الغاية و الوسيلة!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الإثنين 06 يونيو-حزيران 2011 03:47 م

 ما من شخص يتطلع الى حياة طبيعية و ناجحة الا و يجب عليه ان يحدد له غاية ( هدف) ووسيلة ( خطة) لتحقيق هذه الغاية. فالانسان الطبيعي لا بد و ان يكون له غاية و بالتالي وسيلة. اما الانسان الناجح فان غايته يجب ان تكون نبيلة و وسيلته مشروعة.

 لكن للأسف الشديد فان معظم اليمنيين و بالتالي اليمن يعاني من اضطراب الغايات و الوسائل. و يتضح ذلك من حقيقة ان غالبية اليمنين اما انه لا غاية لهم و اما انهم لديهم غايات و لكن بدون وسائل ( امنيات) و اما انهم لديهم غايات غير مشروعة ( الفساد) و اما انهم لديهم غايات مشروعة و لكن ليس لديهم وسائل مشروعة ( ضعف الكفاءة. و في ظل استمرار هذا الاضطراب فانه قد يكون من الصعب توقع تحسن الاوضاع في اليمن قريبا الا اذا تم ازالة هذا الاضطراب و على وجه السرعة. و قد كان من المؤمل ان تساعد ثورة الشباب في تحقيق ذلك. لكن للأسف الشديد فانه من الواضح انهم وقعوا او اوقعوا في الاضطراب نفسه.

 و حدث كل ذلك على الرغم من ان الدين و القيم اليمنية تحث على ضرورة وجود غايات نبيلة و وسائل مشروعة لتحقيقها. وقل اعملوا فسيرى الله و رسوله اعمالكم. ذلك انه لا يمكن ان يكون هناك عمل مفيد بدون غاية نبيلة ووسيلة مشروعة. فأي اعمال لا تنسجم مع ذلك فهي اعمال غير صالحة غير مفيدة و لا تتفق مع مبادئ الدين الصحيح و القيم الاخلاقية الانسانية.

 فقواعد الدين و القيم الانسانية تحظ على العمل الصالح و تعتبر ذلك خيرا و تحذر من العمل السيئ و تعتبره شرا. و من ثم فانه حتى يسود الخير في اي مجتمع فانه لا بد و يشجع على تبني الغايات النبيلة و الوسيلة مشروعة معا. و كذلك فان عليه ان يحارب الشر من خلال اجتثاث الغاية الشريرة و الوسائل غير المشروعة على اعتبار ذلك انحطاط انساني لأنها مضرة للجميع.

 فعلى سبيل المثال فان اشاعة السلام و توفير متطلبات اشباع الحاجات الانسانية و نصرة المظلوم و التكافل مع المكلوم خير ما دامت تصدر عن غايات بنيلة و تحقق من خلال وسائل مشروعة. و كذلك فان السعي لقتل النفس البريئة و اكل اموال الناس بالباطل و انتهاك اعراض الناس و ارهابهم و تعذيبهم و اذلالهم و التضيق عليهم شر لأنها لا يمكن ان تصدر الا عن غايات شريرة و تحقق من خلال وسائل غير مشروعة. ان هذه الافعال تضر بالجميع بمن فيهم من تصدر عنهم. فعندما يهتك القاتل حرمة نفس المقتول فانه في حقيقة الامر يكون قد هتك حرمة نفسه و كذلك الامر فيما يخص اكل اموال الناس بالباطل و هتك اعراضهم.

 يتحقق الشر اذا كانت الغاية شريرة حتى لو كانت الوسائل مشروعة و كذلك اذا كانت الوسائل غير مشروعة حتى لو كانت الغاية نبيلة. فعلى سبيل المثال فان الدفاع عن حرمة النفس و المال و العرض غايات نبيلة و لكنها قد تمثل شرا اذا كانت وسائل تحقيقها غير مشروعة اي من خلال هتك حرمة انفس الاخرين و اموالهم و اعراضهم.

 و تأسيسا على ذلك فانه لا نبل و لا مشروعية للغدر و لا للتضليل و لا للكذب و لا لقول الزور حتى في حال محاولة دفع ذلك. فليس من المقبول به مواجهة الشر بشر مثله بشكل مطلق. فممارسة القتل و اخذ المال او اغتصاب الاعراض لا يبرر مقابلة هذه الافعال بأفعال مشابهة بدون قيود او شروط. لأنه لو سمح بذلك لانجر المجتمع كله الى الشر رغما عن انفه.

 صحيح ان ردع الشر يتطلب اذاقة الاشرار من نفس الكاس لكن يجب ان تم ذلك وفقا لقواعد و ضوابط محكمة. فالمجتمع الخير يجب ان يتميز عن الاشرار. و من ذلك ان يتم التعامل معهم من خلال قواعد وحدود تحصر اللجوء الى الشر بالحدود الدنيا. و لا شك ان ذلك يعكس حرص المجتمع الخير على التعامل من الاشرار على اعتبار انه شر لا بد منه. و لا شك ان ذلك يمثل غاية نبيلة لا بد و ان تنعكس على وسائل تحقيقها لتكون في اضيق الحدود ايلام للأشرار انفسهم. و يترتب على ذلك ممارسة التسامح معهم من خلال اعطائهم فرصة للدفاع عن انفسهم و العفو عنه اذا ندموا على افعالهم. و لا شك ان ذلك يختلف عن تصرفات الاشرار الذين لا يتورعون عن ممارسة الشر حتى ضد الابرياء الذي لا يحملون لهم اي كره لا يتورعون عن ممارسة اقسى انواع الشر مقابل تصرفات عادية و لا يرحمون حتى من يتوسل اليهم. انهم ببساط يتفانون في ايذاء الاخرين لأتفه الاسباب و حتى بدون اسباب.

 ان الحرص على ان تكون الغايات نبيلة و الوسائل مشروعة يجب ان تكون من صميم اهتمام كل من الفرد و المجتمع. اذا كان تحقيق ذلك على المستوى الفردي سهلا نسبيا فان تحقيقه على المستوى الجماعي امر في غاية الصعوبة. ذلك ان ما يحتاجه الفردي لتحقيق ذلك هو الاستجابة الى تطلعاته الداخلية و التصرف وفقا لإمكانياته المتاحة في حدود قواعد الدين و قيم المجتمع. اما تحقيق ذلك على المستوى الجمعي فانه يتطلب بالاضافة الى ذلك التوافق بين تطلعات كل افراد المجتمع و التصرف وفقا لإمكانياتهم المتاحة.

 و تكمن صعوبة تحقيق ذلك على مستوى المجتمع من حقيقة ان تطلعات الافراد ليست متطابقة بل قد تكون متناقضة و متضادة. و لا شك ان ذلك يؤثر على كل من الغاية الكلية للمجتمع و وسيلة تحقيقه.

و من اجل توضيح ذلك فانه سيتم مناقشة تعامل المجتمع اليمني مع موضوع الحكم. فنظام الحكم الذي يقوم على اساس الحرص على الغايات النبيلة و الوسائل المشروعة يحافظ على حقوق كل المواطنين بدون تميز و لا يسمح بسيطرة فئة على فئة اخرى. و على الرغم من ان الدين الاسلامي قد اوجب ذلك اذ يقول الله تعالى ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ينهى عن الفحشاء و البغي و على الرغم كذلك ان قيمة الوطنية تعني تحقيق مصالح المواطنين جميعا فان ما يمارس في اطار الحكم لا ينسجم مع ذلك. و يرجع ذلك الى عدم اتفاق المجتمع على ذلك لان معظم افراده لا يعيرون الغايات النبيلة و الوسائل المشروعة اي اهتمام.

 و قد ترتب على ذلك تحكيم الهوى عند تفسير وفهم نصوص الدين و تحديد حدود المواطنية. و قد ترتب على ذلك السماح بتبني غايات غير نبيلة و استخدام وسائل غير مشروعة. و من مظاهر ذلك ان يتحيز كل فرد و كل جماعة و كل حزب لمصالحه الخاصة بدون حدود او قيود. ان تبرير ذلك لا يمكن ان يكون الا من خلال تبني غايات غير نبيلة و السعي لتحقيقها بوسائل غير مشروعة.

 فاذا ما قبل المجتمع بمثل هذه التصرفات فانه سينقسم الى قسمين قوي وضعيف و سيفرض القوي مصالحه على الضعفاء من خلال اعتبار ما هو في مصلحة الاقوياء مبررا و مشروعا سواء كان ينبع من غايات نبيلة و يتحقق من خلال وسائل مشروعة ام لا. و في نفس فان مصالح الضعفاء التي تتعارض مع مصالح الاقوياء ليست مقبولة سواء كانت نابعة من غايات نبيلة و يمكن تحقيقها من خلال وسائل مشروعة ام لا. و لا شك ان ذلك يتناقض مع العدل و ينبع من الظلم.

 و بما ان الاقوياء يمتلكون من النفوذ ما يكفي لنشر التفسيرات التي تخدمهم و يمنعون و يحظرون التفسيرات المناقضة لذلك على اعتبار انها لا تنسجم مع التفسيرات الصحيحة للدين. و لأسف فقد نتج ذلك تشويه قواعد الدين و ملامح القيم الانسانية الاساسية. فقد تم اجتزاء الدين من خلال تفسيره لصالح الاقوياء و ضد الضعفاء. و تحول الدين نتيجة لذلك الى واجبات على الضعفاء و حقوق للأقوياء. الا ترى انه يوجب على الضعفاء السمع و الطاعة للأقوياء و بدون اي حقوق لهم عليهم على اعتبار ذلك واجب ديني.  و بنفس الطريقة يتم التعامل مع قيمة الوطنية. انها في نظر الاقوياء تسمح بظلم الضعفاء حافظا على الامن و السلم الاجتماعي و تعتبر نصرتهم تمرد على النظام العام و خروجا على القانون و الاعراف.

 فمن المؤسف ان معظم رجال الدين الاسلامي قد مالوا الى جانب ولي الامر و تجاهلوا الامة. اذ ان هناك تركيزا واضحا على النصوص التي تعطي ولي الامر سلطة مطلقة سواء تم اختياره من قبل الامة كلها و كان يحض بالقول منها ام لا. و في نفس الوقت فان هناك تجاهل و تعسف للنصوص التي ربطت سلطة ولي الامر على الامة بمدى شرعية اختياره و رضائها عنها. فالمتعارف عليه في الفقه الاسلامي ان على الامة ان تسمع و تطيع من تلولي امرها ما لم يمنعهم من الصلاة حتى لو قتلهم و اكل اموالهم و انتهك اعراضهم.

 اني اعتقد ان الفهم الصحيح للنصوص في هذا الامر اذا ضبطت من خلال الغايات النبيلة و الوسائل المشروعة تناقض الاستنتاج سالف الذكر جملة و تفصيلا. صحيح انه لا بد و ان يون لولي الامر سلطة اي طاعة و لكن يجب ان يرتبط ذلك بمدى التزامه بالغايات النبيلة و الوسائل المشروعة. فمن يستولي على السلطة بالقوة فلا طاعة له حتى و لو كانت غايته نبيلة لان وسائله غير مشروعة. و من يسعى الى قتل النفس التي حرمها الله و يصادر الاموال و ينتهك الاعراض فلا طاعة له حتى لو ادعى ان ذلك من اجل حماية الدين.

 وقد عملت النخب السياسية على تشويه قيمة الوطنية و استغلالها لتحقيق اهداف تتناقض مع حقيقتها و جوهرها. فالمفهوم الصحيح للوطنية مشتق من المواطنة المتساوية و التي تعني ان سكان وطن ما متساوون في الحقوق و الواجبات. و الدولة ما هي الا وسيلة لتحقيق ذلك. اي ان المواطنة المتساوية هي الغاية و الدولة هي الوسيلة المشروعة لتحقيق ذلك.

 و على هذا الاساس فان تصرف الدولة بما يتناقض مع ذلك مثل التفرقة بين المواطنين على اساس الدين او العرق او الطائفة او المناطقية او الشللية يمثل غايات غير نبيلة. و كذلك فان تحقيق المواطنة المتساوية من خلال قتل المواطنين او سجنهم او تعذيبهم او مصادرة اموالهم يمثل وسائل غير مشروعة. اذ انه يجب على الدولة ان تقوم على اساس تحقيق غايات نبيلة اي خدمة المواطنين جميعا و على الحرص على تحقيق ذلك من خلال وسائل مشروعة.

 ان ضمان ان تكون الغايات الكلية نبيلة و وسائلها مشروعة يتطلب بالضرورة ان لا ينحصر تفسير الدين في فئة او مجموعة و ان يجب ان يتم من خلال استيعاب كل الآراء و المقارنة بينها وفقا لمعاير عملية متفق عليها. و لا شك ان