رسالة مفتوحة لرئيس هيئة مكافحة الفساد (3)
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر
الأربعاء 13 فبراير-شباط 2008 07:17 م

سيدي الفاضل/ الأستاذ أحمد محمد الآنسي... بسم الله اتابع معكم الرسالة المفتوحة في ماهية الحلقات المفقودة في دورة النهوض والتغيير في ظل الإدراة الرشيدة

لقد كان الثمن المطلوب حتى تتحرر عقدة الألسن قرابة عقداً من الزمن... بل للتحرر من أثقال المقدس وتذوق الفاكهة المحرمة لأول - وربما آخر مرة -... وأخيراً، على غير العادة - ها أنا أكتب بعد التخلص من الضعف الذي قاد الى التستر على جروح... هي في الحقيقة جروح وطن بأكمله... وبعد اكتشاف ان المرض لم يكن فردياً، بل جزءاً من ضعف عام يعيشه مجتمع عاجز... وبأن غرام السلطان الذي مارسناه طويلاً لا يجلب معه الخلاص، لأنه نفسه مكبل بحبال وهمية معلنة وخفية معها تشلّ كل شيء. 


وفيما يلي لا أتقدم ببلاغ فساد... فالمصفوفة - كما يسمونها - أو خارطة الطريق لتسريع إندماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي، جاءت بأفصح بلاغ!

إن المصفوفة - والأصح - التقرير الجنائي الذي شارك في إعداده نخبة، أو خبرآء دوليين تابعين لمركز البحوث الإجتماعي والإقتصادي في بولندا كما يُزعم، - شهادة صاعقة اختصرت نفسها، وأظهرت مأساوية الرواية الفاصلة بين الحقيقي والمزيف... قول فصل وبرهان مزق كل الصور المزيفة التي درج القوم على تكوينها.


يكفي الإطلاع على المصفوفة للتعرف على أخاديد سوط الطاعة، وجروحه الغائرة... وعلى هوية الجلاد والسجانين الذي صفدوا اليدين والرجلين... وآثارهم العبثية المرسومة بتقاطع وحشي على جسد شعب بأكمله.


http ://marebpress .net /narticle .php?sid =9493


إن مجرد تبني إصدار المصفوفة - التقرير لا يجبّ ما قبله، بل يحرّم ويبطل شرعية مرتكبيه من الإستمراء... فلا شيء يمنع تكراره طالما استمر العبث والإستهتار - وكما هو حالنا في كل شيء -، ندري ان القادم اسوأ وأن الباب مفتوح على هوة سحيقة وتردي أكبر.


لربما، سيدي، في أروقة المصفوفة يكمن سر الأسرار... ولعله يأخذ بيد هيئتكم "المحروسة" إلى طلسم الفساد المتعفن الذي تبحثون عنه!

سيدي، يسأل سائل لماذا اتوجه اليك بهذه الرسالة، وأنت أعجز من أن تهش ذباب من على مائدة... ويقول آخر أن مثلك مثل قابض بقرة ن قرونها، لاأنت مطعمها ولا تاركها ترتع من عشب الأرض... ويستشهد أخرين بغير مثال - بحسب كتابها -، وحاشى أن تتطاول لساني إلى مثل ذلك - غير تهذيب الألفاظ -، ومثلي من يخفض لك جناح الذل... لكن "صديقك من أصدقك لا من صدقك"... ومخلصك من أوصاك.


والجواب للجمع بأكمله: إنني أُدرك بعد أن خبرتك لأكثر من عقدين ونيف من الزمان، أنك - والكمال لله وحده - من القلائل الذين يدركون اننا نملك مقومات الإقلاع الاقتصادي لتحقيق التنمية المنشودة... وأنك ممن لايتسكعون العواصم عارضاً لمن يشتري الولاء والشرف والكرامة.

... وأنك ممن لايؤمنون بالإسترخاء على مقعد وثير، والمناداة على النادل: طبق إقتصاد ناضج، من فضلك!

سيدي، في لحظة ما شعرت ان على السلطان ان يتوقف عن التمثيل، وأن علينا أن نقول له كفى... كفى للغثيان... كفى تقليداً للمهرجين "الجماهيريين"

بل، وتساءلت عن دور السلطان... هل عليه أن يقف في طابور التاريخ، ام عليه ان يصنعه؟ 

فالإنسان شرقاً وغرباً، ليس بشراً غير عادي، وإنما طوّر نفسه بإعتماده على العقل والعمل الجاد والرغبة الحقيقية في التغيير وتحدي جميع المعيقات.

ومن الافضل للسلطان ان لا يكون أول المستسلمين - وهذا في الواقع ليس مطلب كبير -، إن سنن الحياة تدعوه إلى إعطاء الشكل الجديد ذو المضمون الجيد فرصة، وعدم نعيه جملة وتفصيلا.. أو تخوينه... أو نثر بهارات العداء على أطباقه... ذلك لأننا في آخر المطاف نتعامل مع انفسنا، فالرفض اللاّمنطقي شكل من أشكال إهدار الثروة.

إن السعودي او الخليجي عندما يعجب بطقس اليمن مثلاً، يكاد يعتبر منشقاً... ناهيك عن الإشادة بإنجاز سياسي كوحدة اليمن!

 فليظل الباب مفتوحاً... والحوار غير متقطع... وها أنا أتحدى السلطان ان يصدر مراسيم تمزّق أغلال رقنا وذلنا... وأن يفتي بعدم جواز الإنتظار لأي قطار أو لأحد، حتى لانصبح "تركيا" اُخرى بين الفيتو والتحفظات... من سيئ إلى أسوأ منتظرين على الأبواب ... - بل وأتحداه الف مرة - لأن قدرنا يجب أن لا يكتب لنا.. بل يجب أن يكتب بأيدينا.

وعندما يفعل - قولاً وعملاً - ... عندها، سيدي، سيأتي إلى عقر الدار مهزوزي الوجدان.. سقماء الروح.. مضطربي اليقين.. لخطب ود بلقيس... وطلب يد أروى!

فلو كانت دبي تقع في ضواحي عدن لتم تجاهلها عمداً ولقلصت الرحلات اليها، - وذلك ليس كرهاً في اليمن، أو تنصلاً من إنتمائهم لمهد العروبة -، بل خوفاً من شبهة الإعتراف بأن شعوب دول الجمهوريات يمكنها تجاوز مرحلة الثورة الى مرحلة الإستقرار والبناء.... مخلفات أساسها ناتج عن مرحلة الحرب الباردة، ومخاضات الخمسينيات والستينيات وماتلاهما من مد وجزر قومي وحركات تحرر وثورات، إلخ.

إن الكيد لشعوب ودول الجمهوريات يقع في بؤرة السياسية السعودية/الخليجية، بسبب عقدة عدم التجانس الموجودة في النفسية الخليجية... فبينما ننظر بفرح وبراءة وحسن نية مطلقة - بل وسذاجة - الى عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأولاده، وزايد بن سلطان وأولاده، وكذلك محمد بن راشد كقادة عمالقة أو موحدين لنتف شبة الجزيرة، نرى في المقابل الذعر يبرق في العيون من ان تتطلع شعوبهم الى أي إنجاز للشعوب الثورجية التي يجب ان تظل في دوامة الثورة.

من الدفع بالحرب العراقية الإيرانية، مروراً بإضطرابات اليمن المتكررة، وعروجاً على هزيمة ٦٧، ومؤخراً ضبط الجيران في حالة تلبس وفي سرير وخندق واحد مع إسرائيل في وضع غاية في الشذوذ. والتكريس لما يشبه بإقتلاع إنتماء شعب الجنوب اللبناني من أرضه وجذوره والحاقه دفعة واحدة بدولة إيران لمجرد تبنيه خيار النصر تحت راية حزب الله المدعوم من النظام الثورجي في ايران، بدون عودة بسيطة لمقولة لرئيس وزراء إسرائيل سابقاً ووزير دفاعها "إيهود باراك" الذي قال بالحرف "لو كنت فلسطينياً (عربياً) لأنضميت إلى المقاومة ولكنت إرهابياً"!

سيدي، إن مايدعوا للإنزعاج فعلاً هو عندما ندعوا للعمل المنتج في ظل الإدارة الرشيدة، وكأني بالسلطان مقطوع الرجآء يقول: "نحن نقول ثور وهم يقولوا احلبوه"!

إن مايعتقده السلطان من أنه ضعفاً في صميم شعبه، لايعي بأنها من أسباب القوة عنده - بحكم جفاف ثقافته المعسكرة -، وبأن النهوض والتغيير ممكن في ظل الإدراة الرشيدة، القادرة على أن توظف الفقر لتصنع الثروة، والجهل لتنتج العلم، وأن تستخدم التخلف لعبور المخاض إلى التقدم... وهذا ليس كلاماً إنشائياً أو بلاغيّا أو سجعًا تطريزيّا... بل واقع وحقيقة.. وعليّ يقع عبء الإثبات والبرهان على ذلك.


فالأرقام لاتكذب، والأمثلة موجودة، والشهود أحياء يرزقون، بمن فيهم الرئيس علي عبدالله صالح نفسه ونجله أحمد، وأحمد منصور وقناة تلفزيون الجزيرة وعشرات بيننا، بل ملايين وصلتهم الدعوة. إن التعدين والصناعات التحويلية والتجميع والتغليف والتوليف، وكذا الزراعة والصناعات الغذائية يعتمدان بالأساس على الأيادي العاملة المتدنية اجورها كمثال بسيط، كما ان صناعات المعلوماتية يمكن في خلال سنوات بناء قواعد منتجة دون الحاجة لبنى تحتية عملاقة، ودعني أعزز ذلك بالرابط للملف الصوتي القصير والتي بالإمكان تنزيله، بل والإستمتاع الى التطعيم الرائع في النهاية بصوت الفنان السوري القدير يوسف العظمه، لإضفاء بسمة على المأساة:


http://www.abdulla.faris.com/jazeera_tv_excerpt.mp3


بدلاً من الوقوع في داحس والغبراء لاحقاً، ليس كافياً الإعتقاد أننا نمثل عمقاً بشرياً إستراتيجياً من المفهوم المطلق لرفد دول المجلس بالقوة العسكرية، ولانريد أن نسهب في تجربة العراق المريرة التي أنطلقت من نفس الرؤية، يجب علينا بناء الحد الأدنى من صروح التكافئ، والتبادل المنطلق من الجدوى التجارية لهم كأسواق مستهلكة بالدرجة الأولى، وتبني مشاريع مشتركة، وعلينا أيضاً مطالبة الإخوة الخليجيين بإعادة تأهيل فكرهم وإعلامهم... وعدم دلق أنفسنا إلى أحضانهم هروباً من الفشل. 


سيدي،


إن على سلاطايننا الكف عن إستقطاب المدجنين فقط وتهميش الفرد خوفاً على الذات، لأن أعظم إنجازات التاريخ بدأها أفراد... والأنبياء والرسل والمصلحين أتوا فُرادا... وحتى نلتقي في بقية الرسالة... وبعد سماع الملف الصوتي، يمكن توجيه سؤال بسيط إلى أنفسنا والإجابة عليه "نعم" بأسى:


منذ ذلك الحين وحتى الآن - قرابة عقد من عمر شعب -، هل كان ممكن حقاً تأهيل عدة دفعات من عشرات الآلاف - بجزء يسير من ميزانية الولد أحمد - من "الشباب المؤمن" الذين يدرون على اليمن دخلاً موازياً لإيرادات النفط إن لم يكن أكثر؟ - مرة اُخرى الإجابة: "نعم"


هنيئاً للسلطان "شبابه المؤمن"!


abdulla@faris.com