|
يتذكر الجنوبيون حرب ١٩٩٤م بمرارة تجعلهم يلعنون اليوم الذي فكروا فيه بالتوحد مع دولة يرأسها شخص مثل علي عبد الله صالح، وحتى الجنوبيين الذين حاربوا في صف علي عبد الله صالح آنذاك يتذكرون تلك الحرب بالمرارة نفسها وبندم أشد لوقوفهم في المكان الخطأ على الموقف الخطأ، وأجزم أن معظم الذين دعموا تلك الحرب يشعرون بالأسف، إذا ما استثنينا قلة قليلة حصدت المليارات من وراء غنائم تلك الحرب، وعلى كل حال فإنه حتى أولائك أيضا إنما يحرصون على إخفاء تباهيهم بتلك الحرب ونتائجها الكارثية محاولين مراعاة مشاعر ضحاياها وهم بالملايين، ولم يعد يبتهج بهذه الحرب ونتائجها وبصورة علنية سوى (فخامة) " الزعيم الرمز".
في خطابه الأخير أمام بعض من استدعاهم لزيارته سمى علي عبد الله صالح نائبه السابق وشريكه الحاسم في حرب ١٩٩٤م ومن نجح معه في الإفلات من الاختطاف الحوثي والوصول إلى عدن بالمهرولين، وعلى العموم فإن المفردة تعبر عن فقر لغوي لدى الرجل لا يلام عليه، أكثر مما تعبر عن شتيمة وهي بنفس الوقت تعكس ما معناه أن الهذيان قد صار لازمة ملتصقة بالرجل وأن ذاكرته قد شاخت ولم يعد معها يتذكر أنه كان يقضي في عدن ثلاثة وأحيانا أربعة أشهر في الشتاء وكان هو نفسه يسميها (أي مدينة عدن) العاصمة الشتوية فضلا عن العاصمة الاقتصادية اللقب الذي نصب به على شركاء اتفاقية ١٩٨٩م.
في سياق حديثه ذكر (فخامته) (المهرولين) بمصيرهم في عام ١٩٩٤م والمنافذ الثلاثة التي سمح لهم بالمغادرة عبرها وخفض عدد تلك المنافذ هذه المرة إلى منفذ واحد في كرم نادر من عند (فخامته).
ما خذلته ذاكرته فيه هو أن من يهددهم اليوم لم يكونوا من بين من أسماهم بـ(الهاربين) في عام ١٩٩٤م ، بل كانوا يقاتلون في صفه وأخلصوا له وصدقوا ثرثراته عن الوحدة والديمقراطية والمواطنة والحرية والتنمية وغيرها من المفردات المنمقة التي لم يحصد منها اليمنيون إلا ثمار معكوساتها المرة على مدى ٢٠ عاما لاحقة لتلك الحرب -الجريمة-.
مشكلة الناس الذين من شاكلة علي عبد الله صالح أنهم لا يضعون للزمن وفعله الحاسم وصيرورته الصارمة أيما اعتبار، ويتصورون ان الزمن يكرر نفسه ويتصور صالح أن الناس ما يزالون يصدقون هذياناته المحشوة بالزيف والافتراء والادعاءات الفارغة، ولا يعلم أنه لولا من يهددهم اليوم ما كان له أن يدخل عدن يوما واحدا بعد ٩٤م.
على إن أهم ما في حديث (فخامته) هو فشله في إخفاء غضبه من إفلات خليفته من أيدي الخاطفين، لقد كان السرور يغمر حياته وهو يرى البلد تتمزق ( والدولة) تنهار والخدمات تتلاشى والأمن يختفي وخليفته (نائبه السابق) مختطف لدى عصابة مسلحة سيطرت على العاصمة بإيعاز ودعم منه، وكان يعد الأيام بنفاد صبر منتظرا اليوم الذي يتسنى له فيه العودة إلى القصر الذي أخرج منه كرها، ولا شك انه تمنى أن يبقى الرئيس هادي أسيرا ما تبقى من حياته أو أن يموت وهو تحت الاختطاف، لكن الظهور المفاجئ لهادي في عدن قد أربك عليه كل الحسابات وجعله يفقد أعصابه ويتصرف بتلك الهستيريا الفاضحة التي يقرأ منها كل من استمع إلى حديثه أن الرجل منزعج ليس حرصا على العاصمة صنعاء ولا خوفا من الانفصال (لأن هادي مصمم على استعادة صنعا من محتليها واستعادة الشرعية من مغتصبيها، ما يعني أن الانفصال ليس في وارد اجنداته)، لكن ما أزعج الرجل هو فشل خطة اختطاف السلطة والسيطرة على الشرعية بالتحالف مع ألد أعدائه ممن ظل يسميهم بـ"المتمردين" و"العملاء" و"الإرهابيين" و"الخونة" الذين تحولوا اليوم بقدرة قادر إلى أقرب الحلفاء إلى قلبه.
خطاب صالح الأخير أعاد إلى الأذهان خطابه الشهير في 27 أبريل 1994م الذي فجر بعده الحرب على الجنوب وقد حمل نفس اللهجة والنبرة والمفردات والمعاني والمضمون، ما يعني إن الرجل ليس فقط حليفا للحوثيين في ثورتهم المزعومة البائسة، بل إنه المخطط والراعي والمنفذ وقاطف الثمار وأن شهوة الحرب لم تفارق هواجسه، لكن ما نساه (الرمز) أن الزمن ليس نفس الزمن والناس غير الناس والمعادلة غير المعادلة وحتى المعطيات اليوم غير معطيات العام ١٩٩٤م.
لقد حارب نصف الجنوبيين وكل الشماليين بجانب علي عبد الله صالح في خديعته للشعب اليمني بأكذوبة "الدفاع عن الوحدة" وكانت غنائم ومنهوبات الحرب من الكنوز والأرض والأموال والمنشآت هي ما أغرى بها الناهبين للتجييش على الجنوب، وعليه أن يتذكر أن كل الجنوب اليوم يتهيأ للمجابهة بكل سكانه، وأن ثلاثة أرباع الشمال لن يحاربوا معه دفاعا عن ملياراته المهربة خارج البلد إن لم يقفوا في صف خصومه الذين يسخر منهم ويهددهم بالنفي، بعد الويلات التي ذاقوها على يديه وأيدي أنصاره طوال ثلث القرن المنصرم، والأهم من هذا أنه لم يعد في الجنوب ما ينهبه الناهبون إلا أملاك وغنائم ناهبي ١٩٩٤م ويعلم صالح إن إطلاق أيادي الناهبين سيمكنها من أن تطال أول ما تطال منهوباته هو قبل غيره من كبار الناهبين وصغارهم.
الحرب هي قمة الجنون وعندما يجتمع الجنون والخرف معا تصبح احتمالية نشوب الحرب واردة ومن هنا سيكون واجب التصدي لهذا التعطش للحرب والدمار هو واجب كل وطني محترم في الشمال والجنوب على السواء، وليعلم صالح وأنصاره أن الأكاذيب والافتراءات والادعاءات والمسرحيات التي ظل يقدمها لليمنيين قد انكشفت حقيقتها ولم يعد في اليمن شمالها وجنوبها من يصدق أن من نهب من لقمته ومن حقه في الدواء والماء النظيف والتعليم والأمن والكهرباء والوقود وغيرها عشرات مليارات الدولارات يمكن أن يؤمن بأي مبدأ نبيل، فالناس يصدقون الشرفاء والأنقياء ومن أثبت الزمن تطابق أقوالهم الجميلة مع أفعالهم أما اللصوص والقتلة فهم قد يخدعون الناس مرة أو مرتين ولكن لن يخدعوهم طوال الزمن.
برقيات:
* تلفقينا ببالغ الأسى والحزن وفاة المغفور له المرحوم محجوب محمد النمي رئيس اللجان الشعبية في مدينة زنجبار في حادثة مرورية مؤسفة، وبهذا المصاب الجلل نتقدم بصادق مشاعر العزاء والمواساة إلى المناضل الاشتراكي محمد بن محمد النمي والد الفقيد وإلى كل أفراد أسرته وأحبابه وأصدقائه سائلين المولى أن يتغمد الفقيد محجوب بواسع رحمته وأن يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
* يقول الشاعر المرحوم أحمد مطر:
بالتمادي.
يصبح اللص بأوروبا رئيسا للنوادي.
وبأمريكا زعيماً
للعصابات وأوكار الفسادِ
وبأوطاني التي من شرعها قطع الأيادي
يصبح اللص رئيسا للبلادِ
في خطابه الأخير أمام بعض من استدعاهم لزيارته سمى علي عبد الله صالح نائبه السابق وشريكه الحاسم في حرب ١٩٩٤م ومن نجح معه في الإفلات من الاختطاف الحوثي والوصول إلى عدن بالمهرولين، وعلى العموم فإن المفردة تعبر عن فقر لغوي لدى الرجل لا يلام عليه، أكثر مما تعبر عن شتيمة وهي بنفس الوقت تعكس ما معناه أن الهذيان قد صار لازمة ملتصقة بالرجل وأن ذاكرته قد شاخت ولم يعد معها يتذكر أنه كان يقضي في عدن ثلاثة وأحيانا أربعة أشهر في الشتاء وكان هو نفسه يسميها (أي مدينة عدن) العاصمة الشتوية فضلا عن العاصمة الاقتصادية اللقب الذي نصب به على شركاء اتفاقية ١٩٨٩م.
في سياق حديثه ذكر (فخامته) (المهرولين) بمصيرهم في عام ١٩٩٤م والمنافذ الثلاثة التي سمح لهم بالمغادرة عبرها وخفض عدد تلك المنافذ هذه المرة إلى منفذ واحد في كرم نادر من عند (فخامته).
ما خذلته ذاكرته فيه هو أن من يهددهم اليوم لم يكونوا من بين من أسماهم بـ(الهاربين) في عام ١٩٩٤م ، بل كانوا يقاتلون في صفه وأخلصوا له وصدقوا ثرثراته عن الوحدة والديمقراطية والمواطنة والحرية والتنمية وغيرها من المفردات المنمقة التي لم يحصد منها اليمنيون إلا ثمار معكوساتها المرة على مدى ٢٠ عاما لاحقة لتلك الحرب -الجريمة-.
مشكلة الناس الذين من شاكلة علي عبد الله صالح أنهم لا يضعون للزمن وفعله الحاسم وصيرورته الصارمة أيما اعتبار، ويتصورون ان الزمن يكرر نفسه ويتصور صالح أن الناس ما يزالون يصدقون هذياناته المحشوة بالزيف والافتراء والادعاءات الفارغة، ولا يعلم أنه لولا من يهددهم اليوم ما كان له أن يدخل عدن يوما واحدا بعد ٩٤م.
على إن أهم ما في حديث (فخامته) هو فشله في إخفاء غضبه من إفلات خليفته من أيدي الخاطفين، لقد كان السرور يغمر حياته وهو يرى البلد تتمزق ( والدولة) تنهار والخدمات تتلاشى والأمن يختفي وخليفته (نائبه السابق) مختطف لدى عصابة مسلحة سيطرت على العاصمة بإيعاز ودعم منه، وكان يعد الأيام بنفاد صبر منتظرا اليوم الذي يتسنى له فيه العودة إلى القصر الذي أخرج منه كرها، ولا شك انه تمنى أن يبقى الرئيس هادي أسيرا ما تبقى من حياته أو أن يموت وهو تحت الاختطاف، لكن الظهور المفاجئ لهادي في عدن قد أربك عليه كل الحسابات وجعله يفقد أعصابه ويتصرف بتلك الهستيريا الفاضحة التي يقرأ منها كل من استمع إلى حديثه أن الرجل منزعج ليس حرصا على العاصمة صنعاء ولا خوفا من الانفصال (لأن هادي مصمم على استعادة صنعا من محتليها واستعادة الشرعية من مغتصبيها، ما يعني أن الانفصال ليس في وارد اجنداته)، لكن ما أزعج الرجل هو فشل خطة اختطاف السلطة والسيطرة على الشرعية بالتحالف مع ألد أعدائه ممن ظل يسميهم بـ"المتمردين" و"العملاء" و"الإرهابيين" و"الخونة" الذين تحولوا اليوم بقدرة قادر إلى أقرب الحلفاء إلى قلبه.
خطاب صالح الأخير أعاد إلى الأذهان خطابه الشهير في 27 أبريل 1994م الذي فجر بعده الحرب على الجنوب وقد حمل نفس اللهجة والنبرة والمفردات والمعاني والمضمون، ما يعني إن الرجل ليس فقط حليفا للحوثيين في ثورتهم المزعومة البائسة، بل إنه المخطط والراعي والمنفذ وقاطف الثمار وأن شهوة الحرب لم تفارق هواجسه، لكن ما نساه (الرمز) أن الزمن ليس نفس الزمن والناس غير الناس والمعادلة غير المعادلة وحتى المعطيات اليوم غير معطيات العام ١٩٩٤م.
لقد حارب نصف الجنوبيين وكل الشماليين بجانب علي عبد الله صالح في خديعته للشعب اليمني بأكذوبة "الدفاع عن الوحدة" وكانت غنائم ومنهوبات الحرب من الكنوز والأرض والأموال والمنشآت هي ما أغرى بها الناهبين للتجييش على الجنوب، وعليه أن يتذكر أن كل الجنوب اليوم يتهيأ للمجابهة بكل سكانه، وأن ثلاثة أرباع الشمال لن يحاربوا معه دفاعا عن ملياراته المهربة خارج البلد إن لم يقفوا في صف خصومه الذين يسخر منهم ويهددهم بالنفي، بعد الويلات التي ذاقوها على يديه وأيدي أنصاره طوال ثلث القرن المنصرم، والأهم من هذا أنه لم يعد في الجنوب ما ينهبه الناهبون إلا أملاك وغنائم ناهبي ١٩٩٤م ويعلم صالح إن إطلاق أيادي الناهبين سيمكنها من أن تطال أول ما تطال منهوباته هو قبل غيره من كبار الناهبين وصغارهم.
الحرب هي قمة الجنون وعندما يجتمع الجنون والخرف معا تصبح احتمالية نشوب الحرب واردة ومن هنا سيكون واجب التصدي لهذا التعطش للحرب والدمار هو واجب كل وطني محترم في الشمال والجنوب على السواء، وليعلم صالح وأنصاره أن الأكاذيب والافتراءات والادعاءات والمسرحيات التي ظل يقدمها لليمنيين قد انكشفت حقيقتها ولم يعد في اليمن شمالها وجنوبها من يصدق أن من نهب من لقمته ومن حقه في الدواء والماء النظيف والتعليم والأمن والكهرباء والوقود وغيرها عشرات مليارات الدولارات يمكن أن يؤمن بأي مبدأ نبيل، فالناس يصدقون الشرفاء والأنقياء ومن أثبت الزمن تطابق أقوالهم الجميلة مع أفعالهم أما اللصوص والقتلة فهم قد يخدعون الناس مرة أو مرتين ولكن لن يخدعوهم طوال الزمن.
برقيات:
* تلفقينا ببالغ الأسى والحزن وفاة المغفور له المرحوم محجوب محمد النمي رئيس اللجان الشعبية في مدينة زنجبار في حادثة مرورية مؤسفة، وبهذا المصاب الجلل نتقدم بصادق مشاعر العزاء والمواساة إلى المناضل الاشتراكي محمد بن محمد النمي والد الفقيد وإلى كل أفراد أسرته وأحبابه وأصدقائه سائلين المولى أن يتغمد الفقيد محجوب بواسع رحمته وأن يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
* يقول الشاعر المرحوم أحمد مطر:
بالتمادي.
يصبح اللص بأوروبا رئيسا للنوادي.
وبأمريكا زعيماً
للعصابات وأوكار الفسادِ
وبأوطاني التي من شرعها قطع الأيادي
يصبح اللص رئيسا للبلادِ
في الأربعاء 11 مارس - آذار 2015 09:02:35 ص