منحة مصر..في الله نحن نثق!
بقلم/ محمد الأغبري
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 25 يوماً
السبت 17 أغسطس-آب 2013 07:18 م

" في الرب نحن نثق " الشعار الذي اختارته الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الخمسينيات ليكون شعار الدولة، ستجده مطبوعًا على خلفية كل فئات أوراق الدولار " IN GOD WE TRUST " ، وفي الحقيقة، نحن أحق بالشعار منهم.

دعونا نبدأ...

قامت الثورات على دماء شباب الأمة بعد تضحيات جليلة سطرتها شوارع البلدان وصورتها عدسات العالم وحفظتها أعين السماء، قامت الثورات وخمدت الدولة البوليسية التي أعملت في الأرض والإنسان وفي كل شيء كل أنواع الفساد....خمدت ولكنها لم تزُل!

دخل الناس في الاستحقاق الديمقراطي، وهو البديل الذي ارتضته الشعوب للديكتاتوريات العسكرية المقيتة التي لم تأت بغير الذل والهوان على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان...وفاز الإسلاميون في أغلب بلاد الثورات، فاستيقظت الدولة البوليسية التي خمدت حين خرج الناس.

لم يكن فوز الإسلاميين هينًا على نفوس الحكام السابقين، كان ذلك يعني أن كل المصالح التي تعودوا أن يحصلوا عليها ويجمعوها من عرق الكادحين ستزول إلى غير رجعة.

في مصر فاز الرئيس مرسي بنفس فارق النسبة التي فاز بها الرئيس أوباما بالرغم من التزوير الذي قام به المجلس العسكري والسلطة القضائية لصالح منافسه الفلولي " شفيق"، فبدأت الدولة العميقة المتكونة من الجيش والإعلام والقضاء والمال والأمن والبلطجية بالغليان بعد أن خمدت بعد الثورات، وحين حاول المجلس العسكري الطنطاوي جعل عملية رفح رافعته للانقلاب، انقلب سحره عليه وألغي المجلس العسكري.

فصل جديد وسحر عسكري آخر:

لم يكن عبد الفتاح السيسي بالعسكري العادي فقد كان لواء محترفًا درس في بريطانيا في منتصف السبعينيات ودرس أيضًا في أمريكا عام 2006م ، وضع ألف خط وخط تحت 2006م لما تعنيه من دلائل في العلاقات بين مصر وأمريكا، وتولى الاستخبارات العسكرية ، وضع خطوطًا تحت الاستخبارات العسكرية.

شعر السيسي بأنه سيكون محل شكوك الرئيس فقرر أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فعزل سبعين من كبار قيادات الجيش ممن هم أكبر منه سناً والذين يمكن أن يشكلوا خطرًا على مكانته وعلاقاته في الجيش وقدرته على السيطرة، وبنفس الوقت حاز ثقة الرئيس المرتاب من المؤسسة العسكرية حين أوهمه أن هذه الإقالات جاءت من أجل ترسيخ العملية الديمقراطية والتخلص من القيادات التي لا تؤمن بالتبادل السلمي للسلطة، وزاد من معيار الثقة ما انتشر من أخبار أن امرأته تلبس النقاب وأنه شخصيًا يحفظ كتاب الله في قلبه!.

صرحت الوزيرة الأمريكية كلينتون في نفس يوم تعيين السيسي رئيسًا للدفاع بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم مسبق بالعملية إلا أن الجميع كان في نشوة الانتصار على طنطاوي يكذب تلك الأقوال ويرى أن أمريكا لم تكن تريد الاعتراف بالهزيمة الاستخباراتية التي منيت بها!

ولم يكتف السيسي بذلك فقد كان أكثر صبرًا وأطول نفسًا من سلفه طنطاوي، حيث ظل خلال السنة كلها يستشير الرئيس في كل شيء ويوحي إليه بأن كل شيء تحت السيطرة ويجب على الرئيس أن يترك الأمور العسكرية له الآن حتى لا يغضب العسكر وتثور المؤسسة العسكرية ضده...وكان له ما أراد.

مرسي يقرر تغيير سياساته:

لم يكن خطاب مرسي بمناسبة عام على الأحداث خطابًا عاديًا بل كان خطابًا يشعر من يسمعه بأن السنة الآتية لن تكون كسابقتها إذ سيقوم بإجراءات حقيقية لتثبيت الحكم وتسريع الانتخابات وعودة المؤسسات الشرعية المنتخبة إلى البلد وهو ما يعني زوال ما تبقى من دولة الاستخبارات والأمن....كانت الكاميرا تنقل الصور الحية وكانت صورة السيسي تنبئ بعدم الرضى عن الخطاب، وكل من شاهد السيسي كان يحس بأن الرجل يحسب لأمر آخر، إلا أن ثقة الرئيس التي أكدها في خطابه كانت تطمن المستمعين، فلعل هناك شيئا يعرفه ولا نعرفه. ولم تكن سوى بضعة أيام لتكشف لنا ما كان يدور في خلد السيسي أثناء خطاب الرئيس بمناسبة عام على توليه الحكم.

الثورة غير الانتفاضة:

في لقائه مع المذيع أحمد منصور في برنامجه الشهير بلا حدود، صرح يوسف ندا القيادي الشهير في حركة الإخوان المسلمين أن ما جرى في مصر لم يكن ثورة، بل كان انتفاضة ضد الظلم، وأكد أن الثورة تمحو ما قبلها من صور النظام البائد وتستأصله إلى الأبد، إلا أن ما جرى في مصر كان انتفاضة أبقت على كل الصور المهترئة للنظام السابق في أماكنها سوى بعض أصحاب الحظ العاثر الذين كانوا كبش فداء للدولة العميقة مثل حسني وولديه والعادلي.

في نفس المقابلة ندد يوسف ندا بالتحالف الإخواني مع حزب النور، وصرح بأن الإخوان إخوان والسلفيين سلفيين " كان يقصد حزب النور بشكل رئيسي" إلا أن الجميع تعامل مع تصريحاته بأنها تصريحات شخصية ليست في وقتها، وبالرغم من أن الإخوان كانوا يرصدون تحركات السلفيين والإمدادات المهولة التي كانت تصلهم من الاستخبارات السعودية " تصل الأرقام إلى ما أكثر من 650 مليون جنيه مصري خلال عام " لحزب صغير ليس له قاعدة حقيقية من الأعضاء المنتسبين، إلا أن الأمل ظل في أن المبادئ الإسلامية هي التي ستمنع من الصراع إن حاول أن يشعله أحد.

فظهر للجميع أن الثورة لم تكن ثورة، بل كانت انتفاضة غضب، وأن سلفيي حزب النور لم يكونوا سوى جموع من المخبرين المحترفين الذين يتم تجنيدهم على فترة طويلة حتى يكتسبوا الثقة في الأوساط الذين يعملون فيها.....وكان الحق وانكشف الغطاء.

الحل في الثورة :

أثبتت أحداث العام الماضي بأن الذين رفضوا خمسة استحقاقات ديمقراطية نزيهة " الاستفتاء على تغيير الدستور، وانتخابات مجلس الشورى، ومجلس النواب، والرئاسة، والاستفتاء على الدستور الجديد" لن يقبلوا أي نتائج أخرى مهما تعهدوا بأنهم سيقبلون انتخابات نزيهة قادمة ولم تكن تلك التعهدات سوى كذبة يتم ترويجها لاكتساب الرأي العام المصري والدولي، وأثبتوا أنهم استطاعوا خلال العام المنصرم أن يلموا شعثهم ويجمعوا كلمتهم ويأتوا صفًا كما سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم...وتلك عادات سحرة الفراعنة في القديم.

وكانت نعمة الله في هذه الأحداث كلها أنها كشفت المستور من الأمور، فالسلفية أثبتت أنها إحدى فرقتين إما فرقة ضعيفة في السياسة ليس لها إلا أن تتبع منهج الإخوان السياسي ولا عيب في أن يتعلموا من الإخوان، وسلفية أخرى أثبتت أنها كتيبة مخابرات كلفت بإعفاء اللحى ولبس ثياب الفقهاء.

وكانت نعمة الله أن كشفت كل من كتب وساهم ودبر وأعان وحرض فقد سجلوا اعترافاتهم في صفحاتهم على الانترنت وفي برامجهم على القنوات حين ظنوا انتصارهم المزعوم ...."وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين".

وكانت نعمة الله أن أظهر صفاء معدن التيار الإسلامي الناضج الذي صقلته المحن بأنه تيار لا يكذب ولا يخدع ولا يتخذ من اللحظات فرصًا للانقضاض على الآخرين إنما هو تيار يوفي بعهوده.

وكانت نعمة الله أن أظهر معدن الكثيرين ممن خرجوا من الإخوان قبل عهد، ولم يخرجوا لاختلاف المبدأ ولكن لاختلاف الوسيلة، فقدموا أنفسهم في سبيل الله رخيصة مثل عصام سلطان وأبي العلاء ماضي.

وكانت نعمة الله أن أظهر معدن أبي الفتوح وعمرو خالد وأضرابهما ممن عجزت لسانه أن تقول الحق حين كان له أن يقوله.

ولعل مقولة القائل " جزى الله الشدائد كل خير....عرفت بها عدوي من صديقي" تُظهر اليوم عدو الأمة من صديقها.

وكانت نعمة الله أن أظهر العلمانية عارية من كل لباس، تظهر عورتها للناس قبيحة لا زينة فيها ولا ثوب يكسوها، وكم كانت هذه العلمانية تتغنى بالحقوق والحريات طوال قرن من الزمان، فكشفت بنفسها عورتها، وأظهرت زيفها وشم الجميع رائحتها منتنة لا تطاق.

وكانت نعمة الله تعالى أن أظهر أن الإسلام يعني الحريات والأمن والأمان والحب والسكينة والرفاهية والازدهار والتخطيط والعمل والجد المثابرة والنهضة.

وكانت نعمة الله تعالى أن أظهر أن قيادات العمل الإسلامي لا تضحي بالشعوب بل تقدم أولادها رخيصة في سبيل الرسالة التي آمنت بها فكانت أسماء البلتاجي، وأخواتها وإخوانا شموعًا تضيء طريق الحرية.

وكانت نعمة الله أنه كلما أرادها الإسلاميون خليطا يجمع كل الأطياف ، كلما أرادها الله إسلامية صافية نقية لا غبار فيها ولا دخن. 

وهكذا أثبتت الأحداث أن لا حل مع الانتهازيين والاقصائيين والاجتثاثيين سوى الحل الثوري الشعبي الذي يمحو كل الماضي، ويعاقب المجرمين إلا من تاب من قبل أن تقدروا عليهم، وإن لم تكن ثورة مثل هذه فإن دولة المخابرات التي لن تقبل أحدًا ستعود لتنقض على الجميع كما كانت من قبل، ستعود لتخلع ملابس النساء وتصورهن عرايا دون حياء، ستعود لتخصي الرجال ستعود لتتلذذ بعذابات الناس. ويكفي أن يعرف أحد بأن أمريكا كانت ترسل من لم تستطع أن تنتزع منهم أي اعتراف في جوانتانامو إلى مصر لتنتزع منهم المخابرات المصرية الاعترافات بالقوة!.

ترسيخ الفكرة الإسلامية:

لقد استطاعت الأحداث في مصر أن ترسخ للمشروع الإسلامي في كل دول العالم الإسلامي، فكل الشعوب الإسلامية والشباب المسلم في كل العالم ينظر إلى مصر ويتفاعل معها، ومع هذا التفاعل ومع تساقط الأقنعة يتم الفرز والتمايز ويكثر أتباع المشروع الإسلامي في كل بلد.

ومع هذا التفاعل أيضًا تقل الثقة بأولئك الذين مددنا أيدنا إليهم يومًا من العلمانيين لكي نبني البلدان على أساس من الحريات أملًا في أن تكون مزاعمهم في الحريات صادقة إلا أننا وجدنا منهم يوم الانقلاب جحودًا وكفرانًا للعهود والمواثيق، ولقد وجدناهم في اليمن مثلهم في مصر حين أرادوا أن يغيروا من مادة الدستور التي تتحدث عن دين الدولة زعمًا منهم بأن لا فرق بين الصيغتين، يريد استغفال الحليم، وينسون مقولة العربي " اتق شر الحليم إذا غضب"، كما رأيناهم يؤيدون الجرائم التي يرتكبها السيسي بحق العزل في مصر.

وإننا لن نخدع ولن ننزع يدًا من عهد، ولكنهم إن فعلوها فلا يلومنّ إلا أنفسهم، وقد قالها ابن الخطاب " لست بالخب، ولا الخب يخدعني".

وإن هذه الثورة المصرية المباركة قد أحدثت حراكًا في أرض الحجاز ونجد لم نكن لنراه لولاها، ورغم تكبيل أيدي الأحرار وتكميم أفواه الناصحين فإن علامات التذمر والضجر تظهر على جوانب الحياة اليومية مرددة صدى الأحداث في العالم الإسلامي، وما منع الشيخ سلمان العودة من السفر وإيقاف برنامجه أو اعتقال الشيخ العريفي وغيرهما إلا رأس جبل الجليد، وسيزداد الحراك حتى تستجيب الدولة أو يحدث الله أمرًا كان مفعولًا، وليست الحجاز بلدًا منعزلاً عن سنن الله.

وفي الله، نحن نثق.

عبدالغني المجيديإحتمالات الحل المصري‏ ‏
عبدالغني المجيدي
مشاهدة المزيد