التي أجلى فيها عائض القرني.. حقيقة الانتماء الذي يشمل كل قطر يذكر فيه اسم الله.

- كما جاءت: (المقامة اليمانية) من وحي زيارته لليمن.. وبمساحة اكبر مما عداها من قرابة سبعين مقامه.. وبترتيب سياسي .

- ذكي !..و.. مقصود!

- وكتاب :(ديوان العرب) الذي انتقاه الشيخ عائض من أجمل ماقاله الشعراء العرب.. واحسنه.. وأمتعه.. وأعذبه حسب تعبيره وجاءت قصيدة (البردوني) منه.. ( ما أصدق السيف إن لم ينضه.. الكذب) بعد قصيدتي: حسان ابن ثابت وأبو تمام.. بينما قصيدة شاعر العرب المختارة.. أعني.. المتنبي.. جاءت في الترتيب الخامس والثلاثين ممايدفع بأمثالي للتساؤل عن معيار ترتيب قصائد :(ديوان العرب)!

- ومع الحرص على معرفة كل مؤلفات الدكتور عائض القرني وان لم يتم اقتناؤها.. فوجئت بكثافة الانتاج نثراً.. وشعراً.. فهناك سبع وعشرون كتاباً.. ابتداءً من (التفسير المُيسر) و: (لا تحزن).. مروراً ب:(العظمة) و:(مجتمع المثل).. وانتهاء ب:(مع الأبرار) و:(كيف تداوي قلبك)!.

- وهناك تسع وخمسون كُتيباً.. ابتداً من (السمو) و:(ضحايا الحب) مروراً ب:(جسور المحبة) و:(مملكة البيان).. وانتهاء ب:(معجزة القرآن) و:(ديوان العرب) الذي جاء في قرابة ثلاثمائة صفحة.. ومع ذلك عُد هذا الديوان لدى المؤلف من ضمن الكتيبات وليس الكتب؟!.. اضافة الى تسعة دواوين شعرية!.

- وبجانب اندفاعي لاقتناء بعض كتب القرني ومعرفة البعض الآخر.. اندفعت أيضاً لاقتناء بعض اشرطته المسجلة.. ومتابعة برامجه التلفزيونية.. وقراءة بعض مقالاته وآرائه وأشعاره التي تنشر ببعض الصحف والمجلات العربية، خاصة مقاله الاسبوعي الذي ينشر كل يوم خميس بصحيفة :( الشرق الأوسط) والذي يحدث العديد من ردود الأفعال الايجابية في معظمها ومن شتى انحاء العالم عبر شبكة:( الانترنت).. نظراً لحجم توزيع وتواجد هذه الصحيفة من جهة.. ولطريقة الطرح والمعالجة المناسبة من قبل الكاتب نفسه من جهة اخرى!.

- وهكذا.. وجدت من خلال ما قرأت وماسمعت وماشاهدت للشيخ الدكتور عائض القرني خطاباً دعوياً.. يقوم على فكرة وشمولية الحديث الراقي في التعبير والهدوء في الطرح والآراء.. بجانب اشتماله لشتى الميادين ليشعر بذلك كل من يحرص على مجال محدد ان الاسلام وشموليته هو بمثابة مرجع له بقدر ماهو لغيره، اضافة الى ان الهدف من هذا الخطاب الدعوي وبهذه الطريقة هو إيصال تعاليم الاسلام الى الناس كل الناس لغرض إزالة الجهل عنها ومعرفة هذه التعاليم على حقيقتها.. بل ان انتقاده للأوضاع العامة.. يأتي من اجل الإصلاح وليس من اجل التباهي.. خاصة مع قدرته على تديين السياسة وليس تسييس الدين؟!

- ورغم صعوبة الدعوة اليوم.. أمام امتداد وتوسع الثقافات الدخيلة.. مقابل تضاؤل انتشار الثقافة الاسلامية.. وأمام التوجهات الغربية العامة التي باتت تفرض نفسها أو تفرض مقابل تزعزع التوجهات الاسلامية العامة في بعض العقول والنفوس.. إلا أن الشيخ عائض القرني يقوم بخطابه الدعوي من مفهوم الآية القرآنية المتصدرة لهذه المقالة والقائمة على الموعظة الحسنة التي تدخل الى القلوب برفق وتعمق المشاعر بلطف والدعوة بالحكمة من خلال معرفة أحوال المخاطبين وظروفهم.. لأنه بهذه الطريقة.. يفترض بمايؤديه للناس.. أن النتيجة ستثمر.. وليس العكس! لأن لغة القوة والزجر أمام ظروف اليوم لاتجدي نفعاً.. ولأن الدفاع عن الفكرة المراد إيصالها هي التي يجب ان تسود حتى لاتلغى لصالح القوة والفرض بالإكراه!.

- ولذا.. لا غرابة ان يصبح الشيخ عائض القرني حديث الخاصة والعامة.. وتصبح مؤلفاته وآراؤه وأفكاره تتداول في غير مكان في العالم.. تأثيراً وتأثراً.. تجاوباً واستجواباً.. حباً.. واعجاباً.. ليكون بهذا.. وبما أعطاه الله من علم ودراية في خدمة الاسلام والمسلمين بكل مكان.. بجانب امتيازه بكفاءة استثنائية.. ونكران للذات.. واعتزاز بعلمه.. بقدر اعتزاز غيره بجهله.. بمثابة جهاز دعائي متحرك لعقيدته وأمته.. ووطنه.. مؤكداً هنا وقد بات هذا الداعية بمثابة عنوان جلي لوطنه .. الكبير برسالته ومضمونه وبحجمه ندم بعض المسؤولين ممّن اجتهدوا بفرض احتجابه عن محبيه ومريديه وهو الاحتجاب القهري الذي بقدر اعتباره خلوة استفاد منها المحجوب كثيراً.. بقدر ظهور ذلك الاجتهاد فيما بعد.. باعتباره خطأ وندماً حسب ظني!.

- ثم.. لا غرابة ان تخرج تلك الحشود اليمنية لسماع محاضرته وبتلك الكثافة والصورة.. ليبادلها حباً بحب وتقديراً بتقدير.. والتي منها.. حفظه لبعض اشعار اليمن قديمه وحديثه.. واعتزازه بدور اليمنيين في نصرة الاسلام ونشره.. واعجابه الجم باليمن أرضاً وانساناً.. كما يظهر ذلك في بعض مواعظه وآرائه وأشعاره واحاديثه الخاصة والعامة.

- وبعد..

- لقد رأيت كتابة هذه المقالة الموجزة جداً والتي تعتبر غيضاً من فيض وجزءاً من كل..عن الشيخ الفاضل الدكتور عائض بن عبدالله القرني بمناسبة زيارتي الشخصية له مؤخراً لأجده مع شهرته لدى الخاصة والعامة.. ورغبة العديد من قرائه ومحبيه الكثر زيارته وجهاً لوجه.. قمة في دماثه الخلق.. وتواضع جم.. وقلة التكلف.. وحلو المعاشرة ويُسر الطبع!.. ولاغرابة بذلك.. فصاحب المواهب الجليلة والمتنوعة.. والعقل النظيف بعرضه وجوهره.. والحريص على ايصال الحقائق لمن ينشدها بمايرضي الله أولاً.. ثم بمايرضه ويريحه.. وليس بمايتطلع اليه كبرياؤه وغروره- كما هو حال بعض أقرانه وظيفياً؟!.. لابد وان يكون متواضعاً ظاهراً وباطناً.. شأنه بذلك.. شأن الدعاة الصادقين والصالحين المصلحين في كل زمان ومكان.. «فالله أعلم حيث يجعل رسالته»!


المصدر: سبتمبر نت