ايران: ساعة الحسم تقترب
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 26 يوماً
السبت 20 يونيو-حزيران 2009 09:03 م

اذا تأكدت الانباء التي نُسبت الى السيد مير حسين موسوي المنافس الابرز للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وقالت انه لم يدع انصاره للتظاهر اليوم مجددا احتجاجا على 'تزوير' الانتخابات، فإن الرجل باتخاذه مثل هذا الموقف المسؤول يكون قد جنب بلاده وشعبه حمامات دماء وحالة من عدم الاستقرار قد تمزق وحدتها الداخلية، وتنشر الفوضى في المنطقة بأسرها .

فالسيد علي خامنئي المرشد الاعلى كان حاسما في خطابه الذي ادلى به امس عندما ابدى تأييده المطلق لنتائج الانتخابات، وشدد على نزاهتها، واستبعد حدوث اي تزوير فيها، وحمّل 'المرشحين الاصلاحيين' مسؤولية اي نتائج يمكن ان تترتب عن اية اراقة للدماء في حال حدوث صدامات بين المتظاهرين ورجال الامن .

خيارات قادة الاحتجاجات باتت محدودة، ومحصورة في اثنين فقط: إمّا تحدي المرشد العام، ووضع تحذيراته هذه جانبا، والنزول الى الشوارع، وعليهم في هذه الحالة ان يتوقعوا مواجهة قوات الامن وميليشيات النظام الاكثر تسليحا والاشد تطرفا، او اللجوء الى الخيار الثاني وهو الانحناء امام العاصفة، ولو مؤقتا، لحقن الدماء، والحفاظ على الاستقرار .

فمن الواضح من خطاب المرشد الاعلى ان المؤسسة الدينية الحاكمة لن تتسامح مع اي مظاهرات احتجاج، مهما كانت سلمية، وستتعامل معها بالعصا الامنية الغليظة. فالسيد خامنئي قال صراحة بأن اللجوء الى الشارع خطيئة كبرى بعد ان تم حسم المنافسة عبر صناديق الاقتراع .

صبر السيد خامنئي نفد فيما يبدو، وكذلك صبر انصاره ومؤيديه، وهم الاغلبية الساحقة في ايران الخميني، بعد ستة ايام من 'المرونة' في التعامل مع المتظاهرين، ولكن يبدو ان هناك من هو مستعد للتحدي والنزول الى الساحة مبارزا .

هناك مدرستان واضحتا المعالم في اوساط المحتجين، الاولى يتزعمها السيد مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الاسبق، وتطالب بالاستمرار في المظاهرات حتى الغاء نتائج الانتخابات الاخيرة، والمدرسة الثانية وتدعو الى تنظيم مظاهرات جديدة وهي الاكثر عقلانية، ويتزعمها السيد مير حسين موسوي رئيس الوزراء الاسبق الذي خدم في هذا المنصب ثماني سنوات عندما كان السيد خامنئي رئيسا للدوله.

الساعات المقبلة ربما تكون الاكثر اهمية في تاريخ ايران منذ وصول الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني الى السلطة قبل ثلاثين عاما، وسيكون للسيد هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص النظام، الدور الحاسم في تصعيد الامور او تهدئتها، فهو الاب الروحي، والقائد الحقيقي للانقلاب السلمي على نتائج الانتخابات، والمحرّض الفعلي على المظاهرات، ولهذا لم يكن غريبا ان يخصه المرشد العام في خطابه بحصة كبيرة من الثناء، ونفي تهم الفساد عنه وعن افراد اسرته، في انتقاد صريح للرئيس نجاد الذي تهجم عليه، دون ان يسميه مباشرة، في احدى المناظرات التلفزيونية التي سبقت الانتخابات .

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، عما اذا كان السيد رفسنجاني، المعروف بدهائه، وببراغماتيته، سيقبل مثل هذا الاعتذار المبطن من المرشد الاعلى، ويوقف عمليات التحريض على التظاهر، ودعم السيدين موسوي وكروبي، ام انه سيرى انه غير كاف، ويتصلب في موقفه حتى يطيح بالسيد نجاد، خصمه اللدود، حتى لو ادى ذلك الى صدامات دموية؟

من الصعب الاجابة على هذا السؤال، ولكن ما يمكن قوله، ومن خلال معرفة شخصية رفسنجاني، وعقليته التجارية كرجل اعمال ثري يجيد المراوغة وفهم معادلات الربح والخسارة بشكل متعمق، ان الرجل سيبلع الاهانة، وسيكتفي بقبول الاعتذار ولو الى حين .

التهدئة في ايران مصلحة استراتيجية تخدم جميع الاطراف في المنطقة، باستثناء اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، فإيران مستهدفة من هاتين القوتين، ودول غربية اخرى، بسبب طموحاتها النووية، ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وتصريحات رئيسها احمدي نجاد التي اعادت التأكيد على ما تجاهله معظم القادة العرب، وهو اغتصاب اسرائيل لأرض فلسطين وتشريد شعبها، ومطالبته الغرب الذي اضطهد اليهود باقامة دولة لهم في اوروبا وليس على حساب الشعب الفلسطيني .

اسرائيل وقوى غربية عديدة لا تؤيد المظاهرات الاحتجاجية في طهران، وهي مشروعة، كشفت عن نهج حضاري سلمي منضبط، من منطلق حرصها على الديمقراطية وحقوق الانسان، وانما لرغبتها في اضعاف ايران، وتمزيق نسيجها الاجتماعي من الداخل، وضرب وحدتها الوطنية والترابية، لخوفها من مواجهتها من الخارج بالوسائل العسكرية، لما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج مكلفة .

مشكلة ايران مع امريكا واسرائيل هي دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتصديها لمشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة. فعندما تبنت ايران المشروع الصهيوني في زمن الشاه، كانت الحليف الاقوى لواشنطن وتل ابيب، والخفير الامريكي المعتمد في منطقة الخليج، مثلما كانت الصديق الوفي والاثير لحلفاء امريكا من العرب، الذين نسوا هويتها الفارسية ومذهبها الشيعي في ذلك الوقت، بل ان معظم الدول الخليجية كانت ترحب بتجنيس العمالة الايرانية بسهولة ويسر، وترفض تجنيس العمالة العربية السنية، باعتبار الاولى عمالة حميدة مأمونة الجانب، والثانية ثورية متطرفة، وها هو السحر ينقلب على الساحر .

زعزعة استقرار ايران، واتساع الاضطرابات فيها يزيدان من احتمالات تحولها الى دولة فاشلة، على غرار باكستان وافغانستان والعراق وربما الصومال ايضاً، بسبب فسيفسائها العرقية والطائفية المعقدة، وهذا لا يمكن ان يصب في مصلحة دول المنطقة، والعربية منها بالذات، ولهذا نستغرب حالة التأييد الهستيرية من قبل وسائط اعلام دول محور الاعتدال للمظاهرات الاحتجاجية، وانحيازها الحماسي لمنافسي الرئيس نجاد في الانتخابات، وتباكيها الحار على الديمقراطية، وحق الشعوب في التعبير عن آرائها .

نحن مع رأي الشارع، ومع التعبير عن رأيه بوسائل سلمية، وندين بشدة اطلاق النار على المتظاهرين، ونترحم على ارواح القتلى برصاص قوات الامن الايرانية باعتبارهم شهداء الديمقراطية وحرية التعبير، ولكن نريد ان نذكّر بأن اجهزة اعلام دول محور الاعتدال، انظمتها لا تقبل بالمظاهرات الاحتجاجية فقط، بل لا تقبل بعرائض والتماسات من اصلاحيين من صلب النظام في بلادها، تطالب بأبسط الحقوق، وفي اطار النظام نفسه، بل نذهب الى ما هو ابعد من ذلك ونقول ان معظم شعوب دول محور الاعتدال المؤيدة للاحتجاجات على نتائج الانتخابات في ايران لا تعرف صناديق الاقتراع اساساً .