11 فبراير الإرهاصات والانطلاقة (1)
بقلم/ رفيقة الكهالي
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 5 أيام
الإثنين 11 فبراير-شباط 2013 04:29 م

سنتان هي عمر ثورة 11 فبراير , ذلك الفجر الذي صنعناه بأيدينا , وخطينا أنواره من تعز العز منبع الثورات ورائدة التغيير , تلك الثورة التي انطلقت على أيدي الشباب الأبطال الذين تحدو الموت , واعتصموا بأكفانهم التي في أيديهم , وصرخوا فوصلت صرخاتهم الي أفاق الأرض وعنان السماء ليتناغم ويتجاوب  معها القاصي والداني في مشارق الأرض ومغاربها ,,,

من تعز كانت الانطلاقة , ومنها كانت الضربة القاضية , والقاصمة التي قصمت ظهر الدكتاتور المستبد الذي حاول بكل قوته ان تظل قرية مخفية عن الكون , مهمشة لا دور لها , حزينة كئيبة , تعيش في مقبرة الفقر والجهل والمرض والبطالة وتردي الخدمات العامة , مدفونة بين اخطبوط الفساد الممتدة أياديه في كل مرفق ومؤسسة ,, 

ومن تعز الصمود اخذ الثوار درسا عظيما في كيفية اقامة ثورة بيضاء تغنى العالم بسلميتها وعنفوانها وثباتها ومواثبتها وقوتها , تعز التي وقفت شامخة امام آلة القمع الهمجية التي أذاقت الشباب كافة انواع التنكيل من ملاحقات واعتقالات واعتداءات بالحجارة والغازات والرصاص الحي والقنابل والقصف المدفعي وغيرها من الممارسات الوحشية من قبل رموز المخلوع والأجهزة الأمنية التابعة له , كأمثال زبانية الموت والعذاب قيران والعوبلي وضبعان وحمود الصوفي وسلطان البركاني وغيرهم من المشاركين في تشجيع قوات الجيش العائلي للايلاغ أكثر في ساديته وشراسته ودمويته , بحق الشباب المعتصم سلميا وبحق الشعب الذي التحق بساحات الثورة اعزل رغم سلاحه الغزير ,,

إرهاصات الثورة ,, وتمهيداتها ,,,

مهد النضال السلمي الطويل للمعارضة اليمنية ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك وشركائه الطريق الي الثورة الشاملة التي عجل بها الشباب , واستطاعت المعارضة ان تحطم الحواجز التي وضعها نظام صنعاء امام أي نجاح في التأسيس لتيار سياسي معارض قوي وذي تأثير فاعل ,, وتوجت تلك الاحزاب خروجها عن الاطار وتمردها عن التبعية والاستبداد في خوض غمار معركة الانتخابات الرئاسية في 2006م بمرشحها المهندس فيصل بن شملان ( رحمه الله ) , ولقد حققت نجاحا ملموسا ساهم في دق اسافين كثيرة ساعدت في خلخلت عرش الطاغية وسقوطه لاحقا , ومثلت تلك المرحلة بداية انهيار الصورة النمطية لصالح , وتراجع شعبيته , وتأكل القدسية التي عمل لترسخها في اذهان الشعب خلال 33 سنة ,,,

كما ان الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق في المحافظات الجنوبية في 2007م والذي دشنه العسكريون والمدنيون المبعدون قسريا عن وظائفهم , ذلك الحراك الذي سبق ثورات الربيع العربي في ثوريته وامتداده الذي تنامى ليصبح قوة لا يستهان بها , قد ساهم كذلك بدور فاعل ورئيسي في تقوية الرفض الشعبي للاستئثار العائلي بالسلطة والثروة ,,,

بداية انفجار ثورة تعز ,,

ويطيب لي في الذكرى الثانية لانطلاقة الثورة الشبابية الشعبية السلمية , ان أشارك بمقال متعدد الأجزاء سيتناول الثورة من كافة الوجوه وسنستعرض اليوم في الجزء الأول منه الي شرح هو اقرب للتوثيق التاريخي لمجريات الثورة وبدايتها بالذات وبخاصة في محافظة تعز كوني احد المساهمين في تفجير هذه الثورة ,,

في الواقع , ما لا يعلمه كثير من الناس , اننا كنا نجتمع منذ تفجر الثورة التونسية وحتى بداية فبراير , كناشطين سياسيين وحقوقيين وإعلاميين , لدراسة إمكانية تنفيذ اعتصام دائم ومفتوح , ودراسة مقدار استجابة الجماهير لهذا الاعتصام , وما المعوقات والتحديات التي تواجه نجاحه , وأين يتم تحديد مكانه بالضبط , هل امام المحافظة ام في شارع اخر , ,,

ولك ان تتصور ايها القارئ الكريم مقدار الرعب والخوف في اطار القمع والطوق الأمني واللوبي الاستخباري الذي كان يحصي أنفاسنا قبل تحركاتنا كأحزاب فما بالك بمجموعة من الشباب الذين لا يملكون الا حلمهم بنظام جديد ودولة مدنية حديثة وإرادة حرة ,, ,, 

وفي 3 / فبراير في اعتصام المشترك المطالب بالإصلاحات السياسية , كان لتعز موعد اخر مع القدر الذي صنعته , تفاجأ النظام من الملايين الغاضبة والثائرة , كما تفاجأت ايضا احزاب اللقاء المشترك ذاتها في صنعاء وغيرها من المحافظات التي نفذت الاعتصام , اما في تعز فقد باءت جميع محاولات المنصة , لفرض شعاراتها التي تطالب بالإصلاحات السياسية وعلى رأسها اصلاح النظام الانتخابي , بالفشل , وبينما كانت المنصة تهتف بشعاراتها , كان الشباب والجماهير من خلفهم يهتفون بالشعار الخالد لثورتي تونس ومصر  ( الشعب يريد إسقاط النظام ),,

ثم تصاعدت الأمور عقب الاعتصام لتتفجر الي مسيرات هادرة تجوب كل الشوارع بينها المسيرة التي قدناها مع الشباب ومنهم ( مطلق الاكحلي , اشراق المقطري , عيبان السامعي , وليد العبسي , ايناس الاثوري , شيناز الاكحلي , ياسمين الصبري , بشرى المقطري , وديع مرعي , معين العبيدي وغيرهم من الشباب الابطال ) الذين توجهوا الي ديوان المحافظة , وهي المسيرة الأولى التي كانت بالنسبة لنا فاصلة تاريخية حطمنا فيها كل القيود والأطر الحزبية التي حاولت منعنا , وانطلقنا للاستجابة لفتيل الثورة الذي كان يشتعل داخلنا حتى النخاع , ويفور في دماءنا حتى الغليان , وانطلقنا نهتف بميكرفون يدوي كان كثيرا ما يخرس , فترتفع اصواتنا ب( ارحل ) ( والشعب يريد إسقاط النظام ) لنرج الأرض من تحت اقدام المخلوع ونزلزل بنيانه من القواعد , فيما تفجرت مسيرات اخرى الي شارع جمال وقادها الشباب أمثال محمد القدسي ورمزي العبسي واحمد شوقي , ومحمد مخارش وغيرهم ,,,

الإنطلاقة ,, 

انطلاقة الثورة الشبابية كانت في 11 فبراير , عندما خرجت الجماهير في معظم محافظات اليمن اثر الاعلان عن تنحي حسني مبارك وتسليمه للسلطة , واحتفلت الحشود بانتصار الثورة المصرية بطريقة عفوية تعبر عن حلمها بالتغيير ومطالبتها به ,, وفي تعز كانت الجموع تتحرك في شوارع المدينة وتحولت المظاهرات الي مطالبات بالاعتصام المفتوح , وفعلا قررت مجموعة من الشباب ان يعتصموا في شارع التحرير وسط المدينة ومن ضمن الذين اعتصموا في تلك الليلة ( معاذ المعمري , مازن البذيجي , رمزي العبسي , وليد العبسي , مجيب المقطري , محمد امين الشرعبي , عصام سعيد صالح , عبد الوهاب المذحجي , عزوز السامعي , بهاء الدين المعمري, محمد رشاد الاكحلي , صلاح الدين الهميس , جمال عبد الجليل , جميل محمد ناجي , معاذ المقطري , حاشد البحيري , حارث الشيباني , بجاش المخلافي , اكرم الحدا , محمد حسن العامري , عبد القوي شرف ,مصطفى الزريقي , فايز الزريقي , محمد عبدا لباسط الاديمي , وغيرهم كثير وارجو ان يعذرني من لم اذكره خوفا من طول مساحة المقال ,, ,

انطلقت الثورة بهؤلاء الشباب الأبطال , وانطلقت معها كل ابجديات الحقد والأثرة والأنانية والإجرام لدى العائلة ورموزها وجيشها الخاص , وضرب الشباب ايات من الصمود الاسطوري , امام الملاحقات والمطاردات من قبل قوات الامن والبلاطجة , وفي اليوم التالي 12 فبراير تزايدت المسيرات في ارجاء المحافظة والي شارع التحرير , بينما احتل مؤيدو علي عبدالله صالح الشارع امام ديوان المحافظة قطعا للطريق امام الثوار من نقل مكان الاعتصام الي هناك ,,,

 وفي التحرير هتفنا وهتف الشباب كثيرا لإسقاط النظام والمطالبة برحيل الطاغية وعائلته وفاسديه , وبارتفاع وتيرة الجموع المحتشدة حول الشباب ارتفعت وتيرة الاعتداءات عليهم , وبدأت حملة لفض الاعتصام بالقوة , وتم اعتقال حوالي 40 شاب منهم ( صلاح نعمان , , فؤاد الشعيبي , مقبل الفقيه , صلاح الشميري , علي ناصر الاصبحي , علاء طه المقطري , سمير الشيباني , صبحي المخلافي , وغيرهم ,,

اما في صباح 13 / فبراير , فلقد اغرق شارع التحرير بكتيبة من الجنود يعتدون على كل من يحاول الوقوف في الشارع او التجمع فيه ,, توجهنا مع مجموعة من الثوار والمحاميين و البرلمانيين , وقادة اللقاء المشترك الاستاذ عبد الحافظ الفقيه , ورشاد الاكحلي , وعبدالله نعمان , وغيرهم , الي مديرية الامن للمطالبة بإطلاق المعتقلين , وبعد لقاء الشباب مع نائب مدير الامن , وتأكيدنا له بتصميمنا على ممارسة حقنا القانوني في الاعتصام , واستعدادنا للتضحية بكل شئ لتحقيق هذا الهدف , تم الاتفاق مع ادراة الأمن والمحافظ , لتحويل الاعتصام من وسط المدينة الي ساحة الحرية امام محطة صافر ,,

تم التأكد من اطلاق جميع المعتقلين من ادراة الأمن وأقسام الشرطة ,, , و بدأنا مع عصر ذلك اليوم محاولات لسحب الشباب الي الساحة للبدء بتنفيذ الاعتصام المفتوح بشكل صحيح يضمن تفاعل الشباب وجماهير الشعب , ويكون قبلة لتنظيم العمل الثوري وتفعيله , وفعلا مع بدايات الساعات الاولى لليل ازداد عدد المعتصمين في الساحة , ولم يأتي منتصف الليل الا والساحة كانت قد امتلأت عن بكرة ابيها , ولم تفتر عن ترديد البيت الشعري الذي كان يزيدنا حماسة وتوحدا وشجاعة ( اذا الشعب اراد الحياة , فلابد ان يستجيب القدر , ولابد لليل ان ينجلي , ولابد للقيد ان ينكسر ) ,,,  

هذا الامر أزعج حمود الصوفي وأقض مضجعه , فقام بإرسال قواته مرة اخرى لتعتقل مجددا حوالي150 ثائر , ولياتي بلاطجته في اول نهار لنا في الساحة في 14 / فبراير, ليهجموا على الساحة من عدة طرق , مع قاطرات من الحجارة نزلت فوق رؤوسنا مثل المطر , وأصيب منا في ذلك اليوم حوالي 23 بينهم بعض الثائرات ,,,,

 لم نستسلم وظلينا صامدين , ولم نهرب من الساحة , او نعطيهم ظهورنا , بل واجهناهم بأسلحتنا الفتاكة , هتافاتنا التي منها ( نموت نموت ويحي الوطن , والشعب يريد اسقاط النظام , وارحل ) كانت هتافاتنا الصادقة والبريئة تعمل بهم الافاعيل , فيما كان الشباب أمثال عصام الفقيه وآخرين يحاولون ان يغطوا اعلاميا بكاميرات بسيطة ,, وهكذا ظل البلاطجة يحومون حولنا وحوالينا ويمارسون شتى انواع الحرب النفسية , وكانوا يذهبون ليعودوا لنا مجددا في اوقات اخرى , ليلا ونهارا , ولكن بدون فائدة , ,,

 وفي الواقع كان الالتفاف الشعبي المهول الذي فاق كل تصوراتنا وحساباتنا وحسابات النظام , هو السبب وراء ألقاء بلاطجة الصوفي والبركاني لأول قنبلة على المعتصمين بعد اداء صلاة اول جمعة في الساحة القى الخطبة فيها الأستاذ ضياء السامعي ,, تلك القنبلة التي سقط فيها اول شهيد من شهداء الثورة ( الشهيد مازن البذيجي ) ذلك العظيم الخالد الذي حاول ابعاد القنبلة لإنقاذ إخوانه , فالتقطها بيده لتنفجر فيه فتقتله وتجرح حوالي 87 جريح ,,

بعدها تتالت فتوحات الثورة وانضم اللقاء المشترك رسميا الي الثورة في 23 فبراير , وانتشرت الثورة الي معظم المحافظات , وتم إنشاء اكثر من 30 ساحة اعتصام مفتوح ليس لها إلا هدفين لا ثالث لهما , اسقاط النظام , وبناء الدولة المدنية الحديثة , دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية والسيادة الكاملة على كافة اراضي الوطن ,,, 

إضاءة ثورية

 أخيرا , مثلما علمتنا الثورة ان نشكر جهود غيرنا ولا نغمطها او نستنقص منها , علمتنا ايضا ان لا نسمح لأحد بالتنكر لجهودنا او مصادرتها او التقليل من اهميتها , ونحن نستغرب كثوار في تعز من محاولات تزييف حقائق الثورة والتاريخ , وتضليل الآخرين , من قبل بعض اخواننا في صنعاء الذين يحاولون سلب تعز شرف انطلاق شرارة الثورة منها , فبعض هؤلاء اصبحوا مصابون بالنرجسية والتمحور حول الذات , لدرجة ان ينادوا ويتنادوا لجعل 15 يناير عيدا وطنيا بدل 11 فبراير الذي لا يعترفون به الي الان ,, 

وحقيقة فيما كانت جهود إخواننا في جامعة صنعاء وكل من التحق بهم من السياسيين والبرلمانيين والحقوقيين والناشطين الشباب , تعتبر ايضا من الإرهاصات والجهود الجبارة التي مهدت لانطلاقة الثورة المباركة , ولهم السبق في الخروج بالمسيرات والمطالبة برحيل الفاسدين إبان الثورة التونسية , إلا اننا نؤكد هنا حقيقة هامة مفادها , ان المتظاهرين ممن ذكرنا لو ظلوا يطوفون بمسيراتهم شوارع صنعاء الف عام ما كان ذلك ليؤثر في اسقاط نظام المخلوع , خصوصا انه كانت هناك مسيرات اسبوعية تقريبا , وكان مهجري الجعاشن ونساءهم وأطفالهم يجوبون شوارع صنعاء لشهور طويلة بدون أدنى فائدة او تأثير يذكر , بالرغم من حجم التفاعل الاعلامي الكبير في هذه القضية بالذات ,,

ولا يخفى على الجميع ان صمود الشباب في الاعتصام المفتوح الذي نفذوه في شارع التحرير وسط مدينة تعز ثم الساحة لاحقا , كان هو الأساس الذي ارتفعت عليه الثورة وقوي عودها , والرمز الذي سرعان ما التف الشعب حوله منذ اللحظات الأولى , والمرجعية الدائمة التي قادت الثورة وزادت في اشتعالها وانتشارها الي كل قرية وجبل وسهل ووادي في كل ربوع الوطن وخارج حدوده ,,

هذا هو حق شباب تعز الذي لن نسمح لأحد مهما كان ان يستولي عليه , وحق لهم ان يفاخروا بذلك العالمين الي الأبد , حتى ولو كانت ثورة التغيير تسير ببطء شديد وتواجهها تحديات جمة , سنتطرق إليها في مقالنا القادم بإذن الله , وكل عام وانتم والوطن والثورة بخير , والرحمة والخلود للشهداء , والشفاء لكافة جرحى الثورة , والحرية للمخفيين قسريا حتى الآن ,,, وعيدكم مبارك ,,, 

يقول الشاعر محمد محمود الزبيري :

هنا البراكين هبت من مضاجعها   تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهم

لسنا من أيقظوها من مراقدها         الظلم أيقظها والسخط والألم

شعب تفلت من أغلال قاهره        حرا فأجفل عنه الظلم والظلم

نبا عن السجن ثم ارتد يهدمه            كيلا يكبل فيه بعده قدم

أن القيود التي كانت على قدمي صارت سهاما من السجان تنتقم

ان الأنين الذي كنا نردده سرا     غدا صيحة تصغى لها الأمم

والحق يبدأ في آهات مكتئب           وينتهي بزئير ملؤه النقم