نحو يمن بلا جبال
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 6 أيام
الإثنين 11 أكتوبر-تشرين الأول 2010 07:24 م
هب أنك تريد أن ترى الجانب الآخر أو الانتقال إليه، ووقف دون رؤيتك له أو الانتقال إليه جبلا، أو سلسلة جبال، كيف تتصرف ؟ هل تفكر أن تنسف ذلك الجبل أو سلسلة الجبال لترى الجانب الآخر أو تنتقل إليه أم أن عليك أن تتقبل الوضع وتحاول أن تستفيد من وسائل العصر الحديثة لتحقق ذلك فإما تحاول الصعود من خلالها أو تبني نفقا ثم تمر لترى أو تنتقل إلى الشق الآخر.
 
إذا أنت أمام خيارين: إما أن تنسفها نسفا فتذرها قاعا صفصفا، لتتمكن من رؤية ما وراءها؛ إذ هي وقفت حاجزا وسدا منيعا من الرؤية، وهذا أمر من سابع المستحيلات التي لا تتحقق حتى في الأحلام؛ فلم نسمع يوما ما بأن هناك شخص قد رأى في المنام جبالا تنسف، لأن نسفها مؤذن بنهاية الكون وقيام الساعة. (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) (طـه:105).

(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (الأعراف:143).

إنه لشيء صعب إزالة الجبال ونسفها حتى نتمكن من رؤية ما وراءها، وحتى نستطيع أن نستفيد من وسائل النقل الحديثة كعمل سكة حديد للقطارات أو مطار للطائرات في منطقة مليئة بالجبال. ولما صب نسفها بل استحال إلا على الله عز وجل القوي العزيز؟

فما الحل إذا ؟ هل يمكن التعايش في اليمن مع الجبال والتأقلم معها، وفي نفس الوقت هل يمكننا رؤية الجانب الآخر مع استمرار بقائها ؟ وهل هي فعلا حاجزا إلى درجة أننا لا نستطيع أن نكيفها كما نشاء وتستعصي على التشكل والتغير بما ستناسب مع الوضع الجديد طبعا لا هي قابلة لك ذلك بل الأمر يحتاج إلى جهود جبارة؟

بمعنى أننا نستطيع أن نكيفها كما نشاء، ونستطيع أن نبي فيها المدرجات، نستطيع أن نشق فيها الإنفاق، ونستطيع أن نجري عليها الطرقات، نستطيع عمل أي شيء وكل شيء لكن من الصعب بل المستحيل نقلها أو نسفها وحتى التفكير في ذلك يعد شيء من الجنون، فلا يفكر احدنا يوما أن يغمض عيناه ويفتحهما ولو بعد قرن أو قرون؛ فيرى يمنا خالٍ من الجبال. بيد أننا نستطيع أن نشكلها مثلما نشاء ولن تمنع أو تمتنع من ذلك ولكن هذا يحتاج إلى قوة كبيرة، ولعل أكثر ما يحيجنا إلى تلك القوة هو محاولة شق بطن الجبل وقلبه لتشكيل قالبه وعمل النفق.

وحينها علينا أن نغلب لغة العقل والمنطق والواقع لا العواطف والأحلام فكل ذلك يقول أو يفكر أو يسعى أو يرفع شعار (نحو وطن بلا شيوخ) ويريد حقيقة ما يقول لا مجازه فمثله مثل من يقول [نحو يمن بلا جبال]، هذه بتلك والعقل والمنطق والواقع لا يقول إلا ذلك ولا يأبى إلا ذلك، وإذا ما صمم ذلكم أو تلكم على رأيهم فعليهم جميعا أن يزيلوا الجبال أولا ثم بعد ذلك يسعون إلى يمن بلا شيوخ.

والشيوخ –بعضهم- هم بمثابة الجبال وبعضهم مثل السهل هكذا اقتضت سنة الحياة، فهل هذا يعني إما ... أو لا كل شيء قابل للتشكيل حتى الحديد غير المطاوع الذي لا يقبل الانثناء يمكن تشكيله بوسائل أخر غي ثنيه، وبإمكاننا استثمار الجبال لكن لا يمكننا نسفها والشيخ مثله مثل الجبل عليك أن تدخل إلى قلبه بشتى الوسائل وشكله مثلما تشاء أما أنباء القبائل فمشكلتهم أسهل من أن تحل لو صدقت النوايا وصدقت الدولة ووفرت لهم حظوظ التعليم والتوعية والتثقيف ولو قامت بواجباتها نحوهم خير قيام.

واعلم أخي/أختي المثقف والمتعلم والمتحضر والمتنور لو أن ذلك القبيلي الفج الذي لا يفقه إلا لغة الرصاص لو حصل على فرصك نفسها من التعليم والتقيف والتوعية لتصرف مع الوضع كما تحب بل وأفضل لقول معلم البشرية (الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) فالمسألة مسألة توفر حظوظ التعليم والتوعية فأنا وأنت ومن في الأرض جميعا لو لم تتوفر لنا فرص التعليم لتفاهمنا باللغة نفسها لغة الرصاص لما لا نكون عاقلين ومنطقيين وتعامل مع الأمور بأكثر واقعية وأكثر عقلانية وأكثر حكمة.

فالناظر إلى الواقع في اليمن بعين العاقل البصير والمتدبر الحكيم وبعين المنطق والعقل لما تفوه يوما بمقولة : نحو يمن أو وطن بلا شيوخ إلا إذا قصد بها مجازا لا حقيقة، بمعنى أذا أراد وسعى نحو يمن بشيوخ واعية مستنيرة مثقفة مبصرة ؛ بمعنى أن نسعى إلى مشايخ وقبائل يمثلون جزءا من الحل بعد أن كانوا جزءا في المشكلة..

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.