يوم سقوط الطغاة!!
بقلم/ سلطان الذيب
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 17 يوماً
الأربعاء 31 أغسطس-آب 2011 04:13 م

لقد ابتليت الإنسانية على مدى تاريخها الطويل بحكام طغاة جرعوا شعوبهم شتى ألوان العذاب ، وصارت الحياة بفعل تصرفاتهم الهوجاء وحماقاتهم النكدة جحيماً لا يطاق ، واقتضت سنة الحياة أن هولاء الطغاة إلى زوال وأن لهم يوم ينسيهم نعيمهم في كل سنوات حكمهم هو يوم السقوط.

وإننا في هذه الأيام نعيش على وقع انتفاضات شعبية وهبات شبابية ،شعارها العدل والكرامة والحرية ، ووجوب كنس المفسدين في الأرض بعدما طال بهم المقام فوق كراسيي الحكم واللعب والخداع بإرادات الشعوب العربية التواقة إلى حياة حرة وكريمة وحكم عادل وممارسة سياسية ديمقراطية حقيقية .

لقد دأبت الشعوب المضطهَدَة على جعل هذه الثورات منافذ لها تمرر من خلالها مشاريعها النضالية التي تعكس مطالب الجماهير الشعبية ، فقدمت بذلك المزيد والمزيد من الضحايا ، وسجلت أروع ملاحم النضال الوطني الذي رأيناه في مثل هذه الثورات التي تلاحق هؤلاء الساقطين أينما فرّوا ، إذ لا مفر من قبضات الشعوب ولسان حالهم

هي الحرية الغـرَّاءُ تأتـــي ** دماً ملأ الخناجرَ والنصالا

يلــوح دمُ الأسود على العوالي ** فأمُّ المستبـدِّ مـع الثكالى

لقد بدد هؤلاء الطغاة الممسّكون بالسلطة كل فرص البناء والتنمية والمجد واستبدلوها بتدمير الأرض والإنسان وكل مقومات الأمة، لم يتعاط هؤلاء بمسئولية مع مشاريع إنقاذ الإنسان والوطن التي يحملها المخلصون ،واستبدلوا كل ذلك بالاتجاه السريع نحو الهاوية والدمار ولا غرابة فتلك طبيعة الطغيان.

إن هذه الهبات الشعبية التي قادها شباب تونس الخضراء بطرد الديكتاتور بن علي، وتواصلت بإزالة فرعون مصر، واليوم ثوار ليبيا الأبطال أزاحوا طاغية جديد ،ستشكل منعطفاً حاسماً في مسار الأمة ولحظة تاريخية لبداية تحول جذري لأنظمة الاستبداد، وهي لا محالة أخذة في الانتشار ما انتفت الأسباب.

هُناك حقيقة يثبتها لنا التاريخ، أن سقوط قاعدة الطغاة أسهل بكثير من الأطراف، وهاهي “ليبيا” اليوم، فبعد معارك كثيرة وشهداء بالآلاف والكثير من كتائب النظام والمرتزقة، هاهي “طرابلس” تتهاوى كما لو كانت من ورق!

وصدق فيهم قول الشاعر الثائر المرحوم محمد الزبيري

إن الطغاة وإن كـــــــــــانوا جبابرة ….لهم قلوب من الأطفال تنهزم

وذلك لأن من يدافع عن الطاغية لا يدافع عن قضية ، وعندما تصل الجحافل إلى معقل الطاغية فذلك يبدو للجميع ثقة من الثوار بالنصر وضعفًا من النظام، ولذلك تسارع الفئران للهروب من السفينة الغارقة.

 لكن هناك حقيقة أخرى عظيمة وهي أنه إذا أراد الله أمـرا من السمـاء ، بإنـزال العقوبـة على الظـلم ، وقضى من عرشـه بزوال المـلك ، فلـن ينفع الطغاة (بوليسهم)، ولـن تنجـدهم مخابراتهم وتقاريرها السرية ، ولـن تخلّصـهم جيوشهـم بل إنها إرادة الله فلا مفر. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.

فهلا استوعب الدرس بقية الطغاة العرب! وماذا في نفوسهم في هذه اللحظات بعد سقوط العديد من أصدقائهم.

وأحسب أنَّ منهـم من لم يستوعب الصدمـة حتى الآن ومنهـم من ملأ أرجاء صدره الخـوف ، وبدأ يتذكّـر جرائمه ويتحسَّس رقبته !ومنهـم من هـو مرتعب وخائف من أن يـتمَّ الاستيلاء على وثائق تثبت تورُّطه في قمع شعبه وأمته ، ثم ينفضـح أمـرُه !، ومنهـم من أمـر بتجهيـز خطة للهروب ، ومأوى للمنـفى!

لا تستغربوا أيضاً إن قلت أن منهـم من لم يزده ما جـرى إلاّ غيـّا وطغيانا، فأمـر بتشديد الرقابة على الشعـب ، وإحكـام القبضة لئلاّ يثور شعبـه كما ثارت الشعوب الحرة .

ومنهـم من هـو في غمـرة غروره ، فهو يظن أنـّه الإمام العادل ! الذي في (ظلِّ الله يوم لاظل إلاّ ظـلُّه) ! ، من كثرة ما يردِّد عليه (شيوخ الدفع المسبق) أنه وليُّ الأمر الذي طاعته من طاعة الله ، وتوقيره من توقيـر الله ! تعالى الله عما يقولون علــوَّا كبيـراً وما الذي يجري في اليمن عنا ببعيد.

إن ما يجري على الساحة العربية اليوم هو أول الغيث ، بتحطيم كل المعوقات عن النهوض وتهديم كل أركان الخوف والرعب التي أسست لها الأنظمة المتهرئة التي لم تستطع الوقوف أمام التيار الشعبي الهائج إلا بتلك الأساليب البدائية الرجعية المتخلفة التي تبنت فيها كل وسائل الجريمة ضد شعوبها وانتهجت في سبيل تحقيق جرائمها هذه أحط الأفكار دناءة وأكثرها تخلفاً متسترة بالدين تارة وبالقومية والعشائرية والمناطقية تارة أخرى.

يجدر بنا القول أن ما حصل إلى الآن من سقوط رؤوس للطغاة كانت قد أينعت سوف يزيد عزم الثوار على الساحة العربية، ليواصلوا مسيرة الثورات وإسقاط بقية الطغاة ، كما يجب أيضا الاستمرار بالثورة مع شعوب العالم التي تبنت هذه الثورات منذ أمد بعيد لتنتقل إلى الثورات العلمية والأدبية والصناعية التي جعلت هذه الشعوب تتنافس على تبوأ مركز الأولوية فيها ، في حين ظلت شعوبنا العربية والإسلامية تتخبط في دياجير ظلام القرون الأولى من عمر البشرية وظل مضللو هذه الأمة ينفثون سمومهم تارة باسم القومية الشوفينية والعشائرية وباسم الدين والمناطقية تارة أخرى هادفين بكل ذلك إلى ديمومة التخلف الفكري وانعدام التقدم العلمي كي يمرروا خزعبلاتهم وأطروحاتهم الجوفاء التي ظلوا يعتاشون منها على حساب الشعوب المقهورة لقرون عديدة مضت .

وأخيرا يمكننا القول إن يوم سقوط الطغاة ليس فقط درس وعبرة وعظة للمستكبرين في كل زمان ومكان وأن الله لا يهمل وإن أمهل، وأن بروجهم المشيدة ستنهار عليهم، وتكون قبورا لهم، بل أن هناك درس عظيم أيضاً يجب أن نعيه جيدا وهو لمن استُضعفوا، وظُلموا، فيجب أن يوقنوا أن الله منجز وعده لا محالة، وأن حق على الله نصرَ عباده المؤمنين، والتمكين لهم في الأرض، ويريهم في الطغاة والمستكبرين ما تقر به عيونهم، وتثلج به صدروهم وذلك وعد الحق سبحانه في قوله عز من قائل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...} [النور: 55]، وغيرها من الآيات ذات العلاقة.