ديمقراطية في اليمن مع وقف التنفيذ
بقلم/ جيني هيل
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر
الخميس 15 يوليو-تموز 2010 07:51 م

احتفل اليمن مؤخّراً بالذكرى العشرين لتوحيد الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي). وقد دفعت الظروف السياسية الفريدة التي أوجدها التوحيد بصانعي القرار في اليمن إلى إدخال الاقتراع العام إلى شبه الجزيرة العربية. وعزّزت انتخابات العام 2006 الرئاسية اليمنية، التي اعتبرها مراقبو الاتحاد الأوروبي "سباقاً مفتوحاً وحقيقياً"، الآمال بأنه بعد ما يناهز العقدَين من الزمن، تتقدّم البلاد نحو سياسة إشراكية ناضجة.

بعد أربعة أعوام، لا تزال الديمقراطية في اليمن موقوفة التنفيذ، على الأقل مؤقّتاً. فلا الإصلاحات الدستورية التي أوصى بها مراقبو الانتخابات من الاتحاد الأوروبي في العام 2006، ولا التعديلات التقنية المقترَحة لقانون الانتخابات طُبِّقت. كما أُرجِئَت الجولة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية، التي كانت مُقرّرةً في نيسان/أبريل 2009، لعامَين بموجب اتّفاق متبادل بين المؤتمر الشعبي العام الحاكم وبين أحزاب اللقاء المشترك، وهو ائتلاف يضمّ المجموعات المعارِضة. لذلك، على اليمن أن يتحرّك في غضون الشهرَين المقبلين، وإلا لن يكون بالإمكان إجراء الانتخابات المُقرّرة في نيسان/أبريل 2011.

وقد تضمّن اتفاق تأجيل الانتخابات الذي تمّ التوصّل إليه في العام الماضي، التزاماً بإجراء حوار بين طرفَي المشهد السياسي من أجل كسر الجمود حول الإطار الانتخابي. بيد أن اندلاع الاحتجاجات العنيفة في جنوب اليمن بعد بضعة أشهر، وما أعقبه من تجدّد للنزاع في محافظة صعدة الشمالية، بدّد الثقة المطلوبة لإجراء محادثات مثمرة. وأظهر اللجوء إلى العنف أن مظالم الانفصاليين الجنوبيين ومتمرّدي صعدة – المعروفين بـ"اللاأحزاب" – لا يمكن أن تجد لها حلاً عن طريق النظام البرلماني الحالي. وردّاً على هذه التشنّجات المتفاقِمة، وعد الرئيس علي عبدالله صالح برعاية حوار وطني واسع النطاق، إلا أن إجراء هذه المحادثات لا يزال صعباً.

عوضاً عن ذلك، أطلقت أحزاب اللقاء المشترك عملية استشارات وطنية مستقلّة لاستطلاع آراء القواعد الشعبية ووضع رؤية بديلة لمستقبل البلاد. وتدعو وثيقة الإنقاذ الوطني المنبثقة عن هذه الاستشارات إلى "تحقيق الفاعلية من أجل التغيير السلمي" لإنقاذ البلاد من "الاستبداد والفساد". ويرى المؤيّدون في مبادرة أحزاب اللقاء المشترك مؤشّراً على أن المعارضة تتحوّل من ظاهرة مدينية إلى حركة سياسية وطنية ذات مصداقية. غير أن عدداً كبيراً من اليمنيين لا يزال يعتبر أن السياسة البرلمانية هي أسيرة المصالح الذاتية للنخبة، وأنّ القياديين الأساسيين في الحزبَين يشلّون النظام عبر الضغط من أجل تحقيق منافعهم الخاصة.

ويواصل المفاوِضون من الحزبَين جهودهم لتحديد معايير الحوار الوطني، لكنّ كتلتَي النفوذ تتعرّضان باستمرار للانتقادات بسبب العراقيل التي تضعانها، فضلاً عن أن نوايا الحكومة تبدو غير واضحة. بالتالي، قد تلوِّح أحزاب اللقاء المشترك بمقاطعة الانتخابات السنة المقبلة، بينما يُحمَّل المؤتمر الشعبي العام مسؤولية التلاعب بالوقت للإبقاء على ميزان القوى في مجلس النواب. عندما بلغت المحادثات حائطاً مسدوداً في نيسان/أبريل، فتح مسلّحون مجهولون النار على كبير المفاوضين في أحزاب اللقاء المشترك. وبعد أسبوع، أعلن الرئيس علي عبدالله صالح أن الانتخابات النيابية المؤجَّلة ستُجرى في الموعد المحدَّد، أي في نيسان/أبريل 2011، بغضّ النظر عن وضع المفاوضات. لكن خلال الاحتفالات في ذكرى التوحيد في أيار/مايو، عرض صالح صفقة للعفو عن السجناء السياسيين ودعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية.

بعد ثلاثين عاماً في سدّة الرئاسة، يجد الرئيس علي عبدالله صالح نفسه محاصَراً بالتحدّيات، ولا سيما تراجع الإنتاج النفطي، والهبوط السريع في قيمة العملة، والشكاوى من تركّز السلطة، وردّ الفعل الشعبي العنيف حيال مقتل مدنيين في الهجمات الصاروخية التي كان يُفترَض بها أن تستهدف قيادة تنظيم "القاعدة". هكذا، ربما يخشى قادة المعارضة أنهم لن يربحوا الكثير من الانضمام إلى حكومة ائتلافية، لا بل يتخوّفون من خسارة الكثير. لكنّهم سيتحمّلون أيضاً جزءاً من اللوم في تعطيل الديمقراطية اليمنية، إذا فشلوا في التفاوض على اتّفاق في الوقت المناسب لإجراء الانتخابات السنة المقبلة أو اتّخاذ القرار بمقاطعتها.

تطرح الانتخابات المقبلة في اليمن خيارات صعبة ومعضلات على المانحين الغربيين. هل سيُرسِل الاتحاد الأوروبي مراقبين للانتخابات إذا استمرّ تجاهل التوصيات التي أصدرها في العام 2006 حول وجوب إجراء إصلاحات دستورية؟ وإذا أرسَلَ مراقبين، فكيف سيضمن أمنهم؟ وماذا لو ارتأى المراقبون أنّ نتائج الانتخابات غير عادلة؟ من دون أجواء انتخابية سليمة، سيُقيَّد المانحون أكثر فأكثر في علاقتهم مع الحكومة اليمنية، وستتّسع الهوّة بين الخطاب والواقع في مسألة الإصلاحات الديمقراطية والحوكمية. من شأن نتائج انتخابية مثيرة للجدل أن تستنفد إلى أقصى الحدود موقف المانحين المنسَّق.

اليمنيون أنفسهم منقسِمون حول أهمية الانتخابات المُزمَع إجراؤها. فمن ناحية، يطالب المعارِضون بإصلاحات سياسية، معتبرين إياها أولوية وشرطاً مسبقاً أساسياً لاعتماد إجراءات فاعلة لرفع تحدّيات الاقتصادي الكلي. ومن ناحية أخرى، ثمة مَن يزعمون داخل الإدارة اليمنية أن البلاد لا تستطيع أن تنعم بالانتخابات طالما أن الحاجة ملحّة إلى معالجة الأزمة الاقتصادية المتعاظِمة. وتعتبر شخصيات في الطبقة السياسية اليمنية أن الانتخابات المشوبة بالعيوب ستكون أسوأ من عدم إجراء انتخابات على الإطلاق، لأنّها تنطوي على خطر أن يفقد الناخبون إيمانهم بالعملية الانتخابية بالكامل، وينزعوا أكثر نحو العنف.

ستحدّد القرارات التي تُتَّخذ في الأسابيع المقبلة المسار الذي سيسلكه اليمن كديمقراطية برلمانية. يبدأ شهر رمضان في منتصف آب/أغسطس، وبحلول عيد الفطر في التاسع من سبتمبر/أيلول، على الحزبين أن يكون قد توصّلا إلى اتّفاق لتطبيق الإصلاحات التقنية والشروع في عملية تسجيل الناخبين بغية كسب الوقت الكافي استعداداً للاقتراع في العام 2011. فمع كل أسبوع يمرّ، تبدو الاقتراحات الطموحة مثل التحوّل نحو التمثيل النسبي، بعيدة المنال أكثر فأكثر.

يقول رئيس الوزراء السابق، الدكتور عبد الكريم الإرياني: "إذا لم نتوصّل إلى اتفاق بحلول أيلول/سبتمبر، فعلى الديمقراطية السلام في اليمن. الرئيس هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يكسر الجمود الآن، لكن إذا انتظر حتى اللحظة الأخيرة للتوصّل إلى اتفاق، فلن يكون ثمة متّسع من الوقت لتطبيقه". ويضيف الإرياني: "إذا لم نستطع أن نضمن انتخابات حرّة وعادلة السنة المقبلة، فلن نشهد على الديمقراطية في جيلنا، وسينطفئ نور في المنطقة".

*جيني هيل باحثة مشاركة في شاذام هاوس في لندن حيث تدير منتدى اليمن.