|
بعد أيام ستحل الذكرى التاسعة والأربعين لاندلاع ثورة سبتمبر وإعلان الجمهورية.. ولأول مرة، منذ سنوات، سيكون للإحتفاء معنى وللذكرى قيمة بعد تضحيات وصمود رجال ونساء اليمن الأسطوري في الساحات منذ شهور، كي يحققوا ضمن أشياء أخرى، استعادة الجمهورية التي ضحى من أجلها آباؤهم من قبل وتعرضت للسطو..
في سبيل مشروع صالح العائلي، شجع المشاريع العائلية ليبدو وكأنه ليس بدعا من العائلات وإنما «مثله مثل غيره»!. وتسهيلا لإنشاء مملكته الجمهورية أو جمهوريته الملكية، نشأت ممالك واقطاعيات عائلية صغيرة حولها، رعاها وشجعها ودعمها بالمال والنفوذ، وتكاثر الشيوخ العالة الجهلة في كل عائلة تقريبا بدلا عن الأطباء والمهندسين والحرفيين المبدعين المنتجين..
في أوج سيادة قيم الجمهورية تخلى كثير من شيوخ القبائل عن لقب الشيخ، حتى أن بعضهم نسي اللقب وتجاهله.. كان محسن سالم في الستينات والسبعينات يقول: «ما نا شيخ يا ولدي!!»... وتوارى تماما لقب «السيد» عن يحيى المتوكل وعلي قاسم المؤيد وإبرهيم بن علي الوزير فما بالنا بيساريين مثل علي سالم البيض وحيدر العطاس، ولم يستنكر الرصاص بن حسين عندما لا ينادى بلقب السلطان، أما طارق الفضلي الذي قضى شطرا من شبابه مجاهدا في أدغال وجبال أفغانستان فلم يلتفت إلى سلطنة أسلافه إلا مؤخرا، وكان يفضل مجاهد أبو شوارب لقب «العميد» وظل سنان أبو لحوم يحث زملاءه شيوخ القبائل بإعداد أبنائهم علميا ومعرفيا ويؤكد لهم أن لا مستقبل للمشيخة، وفقا لرواية الزميل النائب محمد النهمي من آنس، وأجهد نفسه سنان، لينال أبناؤه درجات علمية مهنية مرموقة، ويبدو أنه كان يعدهم لزمن غير زمن علي عبد الله صالح..
كان ولا يزال نبيل باشا أقرب إلى سمت أستاذ ويؤكد أنه مجرد رعوي، ولم أسمع من ينادي صادق أمين أبو رأس (عافاه الله) «شيخ» إلا قبل سنة أما شقيقه المهندس السفير فيصل فقد حرص والده أن يعده للعصر ونجح وبقي كذلك إلى اليوم.. لكن آل صالح، عائلة الرئيس، وهم أسرة صغيرة جدا في عددها، ويستحقون الإحترام من جانبي والمعارضة القوية في نفس الوقت، إنتهى بهم الأمر إلى اختيار شيخ لهم من أنفسهم، سبق واحتج على مقال «مشايخ عدن وقبائل السائلة...» الذي نشرته في إبريل 2010.
عندما اختلطت الأمور على الرئيس صالح مؤخرا، بسبب تدميره لقيم الجمهورية وأسس العدل والمواطنة المتساوية، قال إنه ابن سيف بن ذي يزن الحميري، مقابل شيوخ قبائل مثل صادق الأحمر، ويذكرنا ذلك بمناداة الحوثيين أحيانا لعبدالملك «بابن النبي»، بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنا على وفاة النبي (ص) وليس له ولد كما نعلم..
من بين الرؤساء العرب الذين يعضون أصابع الندم هذه الأيام، سيكون على الرئيس صالح الشعور بالذنب أكثر من غيره، وقد حاول الإجهاز والقضاء على الجمهورية ومبادئها التي تعلي من قيمة العدل والمساواة، وناضل وقاتل من أجلها ثوار اليمن ثماني سنوات، ولا يماثل جمهورية اليمنيين جمهورية عربية أخرى من حيث كثرة التضحيات والضحايا في سبيل أن تقوم وتبقى وتستمر، غير أن ذلك لم يشفع لها عند صالح الذي بفضل تضحيات الثوار الجمهوريين صار رئيساً، وكان قدره - لولا التضحيات- أن يظل طيلة حياته مجرد عسكري في جيش الإمام..!
كان أجدر بصالح أن يرسخ قيم الجمهورية ومبادئها وثقافتها.. وكان عليه إدراك أن من غير المعقول والمقبول أن يكون رئيسا ملكا، يؤبد حكمه ويورثه ويتجاهل تضحيات اليمنيين وتطلعاتهم، ويبالغ في استفزازهم في مناسبات كثيرة مثل حضوره احتفال تخرج ابنه خالد من كلية ساندهيرست، ليبدو مثل ملك أو أمير لا ينتمي إلى العصر، ولا علاقة له بالثورة والجمهورية، ولا يهمه سوى إعداد بنيه لتولي شان الرعايا وإخضاعهم، وهو الذي ولى أقرباءه الأمن والجيش ليقودوا من هم أقدم وأجدر وأكبر وأحق..
لم يدرك صالح أن الجمهورية تتضمن وتعني وتقتضي مشروعا آخر يتصادم مع مشروع التأبيد والتوريث ومشروع تحكم العائلات واستعلائها وغطرستها.. ربما أن سطوة صالح وتحالفاته قد بلغت حدا جعل كثيرين لا يجرؤون على القول لصالح منذ زمن: «أنت مخطئ.. توقف..».. أم أن علينا الآن الإعتذار للشجاعة والحق والتاريخ، ولمن يدفع ثمن التخاذل الآن ومستقبلا!.. وقد نجد عزاءنا في من لم يقلها لحد الآن وهم لا يزالون كثرة، ولا يزالون في الموقف الخطأ صامتين أو مؤيدين..! مهما يكن من أمر، نستطيع التأكيد الآن، أن أحرار اليمن قرروا استعادة الجمهورية..!
imrani3000@yahoo.com
في الإثنين 12 سبتمبر-أيلول 2011 09:18:02 م