هل نحن بحاجة الى ثورة أخلاقية ؟
بقلم/ رائد محمد سيف
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
السبت 31 مارس - آذار 2012 07:01 م

  ان التغير هو سنة الله في الكون . والأخلاق تتماشى مع النظام المتقن للكون ، فمهما كانت محاولات الساسة في ابعاد الأخلاق وتهميشها فلن تستقيم الأمور إلا بها ، فلا بد ان يسير المجتمع في الطريق الصحيح ،وإلا فإن الأمراض الاجتماعية والمشاكل والتدهور والانزواء والتأخر ستكون عوامل الدفع الى شق طريق النظام من جديد ،حيث انه لابد من النظام الاخلاقي الذي هو من اساس خلق هذا الكون .

فالناظر الى حال اليمن في مثل هذه الأيام يتسأل ، هل تحتاج اليمن إلي ثورة ثانية ؟ ثورة أخلاقية ! هذا هو السؤال الذي ربما يطرحه الكثير من اليمنيين اليوم ‏، ولا شك عندي أن الإجابة ربما الوحيدة علي هذا السؤال ‏،‏ هي أن اليمن تحتاج بالفعل إلي ثورة ثانية‏ ولكن تحديد طبيعة تلك الثورة سيحدث بشأنه الكثير من الخلاف‏ .

فالبعض يري ضرورة أن تكون هناك ثورة أخري علي غرار ثورة فبراير 2011 ،‏ لأسباب مختلفة لعل أهممها أن الثورة الثانية مطلوبة لاستكمال تحقيق أهداف الثورة الأولي‏ ،‏ خاصة ما يتصل منها بعملية القضاء علي النظام الذي حكم اليمن لمدة‏ اكثر من ثلاثين‏ عام ،‏ أو لإجبار ما تبقى من هذا النظام علي مغادرة السلطة ‏،‏ وفي مقابل ذلك آري وربما يشاركني البعض فيما أراه أن اليمن في حاجة إلي ثورة ثانية مختلفة تماما عن تلك التي كانت في يناير ‏.‏

 فاليمن في حاجة ماسة إلي ثورة أخلاقية ‏..‏ ثورة تطالب باستعادة روح اليمنيين‏ ،‏ وأخلاقهم‏ ،‏ وسماحتهم‏ ،‏ وتماسكهم الاجتماعي ‏..‏ ثورة تعيد إلي اليمنيين شعورهم بالدفء الإنساني ‏..‏ ثورة تعيد اليمنيين إلي تغليب قيم التآخي ‏،‏ والحب‏ ،‏ والثقة في كل الناس إلي أن يثبت العكس ‏،‏ وليس الشك والخوف من كل أحد ‏.‏

 أعلم يقينا أن الثورة التي أنادي بها لن تكون بسهولة الثورة الأولي ‏،‏ ولكني أجزم أن النجاح فيها يعني النجاح في التعامل مع كل ما تعانيه اليمن حاليا من مشكلات‏ ،‏ وفي مقدمتها الأمن‏ ،‏ والذي أصبح الغاية الكبري التي يسعى كل اليمنيين إلي تحقيقها الآن ‏.‏

 إن فقدان الأمن لا يرجع فقط إلي وجود الانفلات الأمني الملحوظ ‏،‏ بل يرجع إلي الانفلات السلوكي والأخلاقي في الشارع اليمني ‏،‏ علي نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ شعبنا‏ ،‏ وهو الانفلات السلوكي الذي حذرنا كثيرا من اتساع نطاقه مع مرور الوقت في ظل عدم وجود رؤية مجتمعية أو رسمية للتعامل معه ومع تداعياته السلبية الكبيرة ‏،‏ وكل الخوف من أن يتحول ذلك النمط إلي وضع طبيعي يعتاد عليه اليمنيون ‏،‏ ويصبح هو القاعدة وليس الاستثناء‏ ،‏ وفي تقديري فإن اليمنيين فقدوا الكثير أو هكذا يبدو من طابعهم الذي يميزهم علي مر التاريخ ‏،‏ وهو ما أتصور أنه الخطر الحقيقي الذي يهدد منجزات ثورة الشباب ‏.‏

 فهل ينجح اليمنيون في إعادة اكتشاف أنفسهم مرة أخري ‏،‏ و التحصن بأجمل ما فيهم من طباع ‏،‏ وسمات؟ وهل فقد اليمنيون أجمل وأرقى ما عرفوا به من أخلاق الحارة‏ ،‏ وشهامة القبيلة ؟ أم أن ما يحدث مجرد سحابة عابرة لاتزال ملئاه بالأمطار ‏،‏ ولكنها حتما ستنقشع ؟

 أدعو الله أن تكون مجرد سحابة ولا تغرقنا أمطارها أكثر من ذلك‏ ،‏ بل تكون مصدر الخير والنماء‏ ،‏ والاستقرار والأمن الذي نحلم به‏ .

إن على كل يمني حر يؤمن بالثورة ومشروعها، ويطمح نحو مستقبل أفضل، أن يشارك في الثورة الأخلاقية الروحية وأن يبدأ بنفسه {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فيجب أن تتغير الشخصية اليمنية في ظل الثورة، فقد ولى عصر الجبن والخوف، فالسعادة محرمة على الجبناء، والحياة كرامة لا يستحقها إلا الأحرار، وقد ولى زمن الأنانية والأثرة وحب الذات والفردية التي طغت حتى استفرد الطغاة بالأحرار واحدا واحدا، فكم ذهب بالسجون من أبرياء، وكم قتل من شهداء، وكم هجّر من أتقياء، في ظل سلبية المجتمع تجاههم، وهو ما جاءت الثورة الشبابية لتغييره، فالثورة أحيت قيم العمل المجتمعي الجماعي الذي افتقدته اليمن طوال العقود الثلاثين الأخيرة!

إن الثورة الشبابية في حاجة اليوم لـ (ميثاق أخلاقي) يلتزم به كل يمني حر خاصة الثوار والسياسيون والكتاب والمفكرون والمعلمون في خاصة أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم يقوم على :-

1- الصدق مع النفس ومع الله ومع المجتمع في القول والعمل، فلا كذب ولا نفاق .

2- العفاف وسمو النفس عن الدناءة والعفة عن أموال الأمة وعن حقوق الآخرين .

3- السماحة والتسامح والرحمة .

4- العفو والصفح بعد النصر والظفر .

5- الرحمة والإحسان لكل إنسان مهما كان دينه ومذهبه .

6- الوفاء بالعهد والعدل .

7- حفظ المعروف فإن الثورة شارك فيها الجميع ويجب أن يتفيأ ظلالها الجميع، وكل تهميش وإقصاء لمن شاركوا فيها مهما كانوا أقلية، هو جحود وكفر بالمعروف .

8- الحرص على قيم المواطنة وتعزيزها وتكافؤ الفرص للجميع بلا تمييز على أساس {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، فقد انتهت عهود الشلل والمحاباة التي أدت إلى سقوط الأنظمة العربية.

لقد قامت الثورة التي شارك فيها الجميع من أجل الإنسان اليمني ورفع الظلم عنه وتحريره من الخوف والذل والفقر، فالواجب الوفاء للأمة بذلك، وكل غدر يقع من أي طرف هو انتكاسة للثورة وسقوط أخلاقي!

إن الثورة الأخلاقية اليوم وإحياء القيم الروحية والإنسانية هو حجر الأساس في بناء المواطن اليمني في ظل الثورة ومشروعها الإصلاحي، وحين يتحقق ذلك سيعود لليمن شهودها الحضاري ،‏ وحتما سيتحقق ذلك بإذن الله ‏

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .

مشاهدة المزيد