إعادة هيكلة العقل اليمني
بقلم/ د.صالح الحازبي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 07 مارس - آذار 2012 12:15 م

لا شك أن إعادة هيكلة الجيش ليصبح قوات نظامية تأتمر بقيادة واحدة هدفها الأول حماية البلاد وليس عائلة أو فرد لا شك أن هذا يمثل الركيزة الأولى لبناء الدولة وصمام الأمان من الانزلاق نحو الحروب والصراعات. لكن إعادة هيكلة عقل الإنسان اليمني ومن ضمنهم بالطبع العسكر سيكون أكثر ضماناً على المدى الطويل، بل وسيكون البداية الحقيقية والخطوة الأولى نحو بناء دولة حقيقية وتشييد نهضة وطنية توفر للإنسان اليمني الحياة الكريمة وتعيد لليمن سعادته المفقودة.

إعادة هيكلة العقل اليمني تعني إعادة صياغة الوعي التقليدي لدى الإنسان اليمني بما يساعده علي تجاوز الموروث الثقافي المغلوط والقيم الخاطئة التي طالما كانت السبب في انتكاس محاولات التغيير مرات عديدة. فلا يمكن حدوث تغيير حقيقي وواقعي وملموس دون تغيير عقليات الناس وطريقة تفكيرهم و نظرتهم لأمور حياتهم ابتداءً من التفاصيل البسيطة كالسلوك اليومي والنظافة الشخصية وانتهاءً بأهمية المشاركة في صناعة التطور البشري لهذا الإنسان على كوكب الأرض. والحاجة لإعادة هيكلة العقل اليمني ليست ضرباً من الرفاهية بل إنها الركن الأول والأساسي لبناء التنمية الحقيقية وتطوير الإقتصاد وتوفير الموارد والحفاظ على الوطن ولو وضعت دراسة حقيقية للعبث الحاصل في الأموال والأرواح والأوقات والموارد في اليمن كنتيجة لسوء التصرف والتخلف والبدائية الفجة في مختلف الجوانب الحياتية لوجد أن الهدر مهول وأوله الهدر في الأرواح والعبث بالأوقات.

حين يعاد صياغة الوعي لدى اليمني ستتبدل المفاهيم الخاطئة و سيكون مجرد تجاوز طابور الانتظار في أي مكان تصرفاً همجياً يحتقره الجميع و حين تنتهي ثقافة الفوضى لن تكون بحاجة أن تضع جندي مرور عند كل إشارة لمراقبة التزام المارة لأن ذلك يصبح لدى العقل السوي بديهية لا تقل أهمية عن المحافظة على نظافة الجسم وحسن الهندام. حين يتم إعادة تشكيل العقل اليمني سيصبح مجال التنافس بين القبائل هو عدد أبنائها الأطباء والمهندسين والمثقفين وبدلاً من أن يفكر القبيلي بشراء السلاح لإبنه سيفكر في شراء جهاز كمبيوتر ليتعلم بدلا من إعداده للثأر والدم و ستعيش الثيران بأمان لأنها لن تدفع ثمن حماقة ارتكبها قبيلي و ثقافة لا تعرف قانون العقاب والثواب وإنما الهجر والتحكيم. حين يعاد صياغة العقل اليمني لن نجد المجتمع مقسم إلى طبقات تتعالى بعضها علي بعض وتتفاخر وهي في مجملها تمثل عبء على الجنس البشري. حينها لن نخشى الدخول في صراعات حتى نطالب بتغيير النظام ليس لأن الحاكم نفسه ستكون عقليته نفسه قد تغيرت وأصبح يعي معنى الالتزام بالدستور بل لأن الشعب من البداية سيكون مراقباً له وبوعيه السليم لن يسمح له أن يستمر سنوات طويلة يعزز بقائه في السلطة ويبني جيشاً خاصاً له ولأسرته بل إنه لن يجد من يدافع عنه من العسكر حين يخالف النظام والدستور لأن عقليتهم قد تم هيكلتها حتى وإن لم تهيكل وحداتهم.

تبدو هيكلة الجيش عملية ليست بالسهلة إلا أن إعادة هيكلة وتشكيل الوعي اليمني بالتأكيد أصعب وأشق لكن المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد تمثل فرصة مناسبة لهذا التغيير لما لدى المجتمع من استعداد نفسي لتقبله والتأقلم معه بسهولة وهم يحدوهم الأمل بتحسين حياتهم وأسلوب معاشهم وأن تصبح اليمن دولة لا تقل شأناً عن غيرها وأن يحظى الإنسان اليمني بالاحترام في الخارج مثل سواه. و يبقى الدور الأهم لصناعة هذا التغيير في الوعي والمفاهيم على عاتق الإعلام والنخبة المثقفة، بالإضافة للخطاب الديني والذي يستطيع أن يلعب دوراً بارزاً في إحداث هذا النقلة.

خلال العام المنصرم أدى الإعلام دوراً بارزاً سواء كان مع النظام أو مع الثورة في الحشد والتجميع وحالياً يبدو الإعلام الرسمي يمر بمرحلة انتقالية فاقداً لبوصلة التوجيه ويبدو الأعلام المعارض غير قادر علي تجاوز الخطاب الثوري وكل الأطراف الإعلامية بحاجة الأن لإعادة رسم أجندتها لتحقيق هذا الهدف. فالقيم والمفاهيم السوية ليست مثار اختلاف في أي مجتمع ولذلك فان التجييش لها وترسيخها لن يكون مثار صراع واختلاف كما هو الحال مع القضايا السياسية بل ستكون مدعاة للتلاحم والتعاضد من غالبية الناس ويبدو أننا في هذه المرحلة بحاجة للتخفف من الخطاب السياسي والتركيز بشكل أكبر علي صياغة الوعي والقيم السليمة حتى يشعر الناس بالتغيير في كل جوانب الحياة. وهو ما يقتضي الحاجة لاستراتيجية واضحة في الخطاب تتجاوز الإقتصار علي المحور السياسي لتعالج الجوانب الإجتماعية والثقافية وغيرها لترفع من القيم الحضارية لدى الناس وتحط من الموروثات الخاطئة في السلوكيات والمفاهيم.

 ويظل الخطاب الديني عاملاً رئيسيا فاعلاً في تشكيل عقلية اليمني لما عرف عن اليمنيين من تدين ولذلك فان الحاجة ضرورية وماسة لتجديد هذا الخطاب ليتجاوز الطرح التقليدي ويعالج الكثير من المفاهيم والأفكار والسلوكيات الخاطئة الموجودة في المجتمع والتي في الأصل تشذ عن تعاليم الدين السوي. فمن غير المقبول أن تجد مجموعة من القبائل يقطعون الطريق وبعضاً منهم يؤدون الصلاة جماعة جانبا وكأن سلوكهم هذا لا يتنافى مع الصلاة. أو تجد أحدهم يصلي ويصوم ويتصدق ولكنه ينهب أموال الشعب وكأنها حلالاً زلالا. وتستغرب حين تجد الخطاب الديني يركز علي قضايا بسيطة ويهمل مشاكل اجتماعية متفاقمة مثل ثقافة الثأر التي تحصد الآلاف من الأرواح في حين أن الإسلام جعل هدم الكعبة أهون من إراقة دم مسلم. 

هل آن الوقت لاستغلال الفرصة لإعادة هيكلة العقل اليمني حتى لا تضيع كما ضاعت السابقات لعل اليمن يعود سعيداً!!