تحولات الموقف الدولي تجاه اليمن..مخرج الطوارئ الأخير للرئيس ونظامه
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 18 يوماً
الخميس 21 إبريل-نيسان 2011 11:15 ص

يواجه الرئيس علي عبد الله صالح امتحانا عصيبا في مواجهة تصاعد سرعة عجلة الثورة الشعبية التي دارت عجلتها بسرعة كبيرة بسبب الوقود الذي يمنحها اياه الرئيس ورجالاته المتمترسين خلفه بصلاحيات تفوق قدراتهم ومؤهلاتهم، غير مدركين ان الثورات الشعبية لا تخضع لقواعد علمية ثابتة يمكن مواجهتها او إيقافها،وان الحل الأنسب لها هو الانحناء امامها ومحاولة تفادي السحق بين تروسها.

منذ اليوم الأول للثورة لوح الرئيس ونظامه بورقة الدعم الدولي الممنوح له تحت دعاوي محاربة الإرهاب وضمان بقاء الرئيس صالح بوصفه عامل استقرار اليمن، لإرهاب خصومه غير التقليديين هذه المرة، وهو يعتقد ان تلك الورقة التي نجحت في عزل خصومه السياسيين في أحزاب اللقاء المشترك سيكون لها نفس الأثر في مواجهة الثورة الشعبية، وكان الفشل هو العنوان الابرز لذلك السلاح الذي تم تحييده وانحيازه الانساني لصالح الضحايا الذين سقطوا برصاص قوات الامن والحرس الجمهوري والميلشيات المسلحة التابعة للنظام.

كان الموقف الدولي دوما يطلب من الرئيس ونظامه حماية المعتصمين والمتظاهرين المطالبين باسقاط النظام،وعدم الاعتداء عليهم وعقب كل تعهد للاطراف الدولية بحماية المعتصمين كانت قوات الامن ترتكب مجزرة بحق المعتصمين وشهد الموقف الدولي تحولا كبيرا بعد مجزرة صنعاء في يوم الجمعة 18 مارس الفائت التي راح ضحيتها 54 شهيدا ومئات الجرحى ، وتواصل انفراط مسبحة الدعم الدولي مع استمرار النظام في قتل المعتصمين في تعز والحديدة وعدن وغيرها من المدن اليمنية.

فبعد حوالي شهرين من اندلاع الثورة الشعبية في اليمن وسقوط عدد كبير من القتلى كانت المواقف الغربية والعربية لا تزال دون المستوى ، وتسعى لمجاملة الرئيس ونظامه على حساب الدماء والشهداء الذين تتزايد أعدادهم يوميا، و اسهمت المساندة الأمريكية غير المباشرة لنظام الرئيس صالح، والمواقف المتناقضة بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع الامريكية في زيادة ضبابية الموقف الأوربي والغربي عموما مما يحصل في اليمن، الامر الذي اعتبره صالح بمثابة موافقة غير صريحة على تصرفاته ضد المحتجين المناوئين له.

وبنفس المستوى وربما أكثر تواطئا بدت المواقف العربية كما لو أنها فاقدة للبوصلة ، ولم يصدر أي موقف عربي يدين استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين ، باستثناء موقف دولة قطر الذي ادان تلك الجرائم ، كانت المواقف الدولية والعربية لا تتجاوز الدعوة لبحث مخرج مناسب للازمة أو تلك التي ترفع من سقف مواقفها بالدعوة لانتقال امن وسلس للسلطة.

وكان موقف المملكة السعودية هو الاكثر اثارة للدهشة والاستغراب حيث فضلت الصمت طويلا وانشغلت بتامين حدودها الجنوبية مع اليمن، وعززت قوات حرس الحدود السعودية من إجراءاتها على الشريط الحدودي الطويل والذي يتجاوز 1500 كم تحسبا لانفجار الوضع في أي لحظة.

كانت استجابة الولايات المتحدة الامريكية لما يحدث في اليمن بطيئة وسلبية اكثر من اللازم ويمكن القول إن التصريحات الأولى لوزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس اعتبرت مساندة للرئيس صالح حليف امريكا في حربها على القاعدة حيث اعتبر جيتس في تصريحين صحفيين خلال 3 ايام ان التغيير في اليمن وسقوط نظام صالح يخدم تنظيم القاعدة ويمنحه حرية اكثر للتخطيط لعمليات ارهابية في اليمن ، تلك الرسالة التقطها الرئيس صالح سريعا فبدأ في تحريك ورقة تنظيم القاعدة في محافظات شبوة وابين ومأرب حيث انسحب الامن من محافظة شبوة واجزاء من محافظة ابين وتم الاعلان عن سيطرة تنظيم القاعدة على مصنع للذخيرة ومعدات عسكرية ثقيلة بالاضافة لسيطرة التنظيم على اذاعة جعار وبعض المباني الامنية والحكومية الحساسة ، وترافق مع تلك الاحداث تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حين قالت "إن الوضع يتدهور بشكل سريع، وأن التظاهرات قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة". وطالبت الخارجية الامريكية من رعاياها سرعة مغادرة اليمن ، بريطانيا هي الأخرى لم تذهب بعيدا عن المخاوف الأميركية وهي تطالب رعاياها بالمغادرة الفورية لليمن بعد أن حذرتهم من أن الوضع هناك يتدهور سريعا وقد يعيق من إمكانية ترحيلهم حسب بيان للخارجية البريطانية.

وفي برلين قالت الخارجية الألمانية إنها سحبت جميع أفراد "فريقها الأساسي" من سفارتها في صنعاء و أن معظم موظفي السفارة وعائلاتهم عادوا إلى ألمانيا بعد أن أصدرت الخارجية تحذيرا من السفر إلى اليمن بسبب تدهور الوضع الأمني. كما دعت روسيا أيضا مواطنيها إلى مغادرة اليمن على وجه السرعة.

وبدا كما لو المجتمع الدولي قد اختار موقف المتفرج على ما يجري في اليمن بانتظار انفجار الوضع في اليمن.

وبينما كانت الاطراف اليمنية تتطلع لموقف امريكي ازاء الاحداث في اليمن جاءت الاستجابة من الاتحاد الاوربي على لسان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية كاثرين أشتون في 29 مارس التي دعت إلى انتقال سياسي منتظم يبدأ دون أي تأخير من أجل حل الأزمة الراهنة في اليمن ولتمهيد الطريق للإصلاحات. وقالت اشتون أنها أبلغت الرئيس علي عبدالله صالح بهذه الرسالة قبل اسبوع من تصريحاتها،مشددة على أنه "يجب أن يبدأ الانتقال الآن.

تلك التصريحات أزعجت الرئيس صالح ونظامه وبادر لاتهامها بالتحيز واستقاء معلوماتها من قبل احزاب اللقاء المشترك المعارضة وشن مصدر رسمي هجوما قاسيا على تصريحات اشتون.

وجاء الموقف الأوروبي بعد يوم من أنباء شبه مؤكدة عن تخلي الإدارة الأمريكية لدعمها للرئيس صالح .

عقب الموقف الاوربي وقع التغير الابرز للموقف الدولي تجاه الرئيس ونظامه حدث بعد مجزرة تعز والحديدة في 5 ابريل الجاري على لسان المتحدث باسم الخارجية الامريكية مارك تونر عندما قال إن أعمال عنف في اليمن والتي أطلقت فيها الشرطة ومسلحون النار على المحتجين المناهضين للحكومة في مدينتي تعز والحديدة هي حادث "مروع" وأدان جميع اعمال العنف ضد المتظاهرين سلميا، وحث السلطات اليمنية على ممارسة اقصى درجات ضبط النفس ".

لكن الموقف الايجابي والصريح جاء في تصريحات جيف موريل السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية عندما قال "ان الولايات المتحدة تحث على انتقال السلطة من خلال المفاوضات في اليمن " بأسرع ما يمكن"

وصعد الاتحاد الاوربي من لهجته تجاه الرئيس ونظامه حينما تبنى البرلمان الأوروبي في 8 ابريل لقرار يطالب بإجراء تحقيق مستقل في اليمن اثر تلك الاحداث وطالب البرلمان الأوروبي "الامم المتحدة او محكمة الجرائم الدولية قيادة تحقيق دولي حول الهجمات التي وقعت ضد المعتصمين السلميين في يوم 18 مارس الماضي"

وشدد البرلمان الأوروبي على ضرورة تقديم دعم مادي وتقني لمجلس التعاون لدول الخليج العربي من قبل الاتحاد الأوروبي لمساعدتهم في احتواء أزمة اليمن فور استعداد الرئيس صالح بالتخلي عن سلطته لحكومة ديمقراطية جديدة".

كما طالب الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون في اتصال هاتفي بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح "لوضع حد لأعمال العنف في البلاد وان استخدام القوة والعنف لن يؤدي الا الى تفاقم الازمة"، وفي خطوة مهمة ولو انها جاءت متأخرة "ارسل بان كي مون فريقا صغيرا من الامم المتحدة لمشاركة جميع الاطراف بهدف معرفة افضل الطرق التي يمكن للمنظمة الدولية ان تسلكها لمساعدة اليمن".

التحركات الامريكية والاوربية في موقفها من الاحداث في اليمن تعززت بعد إن أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن انزعاجها الشديد إزاء استخدام السلطات اليمنية القوة المفرطة مجدداً ضد المحتجين في اليمن.

ودعت الحكومة اليمنية في بيان صحفي وزعته في 6 ابريل الجاري إلى الوقف الفوري لاستخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين في أنحاء اليمن. وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم المكتب "يتضمن ذلك استخدام المدافع الرشاشة فيما يبدو ضد المتظاهرين السلميين في تعز أمس، مما أسفر عن سقوط خمسة عشر قتيلا على الأقل وعشرات الإصابات الخطيرة، مما يرفع إجمالي عدد القتلى المسجلين منذ بدء الاحتجاجات في اليمن منذ خمسة وخمسين يوما إلى أكثر من مائة شخص، وربما يكون هذا تقديرا متحفظا".

أدى استمرار الرئيس صالح ونظامه في استخدام العنف والرصاص الحي ضد المعتصمين الى يأس الحكومة الامريكية من استجابة الرئيس صالح للطلبات الدولية المتكررة بوقف العنف والاستجابة لطلبات المحتجين سلميا بنقل السلطة سلميا،إلى أن يوجه البيت الابيض دعوة للرئيس صالح إلى البدء في عملية الانتقال السلمي للسلطة وفق جدول زمني، في خطوة هي الأولى من نوعها تتخذها الإدارة الأمريكية علناً وتدعم المتظاهرين اليمنيين المطالبين بتنحي صالح عن السلطة.

وكان واضحا ان امريكا قد تجاوزت تلميحات الرئيس بالربط بين بقائه وبين الحرب على القاعدة حين قال المتحدث باسم البيض الأبيض جاي كارني إن موقف الإدارة الأمريكية إزاء مكافحة الإرهاب في اليمن لم يكن مرتبطاً بشخص بعينه. في إشارة منه إلى إمكانية مواصلة التعاون اليمني الأمريكي بشأن الإرهاب بعد رحيل صالح .

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز إن هناك مؤشرات على ضغط امريكي متصاعد على صالح للرحيل. وأضافت ان واشنطن "غيرت مواقفها بهدوء" و"خلصت الى أنه من غير المرجح أن يحقق (صالح) الاصلاحات المنشودة وعليه أن يرحل من منصبه بهدوء."

وساندت منظمة هيومن رايتس ووتش التوجهات الدولية ودفعت بها قدما نحو زيادة الضغط على نظام الرئيس صالح ، وقالت في رسالة وجهتها للحكومة اليمنية اواخر شهر مارس الماضي إن على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن يأمر فوراً قوات الأمن بوقف استخدام القوة المميتة غير القانونية ضد المتظاهرين.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "أظهرت قوات الأمن اليمنية على مدار شهرين لامبالاة واستهتار بأرواح المتظاهرين، فأطلقت النار على المتظاهرين الذين خرجوا في مسيرات سلمية في الأغلب الأعمّ، وقتلتهم في ظل الإفلات من العقاب.واعتبر أن دعوات الرئيس صالح بتسوية الأزمة لا تعني الكثير طالما قوات أمنه تطلق النار على المتظاهرين".

وذكرت المنظمة الدولية أنها وثقت الهجمات المسلحة المتكررة من قبل قوات الأمن والمؤيدين للحكومة في ثياب مدنية على المتظاهرين الساعين لإزاحة صالح منذ أواسط فبراير.

كما دعت المنظمة الولايات المتحدة والحكومات الأخرى إلى تجميد جميع المساعدات العسكرية المُقدمة لليمن حتى تكف السلطات عن هجماتها وتحاسب المسؤولين عنها. وقال: "هذه الهجمات المُكررة تُظهر أن الإدانة وحدها لن توقف إراقة الدماء".

وعقب تلك التصريحات قال وزير الخارجية البريطاني "إنه يجب على الحكومة اليمنية التحرك بشكل عاجل في الاستجابة لمطالب الشعب اليمني المشروعة من أجل إحداث التغيير السياسي المنشود والمضي لتلبية الحاجة الماسة للإصلاحات في البلاد".

وحذر من تأخير عملية الانتقال كونه سيزيد من مخاطر انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن وتزايد العنف.

وأشار إلى إن الرئيس صالح وعد المجتمع الدولي باتخاذ أقصى درجات الحذر وضبط النفس في استخدام قوات الأمن اليمنية للعنف وحماية المتظاهرين السلميين..

ودعما للموقف البريطاني طالبت وزارة الخارجية الايطالية السلطات اليمنية بفتح حوار مستعجل مع المتظاهرين لإنهاء حالة الاضطرابات التي تشهدها مدن يمنية.

وقالت الخارجية الايطالية إنها "تتابع بقلق بالغ تطور الأوضاع في اليمن" داعية السلطات في صنعاء إلى احترام حقوق الإنسان والمسارعة في بدء حوار وطني بهدف فتح مرحلة جديدة من الإصلاحات داعية السلطات اليمنية لتفتح الطريق أمام انتقال سلمي ومنظم للسلطة.

كان موقف الحكومة الهولندية مغايرا عندما أعلنت تعليقها مساعداتها للحكومة اليمنية بسبب قمع قوات الأمن للمتظاهرين ضد نظام صالح في مختلف محافظات اليمن.

الموقف الهولندي رافقه تهديد الاتحاد الأوروبي بأنه ودوله الأعضاء سيراجعون من سياستهم تجاه اليمن إذا ما تم استمرار السلطات اليمنية في استخدام العنف ضد المظاهرات السلمية في اليمن.

وهربا من الموقف الامريكي والاوربي الضاغط على الرئيس صالح ونظامه قرر الرئيس صالح كسب المزيد من الوقت باستدعاء موقف سعودي مساند له،لكن المملكة قررت نقل الكرة لملعب دول مجلي التعاون الخليجي ولم تفضل ممارسة دور سياسي بعيدا عن دول المجلس وهو ماحدث عندما طلبت ادراج موضوع اليمن في جدول اجتماع وزراء خارجية المجلس في الكويت الذي نجم عنه مبادرة خليجية تم بلورتها على مرحلتين، حيث تم تقديم مبادرة في 3 ابريل الماضي نصت صراحة على تنحي الرئيس صالح عن الحكم، ورفض صالح تلك المبادرة كونها نصت صراحة على رحيله بينما قابلتها المعارضة اليمنية بالترحاب، ونتيجة لموقف صالح فقد تم تعديل ذلك البند بأن يقوم الرئيس صالح بنقل صلاحياته لنائبة بدلا من تنحيه عن الحكم ، صالح لم يعلن صراحة موافقته بل كان رده مشروطا بأن تنسجم خطوات المبادرة الخليجية مع الدستور اليمني ،اما احزاب المشترك وحلفائها فقد تباينت مواقفها ازاء تلك التعديلات لكن القرار الحاسم كان للرئيس الدوري للمجلس الاعلى للقاء المشترك الدكتور ياسين سعيد نعمان عندما قال اننا نقبل المبادرة التي استلمناها في 3 ابريل، مطالبا بتفسيرات واضحة لمعنى نقل الرئيس لصلاحياته.

اللبس وعدم الوضوح لمعنى نقل الصلاحيات جعل سفراء الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي ودول مجلس التعاون الخليجي يقدمون جدولة زمنية لتنفيذ المبادرة الخليجية خلال شهر من تاريخ توقيعها.

المبادرة الخليجية المدعومة بالمواقف الامريكية والاوربية والاقليمية وموقف جامعة الدول العربية والامم المتحدة وصلت لخلاصة ضرورة رحيل الرئيس صالح وسدت عليه محاولات المراوغة الدولية وتعد واحدة من ابرز المبادرات السياسية التي تتدخل في صياغتها اطراف دولية واقليمية كثيرة، ومن شأنها التحول لوثيقة دولية تجعل كل تلك الاطراف معنية بتنفيذها والحرص على نجاحها، ويعني رفضها من قبل الرئيس صالح اقرارا بعدم نيته في تسليم السلطة والحرب على جبهتين داخلية وخارجية وهي حرب لن تكون متكافئة وستكون ضريبتها كبيرة ومكلفة على الرئيس وعلى اليمنيين بشكل عام.