انكسار السجان..!
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و يومين
الثلاثاء 15 يونيو-حزيران 2010 04:10 م

الإهداء الى المناضل بجاش الأغبري

مشكلة السجان أنه لم يجرب قط، حياة السجن، إذ لو جربها وعاش تفاصيلها، لما سمح لنفسه بالتحول الى سجان..!

في بلادي، تبدو سالف الأسطر أبلغ ما يمكن ان يقال أو يكتب، كتبرير لمكوث مئات السجناء خلف القضبان..

فالسجان، في معظم القضايا، شخص يعيش في برج عاجي، يغص بالترف والملذات، لم يسبق له ان قضى يوماً في سجن مركزي، ولم يذق مرارة ضحيتة القابع وراء اسوار المعتقل..

بقاء السجان في برجه الشاهق، وسط ملذاته، يسلبه ميزة الرحمة والعطف، ليصبح بالتقادم كائناً عديم الإحساس، متجرداً من قيم الإنسانية..

وهي حالة يعني الوصول إليها ان السجان ليس مستعداً للصفح عن سجينه مهما كانت الضغوطات التي يواجهها..

استبداد تلك الحالة يوصل السجان أحياناً إلى مرحلة يشعر فيها بأنه المظلوم والسجين هو الظالم..!

ليس هذا فحسب، إذ أحياناً يُضطر السجان –المتجرد من قيم الانسانية- لممارسة ضغوط تكفل إبقاء سجينه في المعتقل رغم إنقضاء مدته القانونية او مرور ثلثي تلك المدة..!

نضوب صفات الرحمة والعطف، عادةً ما يترافق مع طفوق نزعة الإنتقام، ليتحول (قهر الآخرين) إلى لذة لدى السجان!، لدرجة أنه لو كف عن قهر الآخرين لشعر بنقص ذاتي وفراغ داخلي..

حين يتحول (قهر الآخرين) إلى أفيون غير قابل للاستغناء، وهي حالة تماثل الطغيان والتسلط والديكتاتورية، يكون شعور السجان مختلفاً بشكل كلي، إذ يعتقد أن ما نراه نحن قهراً للآخرين، ماهو إلا دفاع عن النفس من وجهة نظره..!

هنا لن تستغرب حين تسمع أحد السجانين وهو يرد ببجاحه على وسطاء لإطلاق سجين قضى ثلثي مدته، قائلاً: بدري عليه الخروج خلوه يتأدب شويه..!

شويه هذه، قد تمتد احياناً لخمس او عشر سنوات..! يالها من مأساة.

لايدرك معظم السجانين (الغرماء) حقيقة الشعور الذي يتخلق في وجدان السجين لاسيما إذا كان مظلوماً، إنعدام الإحساس يجعلهم يظنون أنه سينكسر لجبروتهم وسيركع لطغيانهم وسينحني مستجدياً عفوهم..

العكس هو الذي يحدث دائماً، إذ مهما كان المعتقل مهيناً ومثبطاً وبائساً، فإنه أيضاً مدرسة للكبرياء والشموخ، ومعهد للصمود والجسارة..

لذا ليس بمستغرب ان تجد سجيناً قضى خلف القضبان عقداً ونصف من الزمن وهو في حالة صمود اسطورية.

ببساطة: السجن لم يزده رغم قساوة الظروف واستعار المعاناة، إلا عزيمة وصموداً..!

لو كانت النفس البشرية، بطبيعتها، ترضخ للظلم وتستسلم للطغيان، لما شهدت البشرية ثورة الأسطورة جيفارا، ولما تحول نيلسون مانديلا إلى زعيم أفريقي، ولما أضحى جمال عبدالناصر ملهماً للثورات في العالم العربي..!

يحاول السجان في أحايين كثيرة إقناع نفسه بأن الاستمرار في (قهر الأحرار) سيحولهم إلى أداة طيعة ويلحقهم بصفوف قطعان الأتباع، لذا نراه يسعى جاهداً لإذاقتهم كوؤس المرار لعله يرى جباههم في وضعية إنحناء..

مع مرور الأيام، وبعد أن يكون القهر قد استنفذ غالبية أدواته، يدرك السجان ألاّ مناص لاستعباد نفوس حرة أبية، حينها فقط يشعر السجان بالإنكسار وهو يرى سجينه شامخ الرأس، واثق الخطوة، ثابت الموقف، طافق العزيمة، رغم كل ما كابده من صنوف القهر والظلم والطغيان..

عندها فقط تتحقق المعجزة المستحيلة بإنتصار السجين على السجان..!

لاشيء يعادل إحساس السجين بهذه اللحظة، إنها لحظة الحرية الحقيقية، لحظة شعور السجان بالإنكسار وإحساسه بالتقزم والهزيمة..!