بايدن يتخذ قراراً "مفاجئاً" لأول مرة قد يشعل الأوضاع في أوكرانيا و"يغضب" بوتين الاعلان عن هلاك قيادي بحزب الله تولى التخطيط والقيادة والسيطرة لعدد من معارك الحوثيين صحة مأرب تدشن حملة توعوية لطلاب المدارس حول وباء الكوليرا مصادر مأرب برس :المليشيا تخنق التجار بجبايات جديدة بالضالع خبير عسكري أردني:التصعيد قادم في اليمن وأمريكا قررت اتباع استراتيجية الاغتيالات التي تمس قيادات الحوثيين رئيس مجلس القيادة يطلع على خطة استئناف جلسات مجلس النواب عصابة نسائية متخصصة في الإبتزاز والنصب تقع في قبضة الأجهزة الأمنية بنوك صنعاء على حافة الكارثة.. اندلاع مواجهات مسلحة ومحاولة لاقتحام احد البنوك بالقوة تحليل غربي يطالب السعودية التوقف عن استرضاء الحوثيين.. ويتسائل هل هزيمة الحوثيين هدف استراتيجي لترامب؟ إنفجار غامض يؤدي بحياة سوق الزنداني بمحافظة تعز ... وتضارب في أسباب الوفاه
وعين الرضى عن كل عيب كليلة * * ولكن عين السخط تبدي المساويا
فــإن تدنُ مني تــدنُ منــك مودتي * * وإن تنأ عني تلقـــني عنك نائـيـــا
تابعت – فيما أتيح لي من وقت – بعض نقاشات ومداخلات المتحدثين وضيوف قناة الجزيرة , بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على انطلاقتها ، كما كنت قد اطّلعتُ على العديد من المقالات والأبحاث التي تناولت الجزيرة في مناسبات مختلفة ، وخرجت من كل متابعاتي تلك بخلاصة مفادها أن جمهور قناة الجزيرة ينقسم – من وجهة نظري – إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي : جمهور الساسة , وجمهور النخبة ، والجمهور العام .. وسأحاول من خلال هذه القراءة السريعة تناول كل قسم من هذه الأقسام على حده .
القسم الأول : وهم جمهور الساسة ، ويشملون كافة القادة السياسيون والعسكريون ، وكل شاغري الوظائف السياسية داخل أنظمة الحكم المختلفة والمتحدثين باسمها ، وكذا الذين تشابكت مصالحهم معها بشكل أو بآخر ، وسواء أكانت تلك النُّظم الحاكمة غربية أو عربية ، مع فارق بسيط بين ذاك الأول وهذا الأخير، وهؤلاء جميعهم يمثلون عين السخط على الجزيرة بكل الأحوال حقاً وباطلاً ، وقد أسميتهم بـ "الجمهور" - على قلتهم - ليقيني المطلق بأن قناة الجزيرة تحتل الصدارة في قائمة القنوات المفضلة "قسراً" لديهم ، رغم عدائهم الشديد لها ، وبخاصة في عالمنا العربي ، كما يقيني أيضاً بأن جُل الأخبار والمتابعات لا يتلقونها إلاَّ عبر شاشة الجزيرة.
أما عن سبب سخطهم على الجزيرة ، فذاك أمر لا يحتاج إلى كثير من الفطنة والذكاء لفهمه وإدراكه , كيف لا وهي القناة الأولى – عربياً على الأقل – التي أعادت صياغة المشهد الإعلامي في المنطقة العربية على وجه الخصوص ، وتمردت - ببرامجها الجريئة - على تلك " التوابيت " التي لم يكن يجرؤ أحداً على الاقتراب منها قبل ظهور الجزيرة ، والتي أسهمت – بفاعلية - في تشكيل هذا الوعي وهذا النضج في عقلية الإنسان العربي ، والذي تجسد بشكل ماثل للعيان من خلال ربيع الثورات العربية .
القسم الثاني : وهم جمهور النخبة ، ويشملون كل قادة الرأي والفكر ، من سياسيين ومفكرين وأساتذة جامعات ، وكذا كل المعنيين بالمعرفة والثقافة والفنون ، كما يمثلون أيضاً رواد الصحافة والإعلام ، وكل النخب المثقفة على وجه العموم ، وهؤلاء يمكن تصنيفهم إلى فريقين :
الأول : فريق معجب بالجزيرة وبأدائها المهني والإعلامي من دون أي تحفظات ، بل ومدافع عنها وعن منهاجيتها في تغطية الأحداث في كل الجلسات وحلقات النقاش ، ويرى بأن الجزيرة شكلت نموذجاً ناجحاً ورائعاً في المنطقة العربية ، وجسدت شعارها الذي ظلت ترفعه طوال الخمس عشرة سنة الماضية "الرأي والرأي الآخر" واقعاً نراه ونلمسه كل يوم ، ولا يستطيع إنكار ذلك إلا شخص تضرر من الحقيقة بشكل أو بآخر ، وكاتب هذا المقال واحد من هذا الفريق المعجب بالجزيرة وبأدائها .
الفريق الثاني : وهو فريق معجب بالجزيرة على وجه العموم ، لكنه يملك الكثير من التحفظات حيالها ، بل ويتهمها – في كثير من الأحيان - بعدم الحياد وفقدان المصداقية ، والانحياز لجهات بعينها ، في تغطيتها للعديد من القضايا في المنطقة ، وتلك الانتقادات غالباً ما تصدر – بتقديري - من أطراف ليست على وفاق تام "تاريخياً" وأيديولوجياً مع ما يوصف بـ "تيار الإسلام السياسي" ، أو الحركات الإسلامية ، كـ جماعة الإخوان المسلمين مثلاً ، تلك الأطراف ذات التوجه "العلماني الليبرالي" ، التي كانت تتصدر المشهد السياسي في المنطقة ، وتنظر لنفسها على أنها رائدة حركة التقدم والحداثة في العالم العربي طوال حقبة الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم ، فأتت هذه الحركات "الإسلامية" لتخطف منها الأضواء على حين غرة ، وهذا كان أمراً طبيعياً ، بل ومتسقاً تماماً مع هذا المشهد الإعلامي الجديد ، الذي صنعته قناة الجزيرة منذ نشأتها ، والذي جاء – بتقديري ومن الوهلة الأولى - لينحاز إلى "الحقيقة" وفقط "الحقيقة" ، أياً كان مصدرها ، والإسلاميون - كانوا ولايزالون - جزءاً من هذه الحقيقة التي تتعاطى معها الجزيرة ، وأنا هنا لا أدافع عن الإسلاميين ، ولكنني أحاول قراءة المشهد كما هو في الحقيقة وعلى أرض الواقع .
شخصياً .. أرى بأن هذا الفريق ، الذي يتهم الجزيرة بالانحياز وعدم الموضوعية في قضايا معينة – لا يسميها لكنه بالضرورة يعنيها ويقصدها - ، هو ذات الفريق نفسه ، الذي كان يعيش في الماضي بعقلية الإقصاء للآخر كما الأنظمة - بقصد منه أو بدون قصد ، لن أغوص في نواياه الآن ، لكن ذلك ما بدا لي على الأقل - هذا الفريق كان قد تعود على ذلك قبل ظهور الجزيرة ، فهو كان يرى في نفسه رائداً للمدنية والحداثة وقتها ، ويرى في الآخر "الإسلاميون" دعاة للرجعية والتخلف والظلامية ، وكان من حسن حظه آنذاك أن المناخات السياسية كانت تصب في صالحه ، في ظل الأنظمة العربية "الانقلابية" حينها ، والتي تزامنت مع تلك الحقبة منذ مطلع الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات تقريباً ، وتلاقت مع هذا الفريق في السخط والنقمة و"الإقصاء" ، بل وحتى الحقد والكراهية لهذا "الإسلامي" ، الذي ما عرف الوقوف يوماً أمام عدسات الكاميرات ، ولا كان يحلم بالظهور على الشاشات ليعبر عن رأيه بكل حرية ، إلاَ يوم أن ظهرت قناة الجزيرة .
القسم الثالث "من جمهور الجزيرة " وهو الأهم : إنه الجمهور العام ، البسطاء من خلق الله في كل أرض الله ، المظلومين والمقهورين والمسحوقين ، الباحثين عن العيش الآدمي الكريم ، السائرين على الصراط المستقيم ، الذين لا يفقهون كثيراً في السياسة وألاعيبها ، ولا في دنس الحُكّام ونذالتهم ، وهؤلاء – بتقديري - هم جمهور الجزيرة الحقيقيون ، إنهم الجمهور الأكبر عرضاً وطولاً ، والأعظم شرقاً وغرباً ، وهم الذين كانت "الحقيقة" - أو "الجزيرة" لا فرق – طوال خمسة عشر عاماً ، هي سندهم الأقوى في استعادة وعيهم بحقوقهم المغتصبة أولاً ، وفي الانتصار لثوراتهم ضد الظلم والطغيان ونُظُم الإقطاع في عالمنا العربي على وجه الخصوص ثانياً .
ومن كل ما سبق يمكننا الخروج بالخلاصة التالية :
ساسة الغرب ساخطون – ولازالوا - على الجزيرة بسبب تغطيتها لملف أسامة بن لادن والحرب على ما يسمى بالقاعدة والإرهاب ، وساسة العُرب ساخطون عليها ، بسبب حجم الرضى والقبول لها عند المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج ، وبعض منظري التيارات الليبرالية والعلمانية يتهمونها بالانحياز إلى طرف على حساب آخر ، وهم يعنون بذلك الانحياز الى التيارات الاسلامية على حسابهم ، لكن الصحيح والأكيد أن كل تلك القضايا هي حقائق موجودة على الأرض ، والجزيرة تعاملت – ولازالت تتعامل - معها على هذا الأساس ، بمهنية عالية ، وبنمط إعلامي فريد ، قرر الانحياز إلى الحقيقة والحقيقة فحسب أياً كان مصدرها ، والإشكالية الحقيقية مع هؤلاء أن تلك الحقائق التي تبرزها الجزيرة لمشاهديها ، لا تتوافق وأجنداتهم ولا شيء أكثر من ذلك ، وهذا هو الشيء الجديد الذي ميز الجزيرة عن غيرها من وسائل الإعلام المختلفة ، بما فيها الشبكات الإعلامية العالمية الكبرى كالـ CNN والـ BBC والتي اتضح للمشاهد العربي مؤخراً بأن مهنيتها - التي كانت تتباهى بها طوال العقود الماضية - هي مهنية منقوصة ، وأنها كانت تعمل لحساب أجندات بلدانها على حساب القضايا العربية وبخاصة في ملف الصراع العربي مع الكيان الصهيوني .
وبالمحصلة .. فإن كل طرف تضرر من نقل الحقيقة للمشاهد كماهي ، هو من يصب جام غضبه اليوم على قناة الجزيرة ، ويكيل لها الاتهامات يمنة ويسرة .
وعين الرضى عن كل عيب كليلة * * ولكن عين السخط تبدي المساويا
* كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية
الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن