ماذا لو أضفنا هذا البند إلى مبادرة الرئيس
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 5 أيام
السبت 13 أكتوبر-تشرين الأول 2007 07:27 م

مأرب برس - خاص

بكثير من الشفقة أتابع النظام الحاكم وهو يحاور نفسه حول مبادرة الرئيس ، وبكثير من الأسى أتابع كيف هم وجدوا أن هذه المبادرة تاريخية ومتجاوزة في كل بنودها كل الأفكار التقدمية والديمقراطية ، وبكثير من الاستغراب أشاهد القناة الفضائية اليمنية في برامجها المخصصة لمناقشة هذه المبادرة وهي تنتقي بشكل ساذج ومكشوف وعبر اتصالاتها كل من يمتدح هذا المنجز المذهل والذي سيضاف إلى المنجزات الأخرى ألتي تعد ولا ترى بالعين المجردة .

قناتنا أو بالأصح قناتهم الفضائية تعيش خارج الهامش الإعلامي وتمارس دورا بدائيا فيما قبل التاريخ في بث موادها الإخبارية والسياسية والثقافية وهذا بطبيعة الحال يعكس طبيعة النظام السائد ويفسر لنا عقليته وطريقته في التفكير والتعامل مع الشعب والبلد وأيضا يفضح وبدون أي كلفة معنوية ومادية من المعارضة أن ما ينادون به من ديمقراطية هي أهازيج لمجموعة من الدراويش تنتظر حلول اللاهوت في الناسوت ، ولا أمل في أي تغير لتلك القناة الإعلامية والتي من المفترض بها أن تكون مرآة لواقعنا الحقيقي لأن بعض الأشياء أن أردت تعديلها تضطر أن تكسرها ، فالخلل تجاوز أي محاولة إبداعية نحو إصلاحها .

الرئيس مصر على تمرير مبادرته وقد حرك كل ما يملكه الشعب من قدرات لدعم ما جاء به من أفكار وصار الكل يسبح بحمدها ويهلل ، بل أن البعض رأى بها أفكارا ثورية لا يمكن للعقول العادية أن تستوعبها وحسبهم أن كل ما يقوله الرئيس أو يفعله هو شيء خارق للعادة لذا هم يتوقعون حالة الذهول التي تأتي بعد أي عمل يفكر به الرئيس ، فنصير مشغولين حول الذات الرئاسية أكثر من انشغالنا بما تأتي به هذا الذات أصلا .

والأمر كله يدور حول تعديل الدستور الذي يعرف بأنه المادة التي من خلالها تستوحى الأنظمة التي تسير عليها الدولة وينظم العلاقة بين السلطات الرئيسية ( التشريعية والتنفيذية والقضائية )   والدساتير حسب تقسيمها هي نوعين فمنها جامد لا يقبل التعديل ومنها مرن يمكن تعديله نظرا لطبيعة الظروف المحيطة ومن أشهر الدساتير الجامدة هو الدستور الأسترالي ألذي لا يمكن تعديله إلا بموافقة أغلبية مواطني الولايات إضافة إلى أغلبية الأصوات على المستوى الفيدرالي ، والدستور الذي يتم تعديله حسب الأمزجة والأهواء لا يمكن إطلاق لفظة دستور عليه لأنه يفقد ماهيته ومضمونه ويعطي انطباع بمدى استخفاف الجميع به أو عدم اقتناعهم بما يحتويه ، خاصة إذا كان من يقوم بهذا التعديل هو الشخص نفسه الذي سبق وأن أضاف أو ألغى نصوصه السابقة .

وكلنا يعرف أن الرئيس يمضي حسب معادلة معروفة منذ قيام الوحدة اليمنية ، وهي أنه ما بين الحين والآخر يتم التنازل الصوري عن بعض الصلاحيات الدستورية مقابل أخذ غيرها بشكل ملتوي والتمديد له في الحكم لفترة دستورية جديدة، وهذه اللعبة لم تعد تنطلي على أحد كما أن هذا اللعبة لن تتوقف مادام الدستور لا يملك حرمة قانونية تمنع المس به بهذا الشكل الاعتباطي الدائم .

الرئيس يريد أن يكون هو من يقود الحكومة مباشرة ويعطي صلاحيات أكبر للمناطق تحت مسمى الحكم المحلي ثم يريد أن يعطي نسبة محددة للنساء في مجلس النواب وكلها أشياء تبدوا طريفة ومهضومة لدى المتطلعين نحو الإصلاح السياسي لكنها في نفس الوقت تمدد الحكم للرئيس ستة عشر سنة أخرى وهي فترة ولا شك طويلة وغير محتملة ، ونحن لو افترضنا جدلا بأنه بإمكان المعارضة منع مثل هذه التعديلات فهل هذا الشيء سيجعل الرئيس يحجم عن ترشيح نفسه في الفترة الإستحقاقية القادمة ، هذا السؤال غير وارد لكل من يعرف طبيعة الرئيس ورغبته في الحكم المستديم والطويل والغير محدد بفترة زمنية وهو ألذي سيجد له أكثر من منفذ حيال إعادة وتكرار نفسه على سدة الحكم مرارا وتكرارا .

المعارضة غير قادرة على فعل أي شيء حيال ما يحدث الآن ، وأقصى ما يمكن عمله هو مقاطعة الاستفتاء ، وبذلك ستقبل بهذه المبادرة بشكل ضمني وكأمر واقع دون أن تحقق أي شيء من تطلعاتها السياسية ، والتجارب الماضية علمتنا أن العزلة لا تأتي بمردود إيجابي .

لكن ماذا لو استطاعت هذه المعارضة والمتمثلة في اللقاء المشترك الدخول في مفاوضات ماراثونية حول هذه المبادرة وتحريك كافة وسائلها الإعلامية وتفعيل ندواتها ومحاولة إضافة بعض البنود عليها مثل إضفاء شيء من القداسة حول الدستور وتحديد فترة زمنية محددة تمنع المس به أو تعديله من جديد وجعل أي محاولة لتعديله يتطلب استفتاء وموافقة أغلبية الشعب وموافقة ثلثي المجالس التشريعية ،ولتكن هذه الفترة محددة مثلا بعشرين سنة غير قابلة للنقص ليصير هذا التعديل هو آخر تعديل دستوري يمكن للرئيس عمله والتمديد لنفسه من جديد، كما عليها أن تضيف بند يمنع ترشيح الأقرباء للرئيس الحاكم مباشرة بعد تنحيه عن السلطة كابنه وإفراد عائلته من الدرجة الأولى والثانية ويحدد هذا المنع بثلاث فترات رئاسية متتالية حتى يتم ضمان عدم التوريث ، ورغم صعوبة هذه الإضافات إلا أنها وفي حال فشلها سيعني رفض هذه التعديلات بشكل كلي وهو الموقف الحالي للمعارضة كما أنها على الأقل ستضع هذه المبادرة موضع الشك حيال الرغبة في الإصلاح كما يدعي الرئيس ومن حوله وسيتبين جليا بأنه يرمي بالفتات ويحاول أن يصورها وكأنها هبة كبيرة ومنحة خرافية مقابل النفاذ بالأهم والذي يعتبر ضرره أكثر بكثير من تلك التعديلات ، لأن التعديلات الدستورية القادمة وفي كل الأحوال والتي وأن فرضت علينا لن تغير من واقع الأمر شيء حيث أن الرئيس ممسك بزمام الأمور سواء قبل التعديلات أو بعدها ويحركها بشكل منفرد والتي آلت نتائجها إلى أن يكون مستوى الدخل للأسرة اليمنية في الشهر الواحد 260 دولار في وقت أن إسرائيل تصرف على السجين الفلسطيني الواحد في الشهر 300 دولار .

benziyazan@hotmail.com