تحليل عوامل صناعة هادي للقرار
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
الجمعة 06 إبريل-نيسان 2012 04:59 م

شبهت إحدى الناشطات تسلم الرئيس والحكومة الجديدين للسلطة وقراراتهما الأخيرة التي يراها كثيرون متواضعة كطفل تزوج طفلة برضا مجتمعهما وأصبح مكل منهما يتلقى المديح والتصفيق لكما أنجز أحدهما عملاً أو قراراً ولو بدا غير ضروري أو ساذج. وبالمثل تقابل قرارات عبدربه وباسندوة من قبل الأحزاب والدول الخليجية والغربية الراعية للمبادرة بالتشجيع والتأييد ليعتقد كلاهما بأنه يبذل ماهو فوق طاقته وأن قراره كان قوياً مادام تلقى كل ذلك التأييد غير المتوقع، فحصرا أعمالهما اليومية في إرسال برقيات التعازي واستقبال التهاني، فكان أول قرار ترفيهي هو إعطاء اللجنة العسكرية راحة طويلة بعد أن أنهك أعضاؤها أنفسهم كثيراً بإزالة المتاريس من عشرة شوارع في العاصمة رغم اشتعال نيران الفتنة والفوضى في سبع محافظات ليكررا معاً وخاصة الرئيس غلطة الرئيس السابق في تجاهل احتياجات الملايين الجائعة وأولويات الوضع الراهن المشتعل ما دامت السلطة والمعارضة في الجيب. فهادي يبدو انه لا يريد إلا أن يضع صبر ملايين الجياع والضحايا (وهم أصحاب كل الشرعيات) تحت محك الاختبار الصعب في التحمل أكثر وأكثر، وأرد أن يضع نفسه وشخصيته تحت محك اختبار صالح لأنه يشعر أنه لم يحظ بعد بالشرعية الحقيقية بالنسبة له، شرعية صالح..

كان ما سبق هو وصف فرقة من الناس لنوع وطبيعة قرارات الرئيس وحكومته الأخيرة، وهم غالباً من ملوا من استمرارالوضع الراهن ونقموا من ضعف مواجهة الحكومة للتحديات المعيشية والأمنية الحالية الخطيرة المتمثلة في وصول 7 ملايين مواطن خط الفقر الغذائي الحاد وجرائم الحوثيين في حجة وصعدة وتمدد القاعدة إلى أربع محافظات وتقدمها على مسار العمليات العسكرية. لكن ربما أن ما لا يعلمه الكثيرون هو حقيقة التحديات والنتائج (الموجزة أدناه) التي يمكن أن تفجر الوضع لو لم يتعامل معها الرئيس بعناية كاملة تتطلب صبر الشعب في وقت دقيق للجميع.

السياسة الراهنة في اتخاذ القرار

يصرح هادي كثيراً أنه تسلم الرئاسة مكرهاً كفدائي لتنفيذ المبادرة الخليجية كونه مدرك لصعوبة الخطوات المقبلة . وهذا معناه أنه يطلب من الجميع أن يفهموا أن دقة الوضع لن يسمح له بتحقيق التغيير المنشود وانما التأسيس للمناخ المناسب طيلة العامين لعقد تصالح وطني وانتخابات نزيهة تكون مسئولية التغيير على عاتق الحزب الفائز فيها. لذا فالرئيس ينحو باتجاه تطبيق المبادرة فقط إلى جانب مهمة صعبة جديدة تمثلت في التغلب على التحديات الأمنية التي لم تبدأ إلا عقب توقيع المبادرة. لذلك فلم تركز قراراته على إحداث التغيير بل "تبديل" فاسدين ومصلحين بالتناوب، ذلك أنه يضع في الاعتبار ضغوط صالح في وضع رجاله في مناصب جديدة والإبقاء على آخرين. لا مشكلة في ذلك حالياً، لكن وأمام استخدام صالح لورقة الآلة العسكرية التي يمتلكها والمؤتمر الشعبي الذي يمتلك نصف الحكومة عبره، لا يستطيع الرئيس التسريع بالإجراءات لاسيما هيكلة الجيش والمؤسسات للتغلب على تلك المستجدات الخطيرة. ولكل ذلك فقد قام الرئيس "بتبديل" قيادات القليل من المؤسسات ليضع بدلاً منها نوابهم أو شخصيات اعتيادية ومن نفس المؤسسة لا تعطي انطباعا بالتغيير ولا يخرج عن هذا السياق إلا قيادة محافظة عدن وإدارة التوجيه المعنوي وطيران اليمنية المفلسة.

وبتجربته حالياً استراتيجية انتظار جديدة، يخلف هادي وعداً قطعه لثوار القوات الجوية بتغيير قائدهم خلال اسبوعين انقضت، والان يعد الملايين بقرارات حاسمة خلال أسبوعين أيضاً يعتقد الكثيرون أنهما سيمران سراعاً ليبحث له خلالها عن مبرر أو أنه قد يجرؤ على نسيان ما وعد به.

فرص هادي لاتخاذ القرار الحاسم

أمام التحديات التي يواجهها هادي، فلديه الكثير من الفرص التي يمكنه استخدامها لصنع القرارات المناسبة للتغلب على هذه الظروف أهمها تمتعه بالشرعيات الدولية والدستورية والثورية، حتى ان الحرس الجمهوري والفرقة الأولى والرئيس السابق نفسه ركضوا الكرة الى ملعبه بإعلانهم عبر مختلف وسائل الاعلام ولاءهم له. كما أن قرار مجلس الأمن 2014 يخوله باتخاذ كل القرارات اللازمة. وأحد تلك الفرص هي الوضع المعيشي والأمني الذي أصبح لا يطاق ولا يبرر بل يتطلب اتخاذ أي قرار إزاءه ولو كان استثنائياً. كما أنه وبانسحاب جميع المعسكرات في الجنوب إلى داخل مدن المحافظات وسقوط الكثير من تلك المناطق في يدي القاعدة وتوسع الحوثيين الى حجة واستعادة نشاطاتهم العدائية في صعدة كل ذلك يفتح الدعم الدولي والاقليمي بقوة وبشكل مباشر وسريع بل انه سيشكل ضغطاً مع هادي لاتخاذ قرارات قوية وحاسمة.

تحديات كسر العظم هادي >< صالح

لعل القريبين من كبار صناع القرار هم الأكثر معرفة بطبيعة وماهية التحديات التي يخشى هادي ظهورها فيما لو اتخذ قرارات قوية لتغيير القيادات الحكومية والعسكرية الفاشلة والفاسدة. فهم يعترفون بأن الرئيس السابق لم يخرج من دائرة الأحداث بتاتاً ولهذا كانت مطالبة الساسة بهيكلة الجيش قبل الحوار الوطني الذي ينبغي ألا ينعقد تحت ضغط طرف على آخر حتى تكون المصالحة سلسلة وعن طيب خاطر وليست تحت فوهة المدافع وبالتالي ليست عرضة للنقض المبرر بعدئذ. ولعل الكوارث الأمنية المصطنعة التي تلت إقالات قائد المنطقة الجنوبية ومدير المؤسسة الاقتصادية ومؤخراً إدخال عناصر على انها من القاعدة للتموضع في جبال تعز وتجديد ضربات نهم وأرحب بكثافة مجدداً تنم جميعها عن مثال بسيط لمدى خطورة وأنواع لمثل هذه التحديات مالو تجرأ الرئيس على ايصال قراراته الى مستويات الوزن الثقيل.

لقد ظهر أن مواجهة قوات صالح الأمنية والعسكرية بقوات مضادة كما حدث في تعز منتصف العام الماضي قد أعطى صالح المبرر الكافي لقصف الشوارع والبيوت خيط عشواء كما في سوريا اليوم. إلا أن معرفة الساسة ومنهم قائد الفرقة الأولى بطريقة تفكير شريكه القوي السابق "صالح" قد جنب الثورة تكرر ذلك الخطأ "بتقديري" في صنعاء ولا في مكان آخر عدا أرحب ونهم حتى اليوم. كما كان عدم حصول صالح على أي دليل لا يقبل الدحض بارتكاب المشترك أو المتظاهرين العنف قد قطع على صالح الطريق للاستمرار في ضربهم بالنيران. لذلك فقد كان قائد الفرقة يؤكد غير مرة على إلتزامه القوي بحمايته الثورة ما لم يرتكب أعضاؤها أي عنف.

ونظراً لخشيته من نفس طريقة تفكير صالح في بحثه عن مبررات التفجير، يدرك الرئيس اليوم هذه الاشكالية، وكما يقول أحد الساسة أن الرئيس يتعامل مع صالح كأنه خبير متفجرات يفكك لغماً معقد التركيب وعليه أخذ وقته لقطع أسلاكه بطريقة منهجية حتى لا يحدث خطأ صغير وعندئذ يحدث الانفجار. قد يعتقد الرئيس أن كل الدعم السياسي والشرعيات الممنوحة له لن تشفع له ولا للبلاد إن فكر الرئيس باتخاذ القرارات الثقيلة، وبالتالي فلم يعد يمتلك حالياً إلا أمر أعضاء الحكومة بالتزام أوامره ورئيس الوزراء فقط وأعضاء القضاء بعدم برفض تدخلات أيٍ كان من النافذين، كما هدد الحكومة، يوم أصر أعضاء المؤتمر منهم، بحل الحكومة والبرلمان واقامة حكومة وحدة وطنية طارئة إن تكرر ما حدث.

ومؤخراً، وتحت الضغط الشعبي، قام بالتلميح بقرب إقدامه على اتخاذ قرارات حاسمة لكسر الثلج والتغلب على الظروف التي تؤدي إلى الهزائم المتعددة للجيش على يد القاعدة، وهو بذلك يأمل في حدوث تقدم يتمثل بضغوطات دولية وإقليمية ناجحة (وربما من العاهل السعودي أو الادارة الأمريكية) تكسر القيود التي أحاطه بها صالح، ليتمكن من العمل بكفاءة في الجبهات العسكرية بالذات. لذلك فإننا نلاحظ استباق انتهاج وزيري الدفاع والداخلية نفس منهاج الرئيس في وعد البرلمان بثقتهما بإحداث تقدم كبير في سير العمليات العسكرية في غضون اسبوعين ولم يفرق بين وعدهما ووعد الرئيس إلا يوما واحداً فقط. 

لكن مقياساً أولياً لصحة هذه التحليلات قد يظهر الآن بعد انقضاء فترة وعد كان قطعه الرئيس لثوار القوات الجوية بتغيير قائدهم خلال اسبوعين.

السيناريوهات المتوقعة للمستقبل القريب

في حقيقة الأمر، فهادي العسكري العتيد المعروف بنزاهته النسبية قد أظهر توازنا فريداً أمام صلف صالح وأبنائه وشلتهم وبين قوى الثورة يتشابه بمواقف عبدالكريم الإرياني تجلى للعيان في عدم مشاركتهم في تجمعات النصرة لصالح في السبعين ولا في صلوات الجمعة مع صالح لحسن حظهم. وصار الآن وبتحقق الضغوطات الدولية المساندة اتخاذ القرار الصائب القائم على معارفه بالكثير من الدقائق والأسرار ومهاراته في إدارة الأزمات وفض النزاعات التي تريد جميعها استغلال جميع الفرص وحل المشاكل من الجذور كلما سمحت الظروف بذلك.

وكما أسلفنا، فان قرارات الرئيس ستكون قوية ومتحررة من أية قيود مع حدوث إهتزاز لآلة صالح العسكرية بأي طريقة كانت، وإلا فلن تكون النتيجة إلا مسألة حظ واحتمالات بأن تمضي تلك القرارات في حل الاشكاليات الراهنة أو ينفجر الوضع في كافة أنحاء البلاد بالإضافة الى المناطق الملتهبة فعلياً. كما ان إحدى المخاطر التي قد تنبثق من اقتصار تغيير الرئيس لقيادات المؤسسات التي يثور موظفوها عليهم هي زيادة ألسنة لهب ثورة المؤسسات الأخرى التي قد ترى إن الرئيس لا يغير إلا قيادات المؤسسات التي تثور فقط. من ناحيتهم، قد يعاود شباب الساحات ثورتهم من جديد في حالة استمرار الوضع الحالي وعدم إحداث تغيير حقيقي وفعال وقد تفعل أحزاب المشترك ذات الفعل في حالة فشل هادي في إحداث تغيير للأوضاع أو رفض الطرف الآخر إعادة هيكلة الجيش واستخدامه للغط على الحوار الوطني وقانون العدالة الانتقالية.. كون تلك النتائج الباردة ستنعكس سلباً حتماً على شعبية تلك الأحزاب أمام الانتخابات القادمة، بل لتجنيب تحميلها وزر الصمت على مقتل المئات جوعاً وسفكاً.