تأملات فيديل كاسترو .. نفاق الغرب الذي لا يعرف حدوداً
بقلم/ احمد الشريف.
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 13 يوماً
الأربعاء 29 سبتمبر-أيلول 2010 05:30 م

مع أنه نُشرت مقالات حول الموضوع قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2010 وبعده، فقد جاء على صفحات جريدة "لا خورنادا" المكسيكية في ذلك اليوم واحد واسع الصدى، حمل عنوان "المحرقة الغجرية: بين الماضي والحاضر" يذكّر بتاريخ مأساوي بالفعل. من دون أن أضيف أو أحذف كلمة واحدة من المعلومات التي يوردها المقال، اخترت حرفياً من محتواه الأسطر التي تعكس وقائع تقشعر لها الأبدان بالفعل، والتي لا يقول الغرب، لاسيّما جهازه الإعلامي الهائل، كلمة واحدة بشأنها .

" عام 1496: أوج الفكر الإنساني. إعلان الشعوب الروميّة (الغجر) الألمانيّة شعوباً خائنة للقيم المسيحية، وعميلة مأجورة للأتراك، تحمل الطاعون، سحرة، قاطعة طرق، خاطفة أطفال .

1710: عصر التنوير والعقلانية. مرسوم في براغ يأمر بشنق الغجر البالغين بدون محاكمة. تعويق الشبّان والنساء. في بوهيميا تُقطع أذنهم اليُسرى. وفي مورافيا تُقطع أذنهم اليُمنى .

1899: ذروة الحداثة والتقدم: شرطة بافاريا تُنشئ القسم الخاص بشؤون الغجر. وفي عام 1929، تم رَفع تصنف القسم إلى ’مركز وطني‘ ونُقل إلى ميونيخ. في عام 1937 انتقل إلى برلين. وبعد ذلك الموعد بأربع سنوات قضى نصف مليون غجري في معسكرات اعتقال أوروبا الوسطى والشرقية .

في رسالة حيازتها لشهادة الدكتوراه، أكدت إيفا جوستين (مستشارة الدكتور روبيرت ريتّير، من دائرة الأبحاث العرقية التابعة الوزارة الصحة الألمانية) أن الدم الغجري يشكل خطراً بالغاً على صفاء العرق الألماني. ودكتور يُدعى يورتشي بعثَ بمذكّرة إلى هتلر يقترح عليه فيها إخضاع الغجر للأشغال الشاقة ولعملية تعقيم جماعية، لأنهم يشكلون خطراً على نقاء دم الفلاحين الألمان .

بعد تصنيفهم كمجرمين عريقين، بدأ الغجر يتعرضون للاعتقال الجماعي، واعتباراً من عام 1938 تم إنزالهم في منشآت خاصة ضمن معسكرات بوشينوالد، ماوتهاوسين، جوسين، داوتمرجن، ناتلزفايلر، وفلوسنبورغ .

داخل معسكر يملكه في رافينسبرو، أنشأ رئيس الجستابو، هينريش هيملِر، فُسحة للتضحية بالنساء الغجريات اللواتي كان يتم إخضاعهن لتجارب طبيّة. تم تعقيم 120 طفلة غجرية. وفي مستشفي دوسيلدورف-ليرينفيلد تم تعقيم غجريّات متزوجات من غير غجر .

الآلاف من الغجر الآخرين تم نفيهم من بلجيكا وهولندا وفرنسا إلى معسكر أوشويتز البولندي. يروي قائد أوشويتز، رودلف هويس، في مذكّراته أنه كان بين المعتقلين شيوخ يناهزون المائة سنة من العمر ونساء حوامل وأعداد كبيرة من الأطفال .

في غيتو لودز (بولندا) [...] لم يبق واحد من الخمسة آلاف غجري على قيد الحياة .

في يوغسلافيا كان يتم إعدام الغجر واليهود على حد سواء في غابة جاجنايس. ما زال الفلاحون يتذكّرون صراخ الأطفال الغجر وهم محمولين إلى أماكن الإعدام .

في معسكرات الإبادة، لم يكن هناك من عزاء للغجر سوى حبّهم للموسيقى. في أوشويتز، كانوا يجتمعون جياعاً وقد غزاهم القمل ليعزفوا الموسيقى ويشجعوا الأطفال على الرقص. ولكنها كانت عريقة أيضاً بسالة المحاربين الغجر الذي كانوا ينشطون في صفوف المقاومة البولنديّة، في إقليم نييزويز ".

الموسيقى هي العامِل الذي حافظ على وحدتهم، التي ساعدتهم بدورها على البقاء، على غرار فعل المعتقد الديني بالنسبة للمسيحيين واليهود والمسلمين .

في مقالات متتالية نشرتها منذ نهايات شهر آب/أغسطس، أنعشت صحيفة "لا خورنادا" ذكرى الأحداث المنسية تقريباً التي تعرض لها غجر أوروبا، المتضررون من النازية، ودخلوا طيّ النسيان بعد محاكمة نورمبرغ بين عامي 1945 و1946 .

حكومة كونراد أديناور الألمانية أعلنت أن إبادة الغجر قبل عام 1943 كانت تستند لسياسات قانونية للدولة؛ والمتضررون في تلك السنة لم يتلقوا أي تعويض. روبيرت ريتر، الخبير النازي في إبادة الغجر، تم الإفراج عنه. وبعد ذلك الموعد بتسع وثلاثين سنة، عام 1982، في وقت كان معظم المتضررين قد ماتوا، كان أن تم الاعتراف بحقهم بالحصول على تعويض .

أكثر من 75 بالمائة من الغجر، الذين يقدَّر عددهم بين 12 و14 مليوناً، يعيشون في أوروبا الوسطى والشرقية. إنما في يوغسلافيا الاشتراكية في ظل حكم تيتو فقط كان أن نعم الغجر بذات الحقوق التي كانت تنعم بها الأقليات الكرواتية والألبانية والمقدونية .

وتصنف الوسيلة الصحفية المكسيكية النفي الجماعي للغجر إلى كل من رومانيا وبلغاريا، والذي أوعزت به حكومة ساركوزي –اليهودي من أصل مجري- بأنه "على نحو خاص من الشذوذ"؛ إنه التعبير الحرفي الذي نعتته به. لا يؤخذن هذا على أنه قلّة احترام من جانبي .

في رومانيا يقدَّر عدد الغجر بمليوني شخص .

رئيس هذا البلد، ترايان باسيسكو، حليف الولايات المتحدة والعضو اللامع في حلف الناتو، نعت صحافيّة بأنها "غجرية مقرفة". كما يُمكن الملاحظة، إنه شخص بالغ اللطف ومهذَب التعبير .

الموقع الإلكتروني "univision.com" علّق على التظاهرات المناوئة لطرد الغجر و"لكراهية الأجانب" في فرنسا. يبلغ نحو "130 عدد المظاهرات التي تقوم في فرنسا وقبالة السفارات الفرنسية في عدة بلدان من الاتحاد الأوروبي، مدعومة من عشرات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والنقابات والأحزاب اليسارية والبيئية"، هذا ما ذكرته "وكالة الصحافة الفرنسية. وتتحدث البرقية المطوّلة عن مشاركة شخصيات معروفة من عالم الثقافة مثل جان بيركين والمخرجة السينمائية أنييس جاوي، مذكّرةً أن الأولى "كانت، إلى جانب المناضل الراحل ضد الاحتلال النازي لفرنسا (1940-1944)، ستيفاني هيسيل، ضمن الفريق الذي تقابل لاحقاً مع مستشارين لوزير الهجرة إيريك بيسون ".

"[...] ’ كان حوار طرشان، ولكن إجراؤه كان أمراً مفيداً للإثبات لهم أن جزءاً كبيراً من المواطنين غاضب من هذه السياسة المثيرة للغثيان‘، هذا ما قاله متحدث باسم ’شبكة التعليم بلا حدود ‘...".

أنباء أخرى عن هذا الموضوع الشائك تأتي من أوروبا: "وضَع البرلمان الأوروبي يوم أمس فرنسا ونيكولا ساركوزي في قفص الاتهام بسبب طرد آلاف الغجر الرومانيين والبلغار في إطار مداولة متوترة تم خلالها وصف موقف خوسيه مانويل بارّوسو واللجنة الأوروبية بأنه فاضح وتافه، وذلك بسبب سكوتهما الواضح وعدم إدانتهما لقرارات باريس كونها غير قانونية وتتنافى مع الحقوق الاجتماعية"، هذا ما قاله الموقع الإلكتروني "elpais.com" في مقالة كتبها ريكاردو مارتينيز دي ريتويرتو .

في واحد آخر من مقالاتها، أوردت صحيفة "لا خورنادا" المعلومة الاجتماعية المثيرة ومفادها أن نسبة وفيات الأطفال الغجر حديثي الولادة تبلغ تسعة أضعاف معدل نسبتها في أوروبا، وأن أمل الحياة بالكاد يتجاوز الخمسين سنة .

في وقت سابق، في التاسع والعشرين من آب/أغسطس، كانت قد ذكرت أنه "بالرغم من كثرة الانتقادات –سواء كان من جانب مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو من جانب الكنيسة الكاثوليكيـة ومنظمة الأمم المتحدة والكم الواسع من المنظمات المدافعة عن المهاجرين-، يصر ساركوزي على طرد ونفي مئات المواطنين البلغار والرومانيين –وبالتالي هم مواطنون أوروبيون- بحجة الطابع ’الإجرامي‘ المزعوم لهؤلاء المواطنين ".

وتنتهي صحيفة "لا خورنادا" إلى القول: "يصعب التصديق أنه في عام 2010، وبعد الماضي الأوروبي المريع في ميدان العنصرية وعدم التسامح، ما زال بالإمكان تجريم عرق بأكمله من خلال الإيماء إليه كمشكلة اجتماعية .

إن عدم الاكتراث، بل ومباركة أعمال الشرطة الفرنسية اليوم، والإيطالية أمس، وحتى الأوروبية بشكل عام، تبغت أكثر المحللين تفاؤلاًُ ".

فجأة، أثناء كتابتي لهذا "التأمل"، تذكرتُ أن فرنسا هي ثالث قوة نووية على وجه الأرض، وأن ساركوزي لديه أيضاً حقيبة ذات رموز لإطلاق واحدة من القنابل الثلاثمائة التي تمتلكها. هل هناك مغزى أخلاقي أو خلقي يا ترى لشن هجوم على إيران، التي ينتقدونها بسبب ما يزعمون من نية لديها على صنع قنبلة من هذا النوع؟ أين هي حكمة ومنطق هذه السياسة؟

لنفترض أن مسّاً من الجنون أصاب ساركوزي فجأة، كما يبدو بأنه يحدث في الواقع، ماذا سيفعل مجلس الأمن الدولي بساركوزي وبحقيبته في هذه الحالة؟

ماذا سيحدث لو قرر اليمين المتطرف الفرنسي أن يُرغم ساركوزي على اتباع سياسة عنصرية تتناقض مع قوانين المجموعة الأوروبية؟

هل يستطيع مجلس الأمن الدولي أن يجيب على هذين السؤالين؟

إن غياب الحقيقة وسؤدد الكذب هو أكبر مأساة في عصرنا النووي الخطير .

فيدل كاسترو روز

12 أيلول/سبتمبر 2010